“سيدات القمر”... تهافُت الأرض واستحالة النجوم أول رواية عربية تفوز بـ «البوكر» العالمية

هذه‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬رواية‭ ‬عربية‭ ‬تفوز‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬البوكر‮»‬‭ ‬العالمية‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬Celestial‭ ‬Bodies،‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬صيف‭ ‬هذا‭ ‬العام‭. ‬

تتداخل‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬الأجيال‭ ‬‮«‬سيدات‭ ‬القمر‮»‬‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الآداب‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬وتقع‭ ‬في‭ ‬1224‭ ‬صفحة،‭ ‬ثلاثة‭ ‬عوالم‭ ‬مثل‭ ‬دمى‭ ‬الماتريوشكا،‭ ‬والأوسط‭ ‬يظلل‭ ‬الأصغر،‭ ‬والأكبر‭ ‬يحتوي‭ ‬الكل‭. ‬

الصندوق‭ ‬الحاوي‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬مشهد‭ ‬عُمان‭ ‬السياسي‭ ‬وأدق‭ ‬المراحل‭ ‬التي‭ ‬مرّت‭ ‬به‭. ‬ولم‭ ‬تتوقف‭ ‬عندها‭ ‬المؤلفة‭ ‬خوجة‭ ‬الحارثي‭ ‬كثيرًا،‭ ‬بل‭ ‬ركّزت‭ ‬على‭ ‬تجارة‭ ‬الرقيق‭ ‬التي‭ ‬ازدهرت‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما،‭ ‬وكان‭ ‬تُجَّار‭ ‬العبيد‭ ‬يجلبونهم‭ ‬من‭ ‬شرق‭ ‬إفريقيا‭ ‬وبلوشستان‭.‬

نغوص‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬تفصيلات‭ ‬العالم‭ ‬الأوسط،‭ ‬وهو‭ ‬مجتمع‭ ‬بلدة‭ ‬مُتخيَّلة‭ ‬اسمها‭ ‬العوافي،‭ ‬والطبقة‭ ‬الدنيا‭ ‬من‭ ‬أهلها‭ ‬الفقراء،‭ ‬وفي‭ ‬قاع‭ ‬درجات‭ ‬سُلَّمهم‭ ‬يأتي‭ ‬الرقيق،‭ ‬وقد‭ ‬برعت‭ ‬الحارثي‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬سادتها،‭ ‬وتبيان‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬تجمعهما‭ ‬معًا‭ ‬برموز‭ ‬لا‭ ‬تخطئ‭ ‬مرماها،‭ ‬وإسقاطات‭ ‬ناعمة‭ ‬أنثوية،‭ ‬وإشارات‭ ‬شديدة‭ ‬الذكاء‭.‬

ولا‭ ‬ينحصر‭ ‬شكل‭ ‬المجتمع‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬ظاهرة‭ ‬الرقيق،‭ ‬بل‭ ‬تتوسع‭ ‬إلى‭ ‬تناول‭ ‬أحوال‭ ‬المعيشة‭ ‬والبنى‭ ‬الثقافية‭ ‬الشعبية،‭ ‬حيث‭ ‬تنتشر‭ ‬القصص‭ ‬الخرافية‭ ‬والأساطير‭ ‬نتيجة‭ ‬الجهل‭ ‬المستمر‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬التجهيل‭.‬

أما‭ ‬عالم‭ ‬القلب‭ ‬الأصغر‭ ‬فنقرأ‭ ‬ما‭ ‬يجول‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الشخصيات،‭ ‬حيث‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬مأساتها‭ ‬وهواجسها‭ ‬وحكايتها‭ ‬الموجعة‭ ‬تحت‭ ‬قهر‭ ‬المجتمع‭. ‬وقد‭ ‬تناولتها‭ ‬الحارثي‭ ‬في‭ ‬نسيج‭ ‬سرد‭ ‬متشابك‭ ‬غير‭ ‬مهترئ‭ ‬ولا‭ ‬متهدل،‭ ‬سلس‭ ‬محكم‭ ‬يمسك‭ ‬بتلابيب‭ ‬القصة‭ ‬وأغراضها‭ ‬وقارئها‭.‬

