الْعُصْفُورُ وَالْبَقَرَةُ وَالثَّعْلَبُ

خِطَابُ كَبِيرِ الْعَصَافِيرِ

فِي لَيْلَةٍ قَارِسَةٍ مُمْطِرَةٍ،

أَفَاقَ كَبِيرُ العَصَافِيرِ فَجْرًا، وَكَانَتْ كُلُّ الطُّيُورِ قَدْ آوَتْ إِلَى الشَّجَرَةِ العَجُوزِ.

كَانَتْ الطُّيُورُ قَدْ تَوَزَّعَتْ فِي أَعْشَاشِهَا عَلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ ذَاتِ الأَوْرَاقِ الكَثِيفَةِ وَالأََغْصَانِ المُتَشَابِكَةِ.

أَيْقَظَ كَبِيرُ العَصَافِيرِ كُلَّ الطُّيُورِ وَأَلْقَى فِيهِمْ هَذَا الْخِطَابَ القَصِيرَ:

 «هَذَا يَوْمٌ قَارِسٌ،

وَالسَّمَاءُ مُمْطِرَةٌ.

 عَلَى كُلِّ عُصْفُورٍ أَنْ يَلْزَمَ عُشَّهُ».

قَالَ الْعُصْفُورُ الكَبِيرُ كَلاَمَهُ هَذَا بِلُغَةٍ لاَ يَفْهَمُهَا غَيْرُ الطَّيْرِ.

 «زَقْزِقْ شُو».

وَفَهِمَتِ الطُّيُورُ:

 «هَذَا يَوْمٌ قَارِسٌ».

وَحِينَ قَالَ:

 «قَزْقِزْ شَوْ شوْ شِنْ».

فَهِمَتِ الطُّيُورُ

 «السَّمَاءُ مُمْطِرَةٌ».

وَحِينَ أَضَافَ:

 «وِيتْ وِيتْ وِيتْ صُوزَاتْ وَاتْ يَاشْ وَاسْ».

فَهِمَتِ الطُّيُورُ:

 «حَذَارِ، حَذَارِ، حَذَارِ، فَالْبَرْدُ يَقْتُلُ العَصَافِيرَ».

 ختم كَبِيرُ الْعَصَافِيرِ خُطْبَتَهُ بِهَذِهِ النَّصَائِحِ:

 «احْتَمِلُوا الْجُوعَ.

 تَغَطَّوْا بِأَوْرَاقِ الشَّجَرِ الْيَابِسِ.

 احْرُسُوا بَيْضَاتِكُمْ

 اجْتَمِعُوا وَلاَ تَتَفَرَّقُوا.

 وَلاَ تُكْثِرُوا مِنَ الحَرَكَةِ إِذَا كَانَ الطَّقْسُ بَارِدًا.

 وَلاَ تَنْسُوا أَنَّ الصَيَّادَ بِالْمِرْصَادِ».

 لَقَدْ عَاشَ كَبِيرُ الْعَصَافِيرِ طَوِيلاً لأَنَّهُ رَاوَغَ جَمِيعَ الصَيَّادِينَ وَعَرِفَ أَخْبَارَ كُلَّ الْعَصَافِيرِ الَّتِي قَتَلَهَا الْبَرْدُ الشَّدِيدُ أَوِ الْجُوعُ الْمُبيِدُ أَوِ الصَيَّادُ الْعَنِيدُ.

 

عِنَادُ الْعُصْفُورِ الصَّغِيرِ

 

اسْتَمَعَتِ الطُّيُورُ إِلَى خِطَابِ كَبِيرِ الْعَصَافِيرِ.

وَفَهِمَتْ نَصَائِحَهُ.

مَرَّ وَقْتٌ غَيْرُ قَصِيرٍ قَضَّتْهُ الطُّيُورُ فِي أَعْشَاشِهَا لاَ تَتَحَرَّكُ.

تَقْتَاتُ مَا اسْتَطَاعَتْ ادِّخَارَهُ أَيَّامَ الصَّحْوِ.

جَثَمَتِ الْعَصَافِيرُ فِي أَعْشَاشِهَا.

وَلَمْ تَخْرُجْ إِلَى جَوْلَتِهَا السَّمَاوِيَّةِ اليَوْمِيَّةِ.

لَمْ تُفَكِّرِ اْلعَصَافِيرُ فِي البَحْثِ عَنِ الطَّعَامِ فَقَدْ هَبَطَتِ الْحَرَارَةُ إِلَى دَرَجَةٍ مُنْخَفِضَةٍ، يَنْظُرُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ بِعُيُونٍ زَائِغَةٍ، وَمَنَاقِيرَ مُشْتَاقَةٍ إِلَى النَّبْشِ وَالنَّقْرِ،

وَأَجْنِحَةٍ تَتَطَلَّعُ إِلَى التَّحْلِيقِ وِالانْطِلاَقِ.

لَمْ يَكُنْ يُسْمَعُ خَارِجَ الأَعْشَاشِ غَيْرُ نَقَرَاتِ الْمَطَرِ.

إِلَى أَنْ حَدَثَتِ المُفَاجَأَةُ.

قَامَ فَرْخٌ صَغِيرٌ وَقَالَ لأُمِّهِ:

- هَلْ عَمُّنَا الطَّائِرُ الْكَبِيرُ عَلَى حَقٍّ حِينَ نَصَحَنَا بِعَدَمِ الْحَرَكَةِ؟

أَجَابَتْهُ أُمُّهُ:

- نَعَمْ يَا بُنَيَّ.. إِنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الطُّيُورِ مَاتَتْ فِي الْبَرْدِ وَالْعَرَاءِ، أَوْ وَقَعَتْ فِي فَخِّ صَيَّادٍ وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُ نَصَحَنَا بِالسُّكُوتِ وَمُلاَزَمَةِ البُيُوتِ.

- لاَ شَكَّ أَنَّهُ عَجُوزٌ خَوَّافٌ.

- الْخَوَّافُونَ يُعَمِّرُونَ طَوِيلاً.

- حَتَّى الشُّجْعَانُ يِعِيشُونَ طَوِيلاً.

- وَلَكِنَّهُمْ قَدْ يَمُوتُونَ نَتِيجَةَ مُغَامَرَةٍ حَمْقَاءَ.

قَالَ الْفَرْخُ لأُمِّهِ:

- لَنْ آخُذَ نَصِيحَةً مِنْ عُصْفُورٍ خَوَّافٍ.

- وَمَاذَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ يَا بُنَيَّ فِي هَذَا الطَّقْسِ الَّذِي جَمَّدَ كُلَّ شَيْءٍ؟

- أَنَا قَادِرٌ عَلَى الطَّيَرَانِ.

- لاَ تُغَامِرْ يَا حَبِيبِي.

- إِنِّي أَقُومُ بِتمَارِينَ يَوْمِيَّةٍ مُنْذُ أُسْبُوعٍ وَعَلَيَّ أَنْ أُوَاصِلَ هَذِهِ الرِّيَاضَةَ وَإِلاَّ تَجَمَّدْتُ مِنْ قِلَّةِ الحَرَكَةِ، وَفَقَدْتُ لِيَاقَتِي الْبَدَنِيَّةَ.

