تَاجُ المَلِكِِِ وَالنَّحْلَةُ المَغْرُوْرَةُ

تَاجُ المَلِكِِِ وَالنَّحْلَةُ المَغْرُوْرَةُ
        

رسوم: اياد حمادة

          ازدَادَت شِدَّةُ الرِّيَاحِ, وَنَبتَةُ الصبَّارِ غَيرُ مُهتَمَّةٍ بِهَا, وَقَد تَطَايَرَت مِن حَولِِهَا أَورَاقُ الأَشجَارِ الجَافَّةُ, وَالقَشُ, والعِيدَان.

          لَكِنَّ نَحلَةً صَغِيرَةً, دَفَعَتهَا الرِّيَاحُ بِشِدَّةٍ, مِمَّا َأَتعَبَ جَنَاحَيهَا, فارتَمَت على الأرضِ, قَفَزَت بِسُرعَةٍ نَحوَ وَرَقَةِ لَيمُونٍ مُنحَنِيَةٍ جَافَّةٍ, دَخَلَت فِِي تَجوِيفِهَا إِلى أَن هَدَأَتِ الرِّيَاحُ.

          عِندَمَا خَرَجَتِ النَّحلَةُ, هَمَّت بِالطَّيَرَانِ بَعِيدَاً, اِستَوقَفَتهَا الصبَّارَةُ قَائِلَةً: إِلى أينَ؟

          رَدَتِ النحلَةًُ إِلى خَلِيَّتِي. لَكِن, قُولِي لِي مَا اسمُكِ أيتَّهَا النَّبتَةُ الغَرِيبَةُ؟

          «تَاجُ المَلِكِ», قَالَتِ النََّبتَةُ بِصَوتٍ خَافِتٍ.

          هَمهَمَتِ النَّحلَةُ: بِضِحكَةٍ, قَائِلَةً: اسمٌ جَمِيلٌ, لَكِنَّهُ لا يَلِيقُ, أَقصِدُ,  وصَمَتَت.

          شَعَرَتِ الصَّبَّارَةُ بِغَصَّةٍ, وَهِيَ تَقُولُ: تَقصِدِينَ, لا يَلِيقُ بِي, مَعَكِ حَقٌّ, فَكَيفَ يَكُونُ التَّاجُ مِنَ الأَشوَاكِ؟!

          خَجِلَتِ النَّحلَةُ مِن نَفسِهَا, اضطَرَبَت, وَهِيَ تَقُولُ: اعذُرِينِي, لَم أَقصِد هَذَا.

          رَدَّتِ الصَّبَّارَةُ: لا تَأسَفِي, هَذِهِ حَقِيقَةٌ, لا يُمكِنُ لأَحَدٍ أَن يُنكِرَهَا, انظُرِي إِليَّ, شَكلِي مُدَوَّرٌ, حَزَّزَهُ الخَالِقُ بِدِقَّةٍ وَعِنَايَةٍ, مَلأَهُ بِالأَشوَاكِ, أَنَا أُشبِهُ تَاجَ المَلِكِ حَقِيقَةً, لَكِن, وَا أَسَفَاهُ! لا يَقدِرُ أَيُّ مَلِكٍ فِي العَالَمِ عَلَى أَن يَضَعَهُ فَوقَ رَأسِهِ, بالرغمِِ مِن كُلِّ ذَلِكَ, أَرجُو مِنكِ أَن نَكُونَ صَدِيقَتَينِ.

          بَلَعَتِ النَّحلَةُ رِيقَهَا قَائِلَةً: آسِفَةٌ, حَدَّثَت نَفسَهَا: مَا الفَائدَةُ مِن مُصَادَقَتها, فَهي عَدِيمَةُ النَّفعِ, قَبِيحَةُ المَنظَرِ, مُخِيفَةٌ جِدَّاً.

