السيدة عزيزة والمكتبة الفريدة

سنذهب اليوم يا أصدقائي في رحلة عجيبة إلى مكتبة فريدة، أُنشئت من فكرة وحيدة، فهل أنتم مستعدون لهذه الرحلة؟ إذًا هيّا بنا.
رحلتنا اليوم ستكون مع السيدة عزيزة محمد البسام من دولة الكويت، أحبّت السيدة عزيزة الكتب والقراءة جدًا، وشجعها على ذلك والدها المحبّ للقراءة، فقد كان يقرأ معها وإخوتها كتب عمالقة الأدب، مثل كتاب كليلة ودمنة لِابن المقفّع، وكتب طه حسين، وشعر أحمد شوقي، والمعلّقات الشعرية*، كما كان يحثّهم على حفظ تلك الأشعار، وكان يحرص أيضًا على أن يتعلموا القراءة وحدهم، ففي كل مرة كان يعود فيها من العمل كان يحضر معه مجلات وقصصًا للأطفال.
 تخرّجت السيدة عزيزة البسام من معهد المعلمات، وعُيّنت أمينة مكتبة في مدرسة السالمية المتوسطة للبنات، وفي يوم من الأيام اصطحبت السيدة عزيزة طالباتها في رحلة مدرسية إلى المكتبة العامة في منطقة المباركية، وهناك قابلت السيد محمد صالح التركيت، مدير المكتبات، واقترحت عليه فكرة فريدة. فماذا كانت فكرتها يا ترى؟
اقترحت السيدة عزيزة إنشاء مكتبة عامة للسيدات فقط، وبعد أيام من اقتراحها تمّت الموافقة على الفكرة، واختِيرت السيدة عزيزة لتكون أمينة لتلك المكتبة، وكان ذلك في شهر يونيو من عام 1966م، وأصبحت تلك المكتبة العجيبة، يا أعزّائي، الأولى من نوعها في العالم العربي، أو ربّما بالعالم أجمع.
استغرق تجهيز مكتبة الدسمة العامة للسيدات شهورًا من العمل المتواصل ليل نهار، لتصنيف وترتيب الكتب على الأرفف حتى يستطيع القرّاء الوصول إليها بسهولة. وبعد افتتاح المكتبة أصبحت الطالبات والقارئات والأمهات يزرن المكتبة باستمرار ليستعرنَ ويطّلعن على كتبها الوفيرة التي كان يتمّ شراؤها من معارض الكتب المختلفة، وخصوصًا معرض القاهرة للكتاب، فلم يكن معرض الكويت للكتاب قد افتُتح بعد. 
تمّ تقسيم المكتبة إلى ثلاثة أقسام هي: قسم القراءة والمطالعة، وقسم الباحثين، وقسم الأطفال، وفي هذا القسم كانت تُنظّم كل أسبوع فعالية قراءة القصة، كما كانت تُعقد في المكتبة أيضًا الدورات التدريبة الخاصة بأمينات المكتبة حديثات التخرج، ليتعرّفن على أساسيات العمل. 
ظلّت السيدة عزيزة تعمل في مكتبة الدسمة إلى أن أُغلقت في الثاني من أغسطس من عام 1990م، بسبب الغزو العراقي الغاشم، وبعد تحرير الكويت تمّ تحويل مكتبة الرميثية العامة إلى مكتبة نسائية، وعُيّنت السيدة عزيزة البسام أمينة لها، وظلّت تعمل بها حتى عام 1999م، وبذلك تكون هذه المكتبة هي ثاني مكتبة نسائية في الكويت، انتقلت بعدها السيدة عزيزة للعمل بمكتبة الشامية العامة إلى أن تقاعدت من العمل في عام 2006م.
وبعد كل تلك السنوات من العمل في المكتبات أرادت السيدة عزيزة البسام أن توثّق وتحفظ هذا التاريخ من الضياع لتكون تلك المعلومات القيّمة مرجعًا للقرّاء، فقامت بكتابة كتاب (نشأة المكتبات في الكويت)، لتروي لنا قصة تأسيس كل مكتبة من مكتبات الكويت. إلى هنا يا أحبّائي تنتهي رحلة اليوم مع السيدة التي أحبّت الكتب والقراءة، فتمنت أن تُنشئ مكتبة مختلفة، وعندما تحقّقت أمنيتها بذلت قصارى جهدها لتصبح تلك المكتبة

مكانًا مميّزًا. إلى اللقاء.