مذكرات طفل صائم

مذكرات طفل صائم
        

رسوم: شكيب العلمي

          لن أفعل ما فعلته في شهر رمضان من العام الماضي، حيث كانت أيامه شديدة الحرارة، ورغم ذلك كنت مصممًا على صيام الشهر بكامله.

          وأتذكر أنني كنت عائدا من المدرسة وشعرت بعطش شديد، ونسيت أننا في شهر رمضان و«الدنيا صيام»، فأسرعت إلى الثلاجة وفتحت بابها، وعندما رفعت زجاجة الماء لأشرب، لمحتني والدتي، ونظرت إليَّ مندهشة، وسألتني: أنت مفطر اليوم يا سمير؟ فتذكرت أننا في شهر الصوم. ورددت عليها: نسيت أنني صائم.

          فقالت: إذا كنت عطشان بشدة، ولا تستطيع أن تصبر حتى انطلاق مدفع الإفطار، فلا بأس من أن تشرب، ولكن عليك أن تعوِّضَ هذا اليوم بعد رمضان، وسأسمح لك بالإفطار اليوم يا سمير لأنك صغير، ولاتزال تجربة الصيام جديدة عليك.

          في رمضان هذا العام كبرت سنة عن العام الماضي وأستطيع أن أتحمل العطش والجوع أكثر، ولن أفعل ما فعلته في العام الماضي.

          هذا العطش جعلني أسأل نفسي: لماذا سُمي شهر رمضان بهذا الاسم؟ يعني لماذا سُميّ رمضان.. رمضان؟ ومن سمَّاه؟ هذا السؤال جعلني أسأل أختي مريم عن معنى الاسم، فقالت إن رمضان اسم مشتق من الرَّمَض، والرمض هو شدة الحر، أو الحر الشديد. وكما ترى فإن الحر شديد جدًا هذا العام.

          لم تقنعني إجابة مريم، لأنني أعلم أن رمضان يجيء أيضًا في فصل الشتاء حيث تكون الحرارة غير مرتفعة، ويكون الجو باردا، وبالتالي لا يكون هناك هذا الرَّمَض الذي تتحدث عنه مريم، كما أن رمضان الذي يجيء عندنا هذا العام في فصل الصيف وفي عز الحر، قد يكون في بلاد أخرى في نفس الوقت غير حار.

          لم أقتنع، وقلت لها: إنني غير مقتنع. نظرت لي في تعجب وغضب وقالت: هل أنت يا سمير تعرف أكثر مني؟ أنت مازلت صغيرًا لا تعرف.

          أيضًا لم يعجبني ردها علي، فأنا كبرت سنة عن العام الماضي، وأستطيع أن أعرف مثلها، ولكنها مازالت تعاملني على أنني أخوها الصغير الذي لا يكبر.

          قلت لها: ولماذا نذهب بعيدًا، وتغضبين مني؟ هيا إلى الموسوعات والمعاجم ودوائر المعارف لنعرف معنى الاسم.

          وافقت مريم وقد أحسستُ أن نظرتها لي بدأت تتغير وتدرك أنني كبرت قليلاً عن العام الماضي.

          بعد البحث في شبكة الإنترنت، والدخول إلى أكثر من موقع، ومنها موقع «الورّاق» الذي وجدنا بداخله معجم «لسان العرب» الإلكتروني، قلنا: هذا هو المطلوب، وطلب منا «لسان العرب» كتابة جذر الكلمة المطلوب البحث عنها، فكتبت مريم «رمض»، وأخذنا نقرأ على الشاشة كل ما يتعلق بكلمة «رمضان»، وعرفنا سبب تسمية شهر رمضان بهذا الاسم عند العرب، حيث قال العالم اللغوي ابن دريد إن العرب لما نقلوا أَسماء الشهور عن اللغة القديمة سمّوها بالأَزمنة التي هي فيها فوافَقَ رمضانُ أَيامَ رَمَضِ الحرّ وشدّته فسمّي به.

          شعرت أنا ومريم بسعادة كبيرة لمعرفتنا بشيء جديد، وأننا اكتسبنا معلومة جديدة، وقلت لها: أنا كبرت سنة عن العام الماضي فلا تتعاملين معي على أنني الولد الصغير الذي كان في رمضان الماضي.

 



بقلم: أحمد فضل شبلول