          شَعَرَتِ الصَّبَّارَةُ بِمَا يَدُورُ فِي ذِهنِ النَّحلَةِ, فَقَرَّرَت أَمرَاً: سَتَجعَلُ النحلَةُ تَخضَعُ لِرَغبَتِهَا, لكُلِّ كَائِنٍ مُِفتَاحٌ سِحرِيُّ لِلدُّخُولِ إِلى أَعمَاقِِهِ, الذَّكِيُّ هُوَ مََن يَعرِفُ كَيفَ يَستَعمِلُ ذَلِكَ المِفتَاحَ لِيُحَقِّقَ رَغَبَاتِهِ.

          استَغرَبَتِ النَّحلَةُ صَمتَ الصَّبَّارَةِ, سَأَلَتهَا: بِمَ تُفَكِّرِينَ؟

          قَالَتِ الصَّبَّارَةُ: سَأَطلُبُ مِنكِ زِيَارَتِي مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَط, إِذَا سَمَحتِ.

          زَمَّتِ النَّحلَةُ فَمَهَا بِغَيظٍ, وَهِيَ تَقُولُ  لِنَفسِهَا: مَا أَصعَبَ صُحبَةَ الأَشوَاكِ! رَفَعَت رَأسَهَا قَائِلَةً: سَأُحَاوِلُ قَدرَ اِستِطَاعَتِي, ثُمَّ أَدَارَت رَأسَهَا إِلى الجِهَةِ الأُخرَى, وَقَالَت: لَن تَرَي وَجهِي بَعدَ الآنِ.

          لِلمَرَّةِ الثَّانِيَةِ, أَدرَكَتِ الصَّبَّارَةُ نَوَايَا النَّحلَةِ, فَقَالَت سَتَكُونُ لَكِ هَدِيَّةٌ مُمَيَّزةٌ فِي َصَباحِ يَومِ غَدٍ, لَكِ حُرِيَّةُ الحُضُورِ أَو الغِيَابِ.

          قَفَزَتِ النَّحلَةُ عِدَّةَ قَفَزَاتٍ, وَهِيَ تَصِيحُ : هَدِيَّةٌ؟!

          أَكَّدَتِ الصَّبَّارَةُ: نَعَم هَدِيَّةٌ. قَالَت فِي سِرِّهَا: سَتَرَينَ مَاذَا سَتَفعَلُ نَبتَةُ صبَّارٍ شَائِكَةٌ بِنَحلَةٍ مَغرُورَةٍ.

          طَارَتِ النَّحلَةُ بَعِيدَاً, وَهِيَ تَعِدُ الصبَّارَةَ بِالحُضُورِ صَبَاحَاً.

          صّلَّت نَبتَةُ تَاجِ المَلِكِ فِي قَلبِهَا, لِيُسَاعِدَهَا اللهُ فِي تَحقِيقِ رَغبَتِهَا, لأَنَّهَا مَلَّتِ الوَحدَةَ, وَكَرِهَتِ ابتِعَادَ الآخَرِينَ عَنهَا.

          في الصَّبَاحِ البَاكِرِ, اِتجَهَت النحلَةُ بِسُرعَةٍ إِلى الحَدِيقَةِ, عِندَمَا وَصَلَت مَلأَت أَنفَهَا رَائِحَةٌ مُنعِشَةٌ, وَقَفَت تُسَبِّحُ الخَالِقَ مُندَهِشَةً مِمَّا تَرَى.

          صَاحَت بِصَوتٍ عَالٍ: الصَّبَّارَةُ الشَّائِكَةُ فِي خَاصِرَتِهَا زَهرَةٌ رَائِعَةٌ, يَملأُ عِطرُهَا المَكَانَ. تُشبِهُ البُوقَ, وَهِيَ بِلَونِ البَنَفسَجِ. يَا لِعَظَمَةِ الخَالِقِ!

          اِبتَسَمَتِ الصَّبَّارَةُ بِفَرَحٍ, وَقَد أَدرَكَت مَا حَلَّ بِالنَّحلَةِ, سَأَلَتهَا: مَا بِكِ؟ لِمَ هَذَا الاِضطِرَابُ؟ قُولِي صَبَاحُ الخَيرِ عَلَى الأَقَلِّ.

