بارعة والثعلب

رسوم: عبدالله الأمين

 

خالد، فلاح يمتلك قطعة أرض يزرعها هو وزوجته «بارعة» ولديه بعض الحيوانات التي تساعده في حياته البسيطة.

بارعة امرأة كثيرة الشكوى دائمة التذَّمر من كثرة العمل وقِلَّة تنوع الطعام.

في قِّن الدجاج يحاول الثعلب الجائع مرارًا الحصول على إحدى الدجاجات ولكن الديك له بالمرصاد، إذ يصرخ عاليًا عند مشاهدته للثعلب، فتخرج بارعة لتضربه وتصرخ، قائلةً:

 «اذهب من هُنا.. أنا التيّ أشقى طوال النهار لا أستطيع أن آكل دجاجة واحدة، وأنت تحاول سرقتها!».

يهرع خالد إلى زوجته ليضرب الثعلب معها، فيهرب الثعلبُ خائبًا مُحدِّثًا نفسه: «سأنتقم منك أيّها الديك الفصيح».

جال الثعلب في الصباح الباكر وعندَ مروره بحظيرة الحيوانات المجاورة لقِّن الدجاج استوقفه حديث الثور والحمار، فأدرك أنهما مُتألمان من مشقة العمل، وحضرت له الفكرة.

اختبأ الثعلب خلف شجرة كبيرة وعندما شاهد الحمار والثور قادمين أسرع وحدثهما قائلًا: «إني أشفق عليكما من التعب الذي تتعبانه عند هذيِّن الفلاحَيِّن وكذلك أشفق على الديك الذي يعيش مستمتعًا مع زوجاته طوال النهار، ولا يخطر بباله ما سمعته، فقد سمعت أن الرجُّل يريد أن يبيعكما ويذبح الديك المسكين».

رد عليه الحمار قائلًا: «ماذا تقول؟.... ولما يريد بيعنا؟!».

الثعلب: «لقد كبرتما في العُمر وأصبحتما عبئًا عليه.. لذا قرر أن يتخلص منكما، وكذلك من الديك الذي شاخ بدوره»

هتف الثور: «يا إلهي... إذا باعنا لرجُلٍ آخر رُبَّما تعذبنا عنده أكثر».

قال الحمار: «وما الحلُّ إذن؟».

الثور: «علينا أن نهرب».

الحمار: «حينها سنموت جوعًا».

الثعلب ضاحكًا: «ها ها ها.... ألاَّ تعلمان أن هُناك ربوة خضراء... إذا ذهبتما إليها فستنعمان بالعيش في هناء».

عزِما على الهرب ولكن الحمار أشفق على الديك، فأخبره بأن الفلاح يريد أن يذبحه، لذا بإمكانه الهرب معهُما.

وما إن أضاء الصباح بنورهِ حتى هرب الثلاثة ومضوا في طريقهم إلى الهضبة.

في الجوار كان هُناك رجلٌ يراقب الثور منذ فترة، وما إن رأه حتى اغتنم الفرصة وأخذه ليبيعه في السوق، أما «الديك والحمار» فقد استطاعا الهرب من اللص.

أثناء سيرهُما شاهدا مجموعة من الدجاج في مزرعة أحد الفلاحين، ففرح الديك فرحًا شديدًا وقال للحمار: «إذا ذهبت معك للربوة فلن أحصل على طعام.. أما هُنا، فسأحظى بطعامي المفضل».

ودَّعا بعضهما البعض وتمنى كلٌ منهما الحظ الطيب لصاحبه.

مضى الحمار في طريقه إلى أن وصل إلى الربوة، فتنفس الصُعدَّاء، لأنه أخيرًا بلغ أمله (المنشود) وحصل على حريته ونعم بالطعام الوفير وبالراحة من مشقة العمل.

بحث الفلاح طويلًا عن حيواناته دون جدوى، أما «بارعة» فكانت تذهب إلى الحقل كل يوم، فتحرث الأرض يدويًا وتحمل الحطب بنفسها، إلى أن تمكن منها التعب فعادت للشكوى.

انشغلت بارعة وزوجها خالد في الحقل، فانتهز الثعلب فرصة انشغالهما، فأكل الدجاجات الواحدة تلو الأُخرى.

