الملح أم السكر... أيهما أَضرُّ؟

لطالما‭ ‬كانت‭ ‬اختياراتنا‭ ‬الغذائية‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬أحوالنا‭ ‬الصحية،‭ ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬نختار‭  ‬أصناف‭ ‬غذائنا‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬نعانيه‭ ‬من‭ ‬أمراض‭. ‬نفاضل‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬بين‭ ‬صنف‭ ‬غذائي‭ ‬وآخر،‭ ‬وتصيبنا‭ ‬الحيرة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭.‬

كثيراً‭ ‬ما‭ ‬نسمع‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬‮«‬الأبيضين‮»‬،‭ ‬الملح‭ ‬والسكر‭ ‬‭,‬‭ ‬وأنهما‭ ‬متشابهان‭ ‬بالضرر‭  ‬ولربما‭ ‬أحدهما‭ ‬أَضَرُّ‭ ‬من‭ ‬الآخر،‭ ‬فما‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬الأضر‭  ‬بينهما؟‭ ‬

نتحدث‭ ‬عن‭ ‬هذين‭ ‬المركبين‭ ‬بسبب‭ ‬استخدامهما‭ ‬الشائع‭ ‬وتوافرهما‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أطعمتنا‭ ‬اليومية‭ ‬ولصعوبة‭ ‬تجنبهما‭ ‬تماماً‭.‬

لنبدأ‭ ‬بالملح،‭ ‬فهو‭ ‬مركب‭ ‬كيميائي‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬عنصري‭ ‬الصوديوم‭ ‬والكلورايد،‭ ‬والصوديوم‭ ‬مهم‭ ‬للجسم‭ ‬للتحكم‭ ‬بكمية‭ ‬الماء‭ ‬الموجودة‭ ‬داخل‭ ‬الخلايا،‭ ‬بين‭ ‬الأنسجة‭ ‬وفي‭ ‬الأوعية‭ ‬الدموية،‭ ‬وكذلك‭ ‬مهم‭ ‬للتوصيل‭ ‬العصبي‭ ‬بين‭ ‬الخلايا،‭ ‬مع‭ ‬الاعتقاد‭ ‬السائد‭ ‬بأن‭ ‬الملح‭ ‬مضر‭ ‬لضغط‭ ‬الدم‭ ‬ومسؤول‭ ‬على‭ ‬ارتفاعه‭ ‬وأيضاً‭ ‬يسبب‭ ‬الإصابة‭ ‬بأمراض‭ ‬القلب‭ ‬والشرايين،‭ ‬ففي‭ ‬الحقيقة‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬مشكوك‭ ‬فيه‭! ‬فهناك‭ ‬دراسات‭ ‬حياتية‭ ‬عدة‭ ‬نُشرت‭ ‬في‭ ‬مجلات‭ ‬علمية‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬إثبات‭ ‬أن‭ ‬الملح‭ ‬يسبب‭ ‬أمراض‭ ‬ارتفاع‭ ‬ضغط‭ ‬الدم‭ ‬وتصلب‭ ‬شرايين‭ ‬القلب،‭ ‬حتى‭ ‬بعض‭ ‬الأطباء‭ ‬توقف‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬توصيات‭ ‬خاصة‭ ‬باستخدام‭ ‬الملح‭ ‬للأشخاص‭ ‬الأصحاء‭. ‬

نعم‭ ‬هناك‭ ‬فئات‭ ‬من‭ ‬المرضى‭ ‬يجب‭ ‬عليهم‭ ‬تقليل‭ ‬الملح‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬مثل‭ ‬مرضى‭ ‬ضعف‭ ‬عضلة‭ ‬القلب‭ ‬والفشل‭ ‬الكلوي‭ ‬ومن‭ ‬يعاني‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬التحكم‭ ‬بضغط‭ ‬الدم،‭ ‬لكن‭ ‬يصعب‭ ‬التعميم‭ ‬على‭ ‬الجميع‭.‬

المشكلة‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬الملح‭ ‬أننا‭ ‬نستهلك‭ ‬كثيراً‭ ‬منه،‭ ‬علماً‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬التوصيات‭ ‬الطبية‭ ‬العالمية‭ ‬بألا‭ ‬تزيـــــد‭ ‬كمية‭ ‬الملح‭ ‬المستهلكة‭ ‬يومياً‭ ‬على‭ ‬2300‭ ‬ملليجرام‭ (‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬6‭ ‬جرامات‭ ‬أو‭ ‬ملعقة‭ ‬شاي‭ ‬واحدة‭ ‬يومياً‭)‬،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نستهلك‭ ‬كمية‭ ‬تعادل‭ ‬ضعفي‭ ‬الكمية‭ ‬الطبيعية‭ ‬أو‭ ‬المطلوبة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬أكثر‭. ‬

