حاضنة جديدة وانطلاقة متجددة

الحديث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬له‭ ‬طعم‭ ‬مختلف‭ ‬ومسؤولية‭ ‬عظيمة‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الحديث‭ ‬مرتكزًا‭ ‬على‭ ‬سرد‭ ‬الذكريات‭ ‬واسترجاع‭ ‬بعض‭ ‬المواضيع‭ ‬أو‭ ‬المعلومات‭ ‬المهمّة‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬فيها‭.‬

الحديث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬يكتسب‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة‭ ‬إذا‭ ‬ارتبط‭ ‬بالمستقبل‭ ‬والتحولات‭ ‬النوعية‭ ‬التي‭ ‬ستضيف‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬لبنات‭ ‬جديدة،‭ ‬وبمعنى‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬أمر‭ ‬معروف‭ ‬سلفًا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتضمن‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬جديد‭ ‬يوازي‭ ‬سيرة‭ ‬ومكانة‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭.‬

قبل‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة،‭ ‬أكملت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬عقدها‭ ‬السادس‭ ‬بالتمام‭ ‬والكمال،‭ ‬ومثل‭ ‬كل‭ ‬المحطات‭ ‬الاحتفالية‭ ‬السابقة،‭ ‬طرحت‭ ‬تساؤلات‭ ‬عدة‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬المجلة‭ ‬ومطبوعاتها‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬جديد‭ ‬بات‭ ‬يتشكّل‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الرقمي،‭ ‬عالم‭ ‬أصبحت‭ ‬فيه‭ ‬الصحافة‭ ‬الورقية‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬حقيقية‭ ‬أطاحت‭ ‬أول‭ ‬الأمر‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المجلات،‭ ‬ثم‭ ‬تبعتها‭ ‬بعض‭ ‬الصحف‭ ‬الورقية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تواكب‭ ‬حجم‭ ‬الصراع‭ ‬الواسع‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الرقمي،‭ ‬وعجزت‭ ‬عن‭ ‬مواصلة‭ ‬مسيرتها‭ ‬ولو‭ ‬بأقل‭ ‬التكاليف،‭ ‬لذلك‭ ‬حدث‭ ‬التوقف‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي،‭ ‬دون‭ ‬وعد‭ ‬بالعودة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭.‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬معطيات‭ ‬الزمن‭ ‬الحديث‭ ‬قواعدها‭ ‬وأحكامها‭ ‬القاسية،‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مراحلها‭ ‬الزمنية‭ ‬متأهبة‭ ‬لمواجهة‭ ‬المصاعب‭ ‬والتحديات‭ ‬كمطبوعة‭ ‬ورقية‭ ‬أول‭ ‬الأمر،‭ ‬ومؤسسة‭ ‬ثقافية‭ ‬عربية‭ ‬لاحقًا،‭ ‬حملت‭ ‬بكل‭ ‬فخر‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬سفيرة‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‮»‬،‭ ‬يدفعها‭ ‬لذلك‭ ‬عامل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهله‭ ‬أو‭ ‬التقليل‭ ‬منه،‭ ‬وهو‭ ‬التمويل‭ ‬الحكومي‭ ‬السخي‭ ‬الذي‭ ‬هيأ‭ ‬لهذه‭ ‬المجلة‭/ ‬المؤسسة‭ ‬بيئة‭ ‬النجاح‭ ‬والعمل‭ ‬المتواصل‭ ‬دون‭ ‬تدخّل‭ ‬أو‭ ‬توجيه‭ ‬لسياستها‭ ‬التحريرية،‭ ‬لذلك‭ ‬استطاعت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬كسب‭ ‬ثقة‭ ‬القارئ‭ ‬منذ‭ ‬عددها‭ ‬الأول‭.‬

