حرائق الأمازون أسبابها وطرق مقاومتها

تناولت «العربي» في عددها رقم 731 (أكتوبر 2019) موضوع حرائق غابات الأمازون، التي تمثّل تهديدًا خطيرًا للحياة البشرية، حيث تعتبر تلك الغابات رئة العالم. 
ونظرًا لأهمية الأمر، تطرح المجلة في هذا العدد أسباب هذه الحرائق وطرق مقاومتها.  
(العربي) 

 

ينبع نهر الأمازون من جبال الأنديز في البيرو، ويصب في المحيط الأطلسي، ويبلغ طوله حوالي 6400 كيلومتر.
ويعتبر «الأمازون» ثاني أطول أنهار العالم بعد نهر النيل، ومع ذلك فهو أغزر الأنهار، حيث يتدفق في مصبه 209 آلاف متر مكعب في كل ثانية.
يخترق مجرى النهر الذي تحيط به غابات كثيفة تُعرف بغابات حوض الأمازون معظم دول قارة أمريكا الجنوبية. وتشكّل هذه الغابات حوالي ثلث مساحة القارة، ويوجد معظم الغابات (حوالي 60 بالمئة من مساحتها) في البرازيل.

أهمية غابات الأمازون
يعتبر الخبراء في علم البيئة والغلاف الجوي أن الغطاء الأخضر، وخصوصًا أشجار الغابات من العوامل المهمة في الحفاظ على درجة حرارة الأرض ومقاومة ارتفاعها الذي يسبّب مشكلات لا حصر لها. 
تعمل هذه الغابات على امتصاص كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو المسبب الرئيس في ارتفاع درجة حرارة الأرض، وتصدّر كذلك كميات كبيرة من غاز الأكسجين الذي نحتاج إليه، وكذلك الكائنات الحية في عمليات التنفس. ويقدّر البعض أن هذه الغابات تصدر حوالي 20 في المئة من أكسجين الهواء الجوي.
كما أن الغابات مكان مناسب لعشرات الآلاف من الأنواع المختلفة من الكائنات الحية، سواء كانت نباتية أو حيوانية. ويقول أحد علماء البيئة إن نوعًا جديدًا من هذه الكائنات الحية يُكتشف كل يومين تقريبًا.
يختلف خبير الغلاف الجوي Scott Denning مع الكثيرين في ذلك، ويقول إن معظم أكسجين الغلاف الجوي ينتج في البحار والمحيطات، أما أكسجين الغابات فيستهلك معظمه ضمن منظومتها الحيوية من خلال عمليات تحلّل أوراق الأشجار وأغصانها، وكذلك من خلال أنظمة حيوية دقيقة (ميكروبات وغيرها)، لكنه لا ينكر أهمية الغابات من حيث الحفاظ على البيئة من خلال امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، وكذلك لكونها منظومة حيوية غنيّة بمختلف الأنواع الحيوانية والنباتية.

حرائق غابات الأمازون
تبعًا لتقارير وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، فإن حرائق الأمازون السنوية تبدأ عادة في شهر يوليو مع بداية فصل الجفاف، وتشتد وتبلغ أقصاها خلال شهر سبتمبر، ثم تتراجع وتخمد في نهاية أكتوبر أو بداية نوفمبر.
وبينت صور الأقمار الاصطناعية هذا العام أن الحرائق بدأت بالأوروغواي في أوائل شهر أغسطس، لتنتقل بسبب الحرارة العالية والرياح الشديدة إلى كل من البرازيل وبوليفيا، بعد حوالي 3 أسابيع.
وقد التقطت محطة الفضاء الدولية (ISS) صورًا لهذه الحرائق التي بلغ عددها في ذلك الوقت بالبرازيل 80 ألف حريق، وبينت الصور غيومًا سوداء كثيفة ودرجة حرارة فاقت درجة حرارة غليان الماء. 
وحوّلت هذه الغيوم، تبعًا لتقرير صحيفة واشنطون بوست نهار مدينة ساو باولو، على بعد أكثر من 2000 كيلومتر، إلى ليل مظلم مدة ساعة، إذ تصاعد من هذه الحرائق حتى نهاية شهر أغسطس أكثر من 220 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون. وتصاعدت أيضًا لارتفاعات عالية كميات كبيرة من غاز أول أكسيد الكربون. تضاعف تلوّث الهواء أكثر من 7 مرات، مما سبّب مشاكل في التنفس للكثيرين، وخاصة كبار السن والأطفال.

