خَرَجَتْ «زَيْنَبُ» إِلَى حَدِيْقَةِ مَنْزِلِهَا بِسُرْعَةٍ, فَقَدْ
شَاهَدَتْ شَيْئَاً مُضِيْئَاً يَحُطُّ فِيْهَا, وَقَفَتْ مَذْهُوْلَةً, صَاحَتْ
بِخَوْفٍ: بَقَرَةٌ مِنَ الفَضَاءِ؟! تَرَاجَعَتْ عِدَّةَ خَطَوَاتٍ إِلَى
الوَرَاءِ.
قَالَتِ البَقَرَةُ: لا تَخَافِيْ, جِئْتُ لأَزُوْرَكِ.
ولِمَ اخْتَرْتِنِي أنا بهذه الزيارة؟.. قَالَتْ «زَيْنَبُ».
رَدَّتِ البقرةُ, بَعْدَمَا أَصْدَرَتْ صَوْتَاً لا يُشْبِهُ
الخُوَارَ: فِي الحَقِيْقَةِ, كُنْتُ دَائِمَاً أَسْمَعُكِ تَقُوْلِينَ لأُمّكِ:
أَنَا لا أُحِّبُّ بَقَرَتَنَا, حَلِيْبُهَا لَيْسَ طَيِّبَاً, أُرِيْدُ بَقَرَةً
مِنَ الفَضَاءِ, لا تَتْرُكُ رَوْثَاً فِي الحظيرة، ولا تُصْدِرُ خُوَارَاً
مُزْعِجَاً, تَكُوْنُ نَظِيْفَةً جِدَّاً, فَجِئْتُ لأُحَقِّقَ حُلْمَكَ.
شُكْرَاً لَكِ, قَالَتْ «زَيْنَبُ», ثُمَّ رَكَضَتْ إِلَى الحظيرة
وَأَحْضَرَتْ كَمِّيَّةً مِنَ الحَشَائِشِ, وَضَعَتْهَا أَمَامَ البَقَرَةِ,
قَائِلَةً: تَفَضَّلِيْ.
رَجعَتِ البَقَرَةُ إِلَى الوَرَاءِ قَائِلَةً: مَا هَذَ؟
- حَشَائِشٌ غَضَّةٌ, أَلَيْسَ مِنْ وَاجِبِيْ أَنْ أَقُوْمَ
بِضِيَافَتِكِ؟ قَالَتْ «زَيْنَبُ» وَهِيَ تَبْتَسِمُ.
هَزَّتِ البَقَرَةُ رَأْسَهَا بِاسْتِغْرَابٍ, قَائلة: أَنَا لا آكُلُ
الحَشَائِشَ, أَنَسَيْتِ أَنَّنِيْ لًَسْتُ مِنْ سُكَّانِ الأَرْضِ؟
ـ هَذَا صَحِيْحٌ, لَكِنَّنِيْ لا أَعْرِفُ مَاذَا تَأكُلِينَ.
ـ نَحْنُ سُكَّانَ الفَضَاءِ لَنَا طَعَامٌ خَاصٌ بِنَا, لَكِنْ,
جَاءَ دَوْرِيْ, أَنَا سَأَقَدِّمُ لكِ بَعْضَ الحَلِيْبِ.
وَقَفَتْ «زَيِنَبُ» قُرْبَ البَقَرَةِ، قَائِلَةً: لا أَجِدُ
ضِرْعَاً لَكِ؟!
أَصْدَرَتِ البَقَرَةُ صَوْتَاً نَاعِمَاً, ثُمَّ قَالَتْ: اِضْغَطِيْ
على الزِّرَّ الَّذِيْ فَوقَ خَاصِرَتِيْ, فَسَوْفَ يَنْزِلُ الحَلِيْبُ مِنَ
العُلْبَةِ المُثَبَّتَةِ عَلِيْهَا, ويَوضعُ في صَحْنٍ صَغِيْرٍ, بِإِمْكَانِكِ
أَنْ تَلْعَقِيْ مِنْهُ ما تَشَائِينَ.
فَعَلَتْ «زَيْنَبُ» كَمَا أَشَارَتْ عَلَيْهَا البَقَرَةُ, فَنَزلَتْ
مَادَّةٌ خَضْرَاءُ على شَكْلِ «بودرة».
