حكايات من التراث الصيني: شاي بئر التنين

حكايات من التراث الصيني: شاي بئر التنين
        

رسوم: على فكري

          في قديم الزمان كانت هناك في أعالي الجبال قرية صغيرة تسمى «بئر التنين». وكانت بيوتها لا تتعدى العشرة، مبعثرة على سفوح الجبال المجاورة. كان الفلاحون في الجبال البعيدة يزرعون نبات الخيزران، أما في الجبال القريبة فكانوا يزرعون الحبوب، كانوا يعملون من الفجر إلى الشفق، وكانوا يشعرون بالجوع دائمًا. وعلى مشارف القرية كان هناك كوخ متهدم، سقفه من القش، وتعيش فيه أمرأة عجوز ليس لها أولاد أو زوج، لم تكن تستطيع الذهاب إلى أعلى الجبال لتحرث الأرض. كانت بالكاد تستطيع الاعتناء بعدة شجيرات شاي قديمة تنمو في فناء الكوخ، الشجيرات كانت تشيخ مع صاحبة الكوخ. وكانت العجوز تجمع من هذه الشجيرات عددًا قليلاً من أوراق الشاي الخضراء الداكنة الغليظة.

          احتملت العجوز كثيرًا من المحن في حياتها، ولكنها لم تفقد طيبتها بالرغم من كل المصائب، وكانت تحاول أن تزين حياة من حولها. يوميا كانت تأخذ بعض أوراق الشاي وتحضِّر منها الشاي الذي تضعه عند باب الكوخ حتى يستطيع الفلاحون بعد نزولهم من الجبل بعد العمل، تناوله لإطفاء العطش.

          ذات مرة، وفيما كانت القرية تستعد لاستقبال السنة الجديدة وتساقط الثلج بكثافة، نفدت مؤونة الأكل كلها لدى العجوز ماعدا بعض أوراق الشاي، ولكنها قررت ألا تغير من عادتها، نهضت في الصباح الباكر وقامت بتحضير الشاي ووضعته بالقرب من الموقد حتى يكتمل إعداده. وفجأة سمعت ضجة في الخارج، انفتح الباب وظهر على عتبة الباب رجل عجوز يغطيه الثلج.

          اقتربت المرأة العجوز منه سريعًا وقالت:

          - أيها المحترم، في الجبال ثلج، انتظر قليلًا في منزلي.

          نفض الشخص الغريب عن نفسه الثلج ودخل إلى الغرفة وتوقف نظره الفضولي على الموقد وقال:

          - سيدتي، ماذا لديك في الإناء؟

          أجابته العجوز:

          - أُحضِّرُ الشاي.

          استغرب الضيف: لم يبق إلا القليل من الوقت حتى بداية العام الجديد وغدًا سيحتفل الناس بالعيد وفي كل العوائل سيتم ذبح البقر والخرفان احتفالًا بقدوم العيد. وأنت سوف تعدين الشاي فقط!

          أخذت المرأة نفسًا عميقًا وقالت وهي حزينة: أنا فقيرة للغاية ولا أملك شيئًا لأذبحه ابتهاجًا بالعيد، ولكنني كل يوم أُحضر الشاي أقدمه لأهالي القرية.

          انفجر الرجل ضاحكًا وعلى نحو لم تتوقعه المرأة العجوز:

          - لماذا تشتكين من الفقر وهناك كنز مخبأ في فناء منزلك؟

          خرجت العجوز بعد أن سمعت كلمة الكنز لتبحث في فناء المنزل، لكن كل شيء في فناء المنزل كان كالمعتاد: بالقرب من السقيفة المغطاة بالقش كان هناك دكتان وهاون حجري متصدع وفي داخله قمامة متعفنة منذ العام الماضي. لا شيء جديداً في فناء المنزل. خرج الرجل العجوز إلى الفناء وأشار إلى الهاون:

          - ها هي ثروتك!

          - وهل من الممكن أن يكون الهاون ثروة؟ استغربت المرأة العجوز ، يبدو أن هذا الشخص الغريب يسخر منها.

          فكرت في ذلك وقالت له:

          - إذا كان الهاون يعجبك، فبإمكانك أن تأخذه!

          - كيف لي أن آخذ منك هذه الجوهرة من دون مقابل. بيعيني الهاون. وإذا وافقت على ذلك، فسوف أذهب لطلب المساعدة من بعض الناس ليساعدوني في حمل الهاون.

          ذهب الرجل العجوز وهو راض عن الصفقة، كانت المرأة العجوز تتأمل طويلًا الهاون، ولكنها لم تستطع الفهم، ما هو الشيء الذي أعجب الرجل العجوز في هذا الهاون. وقررت أنه من العيب بيع الهاون وهو متسخ. أخرجت من الهاون القمامة ودفنتها تحت شجيرات الشاي. ومن ثم قامت بغسل الهاون بالماء وبعد ذلك صبت الماء المتسخ تحت نفس الشجرات. رجع الرجل العجوز مع عدد من شباب القرية حينما انتهت المرأة العجوز من تنظيف الهاون.

          عندما رأى الرجل الهاون المغسول صرخ بأعلى صوته:

          - ما الذي فعلتيه؟ أين ذهبت الثروة؟

          لم تكن تتوقع المرأة العجوز أن يسبب عملها وجهدها هذا الغضب الشديد وقد بُهتت فعلًا:

          - إنني فقط غسلت الهاون!

          وبعد نفاد صبره خبط الرجل العجوز بقدمه خبطة قوية وقال:

          - أين ذَهَبتِ بما كان موجودًا داخل الهاون؟

          - ها هي ، لقد دفنتها تحت شجيرات الشاي.

          صاح الرجل العجوز بصوت عالٍ ومرتجف:

          -  لقد كانت هذه القمامة هي الثروة الحقيقية والآن انتقلت إلى شجيرات الشاي. ثم لوح بيده وطلب من الشباب العودة من حيث أتوا.

          انتهى عيد رأس السنة الجديدة، وسرعان ما حل فصل الربيع. وها هي كل شجيرات الشاي، الموجودة في فناء المنزل وبشكل غير متوقع تغطت بأوراق شاي كثيفة ذات لون زمردي. لكن عندما بدأت العجوز بجمع هذه الأوراق اندهش الناس.. حيث إن أوراق الشاي كانت وبشكل غير اعتيادي رقيقة وطرية وغضة وطيبة الرائحة. بدأ أهالي القرية يطلبون من العجوز فروخ نبات هذه الشجيرات ذات الأوراق العجيبة. ومنذ ذلك الوقت بدأ الناس في زراعة الشاي في الجبال بدلًا من نبات الخيزران. وبمرور السنوات فإن الشاي ذا النكهة والرائحة غير الاعتيادية والفريدة من نوعها، والذي يُحضّر من الأوراق التي تم جمعها في هذه الأماكن ، يُطلق عليه شاي «بئر التنين».

 



ترجمة: د. ناصر الكندري