بالأمل وحده نعيش

بالأمل وحده نعيش

الضبع‭ ‬حيوان‭ ‬لا‭ ‬يأكل‭ ‬سوى‭ ‬اللحوم‭, ‬فيظل‭ ‬يهيم‭ ‬في‭ ‬البراري‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬طريدة‭ ‬أو‭ ‬بقايا‭ ‬فريسة‭ ‬ليملأ‭ ‬بها‭ ‬جوفه‭. ‬وصادف‭ ‬مرّة‭ ‬أن‭ ‬تذوّق‭ ‬لحم‭ ‬الدواجن‭ ‬فأعجبه‭ ‬جدًا‭, ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬أقسم‭ ‬ألّا‭ ‬يأكل‭ ‬من‭ ‬ساعتها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬اللحوم‭. ‬نصحه‭ ‬كل‭ ‬معارفه‭ ‬بأن‭ ‬يتراجع‭ ‬عن‭ ‬يمينه‭, ‬ولكنه‭ ‬أصرّ‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬إصرارًا‭, ‬كبيرًا‭ ‬وظل‭ ‬يردّد‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يقابله‭: ‬لن‭ ‬أذوق‭ ‬بعد‭ ‬اليوم‭ ‬سوى‭ ‬لحم‭ ‬الدواجن‭, ‬مستحيل‭ ‬أن‭ ‬آكل‭ ‬غيرها‭!‬

وهكذا‭ ‬قضى‭ ‬الضبع‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الطيور‭ ‬في‭ ‬الغابة‭.‬

ذات‭ ‬يوم‭, ‬بعدما‭ ‬تجوّل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أرجاء‭ ‬البرّية‭, ‬لم‭ ‬يصادف‭ ‬طائرًا‭ ‬واحدًا‭. ‬وواصل‭ ‬تجواله‭ ‬حتى‭ ‬المساء‭, ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬طائل‭, ‬فلا‭ ‬طائر‭ ‬يطير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأنحاء‭. ‬وخيّم‭ ‬الليل‭ ‬على‭ ‬المكان‭ ‬ولكن‭ ‬الضبع‭ ‬واصل‭ ‬تطوافه‭, ‬وهو‭ ‬يمنّي‭ ‬النفس‭ ‬بِاصطياد‭ ‬فريسة‭ ‬من‭ ‬الفرائس‭, ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬صغيرة‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬عصفور‭! ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬وبعدما‭ ‬أنهكه‭ ‬التعب‭, ‬اِلتجأ‭ ‬الضبع‭ ‬إلى‭ ‬شجرة‭ ‬ليستريح‭ ‬تحتها‭, ‬ولكن‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يستقرّ‭ ‬تحت‭ ‬الشجرة‭, ‬بلغ‭ ‬سمْعَه‭ ‬صوت‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬وسط‭ ‬الأوراق‭: ‬إنه‭ ‬ثغاء‭ ‬عنزة‭!‬

قال‭ ‬الضبع‭ ‬مرتبكًا‭: ‬يا‭ ‬لَلعجب‭! ‬كيف‭ ‬لهذه‭ ‬العنزة‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬قمّة‭ ‬هذه‭ ‬الشجرة‭ ‬الكبيرة‭? ‬

ولكنه‭ ‬تذكّر‭ ‬القَسم‭ ‬الذي‭ ‬ظلّ‭ ‬يردّده‭ ‬وقتًا‭ ‬طويلاً‭ ‬بأنه‭ ‬لن‭ ‬يأكل‭ ‬إلا‭ ‬لحم‭ ‬الدواجن‭, ‬فحاول‭ ‬النوم‭ ‬رغم‭ ‬الجوع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يشعر‭ ‬به‭. ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬لحظات‭ ‬عاد‭ ‬الصياح‭ ‬يملأ‭ ‬المكان‭. ‬كان‭ ‬صياحًا‭ ‬عاليًا‭, ‬مزعجًا‭, ‬جعل‭ ‬الضبع‭ ‬يهجر‭ ‬النوم‭ ‬ويعود‭ ‬للتساؤل‭: ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬العَنز‭ ‬يتسلّق‭ ‬الأشجار‭, ‬ولكن‭ ‬شجرة‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬يصعب‭ ‬ارتقاؤها‭, ‬على‭ ‬ما‭ ‬أظن‭, ‬وهذا‭ ‬مدعاة‭ ‬للسؤال‭!‬

