نَشيدُ الحُرُوفِ

أَلِفٌ

أَلِفٌ حَرْفٌ جَيِّدْ شَاطِرْ

لاَ يَسْبِقُهُ حَرْفٌ آخَرْ

دَوْمًا يَأْتِيْ أَوَّلَ حَرْفٍ

لاَ يَتَقَهْقَرْ أَوْ يَتَأَخَّرْ

        ***

حِيْنَ يُجَاوِرُ حَرْفَ البَاءْ

يُصْبِحُ مِثْلَ الأَبِّ.. أَمِيْنْ

يَعْمَلُ دَوْمًا دُوْنَ عَنَاءْ

صُبْحًا، لَيْلاً، لاَ يَتَأَثَّرْ

        ***

وَلَوِ اقْتَرَنَ بِحَرْفِ الْمِيْمْ

لاَ يَبْقَى فِي الكَوْنِ حَزِيْنْ

أُمٌّ تُعْطِي الكُلَّ حَنَانًا

كُلُّ الدُّنيَا تَنَامُ.. وَتَسْهَرْ

 

بَاءٌ

ثَانِيْ حُرُوْفِ اللُّغَةِ البَاءْ

حَرْفٌ يُشْبِهُ طَبَقَ حَسَاءْ

نَأْكُلُ مِنْهُ مَعَانِيَ حُلْوَةْ

فَوْقَ زُهُوْرٍ، تَحْتَ سَمَاءْ!

        ***

بَدْرٌ يَمْلأُ كُلَّ حَيَاتِيْ

يَغْسِلُ رُوْحِيَ بِالأَضْوَاءْ

        ***

بَلَدٌ أَسْكُنُ فِيْهِ وَأَهْلِيْ

فِيْهِ صِحَابٌ وَأَحِبَّاءْ

نَحْيَا فِي بَيْتٍ يَجْمَعُنَا

فِيْهِ الْحُبُّ صَبَاحَ، مَسَاءْ!

 

تَاءٌ

تَاءٌ تِيْنٌ فَوْقَ الشَّجَرِ

أَوْ تَمْرٌ فِي نَخْلٍ بَاسِقْ(1)

نَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى نَشْبَعْ

نَلْعَبُ فَوْقَ العُشْبِ الشَّائِقْ

        ***

نَنْثُرُ ضَحِكَاتٍ كَالتِّبْرِ(2)

وَنُغَنِّي فِي جَوٍّ رَائِعْ!

نَلْهُو كَالتِّرْسَةِ(3) بِالبَحْرِ

نَسْبَحُ فَوْقَ الْمَاءِ الرَّائِقْ

        ***

نَقْرَأُ تَارِيْخَ الأَجْدَادْ

نَفْخَرُ بِالْحَاضِرِ وَالْمَاضِيْ

تَاجٌ لِلْوَطَنِ نُقَدِّمُهُ

كَيْ يَرْجِعَ عَهْدُ الأَمْجَادِ!

 

ثَاءٌ

ثَاءٌ.. ثَانِيَةٌ مِنْ فَضْلِكْ!

سَأَعُوْدُ سَرِيْعًا.. لاَ تَفْزَعْ!

سَأَغِيْبُ قَلِيْلاً صَدِّقْنِيْ

وَأَعُوْدُ بِقِصَصٍ مَا أَبْدَعْ!

        ***

عِنْدِيَ وَسْطَ الكُتُبِ كِتَابْ

يَتَحَدَّثُ عَنْ حَرْفِ الثَّاءْ

يَرْوِي قِصَصًا لِلأَصْحَابْ

تُسْعِدُهُمْ صُبْحًا وَمَسَاءْ

        ***

نَقْرَأُ عَنْ ثُعْبَانٍ أَقْرَعْ

أَوْ ثَوْرٍ فِي مَرْعَىً يَرْتَعْ(4)

أَوْ ثَوْرَةِ أبطالٍ صَنَعُوْا

مَجْدًا، تَارِيْخًا، مَا أَرْوَعْ!

وَرِجَالٍ هُمْ ثَرْوَةُ وَطَنِيْ

لِلْعُرْبِ سِلاَحٌ كَيْ يَرْدَعْ

 

جِيْمٌ

حَرْفُ الْجِيْمِ جَمِيْلٌ جِدًّا

كَالْجَوِّ رَبِيْعِيٌّ يُبْهِجْ

نَجْرِي بَيْنَ الشَّجَرِ، نُغَنِّيْ

نَرْكَبُ فَوْقَ الْجَمَلِ الْهَوْدَجْ!(5)

        ***

نَقْرَأُهُ فِي الْجَارِ الطَّيِّبْ

لاَ يَصْرُخُ فِيْنَا، لاَ يَغْضَبْ

نَسْمَعُ مِنْهُ أَجْمَلَ قَوْلٍ

وَنُسَاعِدُهُ كَيْ لاَ يَتْعَبْ!