كما‭ ‬تمكّنت‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬قبضة‭ ‬الزمن‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬الكتابة‭ ‬وعمر‭ ‬أحداث‭ ‬الرواية،‭ ‬إذ‭ ‬نمرّ‭ ‬على‭ ‬أربعة‭ ‬أجيال‭ ‬بيُسر‭ ‬ودون‭ ‬حيرة‭ ‬أو‭ ‬تشتيت،‭ ‬فننتقل‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1802‭ ‬وقت‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬عدم‭ ‬بيع‭ ‬الرقّ‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬مسقط،‭ ‬واتفاقية‭ ‬الشارع‭ ‬السريع‭ ‬التي‭ ‬ستحول‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬عبدالله‭ ‬ومَيَا‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬كانا‭ ‬يريدان‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭. ‬

النقاط‭ ‬التاريخية‭ ‬لا‭ ‬تسردها‭ ‬الكاتبة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬توثيق‭ ‬الأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬الأجيال،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬خلفية‭ ‬محرّكة‭ ‬للحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الشاملة‭ ‬لهذه‭ ‬الشخصيات‭. ‬العبيد‭ ‬وغيرهم‭ ‬في‭ ‬اسيّدات‭ ‬القمرب‭ ‬ينشدون‭ ‬الانعتاق،‭ ‬ولو‭ ‬من‭ ‬سجن‭ ‬الذات‭ ‬التي‭ ‬تطلب‭ ‬الحريّة‭ ‬بالتحامها‭ ‬بالآخر‭ ‬أو‭ ‬بالاغتراب‭ ‬عنه‭. ‬تجمع‭ ‬بلدة‭ ‬العوافي‭ ‬العُمانيّة‭ ‬حكايات‭ ‬هذه‭ ‬الشخصيّات‭ ‬المشعثة‭ ‬المغبرة‭ ‬المشتَّتة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬حيث‭ ‬نرى‭ ‬ألف‭ ‬نموذج‭ ‬للعبودية‭ ‬بلا‭ ‬رسن،‭ ‬والعشق‭ ‬بلا‭ ‬قصائد،‭ ‬والعائلة‭ ‬بلا‭ ‬صلات‭ ‬رحم،‭ ‬والتقاليد‭ ‬بغير‭ ‬رحمة‭.‬

 

جيوب‭ ‬محصورة

المؤلفة‭ ‬مشغولة‭ ‬بجيل‭ ‬المستقبل‭ (‬ستلاحظ‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬رواياتها‭ ‬السابقة‭ ‬انارنجةب‭ - ‬دار‭ ‬الآداب‭ ‬2016،‭ ‬امناماتب‭ - ‬المؤسسة‭ ‬العربية‭ ‬للدراسات‭ ‬والنشر‭ ‬2004،‭ ‬ومجموعة‭ ‬اصبي‭ ‬على‭ ‬السطحب‭ - ‬دار‭ ‬أزمنة‭ ‬2007،‭ ‬والنص‭ ‬الذي‭ ‬كتبته‭ ‬للأطفال‭ ‬اعش‭ ‬للعصافيرب‭ - ‬النادي‭ ‬الثقافي‭ ‬بمسقط‭ ‬2010‭).‬

إن‭ ‬الجيل‭ ‬الأصغر‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬يعاني‭ ‬أكثر،‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬تدرَّب‭ ‬على‭ ‬النفاذ‭ ‬ببصيرته‭ ‬بسرعة‭ ‬إلى‭ ‬الأعماق،‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬فجأة‭ ‬إزاء‭ ‬جيوب‭ ‬محصورة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الرواسب‭ ‬والذكريات،‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يواجهها‭ ‬جيل‭ ‬سابق‭ ‬أبدًا‭ ‬بغير‭ ‬ذريعة‭ ‬مقدسة،‭ ‬وهو‭ ‬يواجهها‭ ‬تحت‭ ‬أعين‭ ‬الناس‭ ‬جميعًا‭ ‬وعلى‭ ‬رؤوس‭ ‬الأشهاد‭. ‬

إنه‭ ‬جيل‭ ‬يستكشف‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬ويحول‭ ‬جحيم‭ ‬الروح‭ ‬إلى‭ ‬معارض‭ ‬صور‭ ‬حية،‭ ‬ولا‭ ‬مانع‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬تناول‭ ‬طعامه‭ ‬من‭ ‬أكداس‭ ‬المخازن‭ ‬والسّير‭ ‬بقيود‭ ‬غير‭ ‬مرئية،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬فهو‭ ‬يستمد‭ ‬قوته‭ ‬من‭ ‬المستقبل‭ ‬الوهمي‭.‬