ثم‭ ‬أضاف‭ ‬محتارًا‭: ‬من‭ ‬أين‭ ‬يمكن‭ ‬لهذه‭ ‬العنزة‭ ‬العجيبة‭ ‬أن‭ ‬تجيء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الليلة‭ ‬الظلماء‭?‬

وعاد‭ ‬الصوت‭ ‬المزعج‭ ‬يعكّر‭ ‬مزاج‭ ‬الضبع‭ ‬الجائع‭, ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬يغتاظ‭ ‬ويتراجع‭ ‬عن‭ ‬قسمه‭: ‬لا‭ ‬يهم‭! ‬سآكل‭ ‬هذا‭ ‬الحيوان‭ ‬طائرًا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬عنزة‭!‬

وزاد‭ ‬وهو‭ ‬يلتفت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الاتّجاهات‭: ‬لقد‭ ‬أقسمت‭ ‬ألّا‭ ‬آكل‭ ‬إلا‭ ‬الدواجن‭, ‬ولكن‭ ‬بما‭ ‬أنني‭ ‬وحيد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الليل‭ ‬فلن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬حِنْثي‭ ‬بقسمي‭! ‬سألْتَهمُ‭ ‬هذه‭ ‬العنزة‭, ‬ولن‭ ‬يعلم‭ ‬بذلك‭ ‬أحد‭.‬

ولكن‭ ‬عندما‭ ‬رفع‭ ‬رأسه‭ ‬عاليًا‭, ‬ماذا‭ ‬رأى‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬الشجرة‭? ‬كان‭ ‬ديكاً‭ ‬سميناً‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬عُرْفه‭ ‬اللامع‭, ‬فتفاجأ‭ ‬الضبع‭ ‬بوجوده‭ ‬هناك‭, ‬وقال‭: ‬أليس‭ ‬هذا‭ ‬الديك‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يثغو‭ ‬كعنزة‭? ‬ماذا‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬يا‭ ‬ترى‭?‬

ثم‭ ‬صاح‭ ‬في‭ ‬وجهه‭: ‬أنت‭ ‬أيها‭ ‬الديك‭! ‬تعال‭ ‬هنا‭ ‬لآكلك‭!‬

فرَد‭ ‬ّعليه‭ ‬الطائر‭:‬

‭- ‬لن‭ ‬أنزل‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الشجرة‭! ‬ولن‭ ‬أنزل‭ ‬من‭ ‬فوقها‭ ‬غدًا‭ ‬أيضًا‭!‬

‭- ‬لقد‭ ‬أكلت‭ ‬كل‭ ‬أقاربك‭!‬

‭- ‬لن‭ ‬أنزل‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الشجرة‭! ‬ولن‭ ‬أنزل‭ ‬غدًا‭ ‬أيضًا‭!‬

‭- ‬لقد‭ ‬أكلت‭ ‬كل‭ ‬إخوتك‭ ‬وأخواتك‭.‬

‭- ‬لن‭ ‬أنزل‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الشجرة‭! ‬ولن‭ ‬أنزل‭ ‬غدًا‭ ‬أيضًا‭!‬

‭- ‬لقد‭ ‬أكلت‭ ‬كل‭ ‬أصدقائك‭.‬

‭- ‬لن‭ ‬أنزل‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الشجرة‭! ‬ولن‭ ‬أنزل‭ ‬غدًا‭ ‬أيضًا‭!‬

‭- ‬لقد‭ ‬أكلت‭ ‬كل‭ ‬جيرانك‭.‬

‭- ‬لن‭ ‬أنزل‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الشجرة‭! ‬ولن‭ ‬أنزل‭ ‬غدًا‭ ‬أيضًا‭!‬