- لاَ تُوَاصِلْ تَدْرِيبَكَ فِي هَذَا اليَوْمِ الَّذِي يُجَمِّدُ الدِّمَاءَ فِي العُرُوقِ.

انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ الأَخْضَرِ! مَا لَوْنُهُ؟

- هَلْ تَطْرَحِينَ سُؤَالاً أَمْ تَطْرَحِينَ جَوَابًا يَا مَامَا؟

هَلْ نَقُولُ مَا لَوْنُ الْجَبَلِ الأَخْضَرِ؟

أَشَارَتْ أُمُّ الْعُصْفُورِ إِلَى الْجَبَلِ الأَخْضَرِ وَقَدْ غَطَّاهُ الثَّلْجُ:

- أَلَمْ تَرَ كَيْفَ غَطَّتِ الثُّلُوجُ خُضْرَةَ الْجَبَلِ؟... لَقَدْ صَارَ الْجَبَلُ الأَخْضَرُ أَبْيَضَ.

تَعَالَ يَا ابْنِي سَوْفَ أُرِيكَ مَاذَا حَدَثَ لأَعْشَاشِ بَعْضِ جِيرَانِنَا مِنَ الْعَصَافِيرِ...

هَذَا بَيْضٌ مَكْسُورٌ

وَهَذَا عُشٌّ أَسْقَطَتْهُ الرِّيحُ.

وَتِلْكَ فِرَاخٌ لََمْ تَرَ نُورَ السَّمَاءِ وَهَاهِيَ مُلْقَاةٌ عَلَى الأَرْضِ.. لاَ حَرَاكَ بِهَا.. أَرَأَيْتَ عُيُونَ عَصَافِيرَ مَيِّتَةٍ؟

انْظُرْ إِلَى هَذَا النَّهْرِ. لَقَدْ كَانَ يَجْرِي وَيَحْمِلُ الْحَصَى وَالحِجَارَةَ وَالأَغْصَانَ وَأَعْوَادَ الأَعْشَاشِ الصَّغِيرَةِ. أَيْنَ صَوْتُ الْخَرِيرِ الَّذِي كُنَّا نَسْمَعُهُ مِنَ النَّهْرِ؟

إِنَّهُ الآنَ لاَ يَجْرِي، لَقَدْ تَجَمَّدَ مَاؤُهُ وَمَاتَتْ مِنَ الْبَرْدِ حِيتَانُهُ.

اسْتَمِعْ إِلَى تَصْفِيرِ الرِّيحِ.

حَذَارِ يَا بُنَيَّ، فَالطَّقْسُ غَيْرُ صَالِحٍ لِتَعَلُّمِ الطَّيَرَانِ.

عِنْدَمَا كَانَتْ الْعُصْفُورَةُ تُحَذِّرُ ابْنَهَا مِنْ رَدَاءَةِ الطَّقْسِ، صَفَّرَتِ الرِّيحُ بَيْنَ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ.

عَاقِبَةُ الْعِنَادِ

 

شَعُرَ الْفَرْخُ بِأَنَّ أُمَّهُ تُرِيدُ أَنْ تُثْنِيهِ عَنَ عَزْمِهِ، وَفَكَّرَ فِي أَنَّ هَذِهِ الرِّيحَ سَوْفَ تُسَاعِدُهُ عَلَى الطَّيَرَانِ لِيَبْلُغَ أَعْلَى مَسَافَةٍ فِي الجَوِّ...

حَرَّكَ جَنَاحَيْهِ بِحَمَاسٍ، حَتَّى خَفَّ وَزْنُهُ.

طَارَ الْفَرْخُ مَعَ الرِّيحِ...

صَارَ يَرْتَفِعُ فِي الْجَوِّ مُتَمَاوِجًا مَعَ اتِّجَاهِ الرِّيحِ...

وَجَنَاحَاهُ فِي مَهَبِّ الْبَرْدِ...

وَسَرَى الْبَرْدُ فِي مَفَاصِلِ العُصْفُورِ الصَّغِيرِ حَتَّى...

دَاخَ الْعُصْفُورُ فَفَقَدَ تَوَازُنَهُ فسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ.

كَانَ مِنْ حُسْنِ حَظِّ الْعُصْفُورِ أَنَّهُ سَقَطَ عَلَى حَافَةِ غَدِيرٍ...

 وَظَلَّ قَلْبُهُ الصَّغِيرُ لاَ يَكُفُّ عَنِ الْخَفَقَانِ...

كَانَ قَلْبُهُ يَنْبُضُ بِبُطْءٍ.

ارْتَشَفَ مَاءً بَارِدًا...

بَسَطَ جَنَاحَيْهِ، وَرَفَعَ رَأْسَهُ الصَّغِيرَ، وَحَاوَلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ.

كَانَ مُجْهَدًا مُتْعَبًا منهك الْقُوَى...

يَتَنَفَّسُ بِرِئَتَيْهِ الصَّغِيرَتَيْنِ وَقَدْ بَدَأَتْ دَقَّاتُ َقَلْبِهِ الصَّغِيرِ تَنْخَفِضُ.

 

الْعُصْفُورُ الصَّغِيرُ خَافَ مِنَ الْبَقَرَةِ

 

كَفَّتْ الأَمْطَارُ عَنِ الْهُطُولِ..... أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ عَلَى الْحُقُولِ.

تَنَفَّسَتِ الأَرْضُ وَهِيَ تَتَشَرَّبُ مَاءَ الْمَطَرِ.

 وَتَحَرَّكَتِ الْكَائِنَاتُ وَالْحَيَوَانَاتُ وَالأَشْيَاءُ

تَفَتَّقَتْ أَكْمَامُ الوَرْدَاتِ الصَّغِيرَةِ وَفَاحَتْ رَوَائِحُهَا.

غَادَرَ النَّحْلُ قَفِيرَهُ صَوْبَ الْوُرُودِ يَمْتَصُّ رحِيقَهَا.

تَفَقَّدَ الفَلاَّحُ غَرْسَهُ وَمَوَاشِيَهُ.

خَرَجَتْ بَقَرَةٌ عَمْيَاءُ إِلَى مَرْعَاهَا...

مَرَّتْ قُرْبَ الْغَدِيرِ...

كَانَ الْعُصْفُورُ الصَّغِيرُ يَتَنَفَّسُ بِصُعُوبَةٍ

قَالَ يُحَادِثُ نَفْسَهُ:

 أَيْنَ أَنْتِ يَا مَامَا

 إِنِّي نَادِمٌ يَا مَامَا لأَنِّي لَمْ أَسْمَعْ نَصِيحَتَكِ...

 إِنِّي لَمْ أَتَعَلَّمْ الطَّيَرَانَ بَعْدُ...

 لَقَدْ كُنْتُ عَنِيدًا يَا مَامَا.. سَامِحِينِي.

 لَيْتَنِي سَمِعْتُ نَصَائِحَ كَبِيرِ العَصَافِيرِ.

بَدَأَتْ دَقَّاتُ قَلْبِ الْعُصْفُورِ الصَّغِيرِ تَرْتَفِعُ.