          رَدَّتِ النَّحلَةُ بِسُرعَةٍ: صَبَاحُ الخَيرِ, صَبَاحُ النُّورِ, صَبَاحُ الصَّبَّارِ.. لَقَد أَذهَلَتنِي الزَّهرَةُ البَنَفسَجيَّةُ المُنبَثِقَةُ مِنكِ, فَقَد زَيَّنَت تَاجَكِ الرَّائِعَ, إِنَّهَا أَجمَلُ زَهرَةٍ رَأَيتُهَا فِي حَيَاتِي, بِصَرَاحَةٍ مَا تَوَقَّعتُ أَن تَكُونَ الهَدِيَّةُ بِمِثلِ هَذِهِ الرَّوعَةِ, شُكرَاً لَكِ.

          ابتَسَمَتِ الصَّبَّارَةُ, وَهِيَ تَقُولُ: لا يَغُرَّنَكِ المَظهَرُ الشَّائِكُ, فَفِِي قَلبِيَ الكَثِيرُ مِنَ الحُبِّ وَالخَيرِ وَالجَمَالِ..

          ضَغَطَتِ النَّحلَةُ جَبِينََهَا خَجَلاً, وَهِيَ تَتَذَكَّرُ نَوَايَاهَا نَحوَ الصَّبَّارَةِ. قَالََت بِتَوَدُّدٍ: أَرجُو المَعذِرَةَ, رُبَّمَا خِبرَتِيَ القَلِيلَةُ فِي الحَيَاةِ, جَعَلَتنِي أَحكُمُ عَلَيكِ حُكمَاً خَاطِئَاًَ.

          رَدَّتِ الصَّبَّارَةُ بِثِقَةٍ: لا تَهتَمِّي. هَيَّا تَفَضَّلِي, اُرشُفِي مَا شِئتِ مِن رَحِيقِ زَهرَتِيَ النَّدِيِّ.

          انغَمَسَتِ النَحلَةُ بسُرعَةٍ فِي قَلبِ الزَّهرَةِ, كَانَت تَنتَظِرُ الدَّعوَةَ عَلَى أَحَرَّ مِنَ الجَمرِ, بِينَمَا الصَّبَّارَةُ رَاحَت تُحَدِّثُ نَفسَهَا قَائِلَةً: يَا لِرَوعَةِ المِفتَاحِ السِّحرِيِّ, الَّذِي أَوصَلََنِي إِلى صَدَاقَةِ النَّحلَةِ!

          بَعدَمَا اِرتَوَتِ النَّحلَةُ, وَقَفَت عَلَى طَرَفِ الزَّهرَةِ, وَهِيَ تَتَأَرجَحُ بِسَعَادَةٍ قَائِلَةً: سَأَعتَرِفُ لَكِ أيَّتُهَا الصَّدِيقَةُ الطَّيِّبَةُ, أنَّني كُنتُ أَخَافُ مِنكِ, أَحذَرُ مِن صَدَاقَتِكِ, لَكنَّنِي الآنَ, عَرَفتُ أنَّنِي كُنتُ عَلَى خَطَأٍ, باِستِطَاعَةِ أَيِّ مَلِكٍ فِي العَالمَِ  أن يَضَعَ زَهرَتَكِ فَوقَ رَأسِهِ, وَأيِّ أَمِيرَةٍ أَن تُزَيِّنَ بِهَا صَدرَهَا, وَأَيِّ كَائِنٍ أَن يَقتَرِبَ مِنكِ لَيَشمَّهَا, وَيَلامِسَهَا بِحَنَانٍ, بِإِمكَانِ جَمِيعِ مَمَالِكِ النَّحلِ, أَن تَنحَنِيَ إِجلالاً وَاحتِرَامَاً لِنَبتَةِ تَاجِ المَلِكِ.

 



قصة: سريعة سليم حديد