صَاحَتْ «زَيْنَبُ» مَا هَذَا؟ إِنَّهُ لَيْسَ بِحَلِيْبٍ, رُبَّمَا
هُوَ مَادَّةٌ تُسْتَخْدَمُ للتَّلْوِيْنِ.
ضَحِكَتِ البَقَرَةُ قَاِئلَةً: لا, هَكَذَا الحَلِيْبُ عِنْدَنَا,
تَذَوَّقِيهِ, إِنَّهُ لَذِيذٌ.
قَالَتْ «زَيْنَبُ», وَهِيَ تَتَرَاجَعُ خُطْوَةً, لا, لا, لا
أُرِيدُهُ, يَبْدُوْ غَرِيْبَاً جِدَّاً, إِنَّ حَلِيبَ بَقَرَتِنَا أَطْيَبُ
مِنْهُ, لَوْنُهُ أَبْيَضُ نَقِيٌّ كَالثَّلْجِ, رَائِحََتُهُ طَيِّبَةٌ, لأَنَّ
بَقَرَتَنَا البُنْيِّةَ تَأْكُلُ مِنْ حَشَائِشَ مَزْرَعَتِنَا الَّتِيْ
تَرْتَوِيْ مَنَ النَّهْرِ الصَّافِيْ, كَمَا أَنَّكِ نَسَيتِ, نَحْنُ لا نَأْكُلُ
مِمَّا يَأْكُلُهُ سُكَّانُ الفَضَاءِ؟
أَخَذَتْ «زَيْنَبُ» تَتَحَسَّسُ جَسَدَ البَقَرَةِ الفَضَائِيَّةِ،
قَائِلَةً: إِنَّ جَسَدَكِ بِلا شَعْرٍ, وعَيْنَاكِ عِبَارَةٌ عَنْ ضَوْءَيْنِ
أَخْضَرَينِ, لَيْسَتَا جَمِيْلَتَينِ كَعِيْنَيْ بَقَرَتِنَا, وَذَيْلُكِ قَصِيرٌ
جِدَّاً فِيهِ ضَوْءٌ أَحْمَرُ, لَيْسَ طَوِيلاً كَذَيْلِهَا, وَخُوَارُكِ يُشْبِهُ
مُوَاءَ القِطَّةِ, أيُّ بَقَرَةٍ أَنْتِ؟!
فَجْأَةً سَمِعَتْ «زَيْنَبُ» خُوَارَ بَقَرَتِهَا, فقَالَتْ: إِنَّهُ
وَقْتُ حَلْبِ البَقَرَةِ, أُرِيْدُ مُسَاعَدَِةَ أُمِّيْ, عَنْ إِذْنِكِ,
سَأَعُوْدُ بَعْدَ عِدَّةِ دَقَائِقَ, لا تَذْهَبِيْ, ثُمَّ دَخَلَتْ إِلَى الحظيرة
مُسْرِعَةً, بَعْدَ قَلِيْلٍ خَرَجَتْ, وَهِيَ تَجُرُّ بَقَرَتَهَا
البُنِّيَّة.
قَالَتْ «زَيْنَبُ»: يَا للأَسَفِ, لَقَدْ رَحَلَتِ البَقَرَةُ
الفَضَائِيَّةُ, كُنْتُ أَوَدُّ أَنْ أُعَرِّفَهَا عَلَى بَقَرَتِيْ الحَبِيْبَةِ,
أَحْبَبْتُ أَنْ أُحَمِّلَهَا رِسَالَةً إِلى البَقَرَاتِ الفَضَائِيَّةِ, أُرِيْدُ
أَنْ أَقُوْلَ لَهُنَّ: إِنَّ خُوَارَ بَقَرَتِيْ جَمِيْلٌ جِدَّاً, حَلِيْبُهَا
أَطْيَبُ حَلِيْبٍ, حَتَّى وَلَوْ تَرَكَتْ رَوْثَاً فِي الزَّرِيْبَةِ, إِنَّهَا
لَطِيْفَةٌ, نَظِيْفَةٌ, ظَرِيْفَةٌ, وأنَا أُحِبُّهَا كَثِيْرَاً.