زَادَ ارْتِفَاعُهَا حِينَ رَأَى عَنْ بُعْدٍ بَقَرَةً عَظِيمَةَ الْجُثَّةِ.

فَخَافَ...

ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ عِنْدَمَا رَأَى الْبَقَرَةَ تَمْشِي نَحْوَهُ...

هِيَ لاَ تَرَاهُ وَلَكِنَّهَا بَدَأَتْ تَقْتَرِبُ مِنْهُ...

كَانَتْ أَظْلاَفُ الْبَقَرَةِ كَبِيرَةً.

وَخَشِيَ الْعُصْفُورُ أَنْ تَخْتَنِقَ أَنْفَاسُهُ تَحْتَ وَطْأَةِ أَظْلاَفِهَا... فَيَمُوتَ...

ارْتَعَبَ الْعُصْفُورُ وَارْتَعَشَتْ مَفَاصِلُهُ وَصَارَ يَبْتَهِلُ...

 يَا مَامَا.. يَا مَامَا...

 لِيَكُنْ قَلْبُكِ رَحِيمًا بِي، وَلْتَكُُنِ السَّمَاءُ كَرِيمَةً مَعِي.. حَتَّى أَنْجُوَ مِنْ أَظْلاَفِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ الْعَمْيَاءِ..

زَادَتْ دَقَّاتُ قَلْبِ الْعُصْفُورِ خَفَقَانًا.

مَرَّتِ الْبَقَرَةُ... قُرْبَ الْعُصْفُورِ الَّذِي لَمْ يَسْتَطِعْ الحَرَكَةَ.

وَعَلَى بُعْدِ شِبْرٍ مِنَ الْعُصْفُورِ.

قَرَّرَتِ الْبَقَرَةُ العَمْيَاءُ أَنْ تَسْتَرِيحَ.

بَرَكَتِ الْبَقَرَةُ...

رَاحَتْ تَجْتَرُّ طَعَامَهَا.

وَسَقَطَ مِنْ مُؤَخِّرَتِهَا شَيْءٌ دَافِئٌ.

الشَّيْءُ الدَّافِئُ الَّذِي سَقَطَ فَجْأَةً مِنَ الْبَقَرَةِ... وَقَعَ عَلَى الْعُصْفُورِ الصَّغِيرِ.

تَغَطَّى جِسْمُ الْعُصْفُورِ الصَّغِيرِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ الدَّافِئِ الساخن...

أَحَسَّ الْعُصْفُورُ بِالْمَهَانَةِ. فَقَالَ فِي نَفْسِهِ:

 «لَوْ سَمِعْتُ النَّصَائِحَ لَمَا نَزَلَتْ عَلَيَّ أَوْسَاخُ بَقَرَةٍ.

 

كَيْفَ أَنْقَذَتِ الْبَقَرَةُ الْعَمْيَاءُ الْعُصْفُورَ الصَّغِيرَ

 

انْتَصَبَتِ الْبَقَرَةُ الْعَمْيَاءُ وَمَضَتْ تَخْبِطُ فِي الْحُقُولِ عَلَى غَيْرِ هُدًى.

لَقَدْ تَرَكَتِ الْعُصْفُورَ وَرَاءَهَا يَخْتَنِقُ بِتِلْكَ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ.

وَلَكِنَّهُ أَحَسَّ بِالدِّفْءِ...

وَبَدَأَتِ الْحَرَارَةُ تَسْرِي فِي مَفَاصِلِهِ...

كَانَ يَشْعُرُ وَشَيْءُ الْبَقَرَةِ يُغَطِّيهِِ، أَنَّهُ سَوْفَ يُولَدُ لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ قِشْرَةِ الْبَيْضَةِ الَّتِي سَقَطَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْبَقَرَةِ.

اسْتَطَاعَ الْعُصْفُورُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْقَارَهُ إِلَى الْهَوَاءِ.

وَصَارَ قَادِرًا عَلَى اسْتِنْشَاقِ الْهَوَاءِ النَقِيِّ.

وَكَانَ يَتَنَفَّسُ بِوَاسِطَةِ ثُقْبَيْنِ صَغِيرَيْنِ فِي مِنْقَارِهِ.

لَقَدْ بَلَغَ بِهِ الْفَرَحُ مَبْلَغًا كَبِيرًا حَتَّى ظَنَّ أَنَّ السَّمَاءَ اسْتَجَابَتْ لِدُعَائِهِ وَحَسِبَ هَذَا الشَّيْءَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَقَرَةِ، كَانَ نَتِيجَةَ رِضَاءِ أُمِّهِ عَلَيْهِ. وَعَفْوِهَا عَنْ َغَلْطََتِهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا عِنْدَمَا رَكِبَ رَأْسَهُ وَعَاكَسَ نَصِيحَتَهَا وَسَخِرَ مِنْ أَوَامِرِ الْعُصْفُورِ الْكَبِيرِ.

كَانَ يَهْوَى أَلْوَانَ الزُّهُورِ.

وَرَوَائِحَ الْعُطُورِ

حِِينَ كَانَ الْعُصْفُورُ مُغَطَّى، لَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ بِحَاجَةٍ إِلَى أَنْ يَرَى مَا حَوْلَهُ مِنْ زُهُورٍ.

هَذَا الْعُصْفُورُ كَانَ مُهْتَمًّا بِنَفْسِهِ وَمُتَقَزِّزًا مِمَّا أَصَابَهُ.

وَهَاهُوَ الْيَوْمَ فِي حَالَةٍ يَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى حَمَّامٍ، أَوْ غَطْسَةٍ فِي النَّهْرِ، أَوْ قُطَيْرَاتِ مَطَرٍ خَفِيفَةٍ حَتَّى يَغْدُوَ نَظِيفًا كَسَائِرِ الْعَصَافِيرِ الأَنِيقَةِ.

هَذَا الْعُصْفُورُ صَارَ يَنْتَظِرُ لَحْظَةً يَسْتَجْمِعُ فِيهَا قُوَاهُ لِيُزِيحَ عَنْهُ لَوْثَةَ الْبَقَرَةِ.

قال لِنَفْسِهِ:

لَيْتَنِي أَعُودُ إِلَى أُسْرَتِي الصَّغِيرَةَ حَيْثُ أُمِّي وَأَبِي وَإِخْوَتِي.

كَمْ أَشْتَاقُ إِلَى أُسْرَةِ الْعَصَافِيرِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي يَرْأَسُهَا كَبِيرُ الْعَصَافِيرِ.

كَانَ يَحْلُمُ بِأَنْ يَقِفَ مُطَأْطِئَ الرَّأْسِ لِيَعْتَذِرَ لِكَبِيرِ الْعَصَافِيرِ.

وَيَتَخَيَّلُ كَبِيرَ الْعَصَافِيرِ وَهْوَ يَمْسَحُ بِمِنْقَارِهِ عَلَى رَأْسِهِ وَيَقُولَ لَهُ فِي حُنُوٍّ وَحَنَانٍ:

 «شَقْشِقْ سُو... سَوْ سي قَشِقَشْ»

وَمَعْنَاهُ:

 «عَفَوْتُ عَنْكَ يَا حَبِيبِي الصَّغِيرَ».