أسباب الحرائق 
هنالك خلاف وجدل حول الأسباب الحقيقية للحرائق، ويرى وزير البيئة البرازيلي أن أسبابها طبيعية من جفاف وارتفاع كبير في درجة الحرارة ورياح شديدة، وهي حرائق سنوية.
أما بعض الخبراء والساسة فيرون غير ذلك، إذ إن سياسة البرازيل وبقية دول القارة في العمل على تطوير الزراعة على حساب هذه الغابات سبب أساسي في إشعال الحرائق.
وقد بدأت سياسة قطع الأشجار في الغابات قبل حوالي نصف قرن، لكنها ازدادت في السنوات الأخيرة بصورة كبيرة. وتبين خرائط «جوجل» عالية الدقة والوضوح أن حوالي 1.5 مليون كيلومتر مربع من الغابات قطعت حلال السنوات (2000 - 2012). 
ويعمل المزارعون في هذه الدول خلال أشهر الجفاف على قطع الأشجار وتنظيف الأرض من الحشائش وحرقها، مما قد يسبّب اندلاع حرائق يصعب السيطرة عليها.
والمعروف أن الرئيس البرازيلي الحالي اعتمد في حملته الانتخابية في عام 2018 على مبدأ تطوير الزراعة والصناعات الغذائية، ولو على حساب غابات الأمازون.
وقد طبّق الرئيس هذه السياسة، مما أدى إلى عمليات واسعة في قطع أشجار الغابات (deforestation) وإنشاء المزارع وحظائر لتربية الأبقار، وتعتبر البرازيل أكبر مصدّر للّحوم في العالم.
 وقد زادت عمليات قطع الأشجار بالبرازيل في يونيو الماضي بحوالي 88 في المئة، مقارنة بشهر يونيو 2018. كما بلغت نسبة الأرض التي تم قطع أشجارها في الوقت الحاضر حوالي 17 في المئة من الغابات، ويتوقع الخبراء أنه إذا ما أصبحت النسبة بين 20 و25 في المئة، فإن الغابات المطيرة ستتحول إلى سافانا قليلة الأمطار وذات نباتات صفراء.
أثارت هذه السياسة حفيظة الكثيرين، إذ إن الغابات مهمّة ليس للقارة فقط، وإنما للعالم أيضًا. لقد اعتبر الرئيس الفرنسي في مؤتمر السبعة الكبار (G7) في باريس أواخر شهر أغسطس الماضي أن غابات الأمازون رئة الأرض، واتهم البرازيل وبقية دول قارة أمريكا الجنوبية بعدم الجديّة في مقاومة الحرائق، وهدّد بالعمل على مقاطعة القارة من قبل الاتحاد الأوربي اقتصاديًا. 
وخلقت هذه التصريحات والمواقف أزمة حادة بين البرازيل وفرنسا، مما جعل الرئيس البرازيلي يرفض منحة مؤتمر الـ G7 بمبلغ 22 مليون دولار، للمساعدة في إطفاء الحرائق، فقد اعتبرت البرازيل أن فرنسا وبعض دول الاتحاد الأوربي تحاول التدخل في سياستها الداخلية.

مقاومة الحرائق 
بدأت البرازيل مرحلة جديدة في عمليات إطفاء الحرائق في الأسبوع الأخير من شهر أغسطس الماضي، ويقول وزير البيئة البرازيلي إن الإمكانات ضعيفة جدًا مقارنة مع شدة النيران، ولا تملك كثير من السلطات المحلية في حوض الأمازون وسائل وإمكانات لإطفاء الحرائق.
فمن ضمن 778 بلدية في حوض الأمازون، لا يوجد أقسام لإطفاء الحريق سوى في 110 بلديات فقط، ومع ذلك فإن الدولة تبذل جهودًا كبيرة لمقاومة النيران وإطفائها.
وقد أصدر الرئيس البرازيلي في 24 أغسطس أمرًا يمنع من خلاله إشعال النيران في الخارج خلال أشهر الجفاف. وأصدر الأوامر للجيش بالعمل على مقاومة النيران، وشارك حوالي 44 ألف جندي مع طائرات عسكرية في هذه العمليات. 
ويقول مسؤول مقاومة الحرائق في الجيش إن حوالي 10400 رجل إطفاء منتشرون ويعملون في مساحة 5.5 ملايين كيلومتر مربع لمقاومة النيران، ورغم كل هذا الجهد، فإن الحرائق في ازدياد بصورة مستمرة، ووفق صور للقمر الاصطناعي التابع لمعهد أبحاث الفضاء، فإن 3859 حريقًا جديدًا اندلع خلال 48 ساعة من إصدار الأمر الرئاسي بمنع إشعال النيران في البرازيل، منها حوالي 2000 في حوض الأمازون.
وقد ذكرت جريدة ديلي ميل البريطانية أن عدد الحرائق في البرازيل في نهاية شهر أغسطس بلغ 88816 حريقًا، حوالي 52 في المئة منها في حوض الأمازون. 
ووفق صور القمر الاصطناعي التابع لمعهد أبحاث الفضاء الوطني في البرازيل، فإن عدد الحرائق ازداد هذا العام بنسبة 82 في المئة عن العام الماضي، وبلغ عددها في 9 سبتمبر حوالي 90 ألف حريق، ويعتقد الخبراء أن الأمور ستزداد سوءًا مع استمرار الجفاف. 
أما في بوليفيا، فقد استخدمت الحكومة طائرات عملاقة من طراز بوينج 747 تحتوي على خزانات ضخمة في مقاومة النيران، ويقول بعض الخبراء إن الغابات قد لا تعود إلى طبيعتها حتى بعد مرور عشرات السنين، وبالتالي فإن رئة الأرض في خطر ■