العلاج بالموسيقى

العلاج بالموسيقى
        

          تعتبر الموسيقى إحدى وسائل التعبير عن مشاعر الإنسان، وشكلًا من أشكال التواصل بين البشر، توقظ فيه الشعور بالمعاني السامية، كالحق، والخير، والجمال ، كذلك استخدمت الموسيقى في علاج العديد من الأمراض، وأنشئت مستشفيات وجمعيات متخصصة لهذا الغرض، حيث بدأ استخدام الموسيقى كأسلوب علاجي في أمريكا عام 1896 م، وفي عام 1950، أسست أول جمعية وطنية للعلاج بالموسيقى.

هنا في بلادنا العربية

          أدخل العلاج بالموسيقى في الوطن العربي حديثًا في المعهد الوطني لحماية الطفولة بتونس. بعدما أدرك العلماء مدى تأثير الموسيقى في شفاء العديد من الأمراض النفسية، كما تساعد في علاج بعض الأمراض المتعلقة بالأطفال والمراهقين وكبار السن، وعلاج الربو والشرايين التاجية، وارتفاع ضغط الدم، والصداع النصفي، والقصور الحركي لدى المعاقين وعلاج الأرق والأطفال البكم.

العلاج بالموسيقى لدى أجدادنا الأوائل

          كانت بداية العلاج بالموسيقى عند العرب والمسلمين تعود إلى القرن الأول، (السابع للميلاد) حيث قاموا ببناء البيمارستانات (المستشفيات)، لعلاج المصابين بالمرض النفسي أو المصابين بخلل عقلي، وكان يستحضر لهم جوقات موسيقية غنائية للترفيه عنهم ولتخفيف آلامهم وتقصير فترة علاجهم.

          تفوّق المسلمون في هذا المجال على الغرب، لاسيما أن المرضى المصابين بأمراض عقلية في أوربا كانوا يقيدون بسلاسل الحديد، وكانوا يعالجون بالضرب عندما ترتفع أصواتهم بالصراخ.

          ومن البيمارستانات (المستشفيات) المشهورة بالعلاج بالموسيقى، بيمارستان «سيدي فرح» الواقع في مدينة فاس الذي بني حوالي  (685 هـ - 1286م) على يد السلطان المريني يوسف ابن يعقوب، الذي أوقف عليه أملاكًا كبيرة، مما مكَّن هذا البيمارستان من الوصول إلى أوج ازدهاره، خصوصًا في القرن الرابع عشر الميلادي، اعتبر هذا البيمارستان نموذجًا لبناء أول مستشفى للأمراض النفسية في العالم الغربي عام 1410 في إسبانيا.

          كما كان في القاهرة عدة بيمارستانات (مستشفيات) للعلاج بالموسيقى منها بيمارستان قلاوون، الذي صرف عليه سلاطين مصر أموالًا كثيرة، ويقال إن كل مريض في هذا البيمارستان كان يخصص له شخصان يقومان بخدمته، وكان المرضى المصابون بالأرق يعزلون في قاعة منفردة، لسماع ألحان الموسيقى الشجية أو يتسلون بالاستماع إلى القصص التي يلقيها عليهم القصّاص، وكانت تمثل أمامهم الروايات المضحكة. وكان المرضى الذين يستعيدون صحتهم يعزلون عن باقي المرضى.

          يعتقد الكندي أن الألحان يمكن أن تستخدم كمقويات للدم، وكمساعدات للتخلص من عسر الهضم.

          ويبين العالم والطبيب أبو بكر الرازي الذي اهتم بمرضى الكآبة ولاسيما الذين عانوا من الحزن، أن للموسيقى آثارًا سحرية تقي المرضى من تأجج أزماتهم النفسية.

          أما شيخ أطباء العرب والمسلمين ابن سينا فله في هذا قول مأثور: «إن أهم أنواع المعالجة المؤثرة، هي تعزيز الطاقة العقلية والروحية للمريض، ليقوى على مقاومة المرض بواسطة بيئة مليئة بالبهجة والسرور، وبطريق عزف أفضل أنواع الموسيقى، وإحاطته بمن يحب من الناس».

          أخيرًا، المدقق في العلوم الطبية يدهشه ما توصل إليه العرب والمسلمون من معرفة في فن العلاج بالموسيقى، كما أنهم لم يكتفوا بهذا، بل أنشأوا المصحات المتخصصة، التي يعود تاريخها إلى خمسة أو ستة قرون سبقت حملة نابليون على مصر عام 1798م.

          الطبيب البغدادي (ابن جزلة): «إن الموسيقى من الأدوات النافعة في حفظ الصحة»

          ذكر في كتاب «خطط الشام»: «إنه كان يخصص في مدينة حلب لكل مصاب باضطرابات عصبية خادمان يقومان على خدمته فينزعان عنه ثيابه كل صباح، ويحممانه بالماء البارد، ثم يلبسانه ثيابًا نظيفة، ويحملانه على أداء الصلاة، ويسمعانه قراءة القرآن يقرأه قارئ حسن الصوت ثم يفسحانه في الهواء الطلق، ويسمع في الآخر الأصوات الجميلة والنغمات الموسيقية الشجية».

 



بقلم: غازي أنعيم