 

شَوْقُ الْعُصْفُورَةِ إِلَى ابْنِهَا

 

كَانَتْ أُمُّ الْعُصْفُورِ تَنْتَظِرُ ابْنَهَا كُلَّ غُرُوبِ شَمْسٍ.

لَقَدْ اشْتَاقَتْ إِلَى ابْنِهَا مِثْلَمَا اشْتَاقَ هُوَ إِلَى حُضْنِهَا.

وَتَغَيَّرَتْ عَادَاتُ الأُمِّ.

صَارَتْ تَبْكِي فِي صَمْتٍ وَتُخْفِي دُمُوعَ الْحَنِينِ إِلَى رُؤْيَةِ ابْنِهَا يَكْبُرُ أَمَامَ نَاظِرَيْهَا، كَمْ كَانَتْ تَحْلُمُ أَنْ تَرَاهُ يَكْبُرُ وَهْوَ يُرَفْرِفُ قَرِيبًا مِنَ الْعُشِّ، أَوْ يَعُودُ فِي الْمَسَاءِ وَفِي مِنْقَارِهِ عُشْبَةٌ، أَوْ دُودَةٌ أَوْ حَبَّةٌ، ثُمَّ يَحُطُّ قُرْبَ إخْوَتِهِ الْفِرَاخِ.

كَانَتْ تَنَامُ بَاكِرًا لِتَنْهَضَ فَجْرًا، فَصَارَتْ تَسْهَرُ حَتَّى يَنَامَ الْجَمِيعُ، لِتَبْكِي فِي صَمْتِ وَتُخْفِي دُمُوعَهَا عَنْ ضَوْءِ الْقَمَرِ.

لَقَدْ احْمَرَّتْ عَيْنَاهَا مِنَ الْبُكَاءِ فَصَارَتَا فِي لَوْنِ الدَّمِ. مَا عَادَتْ تُفَكِّرُ الأُمُّ فِي فِرَاخِهَا الْقَرِيبَةِ مِنْهَا، لَقَدْ طَارَ عَقْلُهَا.

فَهِمَ زَوْجُهَا الْعُصْفُورُ حُزْنَهَا فَاهْتَمَّ وَحْدَهُ بِفِرَاخِهِ الأُخْرَى يَزُقُّهَا كُلَّ يَوْمٍ وَيُدَرِّبُهَا عَلَى الطَّيَرَانِ.

أَمَّا الْعُصْفُورَةُ الأُمُّ فَكَانَتْ تُقَضِّي النَّهَارَ كُلَّهُ وَهْيَ تَطِيرُ بِذِهْنٍ شَارِدٍ تَبْحَثُ فِي كُلِّ مَكَانٍ عَنْ ابْنِهَا وَتُغَنِّي لَهُ:

سي وَيْ زَيْ سِي.

شَوْسَفْ شيسّي.

سُو وِيتْ وَتْ سِي.

سويسْ واو زيسي.

سي وَيْ زِي سي.

كَانَ مُنْتَهَى أَمَلِهَا أَنْ يَنْتَشِرَ الْغِنَاءُ فِي الْغَابَةِ.

كَانَتِ الأُغْنِيَةُ نِدَاءَ أُمٍّ حَزِينَةٍ تَفْهَمُهَا الطُّيُورُ وَمَعْنَى أُغْنِيَتِهَا فِي لُغَةِ

الْبَشَرِ.

(عُدْ يَا ابْنِي عُدْ.)

(حُزْنِي يَشْتَدّْ.)

(وَلِصَبْرِي حَدّْ.)

(يَا طَيْرَ السَّعْدْ.)

(عُدْ يَا ابْنِي عُدْ.)

ظَلَّتْ تُرَدِّدُ هَذِهِ الأُغْنِيَةَ ثُمَّ تَوَقَّفَتْ لِتَقُولَ:

قَلْبُ الأُمِّ يَعْرِف عَنْ بُعْدٍ مَا يَحْدُثُ لِلْأَبْنَاءِ... قَلْبُ الأُمِّ لاَ يُخْطِئُ

 كَانَتْ تَغْفُو قَلِيلاً، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَنَامُ عَمِيقًا كَالْفِرَاخِ، وَصَارَ نَوْمُهَا خَفِيفًا كَنَوْمِ الأُمَّهَاتِ الْمُرْضِعَاتِ.

 وَظَلَّتْ تَسْأَلُ نَفْسَهَا:

«أَيْنَ ابْنِي؟

لَقَدْ مَرَّ أُسْبُوعٌ عَلَى مُغَادَرَتِهِ الْعُشَّ، فَهَلْ تُرَاهُ يَعُودُ؟

كَيْفَ رِيشُهُ الآنَ وَهَلْ تَعلَّمَ الطَّيَرَانَ؟

هَلْ نَجَحَتْ مُغَامَرَتُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْقَارِسِ؟

وَإِذَا نَجَا مِنَ الْبَرْدِ، فَهَلْ يَكُونُ أَفْلَتَ مِنَ الصَيَّادِ؟

هَلْ الْتَقَمَتْهُ حَيَّةٌ رَقْطَاءُ؟»

اقْتَرَبَتْ الْعُصْفُورَةُ الأُمُّ مِنْ وَرْدَةٍ حَمْرَاءَ وَحَوْلهَا بَرَاعِمُ صَغِيرَةٌ، وَشْوَشَتِ العُصْفُورَةُ فِي أُذْنِ الْوَرْدَةِ:

«هَنِيئًا لَكِ فَبَرَاعِمُكِ حَوَالَيْكِ،

أَسْأَلُكِ يَا وَرْدَةُ، مَتَى يَعُودُ ابْنِي؟ فَهَلاَّ أَخْبَرْتِنِي؟!»

لَمْ تُجِبِ الْوَرْدَةُ بِشَيْءٍ. فَالْوَرْدَةُُ لاَ تَفْهَمُ لُغَةَ الطَّيْرِ.

عَادَتِ الْعُصْفُورَةُ إِلَى حُزْنِهَا وَإِلَى أُغْنِيَتِهَا:

«سَاءَلْتُ الْوَرْدْ

مَا جَاءَ الرَدّْ

فِي جَفْنِي السُّهْدْ

مِنْ طُولِ البُعْدْ

عُدْ يَا ابْنِي عُدْ».

 

العُصْفُورُ الصَّغِيرُ يَرْغَبُ فِي العَوْدَةِ

 

حِينَ صَارَتِ الشَّمْسُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ،

كَانَ الثَّلْجُ قَدْ ذَابَ تَحْتَ سِيَاطِ الشَّمْسِ اللاَّفِحَةِ...

وَسَرَى المَاءُ فِي النَّهْرِ بَعْدَ أَنْ تَجَمَّدَ.

وَتَحَرَّكَتِ الحَشَرَاتُ الصَّغِيرَةُ...

طَارَتِ الْفَرَاشَاتُ تُغَنِّي:

 «قَدْ طَلَعَ النَّهَارْ.

