الهَنْدَسَة العَاطفيَّة في اللُغَةِ العَرَبيَّة

حَبْكة النص بغزل نسيج الكلام، هي أن تَلْتَقِط طَرف الجمل، بحيث تردد كَلمة من الجُمْلة الأولى في الجملة الثانية، وكلمة من الثالثة في الرابعة؛ فتكون كل جملتين في قسم منغوم، والجملتان الأخيرتان غير الجملتين الأوليين في الصورة، لتبنى كل تالية من الجمل على لفظ من السابقة، ويتم المعنى بالترديد كقوالب من الطوب المتناسق في جدار متين غاية في الجودة وتقرير القصد، ومثال عليه قول رسول الله محمد [ «من خَاف أدْلج، ومن أدْلج بَلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة»، وقول الأحنف في «لباب الآداب»: «من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قَلَّ حياؤه، وَمَن قَلَّ حَياؤه قَلَّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه» وقول يزيد بن أبان في «البيان والتبيين»: «ليتنا لم نُخْلق، وليتنا إذ خُلِقنا لم نعْص، وليتنا إذ عصينا لم نمت، وليتنا إذ متنا لم نبعث، وليتنا إذ بعثنا لم نحاسَب، وليتنا إذ حوسبنا لم نعذّب، وليتنا إذ عذّبنا لم نخلد».

 

لتكرار‭ ‬الألفاظ‭ ‬شأن‭ ‬خطير‭ ‬في‭ ‬بث‭ ‬الراحة‭ ‬‮«‬ترديد‭ ‬آه‭ ‬التوجّع‭ ‬والحسرة‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الشاعر‭ ‬الجاهلي‭ ‬وكاتب‭ ‬الأغاني‭ ‬المعاصر،‭ ‬كتألّم‭ ‬وتأمّل‭ ‬الشريف‭ ‬الرضي‭ ‬في‭ ‬بهجة‭ ‬الصبا‮»‬‭:‬

 

واهًا‭ ‬على‭ ‬عهد‭ ‬الشباب‭ ‬وطيبه

واهًا‭ ‬له‭! ‬ما‭ ‬كان‭ ‬غير‭ ‬دُجنَّة‭ ‬

 

ونظام‭ ‬التشريك‭ ‬والموافقة‭ ‬يُمكّن‭ ‬نفس‭ ‬السامع‭ ‬من‭ ‬المدلول‭ ‬كما‭ ‬يرتاح‭ ‬البصر‭ ‬لمشهد‭ ‬عمودين‭ ‬من‭ ‬رخام‭ ‬صقيل‭ ‬يحملان‭ ‬واجهة‭ ‬البناء؛‭ ‬كذا‭ ‬يؤكد‭ ‬أبو‭ ‬تمام‭ ‬مرادَ‭ ‬أبياته‭ ‬بانسجام‭ ‬المشهد‭ ‬وتتميم‭ ‬بَعْضِه‭ ‬حُسْن‭ ‬بعض‭ ‬على‭ ‬الجانبين‭: ‬

 

تُلقِّح‭ ‬آمالًا‭ ‬وترجو‭ ‬نتاجها

وعمرك‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬ترجّيه‭ ‬أقصر

وهذا‭ ‬صباح‭ ‬اليوم‭ ‬ينعاك‭ ‬ضوؤه

وليلته‭ ‬تنعاك‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬تشعر

 

‭ ‬وميزان‭ ‬المتنبي‭ ‬الأنيق‭ ‬يقيس‭ ‬المروءة‭:‬

 

إذا‭ ‬أنت‭ ‬أكرمتَ‭ ‬الكريمَ‭ ‬ملكتَه

وإن‭ ‬أنت‭ ‬أكرمت‭ ‬اللئيم‭ ‬تمرّدا

 

‭ ‬ويزن‭ ‬النقص‭:‬

 

وما‭ ‬يوجع‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬كفّ‭ ‬حارم

كما‭ ‬يوجع‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬كفّ‭ ‬رازق

 