 

حَاءٌ

تَجِدُ الْحَاءَ بِكَلِمَةِ حَرْفٍ

أَوْ حُبٍّ، حَبٍّ، أَوْ حَلْوَى

كَلِمَاتٌ دَوْمًا تُسْعِدُنَا

عَكْسَ الْحَرْبِ، الْحِقْدِ، الْحَمْقَى!

        ***

فَالْحَرْفُ مُهِمٌّ كَيْ يَبْقَى

لِكَلاَمِيْ هَذَا مَعْنَاهْ

والْحُبُّ شُعُوْرٌ يَجْعَلُنَا

نَسْتَمْتِعُ بِأَلَذِّ حَيَاةْ

وَالْحَبُّ الطَّيِّبُ نَزْرَعُهُ

كَيْ يُخْرِجَ ثَمَرًا نَرْضَاهْ

وَالْحَلْوَىَ تُسْعِدُنَا طَعْمًا

فَنُقَدِّمُ شُكْرًا لِلَّهْ!

 

خَاءٌ

جِئْتُ إِلَيْكُمْ وَمَعِيْ خَبَرٌ

مَنْ يَسْمَعُهُ الآَنَ سَيَفْرَحْ

حَرْفُ الخَاءِ يُقِيْمُ اللَّيْلَةْ

حَفْلاً مَنْ يَحْضُرُهُ سَيُبْهَرْ

        ***

يَا خَاءَ الخَيْرِ تَمَنَّيْنَا

أَنْ تَأْتِيَ دَوْمًا بِالفَرْحَةْ

خِلْنَاكَ خَيَالاً مُخْتَالاً

تَسْكُنُ سُنْبُلَةً كَالقَمْحَةْ

أَوْ خَدّا بِالْحُسْنِ تَمَيَّزْ

وَتَلَبَّسَ أَخْلاَقًا سَمْحَةْ

لاَ يَعْرِفُ لِلشَّرِّ طَرِيْقًا

بَلْ يَدْعُوَ لِلْخَيْرِ وَأَكْثَرْ!

 

دَالٌ

دَالٌ حَرْفٌ فِيْهِ الدُّنْيَا

فِيْهِ الشِّدَّةُ، فِيْهِ اللِّينْ

نَكْتُبُهُ فِي أَوَّلِ "دَرْبٍ"

وَكَذَلِكَ فِي كَلِمَةِ "دِينْ"

دِينُ اللهِ إِلَى البَشَرِيَّةْ

لاَ يَتْرُكُ فِي الأَرْضِ حَزِيْنْ

يَجْعَلُنَا نُؤْمِنُ بِالْخَالِقْ

فَيُجَازِيْنَا يَوْمَ الدِّينْ!

        ***

سَنَجُوبُ بِلاَدًا وَدِيَارًا

لاَ يُمْكنُ أَبَدًا نَنْسَاهَا

وَبِكُلِّ الدُّوَلِ سَنَسْتَمْتِعْ

فِي رَحَلاَتٍ مَا أَحْلاَهَا

 

ذَالٌ

قَالَ الوَلَدُ الشَّاطِرُ جِدًّا

وَهُوَ يُذَاكِرُ حَرْفَ الذَّالْ

عِلْمُ الذَّرَّةِ(6) شَيْءٌ رَائِعْ

لاَ يُوْزَنُ أَبَدًا بِالْمَالْ

        ***

وَمُجَرَّدُ أَنْ يَدْخُلَ بَلَدًا

يَتَحَوَّلُ فَوْرًا لِخَيَالْ

مَهْمَا كَانَ بِذَيْلِ الدُّنْيَا

يَتَقَدَّمُ مِثْلَ الأَبْطَالْ

يَدْخُلُ أَنْدِيَةً ذَرِّيَّةْ(5)

يَحْمِي أَحْلاَمَ الأَجْيَالْ

 

رَاءٌ

 

حَرْفُ الرَّاءِ تَرَجَّلَ يَوْمًا

قَفَزَ سَرِيْعًا مِثْلَ الأَرْنَبْ

عَبَرَ العُشْبَ يُدَاعِبُ زَهْرًا

وَيَجُوْبُ رِيَاضًا كَيْ يَلَعَبْ

كَانَ الرَّاءُ سَعِيْدًا جِدًّا

لاَ يَشْبَعُ لَعِبًا أَوْ يَتْعَبْ

لَوَّحَ لِلشَّمْسِ يُوَدِّعُهَا

فَأَشَارَتْ لِلرَّاءِ لِيَذْهَبْ!

