عام الرجاء... عام النور وتبديد الظلام

كل‭ ‬عام‭ ‬وقراء‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬بخير‭  ‬بمناسبة‭ ‬العام‭ ‬الجديد‭ ‬2017م،‭ ‬وكلنا‭ ‬رجاء‭ ‬ودعاء‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬عام‭ ‬أمن‭ ‬وسلام‭ ‬على‭ ‬الأمتين‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬والعالم‭ ‬جميعاً،‭ ‬بكل‭ ‬طوائفه‭ ‬وأطيافه‭ ‬ودوله‭ ‬وأديانه‭ ‬وأجناسه‭ ‬وألوانه‭. ‬كل‭ ‬حياتنا‭ ‬الرجاء‭ ‬بأن‭ ‬نُعمّر‭  ‬الأرض‭ ‬ونحييها،‭ ‬فلا‭ ‬نسفك‭ ‬فيها‭ ‬للبشر‭ ‬دماء،‭ ‬ولا‭ ‬نفسدها‭ ‬بتلويث‭ ‬الماء‭ ‬والهواء‭. ‬إنّ‭ ‬حياتنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬فترة،‭ ‬فلتكن‭ ‬ذكرى‭ ‬عطرة،‭ ‬يُسجلها‭ ‬التاريخ‭ ‬لنا‭ ‬لا‭ ‬علينا‭.‬

قُدّر‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬عقوداً‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬قرنين‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬وجمعت‭ ‬دولاً‭ ‬عربية،‭ ‬تضامنت‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬تسمى‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نجحت‭ ‬المشاورات‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬والعراق‭ ‬وسورية‭ ‬والأردن‭ ‬ولبنان،‭ ‬ثم‭ ‬السعودية‭ ‬واليمن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1945م،‭ ‬ثم‭ ‬انضمت‭ ‬إليها‭ ‬ليبيا‭ ‬1953م،‭ ‬والسودان‭ ‬والمغرب‭ ‬وتونس‭ ‬1956م،‭ ‬والكويت‭ ‬1961م،‭ ‬والجزائر‭ ‬1962م،‭ ‬والبحرين‭ ‬وقطر‭ ‬وعُمان‭ ‬والإمارات‭ ‬1971م،‭ ‬وموريتانيا‭ ‬1973م،‭ ‬والصومال‭ ‬1974م،‭ ‬وجيبوتي‭ ‬1977م،‭ ‬وجزر‭ ‬القُمر‭ ‬1993م‭. ‬أما‭ ‬فلسطين،‭ ‬فكانت‭ ‬تمثلها‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1964م‭ ‬وحتى‭ ‬إعلان‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭ ‬1988م‭. ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬جمعتها‭ ‬عروبة‭ ‬اللغة‭ ‬والثقافة‭ ‬والتاريخ،‭ ‬ووحدة‭ ‬مصيرها،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬كالجسد‭ ‬الواحد،‭ ‬إذا‭ ‬مسّ‭ ‬الضرّ‭ ‬عضواً‭ ‬منه،‭ ‬تأثر‭ ‬الباقون‭ ‬ألماً‭ ‬وحزنا‭.‬

‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬كانت‭ ‬معرفتنا‭ ‬بالدول‭ ‬العربية‭ ‬تربية‭ ‬تجرّعناها‭ ‬من‭ ‬ينابيع‭ ‬ومناهل‭ ‬الأهل‭ ‬والمدرسة،‭ ‬مثل‭ ‬حروف‭ ‬الهجاء‭. ‬أما‭ ‬اليوم،‭ ‬فيكاد‭ ‬كثيرون‭ ‬من‭ ‬أبنائنا‭ ‬يجهلون‭ ‬أسماء‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وعواصمها‭ ‬ومواقعها‭ ‬الجغرافية‭. ‬