أفانين‭ ‬البلاغة

‭ ‬وكما‭ ‬يتم‭ ‬كمال‭ ‬الجمال‭ ‬بنقيصة‭ ‬مقصودة،‭ ‬كخصلة‭ ‬سقطت‭ ‬عفوًا‭ ‬على‭ ‬جبين‭ ‬وضاء؛‭ ‬يُنبّه‭ ‬الجناس‭ ‬غير‭ ‬التام‭ ‬النفس‭ ‬للمعنى‭ ‬ولقدرة‭ ‬المتكلم‭ ‬على‭ ‬دقة‭ ‬الاختيار؛‭ ‬وهو‭ ‬مُحرّف‭ ‬يختلف‭ ‬ركناه‭ ‬في‭ ‬هيئات‭ ‬الحروف‭ ‬ليس‭ ‬إلّا،‭ ‬كقوله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ {‬وَلَقَدْ‭ ‬أَرْسَلْنَا‭ ‬فِيهِمْ‭ ‬مُنْذِرِينَ‭ ‬فَانْظُرْ‭ ‬كَيْفَ‭ ‬كَانَ‭ ‬عَاقِبَةُ‭ ‬الْمُنْذَرِينَ‭}‬‭ (‬سورة‭ ‬الصافات‭: ‬72‭ - ‬73‭)‬‭ ‬وقول‭ ‬أبي‭ ‬تمام‭:‬

 

يمدّون‭ ‬من‭ ‬أيدٍ‭ ‬عواص‭ ‬عواصم

تصول‭ ‬بأسياف‭ ‬قواضٍ‭ ‬قواضبِ

 

ونقص‭ ‬الحرف‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ {‬وَالْتَفَّتِ‭ ‬السَّاقُ‭ ‬بِالسَّاقِ‭ ‬إِلَى‭ ‬رَبِّكَ‭ ‬يَوْمَئِذٍ‭ ‬الْمَسَاقُ‭} ‬‭(‬سورة‭ ‬القيامة‭: ‬29‭ - ‬30‭).‬

 

والنقص‭ ‬الصوتي‭ ‬كقول‭ ‬الخنساء‭:‬

 

إن‭ ‬البكاء‭ ‬هو‭ ‬الشفاء‭ ‬

من‭ ‬الجوى‭ ‬بين‭ ‬الجوانح

 

‭ ‬وجناس‭ ‬قلب‭ ‬الحروف‭ ‬كلها‭ ‬‮«‬في‭ ‬حسامه‭ ‬فتح‭ ‬لأوليائه‭ ‬حتف‭ ‬لأعدائه‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬بعكس‭ ‬ترتيبها‭ ‬‮«‬اللهم‭ ‬استر‭ ‬عوراتنا‭ ‬وآمن‭ ‬روعاتنا‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يصفه‭ ‬العلوي‭ ‬‮«‬من‭ ‬جملة‭ ‬أفانين‭ ‬البلاغة،‭ ‬وفيه‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬الاقتدار‭ ‬في‭ ‬الكلام‭ ‬والإعراق‭ ‬فيه،‭ ‬وهو‭ ‬قليل‭ ‬نادر‭ ‬صعب‭ ‬المسلك،‭ ‬وعر‭ ‬المرتقى،‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يأتي‭ ‬به‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬أفلق‭ ‬في‭ ‬البلاغة،‭ ‬وتقدّم‭ ‬في‭ ‬الفصاحة‮»‬‭.‬

لاحظت‭ ‬د‭. ‬فاطمة‭ ‬محجوب‭ (‬مجلة‭ ‬الشعر،‭ ‬العدد‭ ‬الثامن،‭ ‬ص‭ ‬40،‭ ‬1977‭) ‬أن‭ ‬منهج‭ ‬علم‭ ‬الأسلوبيات‭ ‬اللغوي‭ ‬قائم‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬على‭ ‬تبيان‭ ‬مكانة‭ ‬الكلمة‭ ‬كوحدة‭ ‬بنائية‭ ‬ومنزلة‭ ‬تكرار‭ ‬الشكل‭ ‬الجمالي‭ ‬والفراغي‭ ‬في‭ ‬الفنون‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬كلها‭ ‬على‭ ‬عنصري‭ ‬التردد‭ ‬والتنويع؛‭ ‬فالشاعر‭ ‬إذ‭ ‬يكرر‭ ‬أصواتًا‭ ‬بعينها‭ ‬هو‭ ‬بذلك‭ ‬يحقق‭ ‬لقصيدته‭ ‬النظم‭ ‬والبناء‭ ‬بلبنة‭ ‬من‭ ‬أصغر‭ ‬وحدة‭ ‬صوتية‭ (‬فونيم‭) ‬إلى‭ ‬أعمدة‭ ‬البناء‭ (‬الجملة‭ ‬أو‭ ‬الشطر‭).‬

