السَّباحُ والمَلاحُ: حكايات ونوادر عربية

ترسمها: رشا ربيع

 

في مكتبة أبي مجموعة هائلة من القصص، وأجملها الحكايات والنوادر العربية.

حينما أشعر بحاجتي للابتسام, أعود لقراءة هذه الحكايات التي يدور أغلبها حول عادات الطفيليين، وهم الذين يأتون إلى موائد الآخرين من دون دعوة، وسلوك الحمقى والمغفلين، وهم الذين يغيب عنهم العقل والحكمة، والبخلاء الذين يكرهون أن يعطوا الآخرين مما لديهم.

كما يعجبني في هذه القصص بعض الردود الذكية، خاصة إذا قالها من هم في مثل سنكم، وتدل على أنهم حكماء صغار.

لكنني أجد في هذه النوادر المكتوبة باللغة العربية منذ مئات السنين، بعض المفردات القديمة، لذلك أعدت كتابة هذه القصص بلغة تفهمونها، ثم كتبت في آخر القصص مصدرها الأصلي، فربما تعودون إليها حينما تكبرون، عندما تشعرون بحاجتكم إلى قراءة تلك الحكايات والنوادر العربية الطريفة.

 

اربح حمارًا

كان هناك رجلٌ يتاجرُ في الحمير، وقد خرج يومًا إلى السوق ومعه عشرة حمير يريد بيعها. بدأت الرحلة، فركب التاجر حمارًا وسحب الباقي وراءه. وبدأ يعدُّ الحمير فوجدها تسعة فقط! نزل من فوق ظهر حماره وهو منزعج، ثم عد الحمير مرة أخرى، فوجدها عشرة فاطمأن، لكنه حين ركب حماره مرة ثانية، وقام بعدِّ الحمير وجدها تسعة! تكررت العملية، فقرر ألا يركب ويسير بجوارها، فسأله شخص على الطريق:

ما هذا؟ معك عشرة حمير وتسير فلا تركب أحدها؟

فرد تاجر الحمير:

أنا أمشي وأربح حمارًا، وهذا أفضل من أن أركب وأخسر حمارًا!

(بتصرف عن كتاب أخبار الحمقى والمغفلين)

 

 

السحابة علامتي

مرَّت قافلةٌ من التُّجار برجلِ في الصحراءِ. كان الرجلُ شديدَ التعبِ، فقدَّم له قائدُ القافلةِ الماءَ، والطعامَ، ثم سأله:

لماذا جئتَ إلى هذه الصحراء وحيدًا؟ ماذا تريدُ من هذا المكان المقفر؟

رد التائه في الصحراء:

لقد دفنت صندوقًا يحتوي على ثروتي هنا، ثم جئت أستعيده، ولكنني لا أجده!

دُهش قائدُ القافلة وتلفَّت حوله في الصحراء الرملية، ثم سأل صاحب الصندوق المدفون: هل وضعتَ علامة تدلك على مكان كنزك المختفي؟

رد الرجل وهو ينظرُ إلى السماء:

نعم، لقد دفنتُه في مكان فوقَه سحابة، ولكنني أرى السماءَ صافية، وقد اختفى كلُّ السحاب!

(بتصرف عن كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب)

 

 

أمنية بخيل

قال شخص معروف أنه بخيل:

أتمنى أن يجتمع عشرة من الفقهاء، مع عشرة من الشعراء، مع عشرة من الخطباء، مع عشرة من الأدباء فيقولون إنني بخيل.

دهش أحد السامعين وسأله عن السبب، فرد البخيل:

حتى ينتشر كلامهم في كل مكان، فلا يأتيني أحد يسألني أن أعطيه شيئًا، وبذلك أرتاح للأبد!

(بتصرف عن كتاب العقد الفريد)

 

 

برج التيس

عرف الناس أن هناك شخصًا يعمل فلكيًا، يراقب السماء ويذكر لمن يزوره أحداثًا خافية، إذا عرف بيوم ميلاد الزائر، وموعد ظهور نجمه في السماء. وتوافد الكثيرون ليتأكدوا من صحة تلك القصة، لأن التنجيم خرافة لا يثق بها أحد.

في خيمة الفلكي دخل رجل فسأله المنجم عن برجه، أي موعد ميلاده بالنسبة للنجوم. فقال له الزائر:

أنا من برج التيس!

