بين الفحم والألماس والقمامة وأقلام الرصاص

يحتلّ الألماس مكانة متميّزة بين الأحجار الثمينة، وترصّع مشغولات الزينة والتزيّن بفصوصه ذات البريق المتألّق الخاطف للأبصار.
كما نعلم أنّ الألماس والفحم والجرافيت صور متأصلة لعنصر واحد هو عنصر  الكربون، ولها التركيب الكيميائي نفسه، عنصر الكربون فقط، لكنّها تختلف في التركيب البلّوريّ، أي في توزيع الذرّات في الفراغ والروابط بينها. 

الجرافيت عبارة عن ذرّات كربون موزّعة فراغيّاً على شكل رقائق متباعدة نسبيّاً سداسيّة الأطراف بكلّ طرف ذرّة كربون، وبين الذرّات الثلاث المتجاورة رابطة اشتراكيّة. والترابط بين هذه الرقائق أو القشور وبعضها البعض ضعيف، ولذلك فالجرافيت مادّة ليّنة سهل أن تتناثر منها حبيبات ورقائق، لذلك تصنع منها أقلام الرصاص (التي لا يوجد بها أيّ رصاص في الواقع، ولكن يخلط الجرافيت مع بعض الطَّفلة بنسب معيّنة لإنتاج درجات مختلفة من الطراوة تؤدّي إلى درجات متباينة من الرماديّ والأسود أثناء الكتابة أو الرسم).
والفحم عبارة عن ذرّات كربون غير متشكّلة في شكل بلّوريّ محدّد، مع وجود بعض الروابط الاشتراكيّة غير المتكرّرة في نظام هندسيّ محدّد. والفحم يوجد طبيعيّاً على هيئة خامات من الكربون المختلط بقليل من الشوائب في طبقات أو عروق ذات خصائص متنوّعة. 
أمّا الألماس فتركيبه البلّوريّ ينبثق عن تشكيل بلوريّ ذرّاته موزّعة على أركان مكعّب مع ذرّات إضافية في مركز كلّ سطح من أسطح المكعّب الستّة.
وتترابط ذرّات الكربون برابطة اشتراكيّة (تسمّى أحياناً تعاونيّة) ترتبط فيها كلّ ذرّة كربون بأربع ذرّات مجاورة، وهذا يؤدي إلى تقارب كبير بين الذرّات وتماسك شديد بينها، ممّا يؤدّي إلى خصائص الألماس المميّزة.

هرم رباعي
وتقع ذرّات الكربون الأربع الملوّنة بالأخضر في مراكز ثمانية مكعّبات أصغر ناتجة عن تقسيم المكعّب الكبير ذي الأركان المعلّمة ذرّاتها بالأزرق. وهي مرتبطة بذرّات الكربون المجاورة بأربعة روابط اشتراكيّة، وتقع هندسيّاً في أركان هرم رباعيّ الأوجه، كلّ وجه عبارة عن مثلّث متساوي الأضلاع. بقية روابط ذرّات الكربون الملّونة بالأزرق غير مبيّنة، وهي مرتبطة بوحدات بلّوريّة مجاورة، ممّا يجعل هذه الوحدات البلّوريّة متماسكة ومترابطة فراغيّاً. 
وأصل كلمة الألماس العربيّة على الراجح هو الكلمة اليونانيّة «أداموس» Adámas الّتي تعني الّذي لا يتغيّر، أو الّذي لا ينكسر، وصارت مع التحريف «ألماس» ثمّ يضاف إليها ألف التعريف في «العربيّة». 
والألماس هو أشدّ الموادّ المعروفة صلادة على مقياس موس Mohs، ويعطي الرقم 10. وعلى ذلك فهو يمكن أن يخدش أيّ مادّة أخرى ولا تخدشه أيّ مادّة، ويتمّ قطع الألماس باستخدام أسطح وسنون مصنوعة من الألماس ذاته، أو أسطح معدنيّة مطعّمة بحبيبات الألماس، وهذه عمليّة صعبة جدّاً وتحتاج إلى علم وفنّ ومران، ثمّ تنعّم أسطح البلّورة بعمليّة تنعيم خاصّة أيضاً. 

الأكثر صلادة
بصرف النظر عن القيمة الجماليــــة للألمــــاس في الحلي، فلــــه استخدام صناعي مهم جداً. الألماس هو أكثر المواد المعروفة صلادة على سطح الأرض، ولذلك يستخدم في آلات القطع وآلات معالجة السطوح. الألماسة الّتي بيد قاطع الزجاج رأسها به قطعة صغيرة من الألماس هي الّتي تحدث الخدش على الزجاج، وتطعم رؤوس حفر آبار البترول بالألماس لكي تحمي الحديد من التآكل السريع عند احتكاكها بصخور الأرض.  
والتركيب البلّوريّ للألماس غير ثابت في الواقع في الظروف العاديّة من حرارة وضغط. وهذا يعني أنّه غير ثابت من الناحية الثرموديناميكيّة، والاتّجاه الطبيعي هو أن يتحوّل إلى الصورة الأكثر ثباتاً وهي الجرافيت.
 لكن سرعة هذا التحوّل الطبيعيّ بطيئة جدًّا، وغير محسوسة على مدى السنين. والألماس النقيّ أبيض شفّاف للضوء، وغالباً ما يكون مائلاً للاصفرار نتيجة قليل جدّاً من شوائب النيتروجين في بلّوراته. وأيضاً قد يميل إلى ألوان أخرى؛ منها الأزرق والبرتقاليّ والأحمر والأسود والبنّي، بحسب نوع ونسبة الشوائب المختلفة.  
ويتكوّن الألماس من الكربون الموجود في الصخور، سواء من أصل معدنيّ أو عضويّ، والتي انطمرت على أعماق كبيرة تحت سطح الأرض ما بين 140 و190 كيلومتراً، حيث الضغط عال ويتراوح بين حوالي 50 ألف ضغط جوّيّ، ودرجة حرارة حول ألف درجة مئويّة.
ويأخذ هذا التحوّل زمناً طويلاً جدّاً يقدّر بألف إلى ثلاثة آلاف مليون سنة. ويصعد الألماس إلى سطح الأرض عن طريق الانفجارات البركانيّة التي تدفع الصخور البركانيّة إلى سطح الأرض وفيها الألماس. 
ويمكن أن يتكوّن الألماس، أيضاً، على سطح الأرض في أماكن اصطدام النيازك بها، ولكنّه ألماس بلّوراته صغيرة جداً، ومثل ذلك الألماس الّذي يمكن أن تحتويه بعض هذه النيازك والّذي يكون داخلها قبل الاصطدام بسطح الأرض. 