 هَذَا هُوَ الرَّبِيعْ.

 وَطَقْسُهُ الْبَدِيعْ.

 يَجِيءُ بِالأَزْهَارْ».

وَدَبَّ النَّمْلُ يَسْعَى جَمَاعَاتٍ.

وَطَارَتِ الْعَصَافِيرُ مِنْ أَعْشَاشِهَا بَاحِثَةً عَنِ الرِّزْقِ لَهَا وِلِفِرَاخِهَا.

وَتَسَلَّلَتْ خُيُوطُ الشَّمْسِ الدَّافِئَةِ إِلَى وَجْرِ ثَعْلَبٍ نَائِمٍ.

الثَّعْلَبُ يَتَمَلْمَلُ فِي وَجْرِهِ...

الثَّعْلَبُ أَحَسَّ بِالْجُوعِ...

قَالَ لِنَفْسِهِ:

 «الشَّمْسُ مُشْرِقَةٌ وَالرُّؤْيَةُ وَاضِحَةٌ سَأَمُوتُ جُوعًا إِذَا انْتَظَرْتُ أَحَدًا يَأْتِينِي بِالطَّعَامِ، يَكْفِي مِنَ النَّوْمِ عَلَيَّ أَنْ أَنْهَضَ الآنَ».

حِينَ مَرَّ الثَّعْلَبُ قُرْبَ النَّهْرِ...

كَانَ الْعُصْفُورُ الصَّغِيرُ يَمُدُّ مِنْقَارَهُ الدَّقِيقَ...

 فَقَدْ أَحَسَّ بِالْجُوعِ يُزَقْزِقُ فِي أَمْعَائِهِ.

قَالَ فِي نَفْسِهِ:

 «لَقَدْ كُنْتُ أُزَقْزِقُ مِنَ الْفَرَحِ، وَهَاهِيَ أَمْعَائِي تُزَقْزِقُ مِنَ الْجُوعِ».

تَنَاوَلَ نَقَرَاتٍ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ مِنَ الْبَقَرَةِ.

وَلَكِنَّهُ صَارَ يَحِنُّ إِلَى أَهْلِهِ...

قَالَ الْعُصْفُورُ:

«وَكَيْفَ الْوُصُولُ إِلَى أَهْلِي دُونَ جَنَاحَيْنِ؟!»

وَأَحَبَّ أَنْ يَطِيرَ حُرًّا فِي الْهَوَاءِ الطَّلْقِ الْبَهِيِّ الْبَهِيجِ، فَلَمْ تُسْعِفْهُ جَنَاحَاهُ.

فَقَالَ سَاخِرًا:

لَكِنَّ جَنَاحَيَّ مُثْقَلاَنِ بِهَذِهِ الْكُسْوَةِ الَّتِي وَضَعَتْهَا الْبَقَرَةُ عَلَى جِسْمِي.

 

الثَّعْلَبُ يَبْحَثُ عَنْ صَيْدٍ

 

قُرْبَ النَّهْرِ.

سَرَّحَ الثَّعْلَبُ نَظَرَهُ فِي الأُفُقِ الْبَعِيدِ.

تَشَمَّمَ رَائِحَةَ الأَرْضِ...

بَحَثَ بِعَيْنَيْهِ عَنْ شَيْءٍ يَتَحَرَّكُ.

تَحَرَّكَتْ وَرْدَةٌ حَمْرَاءُ.

 قَفَزَ إِلَيْهَا.

تَشَمَّمَهَا.

ثُمَّ قَالَ:

«هِيَ حَمْرَاءُ، وَلَكِنْ لاَ لَحْمَ فِيهَا».

رَأَى الْفَرَاشَاتِ تَطِيرُ.

قَالَ فِي نَفْسِهِ:

«عَوعَوْ عِي».

وَمَعْنَاهُ:

«الْفَرَاشَاتُ لاَ تَعْنِينِي».

رَأَى الثَّعْلَبُ عَصَافِيرَ تَطِيرُ..

قَالَ فِي نَفْسِهِ:

«آوِي عَاوْ عِي».

وَمَعْنَاهُ:

«لاَ أَسْتَطِيعُ الطَّيَرَانَ...»

حَامَ عُصْفُورٌ قُرْبَ أَنْفِهِ ثُمَّ طَارَ.

وَعَلَّقَ الثَّعْلَبُ:

«عَيْحُوعَا... يَا عَوْيَ وَيْ».

وَمَعْنَاهُ:

«لاَ أَسْتَطِيعُ صَيْدَ عُصْفُورٍ يَطِيرُ».

حَاوَلَ أَنْ يَتَشَمَّمَ جُحُورَ الأَرَانِبِ...

وَلَمْ يَحْصُلْ عَلَى شَيْءٍ...

صَارَ يَتَشَمَّمُ مَوَاضِعَ فِي الأَرْضِ... حَاوَلَ أَنْ يَتَذَكَّرَ طَرِيقًا تَمُرُّ مِنْهُ الأَرَانِبُ أَوِ الْغِزْلاَنُ...

لَكِنَّ الأَمْطَارَ لَمْ تَتْرُكْ أَثَرًا لِخُطْوَةِ غَزَالٍ أَوْ أَرْنَبٍ.

سَمِعَ الثَّعْلَبُ هَذَا الصَّوْتَ...

«قَعْقَيْ قاقازَيْوِي...»

فَقَالَ لِنَفْسِهِ:

«هَذَا الصَّوْتُ نَابِعٌ مِنْ أَمْعَائِي.. أَعْرِفُ صَوْتَهَا إِذَا جَاعَتْ».

وَأَضَافَ الثَّعْلَبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ:

«أَشْعُرُ أَنِّي لَنْ أَعُودَ خَائِبًا دُونَ صَيْدٍ».

 

عُصْفُورٌ يَحْلُمُ بِالْخَلاَصِ

 

فِي هَذِهِ الأَثْنَاءِ كَانَ الْعُصْفُورُ يَسْعَى إِلَى أَنْ يُخَلِّصَ جَنَاحَيْهِ مِنْ وَطْأَةِ الْكُتْلَةِ الَّتِي دَفَّأَتْهُ فِي البِدَايَةِ. وَأَطْعَمَتْهُ حَتَّى اسْتَطَاعَ مُوَاصَلَةَ الْحَيَاةِ...

وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَطِيرَ الآنَ...

تَمَلْمَلَ الْعُصْفُورُ الصَّغِيرُ:

«الْكُتْلَةَ الَّتِي وَضَعَتْهَا الْبَقَرَةُ عَلَيَّ بَدَأَتْ تَجِفُّ...

وَصَارَ وَزْنُهَا أَخَفَّ».

وَقَفَ الْعُصْفُورُ عَلَى سَاقَيْهِ الدَّقِيقَتَيْنِ الصَّغِيرَتَيْنِ وَمَشَى خُطْوَةً... خُطْوَتَيْنِ، ثَلاَثًا...

ثُمَّ وَقَعَ أَرْضًا.

