الأصالة بمذاق حلو
يعد فن الطهي من الفنون القديمة، التي تميزت بها شعوب عن غيرها، حتى أن علماء الآثار اعتنوا بتلك التفاصيل الدقيقة التي خلّفتها الأمم السابقة من فخاريات وأواني الطبخ، وصفات احتضنتها جداريات المدن القديمة، ومَن يدري، لعله يكون مطبخ إحداهن؟
في الدول المتقدمة، تاريخ الطبخ وإعداد الطعام وتحضيره، هو حقل من حقول العلم الذي أنشئت له معاهد وأكاديميات لتدريسه وتعليمه وبلوغ درجة عالمية معترف بها، تضمن للمنتسبين إليها وظيفة ذات لقب (شيف) أو طاهٍ، الذي لا يقل أهمية عن مهندس أو طبيب أو محام.
وتشغل الحلويات في جميع قوائم الطعام العالمية، حيزاً كبيراً ومهماً، فأطباقها حلوة المذاق لا غنى عنها في المناسبات الاجتماعية، وبأصنافها المتعددة؛ سواء كانت شرقية أم غربية، باردة أم حارة، فهي تلقى إقبالاً كبيراً من جميع الفئات العمرية، وبالأخص الأطفال. وفي ظل التداخل الثقافي والانفتاح على الآخر، ظهرت لدينا ابتكارات جديدة من الحلويات المطعّمة بنكهات جديدة من لمسات شعوب العالم.
لكننا سنعود إلى الجذور، فمن منطقة الخليج العربي والكويت تحديداً، ونقدم الحلويات التقليدية، تلك الأطباق الشعبية التي حملت نكهة الأصالة والعراقة، ولا عجب في أن صنف حلو واحداً نجد فيه نكهة الزعفران المأخوذ من أرض فارس، وعبق رائحة عطره من ماء الورد الإسطنبولي، ومذاق الحبهان (الهيل) القادم من بلاد الهند، وطعماً لأجود أنواع العجوة والتمور من أرض نجد والحجاز. ولذلك سنصف الحلويات الشعبية بأنها مزيج متناغم من بساطة التحضير ولذة الطعم وتاريخ الشعوب.
وقد اتخذت مسميات الحلويات الشعبية من بيئتها الاجتماعية آنذاك، فمثلاً «بيض القطا»، نسبة إلى بيضة عصفور مهاجر يدعى قطا، و«العصيدة أو الخبيصة»، إشارة إلى خلط مكوناتها «الحطين والسمن» معاً في آن واحد وآنية واحدة، و«التمرية»، لاعتبار أن التمر مكوّنها الأساسي. وفي الماضي اعتادت المرأة الكويتية على إعداد الأصناف المتعددة من الحلويات التقليدية في مطبخها المتواضع، وحين توافر مكوناتها أو حلول موسمها. فمثلاً، ما إن يدر ضرع الماعز بالحليب الوفير، حتى تخصص جزءاً منه لإعداد «الألبة» (الكريم كراميل، أو بر الوالدين)، الباردة في فصل الصيف الحار.
وما إن يتوافر «الدهن العداني» (السمن الحيواني) حتى تغدق بالعصيدة على أسرتها لتدفئتهم في شتاء المنطقة الجاف. وإن غدت الحلويات الشعبية اليوم من التراث الشعبي للكويت والمنطقة، فقد كانت في الماضي أطباقاً ضرورية لنمو الجسم وتلبية احتياجاته التي تتناسب وطبيعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية آنذاك. ونستعرض لكم طريقة عمل أشهر الحلويات الشعبية في منطقتنا الإقليمية:
اللقيمات
يطلق عليها في بعض البلدان العربية «لقمة القاضي» أو «العوامات»، وهي مرتبطة في منطقتنا الخليجية بشهر رمضان. تصنع من الدقيق المضاف له بعض المنكهات، مثل الهيل والزعفران، وتسقى بالسكر المذاب (الشيرة)، بعد غليها بالزيت الغزير. شكلها الكروي، صغير الحجم، تسبب في إطلاق مسمى اللقيمات عليها.
الزلابية
تصنع الزلابية بالطريقة نفسها التي تصنع بها اللقيمات، مع اختلاف بسيط، حيث يضاف إليها دقيق النشا، كما أنها تتخذ شكل الحلقات الدائرية المتداخلة غير المغلقة. وهي منتشرة في معظم بلادنا العربية بمسميات مختلفة، منها مثلاً الشباكية في المغرب العربي.