على‭ ‬صعيد‭ ‬الصحافة‭ ‬التقليدية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬والمجلات‭ ‬الثقافية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬ولدت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬وعاشت‭ ‬أول‭ ‬تحدياتها‭ ‬في‭ ‬إثبات‭ ‬وجودها‭ ‬بين‭ ‬مجلات‭ ‬مرموقة‭ ‬سبقتها‭ ‬ومجلات‭ ‬واعدة‭ ‬صدرت‭ ‬بعدها،‭ ‬وحرصت‭ ‬على‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬مسارين‭ ‬متلازمين؛‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬الوجود‭ ‬والانتشار‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العربية،‭ ‬والثاني‭ ‬هو‭ ‬الالتزام‭ ‬بسياسة‭ ‬تحريرية‭ ‬متوازنة‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬القارئ‭ ‬نفسه‭ ‬قريبًا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أقطار‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬وأقلامه‭ ‬البارزة،‭ ‬ومطّلعًا‭ ‬على‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬المعارف‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬واحد،‭ ‬وصفه‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬الأول‭ ‬د‭.‬أحمد‭ ‬زكي،‭ ‬يرحمه‭ ‬الله‭ ‬‮«‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬قطاف‭ ‬مختلف،‭ ‬والشجر‭ ‬المقطوف‭ ‬كان‭ ‬شجر‭ ‬المعرفة‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يفنى‭ ‬بالقطف‭ ‬قطافه‮»‬‭.‬

وعن‭ ‬الأجواء‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬هيئة‭ ‬التحرير‭ ‬قبل‭ ‬صدور‭ ‬العدد‭ ‬الأول‭ ‬والكمية‭ ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬يذكر‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬زكي‭ ‬في‭ ‬العدد‭ ‬74‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬1965م،‭ ‬بمناسبة‭ ‬إتمام‭ ‬المجلة‭ ‬عامها‭ ‬السادس‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬كانت‭ ‬الريبة‭ ‬عندنا‭ ‬قائمة،‭ ‬كم‭ ‬تحتمل‭ ‬السوق؟‭ ‬قيل‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف،‭ ‬وقيل‭ ‬عشرون‭ ‬ألفًا،‭ ‬ثم‭ ‬قيل‭ ‬كم؟‭ ‬قلت‭: ‬لا‭ ‬أقلّ‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬ألفًا‭. ‬وصفا‭ ‬المطبوع‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬38‭ ‬ألفًا‭ ‬لم‭ ‬تبق‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬العربية‭ ‬وأقطار‭ ‬العروبة‭ ‬غير‭ ‬يومين‭. ‬ويأتي‭ ‬البرق‭ ‬سائلاً‭: ‬زيدونا‭. ‬ونجيب‭ ‬آسفين‭: ‬ما‭ ‬من‭ ‬مزيد‮»‬‭.‬

 