        ***

عَادَ لِيَجِدَ الأَحْرُفَ حَيْرَى

تَسْأَلُ: أَيْنَ الرَّاءُ تَأَخَّرْ؟

قَالَ بِصَوْتٍ عَذْبٍ يَرْقُصْ

إِنَّ اللَّعِبَ لَشَيْءٌ مُبْهِرْ!

        ***

طَلَّ القَمَرُ وَقَالَ رُوَيْدًا

يَا رَاءُ تَمَهَّلْ، لاَ تَغْضَبْ

إِنَّ اللَّعِبَ جَمِيْلٌ حَقًّا

مِنْ دُوْنِ الإِسْرَافِ مُحَبَّبْ

لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَقْضِيَ يَوْمًا

مِنْ صُبْحٍ لِمَسَاءٍ تَلْعَبْ

قَالَ الرَّاءُ بِصَوْتٍ خَجِلٍ

إِنَّ القَمَرَ يَقُوْلُ الأَصْوَبْ!

 

 زَايٌ

زَايٌ زَهْرٌ نَبَتَ بِحَقْلٍ

أَوْ أَسَدٌ مِنْ جُوْعٍ يَزْأَرْ

أَوْ زَاجِلُ يَحْمِلُ أَخْبَارًا

أَوْ عَابِدُ يَأْتَزِرُ بِمِئْزَرْ(8)

وَزَرَافَى تَلْهُوْ فِيْ دَغَلٍ(9)

وَزَبَادٌ مِنْهُ نَتَعَطَّرْ(10)

وَكَلاَمٌ فِيْ أَرْوَعِ لَحْنٍ

نَسْمَعُهُ فِيْ حَضْرَةِ مِزْهَرْ(11)

تَتَمَايَلُ مَعَهُ الزَّنْبَقَةُ

وَالزَّيْتُوْنُ الرَّائِعُ يَسْهَرْ

وَنَطِيرُ إِلَى مَكَّةَ شَوْقًا

نَشْرَبُ مِنْ "زَمْزَمَ"(12) وَنُكَبِّرْ

 

سِيْنٌ

 

جَاءَ السِّيْنُ حَزِيْنًا جِدًّا

 يَبْكِي حَظَّهْ لِلأَصْحَابْ

قَالَ: لِمَاذَا أَكُوْنُ سُؤَالاً

 صَعْبًا يَكْرَهُهُ الأَحْبَابْ؟

وَلِمَاذَا أَسْكُنُ فِيْ "سُمٍّ"

أَوْ أَبْدَأُ دَوْمًا بِ "سَرَابْ"؟

وَيَرَانِي الأَطْفَالُ سَخِيْفًا

لَوْ جِئْت بِدَرْسٍ وَكِتَابْ؟

رَدَّتْ كُلُّ حُرُوْفِ اللُّغَةِ:

اِفْتَحْ لِلإِنْصَافِ البَابْ

أَنَسِيْتَ سَنَاءَكَ يَا سِيْنُ؟

لاَ تُشْبِهْ سِنَّورَ(13) الغَابْ!

فَبِدُوْنِكَ لاَ نَعْرِفُ سَهْلاً

أَوْ سَجْعًا فِي طَيِّ خِطَابْ

أَوْ سَيْفًا يَرْدَعُ أَعْدَاءً

أَوْ مَسْجِدَ تَعْلُوْهُ قِبَابْ

        ***

بِكَ دَوْمًا نَبْدَأُ بِ "سَعَادَةْ"

وَ"سَلاَمٍ" أَيْضًا، وَ"سَحَابْ"

لاَ تَحْزَنْ يَا سِيْنُ، تَبَسَّمْ

وَافْرَحْ؛ فَلَدَيْكَ الأَسْبَابْ!

 

شِيْنٌ

حَرْفُ الشِّيْنِ تَنَزَّهَ يَوْمًا

فَرَأَى الشَّجَرَ يُسَبِّحُ رَبَّهْ

وَالشُّحْرُورَ(14) يُرَجِّعُ شَدْوًا

وَالتَّكْبِيْرُ يُعَطِّرُ قَلْبَهْ

شَهِدَ الشِّيْنُ شُرُوْقَ الشَّمْسِ

فَوْقَ الشَّاطِئِ فَمَضَى صَوْبَهْ

حَضَنَ المَاءَ وَغَاصَ عَمِيْقًا

مِثْلَ خَبِيْرٍ يَعْرِفُ دَرْبَهْ

أَوْ صَيَّادٍ مَدَّ شِرَاعًا

لاَ يَخْشَى ضَيْقًا(15)، لاَ يَأْبَهْ

فَرِحَ الشِّيْنُ وَهَتَفَ سَعِيْدًا

لِلأَحْرُفِ كَيْ تَأْتِيَ جَنْبَهْ

 