ذهب خالد إلى السوق ليشتري ثورًا لكي يساعده في حرث الأرض، وهناك تعرَّف على ثوره المعروض للبيع، إذ كَانت له أذنٌ معقوفة تُميزه.

اقترب خالد من الثور ببطء شديد، فأمسك بيديه عيني الثور، وقال للرجُل بصوتٍ مسموع: «إذا كان هذا ثورك فقُل لي بأي عينٍ هو أعور؟»

فرد عليه الرجُل متلعثمًا: «بعينه اليُمنى»، فأبعد يده عن العين اليُمنى، فإذا هي سليمة، فاستطرد الرجُل: «اليُسرى»، فأبعد خالد يده عن العين اليُسرى، فكانت هي أيضًا سليمة.

شهد الرجال الذين سمعوا الحديث أن خالدًا هو صاحب الثور، وأن الرجُل الآخر كاذبٌ وعرفوا أنه اللص الذي يسرق أهل القرية فضربوه ضربًا مُبرِّحًا وطردوه من قريتهم.

أما الديك، فكان عندما يقترب من إحدى الدجاجات يهجم عليه الديك الآخر ليُدافع عن سلطته وسط عائلته، فيعلو صراخهما حتى ملَّت صاحبة المنزل وربطت الديك (الدخيل) وقررت أن تذهب لتبيعه في السوق.

سعدت «بارعة» بعودة الثور وذهبت إلى سوق القرية لتبيع محصول القمح، فصادفت الديك معروضًا للبيع، فتعَّرفت عليه، ثُم أخبرت المرأة بأنه ضاع منها منذ فترة ليست بعيدة، فصدقَّتها في الحال وتخلصت هي من الديك المُزعج.

عاش الحمار على الربوة في سعادة وهناء وكان يتساءل عن أحوال صديقيه (الثور والديك) فرآه الأرنب شارد الذهن، فسأله: «ماذا بك؟».

رد الحمار: «إنني أعيش هُنا معكم على الربوة ولا أعرف ما مصير صديقيِّ، كما أنني أشعر بأن هُناك ما ينقصني ولا أعرف ما هو؟».

تعجب الأرنب من حديث الحمار وقال له:

«وماذا ينقصك؟ وأنت تأكل وتمرح وتنام طوال اليوم؟».

فتذكر الحمار هاتفًا: «آها... لقد عرفتُ ما ينقصني... إنها رغبتي في النهيق التي أكبتها داخلي كُلما شعرتُ بالشبع أو السعادة!».

صرخ الأرنب قائلًا: «انتبه يا صديقي، عليك أن تسيطر على نفسك، فإذا نهقت سمعك الفلاح وجاء ليأخذك».

فرد الحمار: «سأنهق بصوت منخفض، وإلاَّ سأختنق».

وما إن فتح الحمار فمه حتى فقد السيطرة على نفسه تمامًا، فنهق طويلًا وسط دهشة الأرنب.

استمر الحمار في النهيق حتى شعر بالارتياح.

سمع خالد صوت نهيق الحمار، فتعقب مصدر الصوت وعرف أن الحمار على الربوة، فصعد إلى هُناك مُسرعًا وأمسك بالحمار وأخذ يجره جرًا حتى أنزله من على الربوة.

فرحت بارعة بعودة الحمار وطلبت من خالد أن يشتري لها بِضع دجاجات لتكتمل سعادتهما فكان لها ذلك.

بدأ الثعلب يظهر مجددًا، فصرخ الحيوانات جميعها، فأسرع خالد وزوجته وانهالا على الثعلب ضربًا بالعصا، ثُم استنجدا بأهل القرية فجاءوهما وأشبعوا الثعلب ضربًا حتى أدمعت عيناه، فهرب الثعلب ناجيًا بنفسه وعزم ألاَّ يعود إلى هذه القرية مرةً أُخرى.

تحمَّدت بارعة ربها على الخلاص من الثعلب وعودة ما تملكه من الحيوانات والدجاج وتعلمت من البلاء الذي مرَّ بها بأنَّ التذَّمُر يُذهبُ النِعم، فتقبلت حياتها كما هي وعاش الجميع في سعادة وهناء.