دهش الفلكي وقال للزائر:

لا يوجد من الأبراج والكواكب ما يسمى ببرج التيس!

فقال الزائر:

لقد قيل لي وأنا صبي صغير إنني من برج (الجدي)، لكن ذلك منذ زمن بعيد. لا شك أن الجدي قد كبر وأصبح تيسًا!

(بتصرف عن كتاب أخبار الحمقى والمغفلين)

 

 

الدقيق والخبز

تجمع ناس في السوق وعلا صوتهم فسألهم شخص قليل العقل:

عن أي شيء تتحدثون؟

ردَّ أحدُهم:

لقد ارتفع ثمن الدقيق، ونحن نريد أن نذهب إلى شيخ التجار كي يقنع تجار الدقيق بسعر أقل، فتعال معنا.

فقال الرجل قليل العقل من دون تفكير:

أنا لا أبالي بارتفاع ثمن الدقيق، إني أشتري الخبز من السوق.

(بتصرف عن كتاب جمع الجواهر في الملح والنوادر)

 

 

من حفر حفرة

مرَّ شخص أحمق بسيدة تبكي بجانب أحد القبور. توقف الرجل وقد آلمه بكاء المرأة وسألها:

لماذا تبكين؟ لمن هذا القبر؟

فردت السيدة والدموع تغطي وجهها:

إنه قبر زوجي، توفي رحمه الله بالأمس.

فسألها الأحمق:

وماذا كان يعمل زوجك؟

فردت المرأة:

كان يحفر القبور.

رد الأحمق بسرعة:

هذا جزاؤه. ألم يكن يعلم أن من حفر حفرة وقع فيها؟!

(بتصرف عن كتاب عيون الأخبار)

 

 

 هدية

جاء رجل لزيارة صديقه، فترك حماره عند باب الدار قبل دخوله، وحين خرج وجد فوق الحمار صبيًا يلهو ويشد أذني الحمار ويجري به، فسأل الرجل الصبي غاضبًا:

لم ركبت حماري من دون إذني؟

فرد الصبي وهو يشعر بالخوف:

خفت أن يذهب الحمار، فحافظت عليه لك حتى تأتي!

فقال الرجل:

إنه حمار مشاكسٌ، وذهابه أفضل بالنسبة لي من بقائه!

فقال الولد وهو يبتسم:

إذا كان هذا رأيك في الحمار، فاحسب أنه هرب، وأعطه هدية لي، واربح شكري!

(بتصرف عن كتاب الأذكياء)

 

 

 السباح والملاح

كان هناك رجل متخصص في اللغة العربية، عالم بقواعد النحو، وقد ركب سفينة، وأخذ يتباهى أمام الجميع بإتقانه لقواعد النحو. وعلى سطح السفينة التقى الرجل بالملاح، الذي يقود السفينة، وسأله:

هل تعلم قواعد النحو؟

فرد الملاح: لا!

قال النحوي: لقد ذهب نصف عمرك!

وحدث أن هاج البحر، وتقلبت السفينة وتأرجحت، واشتدت الريح، وكادت السفينة تغرق، فسأل الملاح المسافر النحوي: هل تعرف السباحة؟

أجاب النحوي: لا!

فرد الملاح وهو يقفز إلى الماء لينجو من السفينة الغارقة: إذن ضاع جميع عمرك!

(بتصرف عن كتاب زهر الربيع)

 

 

تعريف الظبي

سأل عالم نحو رجلاً يحب الطعام:

هل (الظبي) معرفة أم نكرة؟

فقال الرجل:

لو كان الظبي مشويًا على المائدة، فهو معرفة، وإذا كان تائهًا في الصحراء فهو نكرة.

فقال عالم النحو:

ما رأيت أحدًا أعلم منك بقواعد النحو!

(بتصرف عن كتاب جمع الجواهر في الملح والنوادر)

 

 

 حيلة القاضي

جاء رجلان أمام قاضي القضاة، يقول الأول إنه سلم للثاني مائة دينار، على أن يحفظها أمانة حتى يعود من السفر، ويقول الثاني إنه لم ير الرجل الأول.

سأل القاضي الرجل صاحب النقود:

هل أعطيتها له أمام أحد، وهل أخذت عليه إيصالاً؟

رد الرجل: لا.

سأل القاضي: أين أعطيتها له؟

رد الرجل: في مسجد المنصور.