«لَقَدْ جَفَّفَتْهَا الشَّمْسُ، لَقَدْ جَفَّتْ وَخَفَّتْ. قَبْلَ أَنْ تَجِفَّ كَانَتْ طَرِيَّةً،

بَعْدَ أَنْ جَفَّتْ صَارَتْ يَابِسَةً. كَأَنِّي عُدْتُ إِلَى ذَلِكَ السِّجْنِ الَّذِي عَرَفْتُهُ

عِنْدَمَا كُنْتُ فِي بَيْضَةِ أُمِّي الْعُصْفُورَةِ».

اسْتَرَدَّ أَنْفَاسَهُ، ثُمَّ عَاوَدَ الْحَرَكَةَ وَقَالَ:

«مَتَى أَتَخَلَّصُ مِنَ الْبَيْضَةِ الْبَقْرِيَّةِ».

 

الثَّعْلَبُ يَرَى شَيْئًا يَتَحَرَّكُ

 

سَمِعَ الثَّعْلَبُ صَوْتَ أَمْعَائِهِ مِنْ جَدِيدٍ:

«عَوْعَيْ.. عَوْ عَايْ..«

فَصَرَخَ:

«لاَ تَقْرُصْنِي أَيُّهَا الْجُوعُ».

تَمَنَّى الثَّعْلَبُ، مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ:

«لَيْتَنِي أَتَحَوَّلُ إِلَى غَزَالٍ أَوْ أَرْنَبٍ أَوْ بَقَرَةٍ حَتَّى آكُلَ أَوْرَاقَ الأَشْجَارِ لَكِنِّي حَيَوَانٌ لاَحِمٌ... لاَ يَأْكُلُ الْعُشْبَ...»

سَرَّحَ الثَّعْلَبُ عَيْنَيْهِ فِي الأُفْقِ... ضَيَّقَ فَتْحَةَ عَيْنَيْهِ حَتَّى يُرَكِّزَ نَظَرَاتِهِ.

تَوَجَّهَ إِلَى النَّهْرِ.

لَعَقَ مِنْ مَاءِ النَّهْرِ وَمَا إِنْ رَفَعَ نَظَرَهُ.. حَتَّى رَأَى شَيْئًا يَتَحَرَّكُ..

فَرِحَ الثَّعْلَبُ.

وَاقْتَرَبَ مِنْ هَذَا الشَّيْءِ الْغَرِيبِ الْمُتَحَرِّكِ...

احْتَارَ الثَّعْلَبُ:

«أَنَا لَمْ أَرَ حَيَوَانًا بِهَذَا الشَّكْلِ فِي حَيَاتِي!!!

إِنَّهُ شَيْءٌ غَامِضٌ يَتَحَرَّكُ».

تَأَمَّلَ الثَّعْلَبُ هَذَا الشَّيْءَ. وَتَسَاءَلَ:

«أَيْنَ عَيْنَاهُ؟ بَلْ أَيْنَ رَأْسُهُ؟ بَلْ أَيْنَ جِسْمُهُ وَكَيْفَ يَتَحَرَّكُ؟

هَلِ الزُّهُورُ صَارَتْ تَمْشِي؟

هَلِ الثِّمَارُ صَارَتْ تَجْرِي؟

وَهَلْ هَذِهِ ثَمْرَةٌ أَمْ زَهْرَةٌ؟»

اقْتَرَبَ الثًَّعْلَبُ مِنْ هَذَا الشَّيْءِ المَاشِي.

تَوَقَّفَ الشَّيْءُ المُتَحَرِّكُ عَنِ المَشْيِ...

تَعِبَ الْعُصْفُورُ الصَّغِيرُ مِنْ وَطْأَةِ حِمْلِهِ الثَّقِيلِ الَّذِي وَضَعَتْهُ الْبَقَرَةُ.

حَدَّقَ الثَّعْلَبُ فِي هَذَا الشَّيْءِ...

اشْتَمَّهُ عَنْ بُعْدٍ.

تَوَجَّهَ صَوْبَهُ.

تَشَمَّمَهُ عَنْ قُرْبٍ.

قَالَ لِنَفْسِهِ سَاخِرًا:

«حَظِّي مَنْكُودٌ هَذَا الْيَوْمَ؟»

وَأَضَافَ:

«الدُّنْيَا مَلِيئَةٌ بِالْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ!!!

أَنَا لَمْ أَرَ فِي حَيَاتِي وَسْخَةَ بَقَرٍ تَمْشِي...»

وَأَضَافَ:

«يَبْدُو أَنِّي صِرْتُ مَجْنُونًا، لاَ... لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَحْدُثَ هَذَا !!!»

قَفَلَ الثَّعْلَبُ رَاجِعًا يَائِسًا مِنْ أَيَ صَيْدٍ.

فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ

تَحَرَّكَتْ أَمْعَاؤُهُ مِنْ جَدِيدٍ:

«عَاعَا... عَاعَوْ».

عَادَ الثَّعْلَبُ إِلَى شَيْءِ الْبَقَرَةِ الَّذِي يَتَحَرَّكُ.

وَقَالَ لِنَفْسِهِ:

«فَلْأَقْتَرِبْ لأَمَسَّ وَأَجُسَّ».

لاَمَسَ بِمَخَالِبِهِ شَيْءَ الْبَقَرَةِ.

انْزَاحَ جُزْءٌ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ.

رَأَى الثَّعْلَبُ شَيْئًا مَهُولاً حِينَ بَانَ جَنَاحٌ صَغِيرٌ.

طَارَ صَوَابُ الثَّعْلَبِ:

«هَلْ وَسَخُ الأَبْقَارْ

يَفْقِسُ الأَطْيَارْ؟»

 

حِوَارُ الْعُصْفُورِ وَالثَّعْلَبِ

 

قَالَ الْعُصْفُورُ لِنَفْسِهِ:

«شُكْرًا، شُكْرًا لِلسَّمَاءِ،

إِنَّ أُمِّي رَاضِيَةٌ عَنيِّ كُلَّ الرِّضَاءِ،

إِنِّي أَشْعُرُ أَنَّ جَنَاحِيَ الأَيْسَرَ طَلِيقٌ».

أَفْرَدَ الْعُصْفُورُ جَنَاحَهُ الأَيْسَرَ...

فَرِحَ الثَّعْلَبُ وَقَالَ لِنَفْسِهِ:

«إِنَّ شَيْءَ الْبَقَرَةِ يُخْفِي عُصْفُورًا عَجِيبًا..»

لَمْ يَعْرِفِ الْعُصْفُورُ مَنِ الَّذِي أَزَاحَ عَنْهُ كَارِثَةَ الْبَقَرَةِ.

أَخْرَجَ الْعُصْفُورُ مِنْقَارَهُ مُوَشْوِشًا:

«مَنْ هَذَا الَّذِي جَاءَ يُنْقِذُنِي...؟»

أَجَابَ الثَّعْلَبُ:

«أَنَا...

سَأَلَ الْعُصْفُورُ:

«مَنْ أَنْتَ؟»

أَجَابَ الثَّعْلَبُ:

«أََنَا الثَّعْلَبُ...»