بين‭ ‬التكيّف‭ ‬والتساهل‭ ‬

لقد‭ ‬واكبت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬المتغيرات‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬العالمين‭ ‬العربي‭ ‬والدولي،‭ ‬فنيًّا‭ ‬وتقنيًّا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الإخراج‭ ‬والتبويب،‭ ‬والمتابع‭ ‬لها‭ ‬يدرك‭ ‬ذلك‭ ‬جيدًا،‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬المواضيع‭ ‬والتحولات‭ ‬الفكرية‭ ‬لاتجاهات‭ ‬شرائح‭ ‬القراء‭ ‬التي‭ ‬تبدلت‭ ‬كما‭ ‬تبدل‭ ‬الزمان،‭ ‬فلم‭ ‬تجد‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬التكيّف‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جديد،‭  ‬فلا‭ ‬هي‭ ‬بالعنيدة‭ ‬التي‭ ‬تناطح‭ ‬الزمن،‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬بالمتساهلة‭ ‬التي‭ ‬تقبل‭ ‬التضحية‭ ‬بهويتها‭ ‬العربية‭ ‬ورسالتها‭ ‬التنويرية‭ ‬الراسخة،‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬أو‭ ‬‮«‬المتابعين‮»‬‭ ‬بلغة‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬لأرقام‭ ‬‮«‬المتابعين‮»‬‭ ‬قيمة‭ ‬فضلى،‭ ‬تعلو‭ ‬على‭ ‬المحتوى‭ ‬وليس‭ ‬العكس‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬اختصار‭ ‬اللمسات‭ ‬التغييرية‭ ‬التي‭ ‬أدخلت‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬مجلة‭ ‬تبلغ‭ ‬اليوم‭ ‬ستين‭ ‬عامًا،‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المقالات،‭ ‬لكن‭ ‬يمكن‭ ‬بسهولة‭ ‬ملاحظة‭ ‬بعض‭ ‬القفزات‭ ‬البارزة‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬الاستطلاعات‭ ‬المصورة‭ ‬الذي‭ ‬يحتلّ‭ ‬المركز‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬صفحات‭ ‬المجلة،‭ ‬وما‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬اعرف‭ ‬وطنك‭ ‬أيها‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬العربي‭ ‬عيونك‭ ‬على‭ ‬العالم‮»‬‭ ‬إلا‭ ‬لمحة‭ ‬بسيطة‭ ‬لاستجابة‭ ‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬للمتغيرات‭ ‬في‭ ‬وطن‭ ‬عربي‭ ‬لم‭ ‬تنل‭ ‬كل‭ ‬أقطاره‭ ‬بعدُ‭ ‬استقلالها‭ ‬الكامل‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬لعبت‭ ‬دورها‭ ‬الحيوي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬ناهزت‭ ‬العشرين‭ ‬عامًا،‭ ‬اندفعت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬نحو‭ ‬مهمتها‭ ‬الحيوية‭ ‬التالية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬توافرت‭ ‬أسبابها‭ ‬الموضوعية،‭ ‬وهي‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬العالم؛‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬مع‭ ‬تركيز‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬قارة‭ ‬آسيا،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬بعثاتها‭ ‬الصحافية‭ ‬عن‭ ‬زيارة‭ ‬أقطار‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬أو‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬قارتي‭ ‬أستراليا‭ ‬أو‭ ‬أمريكا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وقد‭ ‬تراكم‭ ‬لدى‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬رصيد‭ ‬آسيوي‭ ‬ضخم‭ ‬فتح‭ ‬عيني‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬تجارب‭ ‬آسيوية‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬التحديث‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬والتنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬البديع‭.‬

ومن‭ ‬تلك‭ ‬الكلمة‭ ‬‮«‬تراكم‮»‬‭ ‬نستطيع‭ ‬اختزال‭ ‬مئات‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقال‭ ‬عن‭ ‬سلسلة‭ ‬‮«‬كتاب‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬الفصلية‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬عام‭ ‬1984م،‭ ‬وما‭ ‬تعكسه‭ ‬من‭ ‬مخزون‭ ‬ضخم‭ ‬مكّن‭ ‬مجلة‭  ‬العربي‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬300‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أعدادها،‭ ‬من‭ ‬توظيف‭ ‬عشرات‭ ‬المواضيع‭ ‬المتجانسة‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬سابقة،‭ ‬لتصدر‭ ‬مبوبة‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬واحد‭ ‬لعدة‭ ‬كتّاب‭ ‬أو‭ ‬كتاب‭ ‬يضم‭ ‬بين‭ ‬دفّتيه‭ ‬عشرات‭ ‬المقالات‭ ‬لكاتب‭ ‬نشر‭ ‬في‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬عددًا‭ ‬وافرًا‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬إصدارها‭ ‬ضمن‭ ‬كتب‭ ‬السلسلة؛‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬حوار‭... ‬لا‭ ‬مواجهة‮»‬‭  ‬تأليف‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬كمال‭ ‬أبوالمجد‭ (‬أبريل‭ ‬1985‭)‬،‭ ‬و«خطاب‭ ‬إلى‭ ‬العقل‭ ‬العربي‮»‬،‭ ‬تأليف‭ ‬د‭. ‬فؤاد‭ ‬زكريا‭ (‬أكتوبر‭ ‬1987م‭) ‬وهذا‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬وقد‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬سلسلة‭ ‬‮«‬كتاب‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬المئة‭ ‬كتاب،‭ ‬وقد‭ ‬طوّرته‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬ليستوعب‭ ‬معظم‭ ‬الأبحاث‭ ‬وأوراق‭ ‬العمل‭ ‬التي‭ ‬نوقشت‭ ‬في‭ ‬ملتقيات‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬السنوية‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬منذ‭ ‬2001م‭ ‬لتضيف‭ ‬إلى‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭ ‬فعالية‭ ‬مميزة‭ ‬تحسب‭ ‬للمجلة‭ ‬وتعكس‭ ‬الوجه‭ ‬الثقافي‭ ‬والحضاري‭ ‬المشرق‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت‭.‬