إنّ‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬كأيّ‭ ‬وطن‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬تنتمي‭ ‬إليه‭ ‬شعوب‭ ‬وأقليات،‭ ‬فصارت‭ ‬الشعوب‭ ‬شعباً‭ ‬واحداً،‭ ‬وصارت‭ ‬الأقليات‭ ‬بمرور‭ ‬الزمن‭ ‬جزءاً‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬وجوده‭ ‬ومن‭ ‬كيانه‭. ‬وعلى‭ ‬مَرّ‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬انصهر‭ ‬الكلّ،‭ ‬وتعزز‭ ‬ثبات‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لتكون‭ ‬اللغة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬ترسّخت‭ ‬هويتها‭ ‬في‭ ‬انضمامها‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية،‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬لغات‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬إذ‭ ‬لاتزال‭ ‬السريانية‭ ‬والكردية‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسورية،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأمازيغية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬والسواحلية‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬وجيبوتي‭. ‬وأثناء‭ ‬سيطرة‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬انتشرت‭ ‬اللغة‭ ‬التركية،‭ ‬وبمثل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬انتشار‭ ‬اللغتين‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والفرنسية‭. ‬ولم‭ ‬تؤثر‭ ‬تلك‭ ‬اللغات‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬كلغة‭ ‬أمّ،‭ ‬ولكنها‭ ‬أثرّت‭ ‬بثقافة‭ ‬الأجيال‭ ‬والمجتمعات،‭ ‬وصار‭ ‬التميّز‭ ‬سمة‭ ‬مجتمعية‭ ‬لمن‭ ‬تحدث‭ ‬بها‭. ‬كما‭ ‬عزّز‭ ‬الاستعمار‭ ‬الأوربي‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬لغته‭ ‬عندما‭ ‬شدّد‭ ‬على‭ ‬إقرارها‭ ‬لغة‭ ‬تُعلّم‭ ‬وتُكتَب‭ ‬ويتم‭ ‬التعامل‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الدوائر‭ ‬الرسمية‭. ‬

لم‭ ‬تتراجع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬إلا‭ ‬بتراجع‭ ‬حضارتها،‭ ‬فعندما‭ ‬وقف‭ ‬العثمانيون‭ ‬حرّاساً‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬العروبة‭ ‬باسم‭ ‬الإسلام،‭ ‬قتلوا‭ ‬هاجس‭ ‬التطور‭ ‬والإبداع‭ ‬العربي‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬صبّت‭ ‬ثروات‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬خزائن‭ ‬الآستانة‭ (‬الباب‭ ‬العالي‭)‬،‭ ‬أوصدوا‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬مستفيد‭ ‬غيرهم‭. ‬وخلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬يخبرنا‭ ‬التاريخ‭ ‬بأنّ‭  ‬العرب‭ ‬لم‭ ‬يحققوا‭ ‬إنتاجاً‭ ‬أو‭ ‬إبداعاً،‭ ‬وتراجعت‭ ‬الإنجازات‭ ‬الحضارية‭ ‬العربية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬بالضرورة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لغة‭ ‬تلك‭ ‬الحضارة‭ ‬إقليمية‭ ‬ثم‭ ‬محلية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬لغة‭ ‬عالمية‭. ‬واخترقت‭ ‬سهام‭ ‬اللكنة‭ ‬الأعجمية‭ ‬التركية‭ ‬كيان‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬لتصبح‭ ‬مليئة‭ ‬بالّلحن‭ ‬الهابط‭ ‬من‭ ‬مفردات‭ ‬اللهجة،‭ ‬ولِمَ‭ ‬لا‭ ‬وقد‭ ‬أصبحت‭ ‬لغة‭ ‬التخاطب‭ ‬لغير‭ ‬المثقفين‭. ‬إذن،‭ ‬لابدّ‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬إحياء‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنعاشها‭ ‬بالحياة،‭ ‬ولن‭ ‬يتأتى‭ ‬لنا‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬باستيعاب‭ ‬المصطلحات‭ ‬العلمية‭ ‬الحديثة‭ ‬وتصريفها‭ ‬صرفاً‭ ‬لغوياً‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬وقواعد‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وهذه‭ ‬مهمة‭ ‬ليست‭ ‬بسيطة،‭ ‬وحسناً‭ ‬أنها‭ ‬أوكلت‭ ‬إلى‭ ‬مجامع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬دورها‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة‭ ‬الحضارية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القرن‭ ‬الجديد،‭ ‬قرنٌ‭ ‬تسارعَ‭ ‬فيه‭ ‬وصول‭ ‬المعلومات‭ ‬وانتقالها‭ ‬من‭ ‬أقصى‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬أدناه‭ ‬في‭ ‬لمح‭ ‬البصر‭.‬