أمام‭ ‬عناد‭ ‬الديك‭ ‬اشتدّ‭ ‬غضب‭ ‬الضبع‭, ‬فصاح‭:‬

‭- ‬لقد‭ ‬قلت‭ ‬لك‭ ‬إنني‭ ‬أكلت‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يمُتّ‭ ‬إليك‭ ‬بصلة‭, ‬حتى‭ ‬أَمَلُكَ‭ ‬بالحياة‭ ‬أكلتُه‭!‬

عند‭ ‬سماع‭ ‬الديك‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬الأخيرة‭, ‬قفز‭ ‬من‭ ‬الشجرة‭, ‬وتقدّم‭ ‬نحو‭ ‬الضبع‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭: ‬لقد‭ ‬ربحتني‭! ‬إذًا‭, ‬لم‭ ‬يبقَ‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬تأكلني‭ ‬الآن‭!‬

تفاجأ‭ ‬الضبع‭ ‬بِردّة‭ ‬فعل‭ ‬الديك‭, ‬فتغّلبَ‭ ‬على‭ ‬ازدرائه‭ ‬واحتقاره‭, ‬وسأله‭: ‬لماذا‭ ‬ترمي‭ ‬بنفسك‭ ‬للتهلكة‭ ‬أيها‭ ‬الديك‭, ‬وكنت‭ ‬تقدر‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬على‭ ‬الشجرة‭, ‬ولن‭ ‬أقدر‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إليك‭?‬

فأجابه‭ ‬الديك‭: ‬أيها‭ ‬الضبع‭! ‬هناك‭ ‬من‭ ‬فقد‭ ‬أباه‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فهو‭ ‬يستمتع‭ ‬بالحياة‭. ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬فقد‭ ‬أمه‭ ‬ولكنه‭ ‬يواصل‭ ‬الحياة‭ ‬بِخيرها‭ ‬وشرّها‭. ‬بل‭ ‬إنّ‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬فقد‭ ‬أمه‭ ‬وأباه‭ ‬وكلّ‭ ‬أقاربه‭ ‬وأصدقائه‭, ‬ويظل‭ ‬عائشًا‭ ‬كأن‭ ‬شيئًا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭.‬

‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬فقدنا‭ ‬الأمل‭, ‬فقُل‭ ‬على‭ ‬الدنيا‭ ‬السلام‭!‬

وتقدّم‭ ‬نحو‭ ‬الضبع‭ ‬بِخُطًى‭ ‬ثابتة‭ ‬وهو‭ ‬يردّد‭: ‬أنا‭ ‬لك‭ ‬غنيمة‭! ‬بإمكانك‭ ‬أن‭ ‬تأكلني‭ ‬الآن‭!‬

خيّم‭ ‬صمت‭ ‬رهيب‭ ‬على‭ ‬المكان‭, ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الضبع‭ ‬يستعيد‭ ‬كلمات‭ ‬الديك‭ ‬قائلاً‭:‬

لقد‭ ‬جِلْتُ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البرّية‭ ‬من‭ ‬أدناها‭ ‬إلى‭ ‬أقصاها‭, ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الفصول‭, ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أؤسّس‭ ‬حياتي‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬من‭ ‬آمال‭ ‬الدنيا‭. ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬سيكون‭ ‬هذا‭ ‬الديك‭ ‬الأمل‭ ‬الذي‭ ‬أتشبّث‭ ‬فيه‭ ‬بقية‭ ‬عمري‭.‬

ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭, ‬صار‭ ‬الديك‭ ‬ينبّه‭ ‬الضبع‭ ‬بصياحه‭ ‬عند‭ ‬طلوع‭ ‬الفجر‭ ‬حتى‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬وجاره‭. ‬أما‭ ‬الضبع‭ ‬فقد‭ ‬وفى‭ ‬بِوعده‭ ‬للديك‭: ‬

لن‭ ‬تأكل‭ ‬الضباع‭ ‬الديوك‭! ‬ولن‭ ‬تفكّر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أبدًا‭, ‬ولو‭ ‬قتلها‭ ‬الجوع‭! ‬