 

أنواع‭ ‬الزخارف‭ ‬اللفظية

وقد‭ ‬رصد‭ ‬البلاغيون‭ ‬في‭ ‬أكسفورد‭ ‬جمال‭ ‬تكرار‭ ‬الزخارف‭ ‬اللفظية‭ ‬بالحرف‭ ‬والكلمة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬ونوَّعوه‭ ‬أنواعًا‭ ‬ثمانية‭ ‬وفق‭ ‬الموقع‭ ‬من‭ ‬الكلام،‭ ‬يتميّز‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬باسم‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

 

1 ‭- ‬أنافره‭: ‬تكرار‭ ‬اللفظ‭ ‬أو‭ ‬العبارة‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الأبيات‭ ‬المتعاقبة‭.‬

‭ ‬2 ‭- ‬أبيستروفي‭: ‬التكرار‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الأبيات‭ ‬المتعاقبة‭.‬

3 ‭- ‬سيمبلوس‭: ‬التكرار‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الأبيات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬وأواخرها‭.‬

4 ‭- ‬أنادبلوسيس‭: ‬تكرار‭ ‬اللفظ‭ ‬أو‭ ‬العبارة‭ ‬الواقعة‭ ‬آخر‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬الأبيات‭ ‬التي‭ ‬تليه‭.‬

5 ‭- ‬أبيزوكسس‭: ‬تكرار‭ ‬اللفظ‭ ‬أو‭ ‬العبارة‭ ‬تكرارًا‭ ‬متعاقبًا‭ ‬بلا‭ ‬فاصل‭.‬

6 ‭- ‬أنتيستروفي‭: ‬تكرار‭ ‬الجملة‭ ‬مع‭ ‬قلب‭ ‬تعاقبها‭.‬

7 ‭- ‬بالتوتان‭: ‬تكرار‭ ‬اللفظ‭ ‬نفسه‭ ‬مع‭ ‬لواحقه‭ ‬المختلفة‭ ‬أو‭ ‬بحالات‭ ‬إعرابه‭ ‬المختلفة‭.‬

8 ‭- ‬هومو‭ ‬أتالوتان‭: ‬تكرار‭ ‬الوحدة‭ ‬الصرفية‭ ‬نفسها‭ (‬السوابق،‭ ‬واللواحق،‭ ‬والدواخل‭) ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬اللفظ‭. ‬

 

حتى‭ ‬وصل‭ ‬أعلى‭ ‬درجات‭ ‬فتنته‭ ‬الجمالية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬البديع‭ ‬الذي‭ ‬اختلف‭ ‬فيه‭ ‬الخطيب‭ ‬مع‭ ‬الأجدابي،‭ ‬وابن‭ ‬الأثير‭ ‬مع‭ ‬العلوي‭ ‬في‭ ‬تسميته‭ ‬بين‭ ‬‮«‬التشريع‮»‬‭ ‬و«التوشيح‮»‬‭ ‬و«التوأم‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬بناء‭ ‬بيت‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬تعدّد‭ ‬القافية،‭ ‬بحيث‭ ‬يُقرأ‭ ‬كاملًا‭ ‬فيكون‭ ‬سليمًا‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬العروض‭ ‬ونظم‭ ‬القافية،‭ ‬فإذا‭ ‬نقص‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬القافية‭ ‬الأخرى‭ ‬مع‭ ‬سلامة‭ ‬القواعد،‭ ‬كالموشحات‭ ‬التي‭ ‬استكثر‭ ‬منها‭ ‬شعراء‭ ‬الأندلس،‭ ‬وهو‭ ‬مشتق‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬فارسي‭ ‬نادر‭ ‬للشعر‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬المربع‮»‬‭ ‬لبنائه‭ ‬كحجرة‭ ‬منتظمة‭ ‬الأضلاع‭ ‬والزوايا‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬كلمات‭ ‬يتألف‭ ‬منها‭ ‬باختلاف‭ ‬أوضاعها‭ ‬أربعة‭ ‬أبيات‭ ‬مقفّاة‭ ‬برويّ‭ ‬واحد،‭ ‬لو‭ ‬وضعت‭ ‬في‭ ‬جدول‭ ‬ذي‭ ‬ستة‭ ‬عشر‭ ‬بيتًا،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الأوفاق‭ ‬السحري،‭ ‬لقُرئت‭ ‬من‭ ‬اليمين‭ ‬إلى‭ ‬اليسار‭ ‬على‭ ‬الترتيب،‭ ‬كما‭ ‬تقرأ‭ ‬من‭ ‬الأعلى‭ ‬إلى‭ ‬الأدنى‭ ‬دون‭ ‬فرق،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭:‬