ولأنّ‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬كان‭ ‬مهبط‭ ‬الأديان‭ ‬السماوية،‭ ‬اليهودية‭ ‬والمسيحية‭ ‬والإسلام،‭ ‬فقد‭ ‬جمعت‭ ‬أرضه‭ ‬وأرض‭ ‬العرب‭ ‬أتباع‭ ‬تلك‭ ‬الديانات‭ ‬مع‭ ‬أتباع‭ ‬بعض‭ ‬ديانات‭ ‬الحضارات،‭ ‬الزرادشتية‭ ‬والمندائية،‭ ‬وتعايشت‭ ‬الأديان‭ ‬كلها‭ ‬باحترام‭ ‬وسلام‭. ‬ومع‭ ‬انتشار‭ ‬دعوة‭ ‬الإسلام‭ ‬كثر‭ ‬أتباع‭ ‬هذا‭ ‬الدين،‭ ‬الذي‭ ‬نادى‭ ‬بحرية‭ ‬الفكر‭ ‬والعقيدة،‭ ‬وأقر‭ ‬بأنّ‭ ‬الدين‭ ‬للّه‭ ‬والوطن‭ ‬للجميع،‭ ‬فبيّن‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات،‭ ‬وأكد‭ ‬أنّ‭ ‬هوى‭ ‬النفوس‭ ‬وما‭ ‬تكنّ‭ ‬القلوب‭ ‬حسابه‭ ‬عند‭ ‬الله،‭ ‬وجاءت‭ ‬التشريعات‭ ‬كقوانين‭ ‬لتحاسب‭ ‬على‭ ‬الفعل‭ ‬والعمل‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬النوايا‭. ‬لقد‭ ‬افترقت‭ ‬اليهودية‭ ‬والمسيحية‭ ‬فأصبحتا‭ ‬فِرَقاً،‭ ‬كلٌ‭ ‬بما‭ ‬لديهم‭ ‬فرحون‭. ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬الأيام،‭ ‬سجّل‭ ‬التاريخ‭ ‬تفرّق‭ ‬المسلمين،‭ ‬فصاروا‭ ‬إلى‭ ‬فِرَق‭ ‬وطوائف‭ ‬ومذاهب‭ ‬وطُرق‭ ‬اختلفت‭ ‬مشاربها‭. ‬هي‭ ‬اليوم‭: ‬سنّة‭ ‬وشيعة‭ ‬وأباضية،‭ ‬فمن‭ ‬السنّة‭: ‬سلف‭ ‬وأشاعرة،‭ ‬ومن‭ ‬الشيعة‭: ‬اثنا‭ ‬عشرية‭ ‬وزيدية‭ ‬وعلوية‭ ‬وإسماعيلية،‭ ‬ومن‭ ‬الإسماعيلية‭ ‬نزارية‭ ‬ومستعلية‭ ‬ودروز‭. ‬والصوفية‭ ‬مشارب،‭ ‬منها‭ ‬طرق‭: ‬شاذلية‭ ‬ومولوية‭ ‬ورفاعـــــية‭ ‬وقادرية‭ ‬ونقشـــــبندية‭ ‬وأحمدية‭ ‬وتفتـــــازانية،‭ ‬وغيرها‭. ‬وقـد‭ ‬نال‭ ‬الشكّ‭ ‬من‭ ‬طرق‭ ‬صوفية‭ ‬أخرى‭ ‬تأثـــرت‭ ‬بالفلسفة‭ ‬الشرقية،‭ ‬مثل‭ ‬اليزيدية‭ ‬والشُبَك‭ ‬والبهائية‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬أي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الطوائف‭ ‬والفرق‭ ‬أو‭ ‬الطرق‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬الدين،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬والأسرة‭ ‬والفرد،‭ ‬وإنّما‭ ‬أعداء‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬ما‭ ‬فتئوا‭ ‬ينشرون‭ ‬الظلام‭ ‬والجهل‭ ‬لكي‭ ‬يعم‭ ‬الخوف‭ ‬والضلال،‭ ‬وتستّروا‭ ‬وتقنّعوا‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬كل‭ ‬فرقة‭ ‬واختبأوا‭ ‬بردائها،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬شقّ‭ ‬الصف‭ ‬وتشتيت‭ ‬قوة‭ ‬يكاد‭ ‬نورها‭ ‬يبدد‭ ‬ظلام‭ ‬الطغيان‭. ‬

عام‭ ‬جديد،‭ ‬وكلنا‭ ‬رجاء‭ ‬بأنّه‭ ‬عام‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬أيامه‭ ‬الأمل‭ ‬باتحاد‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭. ‬اتحاد‭ ‬ثبتت‭ ‬ملامحه‭ ‬وتأكدت‭ ‬الحاجة‭ ‬إليه‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬التأني‭ ‬والانتظار‭. ‬كلّ‭ ‬الاتحادات‭ ‬العالمية‭ ‬جابهت‭ ‬العراقيل،‭ ‬المملكة‭ ‬البريطانية‭ ‬ثم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وبعدها‭ ‬ألمانيا‭ ‬ثم‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭. ‬لم‭ ‬تَخْفَ‭ ‬تلك‭ ‬العراقيل،‭ ‬ولا‭ ‬أساليب‭ ‬معالجتها،‭ ‬عن‭ ‬قادة‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يدركون‭ ‬تماماً‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬وحدة‭ ‬ولا‭ ‬اتحاد‭ ‬إلا‭ ‬بالأمن‭ ‬والسلام‭. ‬نعلم‭ ‬جيداً‭ ‬أنّ‭ ‬كل‭ ‬تضامن‭ ‬دولي‭ (‬كونفدرالي‭) ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انفصال‭ ‬أو‭ ‬اتحاد،‭ ‬وعندما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اتحاد‭ ‬بين‭ ‬دولتين‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬يُسمى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬العُرْف‭ ‬الدولي‭ ‬‮«‬فدرالي‮»‬‭. ‬ويبدو‭ ‬لكل‭ ‬متتبع‭ ‬حصيف‭ ‬لمسيرة‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية،‭ ‬أن‭ ‬عام‭ ‬2017م‭ ‬سيكون‭ ‬عام‭ ‬ميلاد‭ ‬اتحاد‭ ‬فدرالي‭ ‬جديد،‭ ‬ففي‭ ‬الاتحاد‭ ‬قوة‭. ‬

