وَقفُ الأحذِية

وَقفُ الأحذِية
        

رسم: عفراء اليوسف

          مرحباً أيها الأصدقاء.. لقد اقترب العيد وأتمنى لكل منكم عيداً سعيداً. عندما يقترب العيد أتذكر جدي عندما كان صغيراً، ليس صغيراً، جداً ولكن بمثل عمركم تقريباً. لقد كان فقيراً.. فقيراً جداً لدرجة أنه لم يكن لديه أي حذاء، وقد تسألون لماذا؟ لقد كان جدي يتيماً، وكان أقاربه كلهم من الفقراء أيضاً، لكن جدي كان ولداً ذكياً جداً ونشيطاً، ولا ييأس أبداً، فلكل مشكلة عنده حل. أتعرفون ماذا فعل؟! سأقول لكم. لقد دهن قدميه بدهان أسود حتى يظن الناس من بعيد أنه يلبس حذاء. عندما سمعت هذه القصة من جدي أول مرة ضحكت كثيراً، ولكنني حزنت أكثر عندما نظرت إلى كل الأحذية التي كنت أمتلكها والتي لم تكن تعجبني، كنت دائماً أريد واحداً جديداً. قلت لنفسي «لو كان عند جدي حذاء منها لكان في قمة السرور». تُرى كم طفلاً في يومنا هذا لا يجد حذاء يلبسه في العيد؟!

          قد تسألون أنفسكم لماذا سميت حكايتي هذه «وقف الأحذية»؟ حسنا سأجيبكم، لكن في البداية، هل تعرفون ما معنى «وقف»؟ لعلكم تعرفون، ولكن دعوني أشرحها لمن لا يعرفها، «الوقف» هو مال متجدد مثل إنتاج مزرعة أو أجرة عمارة، يخصصه غني ليُصرف على الفقراء والمحتاجين في مجال محدد مثل الدراسة.

          ماذا لو كان هناك وقف للأحذية، حيث يمكن لأي فقير أن يأتي إليه ويقول: «أنا محتاج لحذاء للعيد». فيقولون له: «تفضل خذ واحداً بكل سرور». عندها سيجد جميع الأطفال أحذية يلبسونها في العيد.

          نسيت أن أخبركم، لقد صار جدي رجلاً غنياً عندما كبر، ولكن لا، لم يفتح وقفاً للأحذية كما تتوقعون، بل على العكس، يبدو أنه لا يحب الأحذية، ولذا فإن أحذيته دائماً قديمة ومتسخة. على الأقل، لقد كان سبباً لمجيئي إلى هذه الدنيا، لأحكي لكم هذه الحكاية، وربما.. أقول ربما، بعد مائة سنة.. ليس مائة سنة بالضبط.. لكن بعد سنوات عديدة، عندما يكبر أحدكم يستطيع أن ينفِّذ هذه الفكرة، وعندها لن يضطر طفل مهما كان فقيراً، أن يدهن قدميه في العيد باللون الأسود، كما فعل جدي.

 



قصة: محمد مكرم