قراءة غير صامتة

قراءة غير صامتة
        

رسم: عفراء اليوسف

          كانتْ نهلة تشعر بالملل إذا قرأتْ، فسرعان ما تتثاءب، ثم تغمض عينيها، وتغفو بهدوء والكتاب بين يديها، لهذا بدأتْ أمها تبحث عن كتب مثيرة، لعلّها تحرِّض ابنتها على القراءة، وعدم الاستسلام للنوم، فاشترتْ لها مجموعة كبيرة من القصص المثيرة، مثل: مغامرات الفارس الشجاع الذي قتل التنين والذي أحرق الغابة، والأميرة التي هربتْ من الساحر الشرير بعدما نسي مفاتيح باب قصره على الطاولة، والأصدقاء الذين أنقذوا مملكة النحاس من عصابة الأشرار الذين يسرقون الجواهر، والأميرة التي تزوجتْ من الراعي الذكي الذي حلَّ لغز السلحفاة التي سبقت الأرنب.

          ولكن هذا كله لم يُجْدِ نفعًا، فلم تقدر حتى هذه المغامرات العجيبة على جعل نهلة تقرأ باهتمام، دون أن تبدأ بالتثاؤب، ثم بإغماض العينين، وأخيرًا الاستسلام للنوم بهدوء.

          روتِ الأم مشكلة نهلة لجارهم الحداد، فابتسم قائلًا بثقة: الأمر بسيط.. سأحل المشكلة غدًا.

          شكرته الأم على معروفه، وسألته إن كان يحتاج للمساعدة:

          اتسعتِ ابتسامة الحداد، وقال بثقة: غدًا.. اعطي نهلة بعض الكتب.. واطلبي منها أن تجلس في حديقة المنزل تحت شجرة التوت.. واتركي الباقي عليَّ.

          في اليوم التالي فعلتِ الأم ما طلب جارهم الحداد، وأخذتْ تراقب من نافذة المطبخ ابنتها الجالسة تحت الشجرة، والحداد الذي اختبأ خلف سور الحديقة.

          رأتِ الأم ابنتها تمسك بأحد الكتب، وقبل أن تفرغ من قراءة الصفحة الأولى بدأتْ بالتثاؤب، وما كادتْ تغمض عينيها حتى أخرج الحداد من خلف الشجرة طبقًا نحاسيًا كبيرًا، وقرع عليه بمطرقة حديدية، فأصدر دويًا قويًا أزعج نهلة وأخافها، ففتحتْ عينيها على اتساعهما، ليس لتكمل القراءة، بل لتركض فزعة، وهي تصرخ طالبة النجدة.

          أدركتْ الأم أن طريقة جارهم الحداد غير مناسبة، فعرضت مشكلتها على جارهم الأستاذ فهمان الذي يعمل بائعا للكتب منذ مدة طويلة، فقد رجحت أن يكون لديه حلول لجميع المشكلات.

          قال الأستاذ فهمان، وهو يضع نظارة كبيرة فوق أنفه: حلول المشكلات موجودة في الكتب.. وكي نحل مشكلاتنا علينا أن نقرأ بأنفسنا.. لهذا سأختار مجموعة من الكتب لتعطيها لابنتكِ.. وبعد أن تقرأها سوف أعطيها كتبا أخرى..و..إلخ.

          قاطعتِ الأم الأستاذ فهمان، لتقول بخيبة: لو كانتِ ابنتي تقرأ.. لم تكن لدي مشكلة!

          جلست الأم وحيدة، وهي تفكر في مشكلة ابنتها، وقد بدأ اليأس يتسلل إلى قلبها، عندما دخل الأب قائلًا: انظري ماذا أحضرت لابنتنا نهلة.

          نظرتِ الأم إلى ما بين يدي الأب، ثم قالتْ بحزن: لم يكن ثمة داع لشراء كتب جديدة.. ألا تعرف أن نهلة تنام قبل أن تكمل قراءة الصفحة الأولى من أيّ كتاب.

          قال الأب باسمًا: هذه كتب مختلفة تمامًا.

          نظرت الأم باهتمام إلى الكتب التي وجدتْ شكلها مختلفًا، فتساءلت: لماذا هي مختلفة؟

          أضاف الأب قائلًا: كل كتاب مزود بكمبيوتر يرسل أنغامًا موسيقية تناسب موضوعه.. وبذلك تنبه القارئ كي لا ينام.

          - رائع!

          هتفت الأم بسرور، وأسرعت إلى ابنتها، وهي تحتضن الكتب الجديدة.

          لم تعد نهلة تنام وهي تقرأ الكتب، ومع ذلك فالأمر ليس على ما يرام، فقد صارت هناك مشكلة أخرى، وهي أن والدي نهلة لا يستطيعان النوم إذا كانتْ ابنتهما تقرأ!

          السبب أن نهلة تقرأ كتبًا تتحدث عن الحيوانات المفترسة، وصراع العمالقة، والفرسان المبارزين، وهذه الكتب تصدر أصواتًا قوية في غاية الإزعاج.

          في الختام أقول لكم: بإمكانكم أن تقرأوا هذا الكتاب الذي بين أيديكم بهدوء، ودون إزعاج الآخرين، فهو من حسن الحظ لا يصدر عنه أي صوت.

 



سامر أنور الشمالي