إنه‭ ‬يشغل‭ ‬أذهاننا‭ ‬وأذهان‭ ‬الكبار‭ ‬في‭ ‬اسيدات‭ ‬القمرب،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬جيل‭ ‬آخر‭ ‬مع‭ ‬أبناء‭ ‬عصره‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭. ‬إنه‭ ‬يُزاحم‭ ‬ويبدِّل‭ ‬ويحاول‭ ‬التنظيف،‭ ‬والبعض‭ ‬مدين‭ ‬له‭ ‬لذلك‭ ‬بالكثير،‭ ‬فمَن‭ ‬منهم‭ ‬لم‭ ‬يرمقه،‭ ‬ولو‭ ‬للحظة،‭ ‬بعين‭ ‬الريبة،‭ ‬ولم‭ ‬يتساءل‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬معنيًّا‭ ‬حقًّا‭ ‬بالحياة‭ ‬كما‭ ‬نفهمها،‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬استغلال‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬بطريقة‭ ‬أكثر‭ ‬آلية‭ ‬وأشد‭ ‬استنزافًا‭ ‬فحسب؟

 

معالجة‭ ‬معقدة

إنه‭ ‬يربكنا‭ ‬بإمكانات‭ ‬للرؤية‭ ‬تتجدد‭ ‬باستمرار،‭ ‬ولكن‭ ‬كم‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬أشياء‭ ‬وضعها‭ ‬أمامنا‭ ‬ولم‭ ‬يترتب‭ ‬عليها‭ ‬تقدّم‭ ‬مماثل‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬الداخلية؟‭ ‬المؤلفة‭ ‬تفترض‭ ‬في‭ ‬روايتها‭ ‬أن‭ ‬شبابنا‭ ‬الثابت‭ ‬الخطى‭ ‬قد‭ ‬منح‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إعطاء‭ ‬الشكل‭ ‬الخارجي‭ ‬المرئي‭ ‬بالتدريج‭ ‬بقدر‭ ‬مكافئ‭ ‬تمامًا‭ ‬لأكثر‭ ‬حقائقه‭ ‬الداخلية‭ ‬صفاء،‭ ‬وتجعلنا‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لتصديق‭ ‬أنه‭ ‬يملك‭ ‬هذه‭ ‬القدرة‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الأقصى‭. ‬معالجة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أعقد‭ ‬مما‭ ‬ينبغي؛‭ ‬فالتبسيطات‭ ‬جميعًا‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬درجة‭ ‬تغلغلها،‭ ‬فماذا‭ ‬يمكن‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬أن‭ ‬يغيّر‭ ‬حالة‭ ‬شخص‭ ‬قُدّر‭ ‬له،‭ ‬منذ‭ ‬أيامه‭ ‬الأولى،‭ ‬أن‭ ‬يحرّك‭ ‬قوى‭ ‬هائلة‭ ‬داخل‭ ‬نفسه‭ ‬ذاتها،‭ ‬وهي‭ ‬قوى‭ ‬يحبسها‭ ‬الآخرون‭ ‬ويلزمونها‭ ‬الصمت؟‭ ‬وأيّ‭ ‬سلام‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يلقاه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يعاني‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬سياط‭ ‬إلهه؟

اإنني‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬النقد‭ ‬بجدية‭ ‬شديدة،‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الإيمان‭ ‬بأنه،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬معركة‭ ‬يقف‭ ‬فيها‭ ‬الفرد‭ ‬بجانب‭ ‬أحد‭ ‬أطرافها،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬نقد‭ ‬ذاتيب‭. ‬كلمات‭ ‬للمفكر‭ ‬الأنسني‭ ‬إدوارد‭ ‬سعيد؛‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬وعي‭ ‬نقدي،‭ ‬كي‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬قضايا‭ ‬ومشكلات‭ ‬وقيم‭ ‬وحتى‭ ‬حيوات‭ ‬نناضل‭ ‬من‭ ‬أجلها‭.‬

فينبغي‭ ‬على‭ ‬النقد‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬لنفسه‭ ‬بوصفه‭ ‬عنصرًا‭ ‬يُثري‭ ‬الحياة،‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬تضاد‭ ‬بناءة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الطغيان‭ ‬والسيطرة‭ ‬والاستغلال؛‭ ‬فأهداف‭ ‬النقد‭ ‬الاجتماعية‭ ‬هي‭ ‬المعرفة‭ ‬اللا‭ ‬قسرية‭ ‬وغرضها‭ ‬الحرية‭ ‬الإنسانية‭!‬