قَالَ الْعُصْفُورُ:

«إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْكُرَكَ جَزِيلَ الشُّكْرِ،

كَمَا أُرِيدُ أَنْ تُوَاصِلَ شُغْلَكَ،

لَقَدْ أَطْلَقْتَ جَنَاحِيَ الأَيْسَرَ

وَإِنِّي أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تُحَرِّرَ جَنَاحِيَ الأَيْمَنَ،

وَبَعْدَ ذَلِكَ أَزِحِ الْعَفَنَ الْمُتَيَبِّسَ حَوْلَ عُنُقِي».

قَالَ الثَّعْلَبُ:

«سَمْعًا وَطَاعَةً أَيُّهَا الْعُصْفُورُ الصَّدِيقُ...

إِنَّ مَا فَعَلَتْهُ الْبَقَرَةُ أَمْرٌ لاَ يَلِيقُ.

أَهَذَا مَا عَلَّمَتْنَا إِيَّاهُ الأَخْلاَقُ؟

هَذِهِ فِعْلَةٌ لاَ تُُحْتَمَلُ وَلاَ تُطَاقُ!!»

 فَلاَ يَجْدُرُ بِالْحَيَوَانِ أَنْ يُلْقِي بِأَوْسَاخِهِ عَلَى أَخِيهِ الْحَيَوَانِ.

وَأَضَافَ الثَّعْلَبُ الْمَاكِرُ بِلَهْجَةِ الطَّبِيبِ الْمَاهِرِ:

«سَوْفَ تُصْبِحُ حُرًّا طَلِيقًا، فَلاَ تَتَحَرَّكْ أَيُّهَا الطَّائِرُ.

وَسَوْفَ تُزَالُ عَنْكَ الأَوْسَاخُ، فَلاَ تَتَحَرَّكْ

إِلاَّ بَعْدَ أَنْ أُعْلِنَ بِنَفْسِي أَنَّكَ صِرْتَ نَظِيفًا أَنِيقًا وَحُرًّا طَلِيقًا.»

أَجَابَ الْعُصْفُورُ:

« يَا صَدِيقِي، أَنَا عَاجِزٌ عَنْ شُكْرِكَ، لَقَدْ أَخْجَلْتَنِي وَالآنَ اسْمَحْ لِي بِأَنْ أَعْتَرِفَ لَكَ بِأَنَّ الْعَصَافِيرَ كَانَتْ تَظُنُّكَ عَدُوًّا لَهَا،

وَتَتَّهِمُكَ اتِّهَامَاتٍ شَتَّى وَتَقُولُ إِنَّكَ تَزْدَرِدُ بَيْضَهَا حَتَّى قَبْلَ أَنْ يَفقِسَ.

وَأَنَّكَ تَصْطَادُهَا.

رَدَّ الثَّعْلَبُ:

- فَلْتَقُلْ....

وَاصَلَ الْعُصْفُورُ:

- وَأَنَّكَ تَتَرَبَّصُ بِالْفِرَاخِ فِي أَعْشَاشِهَا.

رَدَّ الثَّعْلَبُ:

- فَلْتَقُلْ مَا يَحْلُو لَهَا...

قَالَ الْعُصْفُورُ:

- وَأَنَّكَ تَحْسُدُهَا عَلَى الطَّيَرَانِ وَتَتَرَبَّصُ بِهَا...

رَدَّ الثَّعْلَبُ:

- فَلْتَقُلْ مَا يَحْلُو لَهَا قَوْلُهُ.

قَالَ الْعُصْفُورُ:

وَتَتَرَقَّبُهَا حَتَّى تَنَامَ لِتَنْقَضَّ عَلَيْهَا وَهْيَ فِي أَعْشَاشِهَا».

قَاطَعَ الثَّعْلَبُ الْعُصْفُورَ:

«اسْمَعْ يَا صَدِيقِي، لاَ تَظُنَّنَّ الثَّعْلَبَ يَجْهَلُ الْعَصَافِيرَ وَأَقْوَالَهَا.

وَلاَ تَحْسِبَنَّ الثَّعْلَبَ أَطْرَشَ.

أَعْرِفُ أَنَّ الْعَصَافِيرَ، تُسِيءُ الظَنَّ بِالثَّعَالِبِ.

فَلاَ تُوَاصِلْ سَرْدَ مَا تَقُولُونَهُ فِيَّ، فَأَنَا أَعْرِفُ كَلاَمَكُمْ. وَأَسْمَعُ خِطَابَ كَبِيرِ الْعَصَافِيرِ... وَلَكِنِّي لاَ أُلْقِي بَالاً إِلَى أَقْوَالِكُمْ...

اتِّهَامَاتُ الْعَصَافِيرِ لِلثَّعَالِبِ لاَ تُحْصَى.

أَنَا أَيْضًا عِنْدِي اتِّهَامٌ.

إِنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ مَصْلَحَتَكُمْ وَلاَ تُمَيِّزُونَ بَيْنَ الصَّدِيقِ وَالْعَدُوِّ.

لِذَلِكَ تَخْلِطُُونَ.

تُعَادُونَ الطَّيِّبِينَ.

وَتُصَادِقُونَ الأَشْرَارَ.

إِنَّ الثَّعَالِبَ أَدْرَى بِمَا يَلْزَمُكُمْ، وَأَعْرَفُ بِمَا يَنْقُصُكُمْ، وَنَحْنُ حَرِيصُونَ عَلَيْكُمْ وَعَلَى سَلاَمَتِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ حِرْصُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ.

تُحِبُّونَ النَّظَافَةَ وَتَجْهَلُونَ قَوَاعِدَها وَتُلْقُونَ بِفَضَلاَتِكُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ.

تُحِبُّونَ الْحُرِيَّةَ وَتَقْبَلُونَ الْعَيْشَ فِي الأَقْفَاصِ».

جَفَّ رِيقُ الثَّعْلَبِ..

فَاقْتَرَبَ لِيَرْتَوِيَ مِنَ النَّهْرِ.

فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ،

أَمْكَنَ لِلْعُصْفُورِ أَنْ يُحَرِّرَ جَنَاحَهُ الأَيْمَنَ بِنَفْسِهِ.

غَرَسَ سَاقَيْهِ الصَّغِيرَتَيْنِ فِي الأَرْضِ.

اسْتَجْمَعَ قُوَاهُ لِيُنْقِذَ رَأْسَهُ..

فِي ذَاتِ اللَّحْظَةِ،

وَصَلَ الثَّعْلَبُ إِلَيْهِ قَادِمًا مِنْ ضِفَّةِ النَّهْرِ:

«هَا... هَا تُرِيدُ أَنْ تَطِيرَ الآنَ...

لَقَدْ كُنْتَ مُتَّسِخًا فَنَظّفْتُكَ.

وَكُنْتَ مَحْبُوسًا فِي رَوْثَةِ بَقَرَةٍ، فَسَرَّحْتُكَ.

وَالآنَ تُرِيدُ أَنْ تَطِيرَ دُونَ إِذْنٍ مِنِّي،

هَذَا لاَ يَجُوزُ.

