أطفالُ القدسِ وسرُّ اللوحاتِ المضيئة

كانَ أطفالُ القدسِ على موعدٍ مع الفَرح، حين راحوا يتجوّلونَ بأزقةِ القدسِ القديمةِ، يقفونَ على بابِ العامود، فيتجلى مشهدُ سورُ القدسِ، فيدخلونَ التّاريخ.

اللقاءُ اليومَ سيكونُ فنيًا، سيرْسمونَ، وسيرونَ أنفسهم والمدينةَ في لوحاتِ صديقهم الفنان طالب الدويك، والذي كان هنا طفلا مثلهم.

لم يكنْ يعلمْ ذلك الولدُ الصغيرُ أنه سيكونُ في يومٍ من الأيامِ رسامًا، كانت أصابعُهُ دومًا تخطُّ بالقلم على أوراقِ الدفاترِ، ليرسم البلدةَ القديمةَ، بيوتَها والقبابَ والمآذن.

حينَ تَسيرُ في أزقّةِ القدسِ العتيقةِ، تداعبُ نظركَ ألوانٌ كثيرةٌ، أصواتٌ، وروائحُ، وهي في مجملها خاصة جدًا.

 نَرى الفنان وهو ينظرُ إلى جدرانِ البلدةِ العتيقةِ، فنتذكّرُ لوحاتَهُ، فعلى هذا البابِ المقدسي خط الأهالي وأطفالهم كلماتٍ ورسوماتٍ الترحيب بالحجيجِ القادمين من مكة إلى بيتِ المقدس. وهو قام برسمِ البيوتِ وما رُسِمَ عليها.

هناكَ علاقةٌ بين طفولةِ الفنانِ والأطفالِ المتجولين هنا.. فلوحة فوانيس رمضان، مازالت تجدُ لها مكانًا هنا في هذهِ المدينةَ. وهي تمنحُ الشّعورَ بالأمل، من خلالِ النّورِ والإضاءةِ المنطلقةِ من الفوانيس.

أطفالها المنتظرون

اندهشَ الأطفالُ بسحرِ المدينةِ في لوحاتِ «الانتظار» حيث سيأتي السرورُ للمدينة يومًا، ويرحلُ الغزاةُ، فلا يجد الأطفالُ أنفسهم إلا سابحيَن في فضاءِ الرّوحِ تماما كحال الجسدين السابحين في فضاءِ المدينةِ بين قبتي المسجدِ الأقصى ومسجدِ قبة الصخرة، في حين يسبحُ القمرُ بدرًا في الأعلى في إشارة للسمو.

وهكذا اندفعوا يرسمونَ معا، في ساحاتِ البلدةِ القديمة، وفي ساحةِ المراكز الثقافية، بوجود الفنان الذي يشجعهم ويعلمهم. رسموا المسجدَ الأقصى وكنيسة القيامةِ، رسموا السّوقَ وجنود الاحتلال أعلى السورِ الذين يشوهونَ مشهدهَ.

رسموا جدار الفصل العنصريَ الذي يخنقُ المدينةَ، من خلالِ لوحةِ «أطفال يتسلقون الجدار» فظهرَ الأطفالُ وقد تسلقوا حافَّتهُ العلوية للإطْلالةِ على القدس.

رسموا شعورَ الانتظار، كما رسمهُ معلّمهم، إنّها حالةٌ تعيشُها القدسُ منذ عقودٍ، ومنذ 65 عاما هو عمر نَكْبةَ تقسيمها، و46 عاما هو عمر احتلالها واستلابِها بالكامل.

لكنّ أطفالَ القدسِ، الفنانون الصِّغار لا ينتظرونَ الخلاصَ دون فِعلٍ، بل يحاولون جهدهم في أن يكونوا فاعلينَ، ورافضينَ للاحتلالِ من خلالِ الفن.

يقول الفنان عن الأطفال: إنهم يبنون أشكالهم بطرقٍ ابتكاريةٍ لا تخْطرُ على بالك، لذلكَ تعلمتَ أنْ أرسمَ بشعورِ طفل.

كم كانِتْ سعادتهم كبيرة والفنانُ يرسِمُ معهم، في هذهِ النشاطاتِ الفنيةِ، لقد شاهدوا الأطفالَ والقدسَ في اللوحات، فرسموا أطفالَ القدسِ والأمل..

الأطفال يَرْسِمونَ، بفرشاتهم والأَلوان. والفنَان يَرْسِمَهم.. ما أجملهمْ في الفنِ والحياةِ والأملَ.

 

الأطفال المقدسيون ينتظرون، ويمارسونَ عشقَهم للمدينةِ، يمارسونَ سُخْرِيَتْهم ضِدَّ الاحتلالِ وجِدارِه، يبدعونِ في الوفاءِ وفي عيونِهم تساؤلاتٌ وإصرارٌ على متابعةِ الحياة، فهذا قوسُ قُزحٍ يزينُ سماءِ المدينةِ مبشرا بقوسِ النصرِ الآتي.

وهمْ هناكٌ يضيئونَ ليلَ القدسِ الطويلِ بفوانيسِهم البسيطةِ.