 

فؤادي‭/ ‬سباه‭/ ‬غزال‭/ ‬ربيب

سباه‭/ ‬بقدّ‭/ ‬كغصنٍ‭ ‬رطيب

غزال‭/ ‬كغصن‭/ ‬جناه‭/ ‬عجيب

ربيب‭/ ‬رطيب‭/ ‬عجيب‭/ ‬حبيب

 

ويصفه‭ ‬د‭. ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬علي‭ ‬السيد‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬بناء‭ ‬يعوزه‭ ‬الصبر،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نتاج‭ ‬الوجدان،‭ ‬لكنه‭ ‬طريف‭ ‬الهندسة‭ ‬الشكلية‭ ‬والسمعية،‭ ‬ولا‭ ‬يسع‭ ‬المتكلم‭ ‬على‭ ‬أنواع‭ ‬التكرير‭ ‬بالمعنى‭ ‬العام‭ ‬تركه،‭ ‬وكان‭ ‬شعراء‭ ‬العصر‭ ‬مولعين‭ ‬بالإفراط‭ ‬في‭ ‬الصنعة،‭ ‬وقد‭ ‬جمعت‭ ‬دواوينهم‭ ‬وكتب‭ ‬البلاغة‭ ‬التي‭ ‬عنيت‭ ‬ببديعهم‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬التكلف‭ ‬لألوان‭ ‬الافتنان‮»‬‭.‬

‭(‬التكرير‭ ‬بين‭ ‬المثير‭ ‬والتأثير،‭ ‬دار‭ ‬الطباعة‭ ‬المحمدية،‭ ‬القاهرة،‭ ‬1978،‭ ‬ص‭ ‬281‭).‬

 

