لغز القزم البني

من أغرب الأجسام الفضائية في الكون، ما يطلق عليه «القزم البني». وربما تتساءل: ما هو القزم البني؟ تسألني فأجيبك. حتى نتفهم ما المقصود بالقزم البني، علينا أن نفرق بين النجم والكوكب. يبدو النجم والكوكب متشابهين عندما تراهما بعينيك المجردتين في ليلة صافية، ولكنك إذا استخدمت تلسكوباً، فسوف تعرف أن الكوكب يضيء بسبب انعكاس الضوء من سطحه، أما النجم فإنه يضيء ذاتياً بتأثير التفاعلات النووية فيه. كما أن النجم أكبر حجماً للغاية من الكوكب. والقزم البني هو جسم فضائي حجمه يقع بين النجم الصغير والكوكب العملاق.        

والواقع أن معظم الفلكيين يصنفون أي جسم فضائي حجمه ما بين خمسة عشر وخمسة وسبعين كوكباً مثل المشتري، على أنه قزم بني.

المادة المظلمة.. ومصير الكون

إن القزم البني يكون خافت الضوء وأبرد، مقارنة بالنجوم، ولهذا فإن الفلكيين يستخدمون تلسكوب الإشعاع تحت الأحمر لرصد الأقزام البنية. لأن هذا النوع من التلسكوبات يعتمد على حرارة الجسم الفضائي وليس على الضوء المنبعث منه، وهكذا يمكن رصد الأقزام البنية حتى لو كانت محاطة بالغبار الكوني الكثيف.

ولكن ما هي أهمية رصد الأقزام البنية في الكون؟ المعروف أن الكون يتمدد منذ الانفجار الأعظم الذى حدث منذ نحو 13.7 مليار سنة (المليار يساوي ألف مليون) وإذا كانت هناك مادة كافية في الكون، فإنه قد يأتي الوقت الذي يتوقف فيه الكون عن التمدد ويأخذ في الانكماش مما يطلق عليه «الانسحاق الأعظم».

ولكن هذه المادة الكونية من الصعب رصدها لأن معظمها «مظلم»، ويرى بعض العلماء أن الأقزام البنية ربما تكون هي «المادة المظلمة» في الكون.

أما إذا لم تكن هناك مادة كافية في الكون، فإنه سوف يظل يتمدد إلى ما لا نهاية.

حرارة القزم البني  600 درجة مئوية

قد تم حتى الوقت الحاضر رصد مئات من الأقزام البنية، ومن أحدثها القزم البني الذي أطلق عليه «جلييس 229 ب» Gliese 229 b والذي رصده التلسكوبان الفضائيان «هابل» و«سبتزر»، وكذلك بعض التلسكوبات الأرضية العملاقة مثل «بالومار» الأمريكي. واتضح أن هذا القزم البني مكون من طبقات هائلة من المواد تدور معه، كما تهب عليه عواصف عاتية يصل حجمها إلى ما يقرب من حجم كوكب الأرض. ومن أغرب الظواهر فوق هذا القزم البني أن «غلافه الجوي» يتكون من سحب عبارة عن حبيبات ساخنة من الرمال وقطرات من الحديد السائل وبخار السليكون ومكونات أخرى لا مثيل لها في أي جسم فضائي آخر في الكون.

وتصل درجة حرارة هذا القزم البني إلى نحو ستمائة درجة مئوية، ويتكون من الهيدروجين والهليوم، وحجمه يزيد خمسين مرة على كوكب المشتري، الذي يبلغ قطره حوالي 143 ألف كيلومتر. ويقع القزم البنى «جلييس 229 ب» في كوكبه «الأرنب» Lepus على بعد نحو تسع عشرة سنة ضوئية من كوكب الأرض. والسنة الضوئية مقياس كوني، عبارة عن المسافة التي يقطعها الضوء في سنة كاملة، مع العلم بأن سرعته في الثانية الواحدة حوالي ثلاثمائة ألف كيلومتر. وتدور الأقزام البنية غالبا حول أحد النجوم، مما يطلق عليه «النظام الثنائي»، أي أن القزم البني والنجم المرافق، يدوران حول بعضهما البعض، كما تدور كواكب المجموعة الشمسية حول الشمس بتأثير جاذبيتها.