صَادٌ

صَامَ الصَّادُ لِرَبِّ الأَحْرُفْ

لَمْ يُفْطِرْ فِيْ يَوْمٍ أَبَدًا

لَمْ يَقْتُرْ(16) أَيْضًا أَوْ يُسْرِفْ

أَوْ يَظْلِمْ فِيْ الدُّنْيَا أَحَدًا

        ***

كَانَ الصَّادُ صَبُوْرًا جِدًّا

صَخْرًا، صَلْدًا لاَ يَتَأَثَّرْ

كَالصَّبَّارِ يَعِيْشُ طَوِيْلاً

وَعَلَى ماءٍ لاَ يَتَحَسَّرْ

أَوْ كَصَدِيْقٍ يَصْدُقُ دَوْمًا

لاَ يَخْدَعُ صَحْبَهْ أَوْ يَنْهَرْ

        ***

وَدَعَا الصَّادُ اللهَ كَثِيْرًا

كَيْ يَجْزِيَهُ ثَوَابَ الصَّوْمْ

صَلَّى لِلرَّحْمَنِ وَسَبَّحْ

قَامَ اللَّيْلَ وَنَسِيَ النَّوْمْ!

قَرَأَ بِخَيْرِ كِتَابٍ أُنْزِلْ

مَا أَكْرَمُهُ لآخِرِ يَوْمْ!

 

ضَادٌ

حَرْفُ الضَّادِ تَقَافَزَ زَهْوًا

بَيْنَ حُرُوْفِ اللُّغَةِ يُغَنِّيْ

قَالَ سَعِيْدًا بِتَفَرُّدِهِ:

لَيْسَ بِلُغَةٍ حَرْفٌ مِثْلِيْ

        ***

يَكْفِيْ يَا أَصْحَابِيَ فَخْرًا

لُغَتِيْ تَأْخُذُ اِسْمًا مِنِّيْ

حِيْنَ تُسَمَّى لُغَةَ الضَّادْ(17)

أَسْمَعُ كُلَّ الكَوْنِ يُغَنِّيْ

لَحْنًا مِثْلَ الضَّوْءِ تَأَلَّقْ

جَاءَ يُبَارِكُ، جَاءَ يُهَنِّيْ

 

طَاءٌ

خَرَجَ الطَّاءُ لِيَشْرَحَ دَرْسًا

بِالطَّبَاشِيْرِ عَلَى السَّبُّوْرَةْ

كَانَتْ بَاقِي حُرُوْفِ اللُّغَةِ

تَكْتُبُ مَا يَكْتُبْ مَبْهُوْرَةْ

كَانَ الدَّرْسُ لَطِيْفًا فِعْلاً

يَذْكُرُ أَشْيَاءً مَشْهُوْرَةْ

عَنْ أَطْعِمَةٍ نَأْكُلُ مِنْهَا

أَوْ أُخْرَى لَيْسَتْ مَعْرُوْفَةْ

فَاكِهَةٌ تَمْنَحُنَا البَهْجَةْ

وَطَمَاطِمُ، خُضَرٌ، مَطْبُوْخَةْ

خَتَمَ الطَّاءُ الشَّرْحَ كَنَجْمٍ

يَلْقَى تَشْجِيْعًا وَحُبُوْرَا(18)

كَانَ سَعِيْدًا بِتَفَوُّقِهِ

مَزْهُوًّا مِثْلَ الأُسْطُوْرَةْ!

 

ظَاءٌ

ظَهَرَ الظَّاءُ حَزِيْنًا أَسِفًا

قَالَ بِشَجَنٍ: مَا أَتْعَسَنِيْ!

كُلُّ حُرُوْفِ اللُّغَةِ جَمِيْلٌ

سَهْلٌ، حُلْوٌ، لاَ أَسْتَثْنِيْ!

إِلاَّ حَرْفِيَ دَوْمًا صَعْبًا

شَكْلاً أَوْ لَفْظًا يُرْبِكُنِيْ

        ***

قَالَ القَمَرُ لِحَرْفِ الظَّاءِ

أَنْتَ كَظِلٍّ قَدْ ظَلَّلَنِيْ!

أَوْ ظُهْرٍ جَاءَ فَأَخْفَانِيْ

أَوْ لَيْلٍ أَظْلَمَ أَبْهَجَنِيْ

أَوْ ظَبْيٍ أَبْدَعَهُ الخَالِقْ

أَوْ ظِرْبَانٍ يَزْكِمُ أَنْفِيْ!(19)

أَوْ مَاءٍ أَنْقَذَ ظَمْآنًا

وَظَرِيْفٍ قَالَ فَأَسْعَدَنِيْ!