في‭ ‬أواخر‭ ‬العام‭ ‬المنصرم،‭ ‬كانت‭ ‬زيارات‭ ‬عاهل‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬خادم‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين‭ ‬الملك‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬آل‭ ‬سعود،‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬تُبشّر‭ ‬بتحرّك‭ ‬إيجابي‭ ‬وتمهيد‭ ‬حقيقي‭ ‬لاتحاد‭ ‬فدرالي‭ ‬يجمع‭ ‬الأشقاء،‭ ‬قيادات‭ ‬وشعوباً،‭ ‬ويربط‭ ‬بعضهم‭ ‬ببعض‭ ‬في‭ ‬صفٍّ‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬العالمية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬الاقتصادية‭ ‬منها‭ ‬والسياسية‭. ‬إنّ‭ ‬قيادات‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬بذلها‭ ‬العناية‭ ‬بشعوبها،‭ ‬تبذل‭ ‬العناء‭ ‬بتمهيد‭ ‬ورصف‭ ‬طرق‭ ‬الاتحاد‭ ‬بينها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مستقبل‭ ‬يستتب‭ ‬فيه‭ ‬الأمن‭ ‬والرخاء‭ ‬والسعادة‭ ‬والهناء‭. ‬كما‭ ‬نراها‭ ‬تمد‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬لبقية‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬العربية‭ ‬بكل‭ ‬الحبّ‭ ‬والإخلاص‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حياة‭ ‬شريفة‭ ‬وغد‭ ‬أفضل‭.‬

ولعل‭ ‬في‭ ‬احتفالات‭ ‬الكويت‭ ‬بقدوم‭ ‬خادم‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين‭ ‬إليها‭ ‬وحضوره‭ ‬الحفل‭ ‬الفنيّ‭ ‬المقام‭ ‬على‭ ‬شرفه‭ ‬بمركز‭ ‬جابر‭ ‬الأحمد‭ ‬الثقافي،‭ ‬إشارة‭ ‬واضحة‭ ‬وصريحة‭ ‬لكل‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬بأنّ‭ ‬الشعوب‭ ‬لا‭ ‬ترتقي‭ ‬إلا‭ ‬بالثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب‭. ‬والعالم‭ ‬المتمدن‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬أنحاء‭ ‬الأرض‭ ‬يتفاهم‭ ‬بلغة‭ ‬واحدة،‭ ‬لغة‭ ‬السلام،‭ ‬وهي‭ ‬لغة‭ ‬الموسيقى،‭ ‬فبها‭ ‬تصفو‭ ‬النفس‭ ‬ويعلو‭ ‬الحسّ‭. ‬صارت‭ ‬الموسيقى‭ ‬اليوم‭ ‬لغة‭ ‬العالم،‭ ‬تُكتب‭ ‬على‭ ‬الأوراق‭ ‬بحروف‭ ‬النوتة،‭ ‬فيقرأها‭ ‬الياباني‭ ‬كما‭ ‬يقرأها‭ ‬الفرنسي‭ ‬والبريطاني،‭ ‬بمثل‭ ‬ما‭ ‬يقرأها‭ ‬الهندي‭ ‬أو‭ ‬اللاتيني‭ ‬أو‭ ‬الجرماني‭ ‬أو‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬التركي‭ ‬أو‭ ‬الإيراني‭. ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬إقناعه‭ ‬بالكَلِم،‭ ‬تقدر‭ ‬على‭ ‬جذبه‭ ‬بالنَغَم‭. ‬كل‭ ‬أمانينا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬موسيقانا‭ ‬إنجازاً‭ ‬وأنغامنا‭ ‬إعجازاً‭ ‬ولا‭ ‬تعود‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬نشازاً‭ .