الفرسُ الكسلانُ.. حكايات من السودان

الجمل والتمر المفقود

عاش في إحدى واحات صحراء السودان تاجر يملك جملاً، وفيًا،. كان ذلك التاجر يحمل على ظهر جمله طرودًا، من التمر, متجولاً، بها بين القرى والبــوداي، مشتريًا، وبائعًا، دون أن يشكو جمله أو يئن يومًا، وظلّ الجمل وفيا، لصاحبه, وظل، صاحبه يهتمّ به كلّ الإهتمـام.

إزداد مال التاجر وإنتعش. قرّر صاحب الجمل, شراء جملين آخرين وتشغيلهما بدل جمله القديم. اشترى التاجر جملين, وأخذ يهتمّ بهما أكثر من جمله القديم, الذي صار يتلقّى قليلاً، من العشب والماء, عكس الجملين الآخرين.

ذات يوم حمّل التاجر جماله الثلاثة بالتمر, متجهًا بها في رحلة بعيدة. أخذ التاجر يهتمّ فقط بالجملين الجديدين, ويترك الجمل القديم جائعًا، أخذ الجمل الجائع يأكل من حمله ويأكل، حتى ترك طرود التمر على ظهره شبه خاوية. وصل التاجر إلى هدفه, ووصلت معه جماله الثلاثة.

التقى التاجر زبائنه ليلا، والذين أخبرهم بأنه قد أتى بثلاثة جمال محمّلة، بالتمر، واتفق على بيع التمر لأحد الزبائن. أتى التاجر لإنزال طرود التمر, ففوجئ بخلو أحدها من التمر. كان الجمل الجائع قد أكل معظم ما بها.

أصاب الخجل التاجر، بعد ما فهم سر ما فعله الجمل. أدرك التاجر, مدى ظلمه لجمله الوفي, وتحسّر على ذلك. وربت على رأسه واعدًا إياه بألا يهمله أبدا.

 

هيجان البحر

عاش في إحدى الجزر قرصان جبار، كان ذلك القرصان يركب قاربه الصغير, ويحمل ساطوره, ويتسلّق المراكب الكبيرة وينهبها, ثم يحمل ما نهب ويتجه به إلي جزيرته, التي عرفت بجزيرة القرصان, والتي لا يسكن فيها أحد، غيره.

ذات يوم تسلّق القرصان مركبًا، كبيرًا, كان به قبطان واحد فقط. حاول القبطان مقاومة القرصان الجبار. غير أن القرصان ضرب يده بساطوره, وألحق به الأذى. نهب القرصان المركب ونزل منه, متجها، إلى جزيرته, تاركا القبطان على المركب.

عالج القبطان يده وواصل إبحاره. بعد أيّام عاد القبطان مارًا، بالطريق نفسه، وقتها هاج البحر وارتفعت أمواجه. رأى القبطان القرصان, الذي لم يسعه قاربه الصغير, وهو يغرق بين الأمواج. حنّ قلب القبطان على القرصان, وساعده بيده الجريحة إلى العودة داخل المركب.

إرتاح القرصان قليلا، ورأى القبطان, وهو يعالج يده مرة أخرى, عندما ابتلت بالماء. ندم القرصان على ما فعل, ثم اعتذر للقبطان وتحسر على ما ألحقه به من أذى. صار القرصان صديقًا وفيًا للقبطان, الذي علمه الإبحار والتجارة, وترك بدوره احتراف القرصنة.

 

الثعبان والقنفذ

اعتاد أحد الثعابين الاختفاء بين الأعشاب, والتربّص بصغار الحيوانات من الأرانب والفئران ثم الالتفاف حولها حيث يسهل من بعد ذلك قتلها وابتلاعها بأكملها ثم هضمها. هكذا عاش الثعبان, الذي لم يفلت منه شيء عندما يلتف حوله.

على مرّ الأيّام أدركت الحيوانات وصغارها الخطر الذي يحيط بها من قبل الثعبان الشرس. اختفت الحيوانات عن مكان وجود الثعبان، وهي تدبر خطة ابتكرها القنفذ.

صار الثعبان يصطاد الحشرات, التي لم تشبع جوعه بعد. أصبح الثعبان يجوع يومًا بعد يوم, دون أن يجد حلاً، لمشكلته.

ذات يوم جاع الثعبان جوعًا، شديدًا, وصار يلتهم كثيرًا من الحشرات الصغيرة والكبيرة، ولكنه ظلّ جائعًا، وذلك لبرودة الجو. قرر الثعبان إنقاذ نفسه وبدأ يجوب المكان زاحفا, على أمل العثور على شيء، حتى ولو كان فأرًا واحدًا, لأنه لم يذق مثله منذ أيّام.

لمح الثعبان شيئا، أسود اللون, على سطح الأرض يشبه الفأر. زحف الثعبان نحو القنفذ الذي كان يتظاهر بالنوم. التفّ الثعبان حول القنفذ وغطّاه بأكمله. شعر القنفذ بالثعبان, الذي التفّ حوله. أفرد القنفذ شوكه, واحدة، واحدة، في جلد الثعبان, الذي استرخى مغشيًا، عليه ميتًا، وفلت القنفذ من قبضته. نجحت خطة القنفذ في القضاء على العدو المفترس، وجاءت كل الحيوانات الصغيرة تشكره.

 

القاضي الذكي

كانت هناك لرجل دجاجة تبيض كل يوم بيضة واحدة.

لاحظ الرجل عند خروجه من منزله وعودته اختفاء بيضة دجاجته. جنّ جنون الرجل, الذي كان يأمل في أن يصير يومًا، تاجرًا، للبيض, ولكن دون فائدة, فذهب إلى القاضي.

حكى الرجل للقاضي قصته, فسأله عمّن يسكن معه, وعمّن يجاوره. أجاب الرجل القاضي: بأنه يسكن وحده, وله جار واحد, وهو ذلك الرجل, الذي يسكن بجواره منذ سنين.

أمر القاضي الرجل, بأن يأتيه في الغد, برفقة جاره هذا, حتى يتمكّن من حلّ مشكلته. أتى الرجل في الغد للقاضي, بصحبة جاره, الذي سأله القاضي, عما إذا رأى اللص, الذي يسرق بيضة الدجاجة يوميًا، من دار جاره.

أجاب الجار: بأنه لم ير اللص, ولا دجاجة جاره, ولا بيضتها الوحيدة يومًا واحدًا!

ضحك القاضي بمرح وعرف السبب. أمر القاضي جار الشاكي بأن يراقب الدجاجة عندما تبيض بيضة، ويحرسها مقابل بيضة واحدة عند نهاية كلّ أسبوع.

بهذا تمكّن القاضي بذكائه من حلّ المشكلة, كما تمكّن الرجل, من جمع بيض دجاجته, وتسويقه أسبوعيًا، دون إشكال.

 

الكشاف الصغير

تعلمنا الكشافة طرقًا كثيرة للاعتماد على النفس.

فقد كان هناك كشاف صغير في سن العاشرة من العمر، وكان ذلك الكشاف الصغير يذهب يوميًا، إلى المدرسة, ثم يعود إلى منزل والديه. وعند الأصيل، أي قرب غروب الشمس، يرجع الكشاف الصغير إلى دار الكشافة, لتلقّي دروس وعلوم الكشافة.

كان الكشاف الصغير يتلقّى كثيرًا، من الدروس, مثل إطفاء الحريق, وإنقاذ الغريق, ومساعدة المعاق, وإسعاف الجريح, وغيرها من الإسعافات الأولية, في حالات الطوارئ, ولحظات الضرورة.

ذات يوم وبينما كان الكشاف الصغير جالسًا، تحت شجرة, أمام منزل والديه، لمح دخانًا، يلتوى, كخيط رفيع يرتفع من قلب أحد المنازل.

نهض الكشاف الصغير, وانطلق بسرعة الريح, واقتحم المنزل إلى مكان انبعاث الدخان.

أخذ الكشاف الصغير إناءً, وملأه بالماء وأطفأ النار, التي أوقدها بعض الأطفال, الذين كان يلعبون بأعواد الثقاب, في فناء دارهم ومكان لعبهم, دون أن يدروا العاقبة. بهذا أنقذ الكشاف الصغير الأطفال ودارهم وجيرانهم.

 

الفرس الكسلان

كان هناك راعٍ, يملك مزرعة، وعددًا من الخيول.

كان هذا الراعي, يهتمّ بخيوله ويحسن معاملتها، حيث يؤوي كلّ واحد منها, في مكان منفصل عن الآخر. عند كلّ صباح, يأخذ الراعي أحد الخيول بالتناوب إلى المرعى, وذلك حتى لا تصاب بالتعب والإعياء عندما يمتطيها.

عند نهاية الأسبوع, يأخذ الراعي خيوله إلى النهر المجاور, ويدخل خيوله إلى وسط النهر, ويتركها تأخذ حمّامًا طويلاً في ماء النهر.

بعد فترة تعودت الخيول على الخروج وحدها من مزرعة صاحبها, وقصد النهر, ثم الاستحمام فيه, والعودة إلى مأواها مرة، أخرى.

كان من بين الخيول, فرس كسلان، لا يحب الاستحمام, يظلّ يأكل العشب, ويقفز وقت الاستحمام هنا وهناك، غير مبال بشيء. عجز صاحب الفرس عن إجبار فرسه على الاستحمام, وهذا ما جعله دائمًا، عدوانيا، تجاه صاحبه, عندما يمسّه بالماء.

على مرّ الأيّام, صار الفرس متّسخا، حتى اسودّ صوفه. تجمعت أسراب الحشرات, وبدأت تحط على الفرس, وتقرصه هنا وهناك. أسرع الفرس تجاه النهر, وغطس فيه لفترة، من الزمن، مدركًا خطأه الذي تسبب فيه كسله. كان الكسل سيجعله يمرض. أما الآن فقد صار الفرس أول ما يخرج للاستحمام, من بين الخيول كلها, بعد إدراكه سر الماء الدفين.