قال القاضي: إذن اذهب إلى المسجد، وهات مصحفا تحلف عليه أنك صادق!

بعد خروج الرجل بنصف ساعة، سأل القاضي الشخص الآخر الذي ينكر أخذه للمال:

هل تعتقد أن الشخص الذي ذهب وصل إلى المسجد؟

فقال الرجل بسرعة ومن دون تفكير:

لا، فالمسجد أبعد من ساعة!

وهنا عرف القاضي أن هذا الشخص كاذب، وأنه ينكر حق صاحب المال، فألزمه برد الأمانة.

(بتصرف عن كتاب الأذكياء)

 

 

ناقة أم حديقة؟

اشترى رجلٌ ناقة ولكن ظهر بها عيب، وأراد إعادتها للتاجر، فرفض، وقال:

إنها ناقة جميلة الرائحة، لها ظهر مثل التفاحة، وساق مثل الغصن، وعين مثل البرقوقة، وذقن مثل الكمثرى، وذنب مثل الرمانة، وبطن مثل الموزة، ورقبة مثل...

فقاطعه الرجل الغاضب، قائلا:

ومن قال لك إنني أشتري حديقة؟ أنا أردت شراء ناقة!

 (بتصرف عن كتاب جمع الجواهر في الملح والنوادر)

 

 

معلم يستبق الأحداث

اشتكى تلميذ لأبيه بأن معلمه يضربه من دون ذنب. فذهب الأب إلى المعلم وسأله:

لم تضرب ابني وهو لم يذنب؟

فقال المعلم:

إنما أضربه قبل أن يذنب حتى يتذكر ألم الضرب فلا يذنب في المستقبل!

(بتصرف عن كتاب أخبار الحمقى والمغفلين)

 

 

ضد الزحام

طبخ أحد البخلاء طعامًا، وجلس يأكل مع زوجته. وأثناء الطعام قال:

ما أطيب هذا الطعام، لولا أنني أكره الزحام!

دهشت الزوجة وقالت الزوجة:

أي زحام؟ ليس هناك على المائدة إلا أنا وأنت فقط!

فقال البخيل:

كنت أحب أن أكون أنا والطعام فقط!

(بتصرف عن كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب)

 

 

 

طفيلي

مر رجل طفيلي بجماعة يأكلون، فقال لهم:

السلام عليكم أيها البخلاء!

فغضب أحدهم وقال له:

أتقول إننا بخلاء؟

فرد الطفيلي:

كذبوني فأعطوني رغيفًا، أو قدموا لي طبقًا!

(بتصرف عن كتاب زهر الربيع)

 

 

طفيلي آخر

سئل طفيلي:

ما هو حاصل ضرب اثنين في اثنين؟

فقال:

أربعة أرغفة!

(بتصرف عن كتاب جمع الجواهر في الملح والنوادر)

 

 


 

مكتبة الحكايات والنوادر العربية التي وردت في ذيل القصص

 

اسم الكتاب

اسم المؤلف

لقب المؤلف

أخبار الحمقى والمغفلين-أخبار الأذكياء

أبو الفرج عبد الرحمن بن علي-(ميلاده سنة 510هـ ووفاته سنة 1116م يوم 12 رمضان 592 هـ)

ابن الجوزي

العقد الفريد

أحمد بن محمد الأندلسي-(ولد سنة 520 هـ وتوفي سنة 1198 ميلادية)

ابن عبد ربه

زهر الربيع

نعمة الله-(ولد سنة1050هـ - وتوفي سنة 1112 هـ )

الجزائري

كتاب البخلاء

أبو عثمان عمرو بن بحر-(ولد سنة 159وتوفي سنة 255 هـ )

الجاحظ

جمع الجواهر في الملح والنوادر

أبو إسحاق إبراهيم بن علي الحصري-(ولد سنة 420 هجرية وتوفي سنة 453 هـ الموافقة سنة 1061 ميلادية)

القيرواني

نهاية الأرب في فنون الأدب

شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب-(ولد سنة 677 هجرية وتوفي سنة 733 هجرية الموافقة لسنة 1278 ميلادية)

النويري

عيون الأخبار

أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري-ولد سنة 213 هجرية، وتوفي سنة 276 هجرية(الموافقتين لسنتي 828 وسنة 889 الميلاديتين)

ابن قتيبة