مَا أَسْهَلَ الطَّيَرَانَ عَلَيْكَ،

وَمَا أَصْعَبَ الطَّيَرَانَ عَلَيَّ...«

نَفَضَ الثَّعْلَبُ بَقَايَا الْبَقَرَةِ مِنْ عَلَى رَأْسِ الْعُصْفُورِ،

قَالَ الْعُصْفُورُ:

شُكْرًا... شُكْرًا، هَا إِنِّي نَظِيفٌ وَحُرٌّ وَأَسْتَطِيعُ الطَّيَرَانَ...

وَنَفَخَ عَلَيْهِ نَفَخَاتٍ نَتَفَتْ رِيشَهُ.

صَارَ رِيشُ الْعُصْفُورِ يَتَطَايَرُ.

فَاسْتَوْقَفَ الْعُصْفُورُ الثَّعْلَبَ:

«شُكْرًا لَكَ.. شُكْرًا.. يَكْفِي.. إِنِّي صِرْتُ نَظِيفًا.

حَذَارِ يَا صَدِيقِي، إِنَّ رِيشِي لَيْسَ أَوْسَاخًا، إِنَّهُ غِطَائِي..

لَقَدْ تَخَلَّصْتُ الآنَ مِنْ كُلِّ أَدْرَانِ الْبَقَرَةِ.

صَاحَ الثَّعْلَبُ:

الفَضْلُ يَعُودُ لِي، وَأَنْتَ لاَ تَعْرِفُ مَعْنَى النَّظَافَةِ...

أَجَابَ الْعُصْفُورُ:

صَحِيحٌ، أَنْتَ تَعْرِفُ أَحْسَنَ مِنِّي، وَلَكِنِّي أَشْعُرُ الآنَ بِالْبَرْدِ..

يَكْفِي مِنَ النَّفْخِ عَلَى رِيشِي.

كَانَ الْعُصْفُورُ يَسْتَنْجِدُ بِالثَّعْلَبِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يَسْمَعُ تَضَرُّعَهُ.

سَخِطَ الْعُصْفُورُ عَلَى الثَّعْلَبِ:

عَلَيْكَ اللَّعْنَةُ عَلْيَكَ اللَّعْنَةُ تَوَقَّفْ يَا غَدَّارُ... كُفَّ عَنِّي يَا حَقِيرُ

يَانَذْلُ يَاخَسِيسُ عَلَيْكَ اللَّعْنَةُ.

وَلَمْ يَكُنِ الثَّعْلَبُ يَسْمَعُ، بَلْ كَانَ يُقَلِّبُ الْعُصْفُورَ بَيْنَ مَخَالِبِهِ.

وَمَازَالَ الثَّعْلَبُ يَنْفُخُ عَلَى الْعُصْفُورِ حَتَّى تَتَطَايَرَ رِيشُ جَنَاحِهِ الأَيْمَنِ، فَرِيشُ جَنَاحِهِ الأَيْسَرِ، فَرِيشُ الذَّيْلِ، فَرِيشُ الصَّدْرِ، فَرِيشُ الظَّهْرِ..

وَكَانَ الْعُصْفُورُ يَصْرُخُ وَيَسْتَغِيثُ وَيَصْرُخُ مِنْ شِدَّةِ الخَوْفِ:

«يَا مَامَا.. يَا مَامَا..

حِينَ تَحَوَّلَ الْعُصْفُورُ إِلَى لَحْمَةٍ صَغِيرَةٍ عَارِيَةٍ أَخْرَجَ الثَّعْلَبُ لِسَانَهُ وَمَسَحَ بِلُعَابِهِ الْعُصْفُورَ الْمَنْتُوفَ.

ثُمَّ الْتَقَمَهُ حَيًّا دُفْعَةً وَاحِدَةً.

 

 

خِطَابُ الْعُصْفُورِ الصَّغِيرِ

 

حِينَ اسْتَقَرَّ الْعُصْفُورُ فِي بَطْنِ الثَّعْلَبِ، صَارَ يَبْكِي وَهْوَ يُرَاجِعُ قِصَّتَهُ مِنَ الْبِدَايَةِ، فَقَالَ يَخْطُبُ خُطْبَتَهُ الأُولَى وَالأَخِيرَةَ دُونَ جُمْهُورٍ:

أَنَا الآنَ فِي بَطْنِ الثَّعْلَبِ

مِنْ بَطْنِ الثَّعْلَبِ أُكَلِّمُكُمْ.

إِنِّي أَحْكِي قِصَّتِي هَذِهِ، وِعِنَادِي هَذَا لِلْعَصَافِيرِ حَتَّى تَتَّعِظَ، وَتَعْتَبِرَ.

أَوَّلاً:

لَقَدْ كَانَ أَوْلَى بِي أَنْ أَبْقَى فِي مَكَانِي مَعَ أَهْلِي الْعَصَافِيرِ.

حِينَ أَكُونُ عَاجِزًا عَنْ فِعْلِ الطَّيَرَانِ.

انْتَبِهُوا أَيَّتُهَا الْعَصَافِيرُ.

وَلاَ تَطِيرُوا عِنْدَمَا لاَ يُسْعِفُكُمْ جَنَاحُكُمْ.

لَوْ بَقِيتُ فِي مَكَانِي لَمَا حَدَثَ لِي هَذَا الَّذِي حَدَثَ.

ثَانِيًا:

لَمْ تُرِدِ الْبَقَرَةُ بِي شَرًّا،

كَانَ عَلَيَّ أَنْ أَهْدَأَ فِي مَكَانِي.

لَقَدْ أَهَانَتْنِي حِينَ غَطَّتْنِي بِأَوْسَاخِهَا،

وَرَغْمَ ذَلِكَ فَقَدْ أَنْقَذَتْ حَيَاتِي.

ثَالِثًا:

لَمْ يُرِدْ بِي الثَّعْلَبُ خَيْرًا:

رَفَعَ عَنِّي ذَلِكَ الْغِطَاءَ الثَّقِيلَ،

وَنَظَّفَنِي.

وَحِينَ أَرَدْتُ أَنْ أُحَرِّكَ جَنَاحِي

وَأُفْرِدَهُ لِلرِّيَاحِ

أَطْلَقَ سَرَاحِي

هُنَا...

هُنَا... فِي بَطْنِهِ !!!!!

كَانَ عَلَيَّ أَلاَّ أَتَحَرَّكَ حَتَّى لاَ يَرَانِي الثَّعْلَبُ أَصْلاً.

وَخِتَامًا:

أَمَّا أَنَا، فَقَدْ صِرْتُ فِي بَطْنِ الثَّعْلَبِ لَحْمَةً عَارِيَةً وَلُقْمَةً سَائِغَةً، وَكَمْ أَحْبَبْتُ يَا إخْوَتِي الْعَصَافِيرَ أَرْضَنَا الْفَسِيحَةَ الْخَضْرَاءَ الْمُثْمِرَةَ الْمُزْهِرَةَ وَسَمَاءَنَا الْجَمِيلَةَ الزَّرْقَاءَ الْمُشْمِسَةَ الْمُمْطِرَةَ الْمُقْمِرَةَ... حَيْثُ الحرية والْحَيَاةُ».