وفي‭ ‬سياق‭ ‬تلبية‭ ‬احتياجات‭ ‬القراء‭ ‬الصغار‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والناشئة‭ ‬لمجلة‭ ‬عربية‭ ‬متخصصة‭ ‬يكتبها‭ ‬ويرسمها‭ ‬عقل‭ ‬عربي‭ ‬يعرف‭ ‬طبيعة‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬وخصوصيته،‭ ‬صدر‭ ‬ملحق‭ ‬‮«‬العربي‭ ‬الصغير‮»‬‭ ‬لعقود‭ ‬كمطوية‭ ‬ضمن‭ ‬صفحات‭ ‬المجلة‭ ‬الأم،‭ ‬حتى‭ ‬انفصل‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬1986م‭ ‬كمجلة‭ ‬مستقلة‭ ‬مكتملة‭ ‬الأركان،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تواصل‭ ‬رسالتها‭ ‬المهمة‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭.‬

 

أسئلة‭ ‬مستحقة‭ ‬وتحديات‭ ‬مفتوحة

وفي‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬احتفالية‭ ‬تخص‭ ‬ذكرى‭ ‬تأسيسها‭ (‬اليوبيل‭ ‬الفضي،‭ ‬أربعون‭ ‬عامًا،‭ ‬خمسون‭ ‬عامًا،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬ستون‭ ‬عامًا‭) ‬تنتعش‭ ‬أسئلة‭ ‬مستحقة‭ ‬تتعلق‭ ‬بمكان‭ ‬ومكانة‭ ‬تلك‭ ‬المجلة‭ ‬المؤسسة‭ ‬في‭ ‬قادم‭ ‬أيامها،‭ ‬ويمكن‭ ‬تفسير‭ ‬منابع‭ ‬تلك‭ ‬الأسئلة‭ ‬وفقًا‭ ‬لمعطيات‭ ‬زمانها،‭ ‬كانت‭ ‬تكاليف‭ ‬الطباعة‭ ‬ودفع‭ ‬أجور‭ ‬العاملين‭ ‬بانتظام‭ ‬السبب‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬اختفاء‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المجلات‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬أو‭ ‬تزامنت‭ ‬مع‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬النشر‭ ‬الإلكتروني‭ ‬وانقلاب‭ ‬دنيا‭ ‬الإعلان‭ ‬التجاري،‭ ‬حيّز‭ ‬تفكير‭ ‬أكثر‭ ‬المتشائمين‭ ‬من‭ ‬المستقبل،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬جواب‭ ‬‮«‬العربي‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا،‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬العامل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهله،‭ ‬وهو‭ ‬التمويل‭ ‬الحكومي‭ ‬السخي‭ ‬الذي‭ ‬أمدها‭ ‬بأسباب‭ ‬زيادة‭ ‬انتشارها‭ ‬وتنويع‭ ‬أوجه‭ ‬تواصلها‭ ‬مع‭ ‬قرائها‭.‬