الغُريّبة
تعد الغريّبة من الطحين الأسمر والأبيض المضاف إليه الدهن العداني والزيت والسكر، وتشكّل على هيئة دوائر صغيرة باليد، ويضغط أعلاها لتزيينها بالمكسرات أو السكّر الناعم، وتنضج مكوناتها في الفرن وعلى حرارة معتدلة.
الدرابيل
حلوى ذات طابع ومذاق خاص جداً، وهي عبارة عن رقائق محمرة من العجين الخفيف، ومطوية طيات عدة، يتخللها خليط مطحون من السكر الناعم والهيل و«الدارسين» (القرفة). والشكل النهائي لها يشبه المنظار، ويطلق عليه في العامية الكويتية «دربيل»، وجمعه درابيل.
قرص العقيلي
هو نوع من أنواع الكعك، مكوناته تشبه إلى حد كبير مكونات الكعك، ولكن بمقادير مختلفة إلى جانب السمسم والهيل والزعفران، في الماضي كان ينضج على النار، ولكن حديثاً يُعد بالفرن. وربات البيوت يتفننّ في إعداده، واليوم أصبح يحضّر كقطع صغيرة منفصلة، وليس قرصاً كاملاً.
السمسمية
لذتها في بساطتها، مقولة تنطبق تماماً على هذا النوع من الحلويات، وتتكون من سمسم محمص، وعسل، وزيت، وتمر أحياناً. عادة ما يكون سُمكها رقيقاً، ومعروفة في منطقتنا العربية بالاسم ذاته.
الرهش
حلوى بنكهة مميزة لا تشبه غيرها، وإن شبّهها البعض بـ «الحلاوة الطحينية» المنتشرة في بلداننا العربية. مكوناته من «الدبس» (عسل تمر)، والسمسم المطحون، والهيل، والحبة الحلوة (الشومر). والرهش من الحلويات التقليدية المرغوبة لمرتادي البر، وفي فصل الشتاء، لسعراته الحرارية المرتفعة الكفيلة ببث الدفء والحرارة في الجسم. والبعض يقدمه مع رغيف الخبز أو الحلوى. واليوم يُعد كقطع صغيرة مضافاً إليه الكاكاو والبسكويت.
جبدة (كبدة) الفرس
تعرف بـ «راحة الحلقوم» في بلاد الشام، وهي مكعبات رخوة مطاطية صغيرة، مصنوعة من الطحين والسكر وماء الورد والنشاء وعلك اللبان المستورد من عُمان، واليوم تضاف إليها ألوان الطعام لتزيينها.
بيض القطا
قطع كروية صغيرة الحجم تحشى بخليط من الجوز والسكر والقرفة والهيل والزعفران، حجمها المتناسق ومذاقها اللذيذ يجعلانها حاضرة دوماً في مناسباتنا الاجتماعية.
رنجينة
حلوى يستخدم فيها البلح المائل إلى التمر (الرطب) منزوع النوى، يصف على شكل دوائر متداخلة، ثم تعد له صلصة سائلة قوامها الطحين المحمص المضاف إليه مقداران متساويان من السمن والزيت، وتسكب الصلصة على الدوائر البنية الرطبة، ثم تزين بالدارسين والسكّر الناعم وقليل من الجوز، وتحشى أحياناً بالمكسرات.
العصيدة
في بعض دول الخليج تسمى بـ «الخبيصة»، وفي مصر تعرف بـ «سَد الحنَك». تتكون من الدقيق المحمص والسمن والسكر وبعض الأعشاب والبهارات المطحونة كالحلبة النجدية، والفلفل الأسود، إضافة إلى الزعفران وماء الورد. وتطهى على نار هادئة. في الماضي كانت العصيدة طبقاً مثالياً للمرأة النُّفَساء، لما فيه من قيمة غذائية عالية، يعتقد أنها قادرة على تعويض ما فقدته من صحتها في أثناء الحمل والولادة.
القبيط
قد يشبه ما يعرف في مصر بـ «النوجا» و«المن والسلوى»، هو مزيج مطاطي متماسك غليظ القوام مكوّن من الطحين الأسمر والأبيض، والسكر، والنشاء، وعلك اللبان، ثم يضاف بعد تماسك الخليط مقدار من الطحين فيعطيه نكهة فريدة. ما سبق كان باقة مختارة من الحلويات الشعبية في الكويت والخليج العربي، وهي حلوة بمذاقها وبساطتها، وفي الاعتدال في تناولها أيضاً، كأي نوع من الأطعمة، فإن الإسراف فيها مضر ويجلب ما لا تُحمد عقباه. وقديماً قال ابن سينا: «احذروا البطنة، فإن أكثر العلل إنما تتولد من فضول الطعام» ■