فانوس رمضان من هنا بدأت حكاية «صيام، صيام، كما حكم حاكم الإسلام»

فانوس رمضان من هنا بدأت حكاية «صيام، صيام، كما حكم حاكم الإسلام»
        

          من أشهر معالم شهر رمضان ومظاهره المحببة إلى الصغار والكبار معًا هو فانوس رمضان، حيث كان يصنع من الفخار والمعدن والخزف، ثم الزجاج، وأخيرًا البلاستيك، كان للفانوس أشكال مختلفة وأنماط متعددة.

          حظي الفانوس باهتمام كبير في عهد الفاطميين، خاصة عندما قَدِمَ المعزُ لدين الله الفاطمي من المغرب إلى مصر في الخامس من شهر رمضان عام 358 هـ بعد دخول قائده جوهر الصقلي، الذي أمر أهالي القاهرة بالخروج لاستقبال المعز لدين الله الفاطمي الذي كان آتيًا ليلًا من الجيزة إلى قصر الحكم بالجمالية، ولم تكن الطرقات حينذاك مضاءة، فحمل الأهالي المشاعل والفوانيس ليتمكنوا من رؤية الموكب.

          ومنذ ذلك الوقت بدأت فكرة الفوانيس ترتبط برمضان، فعندما كان يخرج الخليفة بملابسه الفخمة من قصره لاستطلاع رؤية الهلال، كانت تحفه العربات المضاءة بالشموع، وحوله الوزراء بملابسهم المزركشة وخيولهم المطلية بالذهب والفضة والأعلام الحريرية الملونة.. فيسير الموكب بين القصرين إلى أن يدخل باب الفتوح ثم يدخل باب النصر عائدًا إلى باب الذهب، وفي أثناء الطريق توزّع الصدقات على الفقراء والمساكين.

          كان الناس قديمًا يحملون الفوانيس في أيديهم، وعند التأكد من رؤية الهلال يقومون بإضاءة الفوانيس طوال الليل فوق بيوتهم، ويدور منادٍ في البلاد معلنًا: «صيام، صيام، كما حكم حاكم الإسلام»، وكان الحاكم بأمر الله يعد في شهر رمضان 27 قنديلًا لجامع الأزهر، حيث كانت تتم إضاءتها في رمضان، ثم تعاد إلى مكانها بعد انتهاء الشهر الكريم.

قرار الحاكم

          زاد الاهتمام بصناعة الفوانيس بعد القرار الذي أصدره الحاكم «بأمر الله»، بألا تخرج النساء ليلًا إلا إذا تقدمهن صبي يحمل في يده فانوسًا، ليضيء الطريق لهن، وذلك لتنبيه الرجال بوجود سيدة في الطريق.

          صدر قانون في القرن الرابع عشر يُحتّم على كل ساكن أن يعلق فانوسًا مضاء على مدخل حارته وباب منزله من ساعة غروب الشمس إلى حين بزوغ الفجر، وذلك طوال شهر رمضان، كما استخدمه رجال الشرطة في جولاتهم الليلية لتأمين الشوارع.

          في هذه المرحلة ( القرن الرابع عشر الميلادي ) تفنن الصناع والمهرة في صناعة الفوانيس، فصنعوا فوانيس صغيرة للأطفال الذين كانوا يسهرون مع فوانيسهم حتى أوقات متأخرة، وكذلك صنعوا فوانيس كبيرة من النحاس للكبار، كان يستخدمها المسحراتية لإيقاظ الناس للسحور في ليالي رمضان، حتى أن أول فانوس كان اسمه المسحراتي، كان فانوس السحور يعلّق مضاء بالمآذن، إذا غاب نوره كان إيذانًا بوجوب الإمساك والكفّ عن تناول الطعام.

احتفالات رؤية الهلال

          استمرت الاحتفالات في مصر بليلة رؤية الهلال حتى عصر المماليك، الذي كان يشهد خروج قاضي القضاة ومحتسب القاهرة وتجارها ورؤساء الطوائف والشعب إلى منارة مندرة المنصور قلاوون بالنحاسين، لوقوعها أمام محكمة الصالحية، وهي مدرسة الصالح نجم الدين أيوب، فإذا تحققوا من رؤية هلال رمضان، أضيئت الفوانيس على الدكاكين، وخرج قاضي القضاة عز الدين المليجي الشافعي في موكبه حتى يصلوا موضعًا مرتفعًا خارج مدينة القاهرة بعد صلاة المغرب، وبين أيديهم الفوانيس والمشاعل والشموع، وهكذا يفعلون كل عام، ومع نهاية دولة المماليك والعثمانيين اندثرت تلك العادة التي ما لبثت وأن عادت بقوة في السنوات الأخيرة.

 



إعداد: غازي أنعيم   












فانوس السحور إذا غاب نوره كان هذا إيذانًا بوجوب الكف عن تناول الطعام