وفي‭ ‬خضم‭ ‬المنافسة‭ ‬مع‭ ‬المجلات‭ ‬الثقافية،‭ ‬تفوقت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬نواحٍ؛‭ ‬أبرزها‭ ‬سعرها‭ ‬الرمزي‭ ‬وجـــودة‭ ‬طباعتــــها‭ ‬ووجودهــــا‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العربية‭ ‬ونقاط‭ ‬البيع‭ ‬في‭ ‬أبعد‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬النائــــية،‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المحتوى،‭ ‬فقد‭ ‬ظلت‭ ‬محافظـــة‭ ‬على‭ ‬سياستها‭ ‬التحريرية‭ ‬المتوازنة‭ ‬ونأيها‭ ‬عن‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬السياسية،‭ ‬وعندما‭ ‬انتشر‭ ‬التلفزيون‭ ‬في‭ ‬المنازل‭ ‬والمقاهي‭ ‬لم‭ ‬يؤثر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬المجلة،‭ ‬ولم‭ ‬يمنعها‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬خط‭ ‬طباعة‭ ‬300‭ ‬ألف‭ ‬نسخــة‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬ساهمت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬،‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬القنوات‭ ‬الناطقة‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬والمتخصصة‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬الأفلام‭ ‬الوثائقية،‭ ‬في‭ ‬طــــــرح‭ ‬مرئياتــــها‭ ‬لإنشاء‭ ‬قـــناة‭ ‬متخصصــــــــة‭ ‬ترفد‭ ‬مسيرتها‭ ‬بمحتويات‭ ‬مرئية‭ ‬ترى‭ ‬ثقافات‭ ‬العالم‭ ‬بعيون‭ ‬عربية،‭ ‬وقد‭ ‬حققت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬شراكات‭ ‬نوعية‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هيئة‭ ‬الإذاعة‭ ‬البريطانية‭ ‬وإذاعة‭ ‬مونت‭ ‬كارلو‭ ‬الدولية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬طرح‭ ‬مسابقة‭ ‬‮«‬قصص‭ ‬على‭ ‬الهواء‮»‬،‭ ‬موجّهة‭ ‬إلى‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬المبدع،‭ ‬تنشر‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬على‭ ‬صفحاتها‭ ‬شهريًا‭ ‬خمس‭ ‬قصص‭ ‬فائزة‭ ‬يختارها‭ ‬أحد‭ ‬المتخصصين،‭ ‬وتقوم‭ ‬الإذاعــة‭ ‬بقراءة‭ ‬القصة‭ ‬الفائزة‭ ‬بالمركز‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬مستمعيها‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬خاص،‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭.‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬الصحافة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬هواجس‭ ‬التنافس‭ ‬مع‭ ‬عالم‭ ‬الإنترنت‭ ‬وانتشار‭ ‬المواقع‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬حشدت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬كل‭ ‬طاقاتها‭ ‬لأرشفة‭ ‬كل‭ ‬الأعداد‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1991م،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬الصغير‭ ‬وكتاب‭ ‬العربي،‭ ‬لكي‭ ‬تصبح‭ ‬متاحة‭ - ‬بالمجان‭ - ‬لكل‭ ‬باحث‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬موضوع‭ ‬نشـــر‭ ‬فــيها‭ ‬عبــــر‭ ‬موقعهــــا‭ ‬الإلكتروني‭ ‬الذي‭ ‬أطلقتــه‭ ‬عام‭ ‬2002م،‭ ‬وقد‭ ‬استمر‭ ‬ذلك‭ ‬الموقع‭ ‬في‭ ‬إضافة‭ ‬محتــــويات‭ ‬كل‭ ‬عدد‭ ‬جديد‭ ‬يصدر‭ ‬حتى‭ ‬2013م‭ ‬عندما‭ ‬توقّف‭ ‬لأسباب‭ ‬تعاقدية‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬للحديث‭ ‬عنها‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬وقد‭ ‬واصلت‭ ‬المجلة‭ ‬تقـــــديم‭ ‬خدماتها‭ ‬في‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بغرض‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديــــدة‭ ‬المقبلة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬الأجهزة‭ ‬الذكية‭ ‬بكثافة‭.‬

 

‮«‬العربي‮»‬‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬

لقد‭ ‬ذكرنا‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬هذه‭ ‬الأسطر‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬يكتسب‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة‭ ‬إذا‭ ‬ارتبط‭ ‬بالمستقبل‭ ‬والتحولات‭ ‬النوعية‭ ‬التي‭ ‬ستضيف‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬لبنات‭ ‬جديدة،‭ ‬وقد‭ ‬جدّ‭ ‬جديد‭ ‬اعتبارًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العدد،‭ ‬وهو‭ ‬انتقال‭ ‬تبعية‭ ‬إدارة‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬إلى‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب،‭ ‬تنفيذًا‭ ‬لقرار‭ ‬صادر‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬الكويتي‭ ‬الموقّر‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2017م،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬الخبر‭ ‬المهم‭ ‬سيجيب‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬تلقّتها‭ ‬المجلة‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية،‭ ‬وسيطرح‭ ‬كذلك‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬تخص‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة‭.‬