الفحم والألماس شيء واحد؟!
عرف علماء القرن الثامن عشر أنّ الفحم يحترق في الهواء، أو في جوّ من الأكسجين، وينتج عن الاحتراق غاز ثاني أكسيد الكربون. وفي سنة 1772 سلّط الكيميائيّ الفرنسيّ أنطوان لافوازييه أشعة شمس مركزّة بواسطة عدسة مكبّرة على قطعة ألماس في جوّ من غاز الأكسجين كما يعرف حاليّاً. وتعرّف على ناتج الاحتراق من خواصّه الكيميائيّة، ولم يكن إلا غاز ثاني أكسيد الكربون. وحيث إنّ الشيء الوحيد المضاف في هذه العمليّة هو غاز الأكسجين، فالاستنتاج المنطقيّ هو أنّ الألماس عبارة عن كربون موجود على صورة فيزيائيّة خاصّة. 
المسألة في الكيمياء هي التفاعل، فإذا ما حرقنا الألماس في درجة حرارة عالية مع الأكسجين، فإنه بالفعل يتأكسد (يحترق) إلي ثاني أكسيد الكربون. ونستطيع أن نتعرف على أنّ ناتج التفاعل هو ثاني أكسيد الكربون على وجه التأكيد باستخدام عمليّة تحليل كيميائيّة. 
ولمّا كنا أضفنا غاز الأكسجين، فمن المحتّم أن المادة الأخرى الّتي تفاعلت مع الأكسجين هي عنصر الكربون وإن كان على هذه الصورة البلّورية البديعة. التجربة المحكمة هنا هي الإثبات الذي لا يمكن دحضه.
وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن إذن أن نحوّل الفحم إلى ألماس؟ 
كان هذا ما حاوله بعض الكيميائيّين على مدى السنين في القرنين التاسع عشر والعشرين. وقد نجحوا بالفعل في الحصول على الألماس من الكربون. إذن هذا تأكيد تجريبيّ آخر لا يقبل الشكّ. كانت عملّية تحويل الكربون إلى ألماس مكلّفة جداً لاحتياجها إلى ضغط وحرارة عاليين. وكانت تنتج حبيبات ألماس صغيرة وذات لمعان أقلّ من الألماس الطبيعيّ، ولكنّها سرعان ما صارت معقولة لإنتاج الألماس المستخدم في الصناعة. المهم المبدأ. الألماس هو كربون في صورة بلّورية أخرى. 

العلاقة بالقمامة
توصّل العلماء والباحثون في السنوات الأخيرة إلى إنتاج ألماس يقترب من الألماس الطبيعيّ، ومن ماذا؟ من غاز الميثان (يشبه غاز البوتاجاز، وهو أيضاً يستخدم كوقود، لكنّ به ذرّة كربون واحدة متّحدة مع أربع ذرّات هيدروجين في جزيئاته، بينما غاز البوتاجاز عبارة عن خليط من مركّبات هيدروكربونيّة غازيّة بها عدد من ذرّات الكربون في جزيئاتها). 
وتعتمد عمليّة التصنيع هذه على غاز الميثان الذي يكثر صعوده من البرك الراكدة نتيجة عمليّات حيويّة لأنواع مخصوصة من البكتيريا اللاهوائيّة، وهو أيضاً غاز يمكن إنتاجه بعمليّة تخمير لاهوائيّ مقصودة في معالجة القمامة ومخلّفات المطابخ، والمخلّفات الصناعيّة ذات التركيز العالي من الموادّ العضويّة بواسطة إكثار هذا النوع من البكتيريا (البكتيريا اللاهوائيّة)، وذلك من أجل استخدامه وقوداً. اتضّح الآن أنّ لغاز الميثان، بعد تنقيته، استخداماً آخر غير الحرق لإنتاج الطاقة، وهو تخليق الألماس. إذن يمكن تخليقه ليس فقط من الجرافيت، ولكن أيضاً من القمامة (الزبالة).
أخيراً نجح الكيميائيون في إنتاج مادة ثمينة مثل الألماس من مادة «وضيعة» مثل الجرافيت أو من الميثان. والحقيقة كما عرفنا، أنّ الألماس هو الكربون بذاته، ولكن في صورة بلّوريّة مختلفة. حق للكيميائيّين أن يشعروا بالفخر إذن، فإنه وإن كان إنتاج الذهب من عناصر أو مواد خسيسة مستحيل بالطرق الكيميائية، كما كان يحاول كيميائيّو العصور الوسطى (أمكن إنتاج الذهب من عناصر أخرى بإجراء تفاعلات نوويّة)، فقد أنتجوا مادة أخرى ثمينة بديلة هي الألماس من الكربون ومن غاز الميثان. وهذا تغيير حقيقيّ وليس سحراً لأعين الناس. هذا هو العلم المحكم المحتكم للتجربة والبرهان■