أما‭ ‬الشيء‭ ‬الواضح‭ ‬والمطــــلوب‭ ‬الاهتمـــام‭ ‬به‭ ‬فهو‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬تناول‭ ‬الأطعمة‭ ‬المصنّعة‭ ‬والمعلّبة،‭ ‬والتي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬نسب‭ ‬عالية‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬الملح‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إليــــها‭ ‬الإنســــان‭ ‬الطبيعي،‭ ‬وأيضاً‭ ‬عدم‭ ‬الإسراف‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬ملح‭ ‬المائدة‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬الوجبة‭ ‬بعد‭ ‬إعدادها‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬هناك‭ ‬دلائل‭ ‬علمية‭ ‬واضحة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ضرر‭ ‬السكر‭ ‬أعلى‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬ضرر‭ ‬الملح‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬للجســم‭ ‬وصحة‭ ‬القلب‭ ‬وأيضاً‭ ‬ضغط‭ ‬الدم‭ ‬والسمنة‭ ‬ومرض‭ ‬السكري‭. ‬فمركب‭ ‬السكر‭ ‬يتم‭ ‬تصنيعه‭ ‬في‭ ‬الجسم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الكبد‭ ‬عند‭ ‬الحاجة‭ ‬إليه‭ ‬فــــي‭ ‬الفترات‭ ‬التي‭ ‬نتوقـــــف‭ ‬فيــــها‭ ‬عن‭ ‬تناول‭ ‬الطــــعام،‭ ‬لكن‭ ‬عند‭ ‬تناول‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬السكر‭ ‬فإنه‭ ‬يقاوم‭ ‬عمل‭ ‬هرمون‭ ‬الإنسولين،‭ ‬الذي‭ ‬يضبط‭ ‬معدل‭ ‬السكر‭ ‬في‭ ‬الدم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يبدأ‭ ‬معدل‭ ‬السكر‭ ‬في‭ ‬الارتفاع،‭ ‬وإذا‭ ‬استمر‭ ‬في‭ ‬الارتفاع‭ ‬فيمكن‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬الحالة‭ ‬الى‭ ‬الإصابة‭ ‬بمرض‭ ‬السكري‭.‬

هناك‭ ‬سكر‭ ‬طبيعي‭ ‬كالموجود‭ ‬في‭ ‬الفاكهة‭ ‬والتمر‭ ‬والعسل،‭ ‬وهناك‭ ‬مصنَّع‭ ‬كالموجود‭ ‬في‭ ‬الحلويات‭ ‬وما‭ ‬شابه‭. ‬العصائر‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬سكر‭ ‬طبيعي‭ ‬ويمكن‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يضاف‭ ‬سكر‭ ‬إليها‭ ‬فتكون‭ ‬مصدراً‭ ‬عالياًٍ‭ ‬للسكر‭ ‬كالمشــروبات‭ ‬الغازية‭ ‬المحلاة‭. ‬جميع‭ ‬السكريات‭ ‬السابقة‭ ‬لا‭ ‬يتطلب‭ ‬السكر‭ ‬بها‭ ‬مجهوداً‭ ‬في‭ ‬الأمعاء‭ ‬لتكسيره،‭ ‬ويتم‭ ‬امتصاصه‭ ‬بسرعة‭ ‬كبيرة‭ ‬ومضرة‭ ‬لكثرة‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأنسولين‭ ‬وقتها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمهّد‭ ‬للسمنة‭ ‬ومرض‭ ‬السكري‭. ‬

السكر‭ ‬المصنّع‭ ‬يمكن‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنه‭ ‬لخلوه‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬فائدة‭ ‬غذائية،‭ ‬ويمكن‭ ‬استبدال‭ ‬السكر‭ ‬الطبيعي‭ ‬به،‭ ‬وهو‭ ‬أيضاً‭ ‬يجب‭ ‬الاعتدال‭ ‬في‭ ‬تناوله،‭ ‬وتختلف‭ ‬الكمية‭ ‬المسموحة‭ ‬منه‭ ‬بحسب‭ ‬الحالة‭ ‬الصحية‭ ‬كعدد‭ ‬محدد‭ ‬من‭ ‬قطع‭ ‬الفاكهة‭ ‬أو‭ ‬التمر‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬عنها‭. ‬كمية‭ ‬السكر‭ ‬المسموح‭ ‬بتناولها‭ ‬يومياً‭ ‬للشخص‭ ‬البالغ‭ ‬السليم‭ ‬تعادل‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬إلى‭ ‬9‭ ‬ملاعق‭ ‬شاي‭ (‬25‭ ‬ذ‭ ‬36‭ ‬جراماً‭)‬،‭ ‬وأيضاً‭ ‬نحن‭ ‬نستهلك‭ ‬كميات‭ ‬مضاعفة‭ ‬منها‭ ‬بشكل‭ ‬يومي،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يجب‭ ‬التنبيه‭ ‬عليه‭.‬

في‭ ‬الأخير،‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬مراقبة‭ ‬جميع‭ ‬ما‭ ‬نأكل‭ ‬وخصوصاً‭ ‬السكر‭ ‬والملح،‭ ‬فهما‭ ‬من‭ ‬الأطعمة‭ ‬غير‭ ‬الصديقة‭ ‬للإنسان،‭ ‬والسكر‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الشيطان‭ ‬الأكبر‮»‬‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬القول‭ ‬