مبدعو الغد: حكايات «باحميدا» الغريبة

مبدعو الغد: حكايات «باحميدا» الغريبة
        

          مازلت أذكر ذلك الشخص الملقب بـ «باحميدا»، كان عدو الأطفال كلهم. كنت أسمع عنه الكثير من الحكايات الغريبة.

          «باحميدا» شخص مخيف حقا عيناه غارقتان في وجهه المستدير، وذقنه المشوه المكسو بزغب أبيض. كما أن أنفه كان مقطوعًا. وتقول الحكايات إنه كان يستخرج سم الأفاعي فلسعته واحدة في أنفه، فنصحوه بقطعه خوفًا من انتشار السم في الدم.

          ولا أنسى أذنيه المفلطحتين اللتين تشبهان في كبرهما أجهزة الرادار. فقد كانت فعلا أجهزة رادار. فـ «باحميدا» كان يتمتع بسمع قوي جدا. ففي يوم من الأيام كنت أسير رفقة صديق  في الشارع فإذا بنا نلمح «باحميدا» فانفجرنا ضاحكين على هيئته الغريبة. حينئذ كانت أجهزة الرادار تلتقط كل شيء عن بعد ثلاثين مترًا. فنظر إلينا نظرة غاضبة، الأمر الأكثر غرابة في مظهر «باحميدا» هو لباسه. إذ إنه لم يكن متناسقًا على الإطلاق.

          ولا أستطيع أن أنسى القبعة الحمراء التقليدية التي تخفي صلعته الملساء. أما ما كان يثير انتباهي فهي تلك السلسلة الذهبية التي يمسكها في يده.

          لكن في الأسابيع الأخيرة لم أعد أرى «باحميدا» فإذا بي أصدم بخبر موته. ذهبت إلى منزله لأستكشف لأمر فاندهشت وأنا أرى المنزل محاطًا بسيارات فارهة، أرى أشخاصًا أعمارهم مختلفة يبكون وكأنهم مهتمون بموته. سألت أحدهم. ومن المصادفات العجيبة كان هذا الشخص واحدا من أقاربه القاطنين بأوربا، فذهبت وهو يخبرني أن «باحميدا» كان «ضابطًا كبيرًا» في الجيش خدم البلاد في حروب عدة. أما أنفه المقطوع فسببه انفجار قنبلة في وجهه. ولياقته اكتسبها في عمله لسنين طويلة. أما عصبيته فسببها حياة العزلة التي اختارها قسرًا بعد وفاة زوجته. والسلسلة الذهبية التي لا تفارق يده هي ملك لزوجته التي أحبها، والتي لم يستطع أن يصدق أنها غادرته من دون رجعة.

          «باحميدا» كان حقًا شخصًا غريبًا. لكن يجب ألا نحكم على شخص ما انطلاقًا من هيئته ومن الأساطير التي تحاك حوله.

محمد أيمن كفايتي