لاَ تَحْزَنْ يَا حَرْفَ الظَّاءِ

كَيْ تَظْفَرَ بِالبَهْجَةِ مِثْلِيْ

فَوُجُوْدُكَ يَا ظَاءُ بَدِيعٌ

وَغِيَابُكَ قَدْ يُسْقِطُ لُغَتِيْ!

 

عَيْنٌ

 

حَرْفُ العَيْنِ كَعَلَمٍ يَزْهُوْ

فَوْقَ السَّارِيَ مِثْلَ ضِيَاءْ

يَعْلُو فَوْقَ الوَهْمِ بِعِلْمٍ

لاَ يَتْرُكُنَا لِلأَهْوَاءْ

يُدْخِلُنَا أَجْوَاءً عَطِرَةْ

مَا أَجْمَلَهَا مِنْ أَجْوَاءْ!

        ***

بَيْنَ العِلْمِ وَبَيْنَ الدِّيْنِ

نَتَقَلَّبُ صُبْحًا وَمَسَاءْ

شَيْخٌ يَدْعُوْنَا، يَهْدِيْنَا

أَوْ عَالِمُ يَرْنُوْ لِسَمَاءْ

أَبْدَعَ نَظَرِيَّاتٍ كُبْرَى

كَيْ يَدْفَعَ خَطَرَ الأَعْدَاءْ

أَوْ حُرٌّ عَارَكَ فِيْ صَبْرٍ

حَرَّرَ شَعْبًا مِنْ أَرْزَاءْ(20)

وَبِلاَدٌ تَسْكُنُنَا دَوْمًا

أَوْ نَسْكُنُ فِيْهَا بِإِبَاءْ

وَعُيُوْنٌ تَخْشَعُ لِلْخَالِقْ

تَدْعُوْهُ بِخَوْفٍ وَرَجَاءْ

 

غَيْنٌ

غَابَ الغَيْنُ قَلِيْلاً عَنَّا

وَأَتَانَا بِالغَيْمِ المُمْطِرْ

فَغَرَسْنَا شَجَرًا وَزُهُوْرًا

وَدَعَوْنَا المَوْلَى كَيْ يَكْبُرْ

وَأَخَذْنَا نَلْهُوْ بِسُرُوْرٍ

وَالمَاءُ بِأَيْدِيْنَا يَقْطُرْ

        ***

وَبِحَرْفِ الغَيْنِ تَغَنَّيْنَا

بِغَرَامٍ أَبَدًا لاَ يَفْتُرْ

وَبِخَيْرٍ غَاصَ بِأَنْفُسِنَا

يُنْجِينَا مِنْ شَرٍّ يَحْضُرْ!

 

 فَاءٌ

حَرْفُ الفَاءِ تَفَاخَرَ دَوْمًا

 بِتَصَدُّرِهِ لِلْقُرْآَنْ

فِيْ أَوَّلِ فَاتِحَةِ المُصْحَفْ

 أَوْ بِ "فَلاَحٍ" وَسْطَ أَذَانْ

كَانَ الفَاءُ يَقُوْلُ كَثِيْرًا:

 مَنْ مِثْلِيْ بَيْنَ الخِلاَّنْ

فَأَنَا حَرْفٌ يَحْوِيْ فَرْحًا

 لاَ تَدْخُلُ فِيْهِ الأَحْزَانْ!

فِي مَكَّةَ تَقْرَؤُنِيْ: فَتْحًا

 مِنْ عِنْدِيْ بَدَأَ الإِيْمَانْ

وَلِمِثْلِيَ قَدْ يَكْفِيَ فَخْرًا

 أَنِّيَ حَرْفٌ فِي الفُرْقَانْ

وَلِعُمَرٍ كُنْتُ الفَارُوْقَ(21)

 يَفْرِقُ حَقًّا عَنْ بُهْتَانْ

        ***

نَظَرَتْ كُلُّ حُرُوْفِ اللُّغَةِ

 لِتَفَاخُرِهِ بِاسْتِهْجَانْ

قَالَتْ: يَا فَاءُ كَفَى فَخْرًا

 فَالفَضْلُ لِرَبِّ الأَكْوَانْ

لَوْ كُنْتَ فَرِيْدًا أَوْ فَذًّا

 فَعَلَيْكَ بِشُكْرِ الرَّحْمَنْ

 

 قَافٌ

قَالَ القَافُ كَلاَمًا حُلْوًا

عَنْ أَوْقَاتٍ لاَ يَنْسَاهَا

حِيْنَ تَنَقَّلَ بَيْنَ زُهُوْرٍ

لاَ يُوْجَدُ أَبَدًا كَشَذَاهَا(22)

وَتَنَزَّهَ فَرِحًا فِيْ قَارِبْ

فَوْقَ مِيَاهٍ، مَا أَحْلاَهَا!

تَجْرِيْ فِي نِيْلٍ مَا أَرْوَعْ!