بين‭ ‬الهندسة‭ ‬العاطفية‭ ‬واللفظية

مشكلة‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬أن‭ ‬جمالياته‭ ‬اللفظية‭ ‬تغلب‭ ‬تأثيراته‭ ‬العاطفية،‭ ‬فالمؤلف‭/ ‬الشاعر‭ ‬هنا‭ ‬كالرسام‭ ‬الذي‭ ‬يتفنّن‭ ‬في‭ ‬دقة‭ ‬تصويره‭ ‬لدرجة‭ ‬أقرب‭ ‬للفوتوغرافيا،‭ ‬فتختفي‭ ‬حميمية‭ ‬الألوان‭ ‬ويضيع‭ ‬أثر‭ ‬ضربات‭ ‬الفرشاة‭ ‬على‭ ‬النسيج‭ ‬ويتساءل‭ ‬المُتلقي‭: ‬أين‭ ‬الفن؟‭ ‬وما‭ ‬معنى‭ ‬النسخ‭ ‬المتطابق‭ ‬والأصل‭ ‬موجود؟‭ ‬فكما‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬يُسرف‭ ‬الأديب‭/ ‬الفنان‭ ‬في‭ ‬استطراد‭ ‬خواطره‭ ‬ليصبح‭ ‬العمل‭ ‬كتلة‭ ‬مموهة‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬ذاتية‭ ‬غامضة،‭ ‬كذلك‭ ‬لا‭ ‬يصحّ‭ ‬أن‭ ‬يتحكم‭ ‬فيه‭ ‬الهوس‭ ‬ببراعته‭ ‬الذهنية،‭ ‬وعليه‭ ‬التفريق‭ ‬بين‭ ‬الهندسة‭ ‬العاطفية،‭ ‬وهي‭ ‬إلحاحه‭ ‬على‭ ‬جهة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬العبارة‭ ‬يعني‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سواها،‭ ‬بحيث‭ ‬تصير‭ ‬كامنة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تكرار‭ ‬يَخْطر‭ ‬على‭ ‬البال،‭ ‬وكأنه‭ ‬يضع‭ ‬نمط‭ ‬بناء‭ ‬الشعور‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتولد‭ ‬لدى‭ ‬القارئ‭ ‬عند‭ ‬قراءة‭ ‬النص،‭ ‬ومنه‭ ‬يحلل‭ ‬الناقد‭ ‬نفسية‭ ‬كاتبه‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬عاطفي،‭ ‬وبين‭ ‬الهندسة‭ ‬اللفظية؛‭ ‬وهي‭ ‬خضوع‭ ‬النص‭ ‬للقوانين‭ ‬الخفيَّة‭ ‬التي‭ ‬تتحكَّم‭ ‬في‭ ‬العبارة‭ ‬من‭ ‬توازن‭ ‬موسيقي‭ ‬وتجسيم‭ ‬لرسم‭ ‬الحروف‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬نقاط‭ ‬متحررة‭ ‬وقوائم‭ ‬كالأبراج،‭ ‬وما‭ ‬يلتف‭ ‬حول‭ ‬نفسه‭ ‬بمنحنيات‭ ‬أنثوية‭ ‬ناعمة‭ ‬كإلهاء‭ ‬الهاء‭ ‬والميم‭ ‬الحميم،‭ ‬ومراعاة‭ ‬الشكل‭ ‬البياني‭ ‬للنص‭ ‬والتقسيم‭ ‬بين‭ ‬الجهورية‭ ‬ورهافة‭ ‬الحس،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬إدخال‭ ‬تغيير‭ ‬طفيف‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يتكرر‭ ‬فيها‭ ‬التعبير‭ ‬لا‭ ‬شعوريًّا،‭ ‬فينقذ‭ ‬فنّه‭ ‬من‭ ‬الرتابة‭ ‬ويُحدث‭ ‬في‭ ‬روح‭ ‬قارئه‭ ‬هزة‭ ‬ومفاجأة‭.‬

والحذر‭ ‬كل‭ ‬الحذر‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬غرام‭ ‬السطور‭ ‬دون‭ ‬إنشاء‭ ‬السياق‭ ‬النفسي‭ ‬الحافل‭ ‬بالمشاعر‭ ‬الكثيفة،‭ ‬وإلا‭ ‬ضاعت‭ ‬العقدة‭ ‬المركزية‭ ‬ومعها‭ ‬الترجيع‭ ‬الدرامي،‭ ‬وتتكاثر‭ ‬الكلمات‭ ‬كعُشب‭ ‬شيطاني‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬ذهن‭ ‬كاتبها‭ ‬ونفس‭ ‬الذي‭ ‬يعاينها،‭ ‬ولا‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬قيمة،‭ ‬وهي‭ ‬مجرد‭ ‬عكازة‭ ‬لملء‭ ‬ثغرات‭ ‬الوزن،‭ ‬أو‭ ‬لبدء‭ ‬فقرات‭ ‬جديدة‭ ‬أو‭ ‬اختتام‭ ‬نص‭ ‬متحرر‭ ‬يأبى‭ ‬الوقوف،‭ ‬فلينتبه‭ ‬الأديب‭ ‬الجيد‭ ‬والشاعر‭ ‬الحصيف،‭ ‬وإلا‭ ‬صار‭ ‬البناء‭ ‬مجردًا‭ ‬من‭ ‬العاطفة‭ ‬كبيت‭ ‬خال‭ ‬من‭ ‬المودة‭ ‬والسُكَّان‭ ‬■