مثلّجات خارج الثلّاجة
في ثلّاجة كبيرة فائقة التبريد, كانت تعيش مجموعات عديدة من الأطعمة المختلفة, كالفواكه والخضراوات, واللحوم البيضاء والحمراء, والألبان والمثلّجات. وحدث ذات يوم أن شعرت تلك الأخيرة بِالملل والضيق من المكان الذي تعيش فيه, وكان ذلك تحديدًا بعدما سمعت حديثًا دار بين البرتقالة والإجاصة, إذ سمعت البرتقالة تقول بِحنين: أتذكرين الأشجار العالية الخضراء التي كنّا نعيش فيها?.
أجابتها الإجاصة مبتسمة: نعم كانت عيشة جميلة, الشمس تداعبنا بِأصابعها الذهبية اللامعة كل صباح, فتوقظنا. والمطر حين ينزل من السحب يغسلنا, ويزيل العوالق منّا. والرياح تحرّك أجسامنا فنتراقص معها.
وهنا تدخّلت المثلّجات, وقالت بِأسًى بالغ: تبدو حياتكم جميلة, و أفضل من حياتي. لم أرَ الشمس أبدًا, ولا المطر, ولا الرياح.
وعندها قرّرت المثلّجات قرارًا سريعًا, وهو الخروج من الثلّاجة فورًا, والذهاب لِاستكشاف الحياة الجميلة التي تحدّثت عنها البرتقالة والإجاصة.
فالتَقت المثلّجات بالشمس التي داعبتها بِأناملها الذهبية الجميلة, لكنها شعرت بالحرارة تدبّ في جسمها, وبدأت تشعر بالسخونة, وإذ بها تذوب شيئًا فشيئًا. فقالت المثلّجات لِنفسها وهي تشعر بالإرهاق الشديد: هذه الشمس لا توقظني بل تذيبني!
وبعدها هبّت رياح عليها, فلم تحرّكها وتتراقص معها, بل اقتلعت أجزاءً منها, وتطايرت بعيدًا عنها!
ثم نزلت قطرات المطر من السحب, فلم تغسلها بل اختلطت بما بقي منها وسالتا معها.
وهنا, شعرت المثلّجات بالضيق ممّا يحدث معها من ذوبان لِمكوّناتها, واقتلاع لِأجزائها, وسيلان وانسكاب لِما بقي منها, فما كان أمامها إلا أن تسرع للعودة إلى الثلّاجة الكبيرة, فعادت وهي مُنهَكة ومنزعجة من كل ما حدث معها, و عندما رأتها التفاحة والإجاصة صرختا معًا بِصوت واحد:
ما بِك يا مثلّجات... لقد تغيّر شكلك كثيرًا, لقد أصبحت سائلة غير متماسكة!!
ولأنها كانت متعبة لم تجبهما على السؤال, وظلّت ساكتة حتى شعرت بِتحسّن , وبدأت أجزاؤها تتماسك بِبعضها البعض, فقالت لهما: نعم, الآن فقط بدأت أحسّ بِنعمة التبريد والتثليج, فالثلّاجة هي المكان المناسب لي, فعملها يبقيني متماسكة, ويضبط شكلي, ويحافظ على هيئتي المعتادة. أما الشمس فإنها تذيبني, وتفكّكني, وتحوّلني من حالتي الصلبة إلى السائلة. لهذا قرّرت ألّا أجرّب حياة أخرى, فحياتي هنا أجمل بكثير.
ضحكت البرتقالة والإجاصة, وقالتا: نحن أيضًا حياتنا هنا أجمل, لِأن الثلّاجة تبقينا في حالة النضج لِمدّة أطول ممّا نكون عليه في الخارج. ولكن هذا لا يمنعنا من تذكّر النِّعَم في بيتنا الأوّل, الشجرة, ونحن نستمتع بالشمس والهواء والمطر.
وهنا قالت المثلّجات بِسعادة غامرة: صدقتم, وها أنا أتذّكر أيضًا معكم مكوّناتي, فما أنا إلّا نكهات من فواكه كانت معلّقة على الأشجار يومًا ما!!