أَنْبَتَ أَجْيَالاً وَرَوَاهَا

        ***

ظَلَّ القَافُ يَقُوْلُ وَيَحْكِيْ

وَحُرُوْفُ اللُّغَةِ لَهُ تَسْمَعْ

عَنْ شَيْخٍ أَوْصَى أَبْنَاءَهْ

فَاسْتَمَعَ لَهُ العَالَمُ أَجْمَعْ:

اِتَّحِدُوْا كَيْ تَبْقَوْا أَبَدًا

فِي قُوَّةِ مَنْ يَرْفُضْ يَخْضَعْ

فَالعُودُ بِمُفْرَدِهِ يُكَسَّرْ

وَالنَّجْمَةُ تَعْجَزُ أَنْ تَلْمَعْ!

        ***

صَمَتَ القَافُ قَلِيْلاً جِدًّا

كَيْ يَكْشِفَ دُرَرًا أَخْفَاهَا

وَالقَمَرُ يُرَدِّدُ مَا يَنْطِقْ

فَيَدُوْرُ بِمُدِنٍ وَقُرَاهَا!

 

كَافٌ

 

كَانَ الكَافُ كَكُلِّ مَسَاءٍ

يَخْلُوْ فِيْ كَهْفٍ يَتَعَبَّدْ

لاَ يَعْبَأُ بِكَلاَمٍ أَخْرَقْ

أَوْ أُفْقٍ بِالغَيْمِ تَلَبَّدْ

وَيُقِيْمُ صَلاَةً وَزَكَاةً

وَسَلاَمًا يَسْمَعُهُ «مُحَمَّدْ»(23)

وَيَكُفُّ عَنِ الظُّلْمِ تَمَامًا

وَيُقِيمُ العَدْلَ لِكَيْ يَسْعَدْ

لاَ يَخْشَى فِي اللهِ كَلاَمًا

أَوْ لَوْمًا مَهْمَا يَتَكَبَّدْ

وَيُضَحِّي فِي العِيْدِ بِكَبْشٍ

وَلِكُلِّ ثَوَابٍ يَتَجدَّدْ!

        ***

لاَ يَعْرِفُ كَلَلاً أَوْ مَلَلاً

إِنْ وَاجَهَ صَعْبًا يَتَجَلَّدْ

لاَ يَثْبُتُ فِي حَالٍ أَبَدًا

كَالمَاءِ يَسِيْلُ وَيَتَجَمَّدْ!

وَبِذَلِكَ يُصْبِحُ مَحْبُوْبًا

وَلِكُلِّ الأَحْرُفِ يَتَسَيَّدْ!

 

لاَمٌ

 

قَالَ اللاَّمُ: أَيَا إِخْوَانِي

هَذِيْ لًُغَةُ الحَقِّ وَأَكْثَرْ

كَيْفَ نُسَامِحُ مَنْ يَهْجُرُهَا

وَبِغَيْرِ العَرَبِيَّةِ يَجْهَرْ؟

وَبِحَرْفِيْ وَحُرُوْفٍ أُخْرَى

يَتَلَمَّظُ(24) يَوْمًا أَوْ يَسْخَرْ؟!

يَجْهَلُ قَاعِدَةً نَحْوِيَّةْ

كَحِمَارٍ يَسْتَأْسِدُ.. يَزْأَرْ!

        ***

ضَحِكَتْ كُلُّ حُرُوْفِ اللُّغَةِ

مِنْ لُؤْمِ اللاَّمِ وَرَوْعَتِهِ

كَيْفَ يَقُوْلُ كَلامًا يُضْحِكْ

رَغْمَ مَرَارَتِهِ أو لَوْعَتِهِ؟!

وَتَكَلَّمَ حَرْفٌ أَوْ أَكْثَرْ

عَنْ حَذَقِ اللاَّمِ وفِطْنَتِهِ

قَالُوْا: مِثْلَ لُجَيْنٍ(25) يَلْمَعْ

أَوْ مِثْلَ اللَّبَنِ وَرِقَّتِهِ!

 

مِيْمٌ

وَقَفَ المِيْمُ بِحَفْلٍ يَخْطُبْ

قَالَ: أَنَا الحَرْفُ المُتَمَيِّزْ

أَقِفُ بِأَوَّلِ كَلِمَةِ: مَاءٍ

أَوْ مِلْحٍ، مِنْ دُوْنِ تَحَيُّزْ!

        ***

أَتَأَلَّقُ بِمُزَاحٍ مُمْتِعْ

يَرْجُوْهُ مَرِيضٌ وَعَلِيلْ!