إن‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب‭ ‬مؤسسة‭ ‬وطنية‭ ‬حاضنة‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬المهام‭ ‬والمسؤوليات‭ ‬التي‭ ‬تزايدت‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن،‭ ‬ومن‭ ‬أبرزها‭ ‬التخطيط‭ ‬لعملية‭ ‬التنمية‭ ‬الثقافية‭ ‬وتطوير‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفكري‭ ‬وإغنائه،‭ ‬ولعل‭ ‬مسمّى‭ ‬هذه‭ ‬الحاضنة‭ ‬يلخّص‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أدوارها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنحصر‭ ‬داخل‭ ‬حدود‭ ‬دولة‭ ‬الكويت،‭ ‬بل‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬الكبير‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬العمل‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭ ‬والانتماء‭ ‬المتأصل‭ ‬للكويت‭ ‬مع‭ ‬محيطها‭ ‬العربي‭.‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬من‭ ‬آخر‭ ‬الوحدات‭ ‬التنظيمية‭ ‬التي‭ ‬أضيفت‭ ‬إلى‭ ‬مهام‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب،‭ ‬ومَن‭ ‬يعرف‭ ‬تاريخ‭ ‬المجلس،‭ ‬يعرف‭ ‬إن‭ ‬مجلة‭ ‬عالَم‭ ‬الفكر‭ ‬وسلسلة‭ ‬‮«‬من‭ ‬المسرح‭ ‬العالمي‮»‬‭ ‬كانتا‭ ‬تصدران‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام،‭ ‬وتم‭ ‬ضمهما‭ ‬إلى‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني،‭ ‬كما‭ ‬ضمت‭ ‬إلى‭ ‬المجلس‭ ‬إدارات‭ ‬من‭ ‬وزارات‭ ‬مختلفة؛‭ ‬مثل‭ ‬إدارة‭ ‬المسرح،‭ ‬تنفيذًا‭ ‬لمرسوم‭ ‬أميري‭ ‬يتيح‭ ‬للمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬أن‭ ‬يقترح‭ ‬إحالة‭ ‬بعض‭ ‬اختصاصات‭ ‬الوزارات‭ ‬إليه‭ ‬مما‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬نشاطه‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وهي‭ ‬نقل‭ ‬تبعية‭ ‬إدارة‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني،‭ ‬تعد‭ ‬انطلاقة‭ ‬متجددة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المجلة‭ ‬ستكفل‭ ‬لها‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬المتينة‭ ‬التي‭ ‬يمتلكها‭ ‬المجلس‭ ‬لاستكمال‭ ‬مشاريعها‭ ‬الكثيرة‭ ‬ومواصلة‭ ‬التحليق‭ ‬في‭ ‬فضاءات‭ ‬الإبداع‭ ‬والثقافة‭ ‬الجادة،‭ ‬تلك‭ ‬البنى‭ ‬ستعين‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أسواق‭ ‬جديدة،‭ ‬وأخرى‭ ‬ستفتح‭ ‬أبوابها‭ ‬بعد‭ ‬زوال‭ ‬الظروف‭ ‬الأمنية‭ ‬التي‭ ‬تمرّ‭ ‬بها،‭ ‬كما‭ ‬ستعين‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأخبار‭ ‬الإيجابية‭ ‬في‭ ‬قادم‭ ‬الأيام،‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

في‭ ‬الختام،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التوقف‭ ‬هنا‭ ‬لتقديم‭ ‬الشكر‭ ‬الجزيل‭ ‬لوزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬وقياداتها‭ ‬المتعاقبة‭ ‬وكل‭ ‬كوادرها‭ ‬التي‭ ‬خدمت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬طوال‭ ‬العقود‭ ‬الستة‭ ‬الماضية،‭ ‬حتى‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬لتنتقل‭ ‬مسؤولية‭ ‬هذه‭ ‬المجلة‭/ ‬المؤسسة‭ ‬إلى‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب،‭ ‬لتواصل‭ ‬مسيرتها‭ .