هل تحفظونَ هذا السرَ؟.. قصة: أحمد أبوالفتح

هل تحفظونَ هذا السرَ؟.. قصة: أحمد أبوالفتح
        

رسم: أشرف الأسدي

          بالأمس صادفت ولدًا نحيفًا قصيرًا مثل عقلة الإصبع، لكنه غاية في الذكاء. كان جالسًا قربي على أريكة في حديقة عامة يتصفح مجلة، ثم التفت إليَّ سألني: يا عمي، أتعلم أن شهر رمضان يحب الأطفال والأولاد؟ ولم أفهم السؤال، فاستفسرت منه: كيف ذلك؟ بسط يديه قائلاً: شهر رمضان يحب الأولاد أتعلم ذلك؟

          كنت أعرف أن الأولاد الصغار يحبون هذا الشهر الكريم، لكن أن يحبهم هو؟ كيف؟! صراحة شعرت بالإحراج من أن ولدًا قُزعَة (قصيرًا جدًا) كهذا يعلم ما لا أعلمه أنا الرجل الكبير. فكان لابد أن أرد عليه بأي شيء، فاستفسرت ثانية: كيف ذلك؟ لكن الولد نظر إليَّ بحكمة ونهض، ثم تركني مبتعدًا يتجول بين الأشجار هناك.

          نهضت أنا الآخر وسرت خلفه وقلت له: احك لي.

          افترش الولد قطعة أرض مَعشُوشَبة تحت أشعة الشمس الرقيقة، فجلست بجواره، ومر بائع جيلاتي بالقرب منا، فوجدت الولد ينقل بصره بيني وبين البائع بصمت، فاشتريت له واحدة، أخذ يَلعَق منها وأنا أنتظر أن ينتهي من ذلك. وأخيرًا بدأ يتكلم فقال: أتعلم لِمَ يحبنا شهر رمضان.. نحن الأولاد الصغار؟ هززت رأسي: كلا. قال رافعًا حاجبيه كأن الأمر معروف: لأن شهر رمضان كان صغيرًا مثلنا! سألته: كيف هذا؟ أسند الولد ظهره إلى ساق شجرة خلفه وقال: اسمع يا عمي.. بداية ظهر شهر رمضان في العام الثاني من الهجرة النبوية. مضبوط؟ قلت: بلى. قال: وكان عدد المسلمين حينذاك يقدّر بعدة مئات هم الذين صاموا أول رمضان. وباعد الولد ما بين ذراعيه موضحًا: ثم كبر رمضان واشتد عوده، وأصبح تعداد مَن يصومون الآن نحو ملياري إنسان! أصبح رمضان كبيرًا، ومازال ينمو، وينشر ظلاله. وعندما يهل شهر رمضان فإنه يتذكر صباه، حين كان المسلمون قلة، ويشتاق إلى طفولته. ثم نظر إليَّ الولد قائلاً: أنت يا عمي رجل كبير.. ألا تحب الصغار؟ قلت: بلى أحبهم. قال: لأنهم يذكرونك بنفسك وأنت صغير.. أليس كذلك؟ قلت: بلى. قال: شهر رمضان أيضًا يحبّنا، ويعطف علينا، لأننا نذكره بصباه.

          ما الغريب في ذلك؟

          تفكّرت فيما قاله الولد، ووجدته معقولاً. ألا يقولون إن الأطفال أحباب الله؟ نعم كلامه معقول. في هذه اللحظة مر بالقرب منا بائع مشروبات مثلجة، فنقل الولد بصره ما بيني وبين البائع ثانية، فاشتريت له زجاجة، تجرّع منها قليلاً ثم سألني: أحقًا يا عمي لم تكن تعرف ذلك؟ قلت: أتريد الصدق؟ قال: بلى. أجبته: صدقًا لم أكن أعرف!

 



أحمد أبوالفتح