لاَ أَخْشَى مَدًّا أَوْ جَزْرًا

أَوْ مَدْحًا، أَوْ قَالَ وَقِيلْ

بِيَ يَبْدَأُ مُوْسَى، وَمَسِيْحٌ

وَمُحَمَّدُ، لِلْخَيْرِ دَلِيلْ(26)

 

نُوْنٌ

نَالَ النُّوْنُ بِدَرْسِ النَّحْوِ(27)

أَعْلَى دَرَجَاتِ التَّكْرِيمْ

فَاصْطَفَّ الصَّفُّ يُهَنِّئُهُ

بِتَفَوُّقِهِ فِي التَّعْلِيمْ

يُعْرَفُ بِالحَقِّ وَبِالتَّقْوَى

لاَ يَسْكُتُ أَبَدًا لِلئيمْ

وَبِإِخْلاَصٍ يَعْمَلُ أَبَدًا

وَبِإِنْصَاتٍ، وَبِتَسْلِيمْ

مِثْلَ النَّمْلِ يُقِيْمُ عُرُوْشًا

لاَ يَخْشَى مِنْ شَرِّ رَجِيْمْ

وَالنَّحْلِ بِجِدٍّ وَنَشَاطٍ

تَعْمَلُ، لاَ تَهْوَى التَّكْلِيمْ!

لَمْ يَظْهَرْ يَوْمًا كَنَعَامٍ(28)

بَلْ نَسْرٍ(29) فِي الأُفْقِ يُقِيمْ!

كَانَ الفَصْلُ يُصَفِّقُ فَرِحًا

بِالنُّوْنِ، وَيَعْلُو التَّرْنِيمْ

 

هَاءٌ

هَتَفَ الهَاءُ: هَلُمُّوْا فَوْرًا

يَا كُلَّ الأَحْبَابِ تَعَالَوا

لِنُكَرِّمَ فَِي حَفْلٍ مَثَلاً

مَنْ فَعَلُوا خَيْرًا، أَوْ قَالُوا

أَوْ رُزِقُوا فَضْلاً وَذَكَاءً

مَا اغْتَرُّوا يَوْمًا وَتَعَالَوا(30)

        ***

جَاءَتْ كُلُّ الأَحْرُفِ تَسْعَى

تَهْمِسُ بِسُرُوْرٍ وَسَعَادَةْ

قَالَتْ: يَا هَاءُ لَقَدْ جِئْنَا

لِنُشَارِكَ فِي أَحْسَنِ عَادَةْ

وَاقْتَرَحَتْ لِلْحَفْلِ هَدَايَا

فِيْهَا تَقْدِيْرٌ وَإِفَادَةْ

        ***

قَالَ الهَاءُ بِكُلِّ هُدُوْءٍ

لَنْ يُصْبِحَ حَفْلاً، بَلْ عِيْدًا

يَحْضُرُهُ الهُدْهُدُ وَالهِرُّ

وَنُغَنِّي فِي العِيْدِ نَشِيْدًا

 

وَاوٌ

وَأْوَأَ حَرْفُ الوَاوِ كَثِيْرًا

وَاسْتَنْجَدَ بِحُرُوْفٍ أُخْرَى

كَانَ الحَرْفُ يَقُوْلُ حَزِيْنًا

إِنِّيَ فِيْ مُشْكِلَةٍ كُبْرَى

مَرَّ الوَقْتُ وَلَمْ أَسْتَذْكِرْ

أَيَّ دُرُوْسٍ، يَالَلْعُسْرَى!(31)

صَاحَتْ كُلُّ حُرُوْفِ اللُّغَةِ

يَا وَاوًا بِالنَّفْسِ تَرَفَّقْ

لَيْسَ بِحَظٍّ يَوْمًا تَنْجَحْ

فَابْدَأْ بِالعَمَلِ لِتَتَفَوَّقْ!

        ***

قَالَ الوَاوُ: سَأَعْمَلُ فَوْرًا

أَشْكُرُكُمْ يَا أَفْضَلَ صُحْبَةْ

سَأُذَاكِرُ بِنَشَاطٍ حَتَّى

لاَ يَحْدُثُ أَبَدًا مَا أَكْرَهْ

 

يَاءٌ

نَادَى اليَاءُ حُرُوْفَ اللُّغَةِ

قَالَ: تَعَالَوْا كَيْ نَتَحَدَّثْ

أَنَا إِنْ كُنْتُ أَخِيْرًا دَوْمًا

لَسْتُ كَسُوْلاً، بَلْ أَتَرَيَّثْ

لاَ أُهْدِرُ وَقْتِي بِسَرَابٍ

أَوْ أَلْهُوَ أَبَدًا، أَوْ أَعْبَثْ!

        ***

أَقِفُ بِآَخِرِ صَفِّ اللُّغَةِ

لاَ أَغْتَابُ وَلاَ أَتَجَسَّسْ

أَشْكُرُ رَبِّيَ كُلَّ صَبَاحٍ

عَلَى دِيْنٍ بِالحُبِّ تَأَسَّسْ

        ***

أَفْخَرُ أَنِّيَ أَوَّلُ اِسْمٍ

لِنَبِيٍّ لِلَّهِ تَحَمَّسْ

أَيُّوْبَ، وَيَعْقُوْبَ، وَيَحْيَى،

أَوْ يُوْسُفَ لِلْعَدْلِ تَلَمَّسْ

وَمَضَى حَرْفُ اليَاءِ كَثِيْرًا

فِي ذِكْرِ صِفَاتٍ، مَا أَنْفَسْ!

-----------------------------------

1 - بَاسِقٌ: مُرْتَفِعٌ.

2 - التِّبْرُ: فُتَاتُ الذَّهَبِ أو الفِضَّةِ قبل أنْ يُصَاغَا.

3 - التِّرْسَةُ: السُّلَحْفَاةُ البَحْرِيَّةُ.

4 - يَرْتَعُ: يَرْعَى كَيْفَ شَاءَ فِي خِصْبٍ وَسَعَةٍ.

5 - الهَوْدَجُ: مَقْصُوْرَةٌ ذَاتَ قُبَّةٍ تُوْضَعُ عَلَى ظَهْرِ الجَمَلِ لِتَرْكَبَ فِيْهَا النِّسَاءُ.

6 - الذَّرَّةُ: هي أصغر جزءٍ في عُنصرٍ ما، وعلم الذرة، هو أساس إنتاج القنابل الذرية، والمفاعلات النووية السلمية.

7 - النادي الذري، هو نادٍ رمزي يجمع الدول المتقدمة في علم الذرة، أو التي تمتلك القنابل والمفاعلات النووية.

8 - حمَامُ الزَّاجل: ضَرْبٌ من الحمام كان يحمل الرسائل قديما. والمِئْزَرُ: ثوبٌ يُحيط بالنِّصف الأسفل من البدن.

9 - زرافى: جمع زرافة، وهي حيوانٌ عُشبِيٌّ ثدييٌّ، عنقها طويل جدًّا.. والدَّغَلُ: الوَادي فيه شجرٌ كثيرٌ مُلتَفٌّ.

10 - الزَّبَادُ: حيوانٌ ثدييٌّ قريبٌ من السنانير، له كيس عطر قريب من الشرج يفرز مادة دهنية تستخدم أساسًا للعطر.

11 - المِزْهَرُ: العودُ الذي يُضرب به، وهو أحدُ آلات الطَّرب.

12 - زمزَمُ: بئرٌ مشهورة بمكة بجوار الكعبة يُتبرّك بشرب مائِها.

13 - السِّنَّوْرُ: حيوانٌ أليفٌ من الفصيلة السِّنَّوْريَّةِ ورتبة اللواحم، من خير مآكله الفأر، ومنه أهليٌّ وبَرِّيٌّ.

14 - الشُّحْرُورُ: طائر غِرِّيد، يصاد ويربى في أقفاصٍ لحسن صوته.

15 - الضَّيْقُ: الفقر والشِّدَّةُ.

16 - قَتَرَ: ضيَّق في النفقة، قال تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلمْ يَقْتُرُوا".

17 - اللغةُ العربية تُلقب بلغة الضاد؛ لعدم وجود حرف الضاد في غيرها من اللغات الحية.

18 - الحُبُورُ: السُّرورُ.

19 - الظَّبْيُ: حيوان من ذوات الأظلاف، يقال له: الغزال الأعفر. والظَّرِبَانُ: حيوان أصغر من السِّنَّوْرِ، مُنْتِنُ الرائحة.

20 - أرزاءُ: مَصائب، وقد رزأَتْهُ رَزيَئَةٌ أَيْ أصابته مُصيبةٌ.

21 - الفارُوق: هو اللَّقبُ الذي عُرِفَ به عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه.

22 - الشَّذا: قوَّة الرائحة.

23 - المقصود نبي الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

24 - يتلمظ بذكره: يعيبه.

25 - اللُّجين: الفضة.

26 - أنبياء الله تعالى، موسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام.

27 - النَّحْوُ: علم يعرف به أحوال أواخر الكلام إعرابًا وبناءً.

28 - النعام: جمع نعامة، وهي طائر كبير الجسم طويل العنق، شديد العدو، مشهور بالجبن، ويقال: جاء كالنعامة، أي رجع خائبا.

29 - النَّسرُ: طائر من الجوارح حاد البصر، وهو أكبر الجوارح حجما، وهو شعار لبعض الدول العربية.

30 - تعالوا: من التعالي والغرور.

31 - العُسْرَى: الأمرُ الصعبُ الشديدُ.