أما‭ ‬خوجة‭ ‬فقد‭ ‬مارست‭ ‬هنا‭ ‬عمليات‭ ‬النقد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬فقرات‭ ‬الرواية‭ ‬تقريبًا،‭ ‬ولا‭ ‬تنبذ‭ ‬الجيل‭ ‬السابق‭ (‬أهدت‭ ‬الرواية‭ ‬إلى‭ ‬أمّها‭)‬،‭ ‬لكنّها‭ ‬تتمسك‭ ‬بصدق‭ ‬الحزن‭ ‬مع‭ ‬ميا‭ ‬التي‭ ‬استغرقها‭ ‬العشق،‭ ‬واستغرقتها‭ ‬ماكينة‭ ‬الخياطة‭ ‬السوداء‭ ‬ماركة‭ ‬الفراشة،‭ ‬عشق‭ ‬أسود‭ ‬صامت‭ ‬تسجد‭ ‬معه‭ ‬ولا‭ ‬تدعو‭ ‬الله‭ ‬إلا‭ ‬بأن‭ (‬تراه‭)‬،‭ ‬لكن‭ ‬أمها‭ ‬لا‭ ‬تفهم،‭ ‬وتظن‭ ‬أن‭ ‬ميا‭ ‬سجينة‭ ‬ماكينة‭ ‬الخياطة‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬ترفع‭ ‬عنها‭ ‬رأسها‭ ‬إلا‭ ‬لتبحث‭ ‬عن‭ ‬الخيوط‭ ‬أو‭ ‬تتناول‭ ‬المقص‭. ‬تركت‭ ‬الصلاة‭ ‬عندما‭ ‬خُطبت‭ ‬لشخص‭ ‬آخر،‭ ‬ظنت‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬يعاقبها‭ ‬على‭ ‬حبها‭. ‬زوجها‭ ‬الأحمق‭ ‬سليمان‭ ‬يرفض‭ ‬أن‭ ‬تلد‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬بمسقط‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يقع‭ ‬مولوده‭ (‬في‭ ‬أيدي‭ ‬النصارى‭!)‬،‭ ‬وهي‭ ‬تسمي‭ ‬مولودتها‭ ‬لندن‭.‬

 

رواية‭ ‬المجرة‭ ‬العُمانيّة

‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬شيئًا‭ ‬عن‭ ‬حبيبها‭ ‬المهاجر،‭ ‬فتقول‭ ‬لأن‭ ‬بشرتها‭ ‬بيضاء‭ ‬جدًا‭. ‬لكنهم‭ ‬يتهافتون‭ ‬ويذلّون‭ ‬بعضهم‭ ‬على‭ ‬فتات‭ ‬وسخافات،‭ ‬الوالد‭ ‬يصيح‭: ‬اربطوا‭ ‬العبد‭ ‬سنجره‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬يسرق‭ ‬خيش‭ ‬البصل‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭! (‬الكائنات‭ ‬منفصلة‭ ‬في‭ ‬اتّصالها،‭ ‬وهذا‭ ‬أقسى‭ ‬أنواع‭ ‬العزلة‭) ‬هو‭ ‬المعنى‭ ‬الذي‭ ‬أرادته‭ ‬المؤلفة،‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬خطوط‭ ‬الرواية‭ ‬التجريبيّة‭ ‬العبثيّة،‭ ‬فكأنها‭ ‬رواية‭ ‬المجرة‭ ‬العُمانيّة،‭ ‬وما‭ ‬الشخصيّات‭ ‬المنعزلة‭ ‬المتشظية‭ ‬بين‭ ‬دروبها‭ ‬سوى‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬غلاظة‭ ‬قيود‭ ‬الأرض‭ ‬واستحالة‭ ‬التحليق‭ ‬نحو‭ ‬النجوم‭. (‬الحياة‭ ‬منشطرة‭ ‬شطرين‭ ‬كالليل‭ ‬والنهار؛‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬وما‭ ‬يعيش‭ ‬بداخلنا‭).‬

الشخصيّات‭ ‬تعيش‭ ‬بين‭ ‬الأرض‭ ‬والسماء،‭ ‬وفي‭ ‬أزقة‭ ‬النفس‭ ‬الداخليّة‭ ‬قاتمة‭ ‬كالليل‭ ‬وصارخة‭ ‬كالشمس‭. ‬تبدو‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬حيوات‭ ‬عاديّة‭ ‬تتبع‭ ‬نمطًا‭ ‬تقليديًّا‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬يؤمن‭ ‬بعادات‭ ‬بالية‭ ‬وشعوذات‭ ‬خرافية‭ ‬وأدوار‭ ‬محدّدة‭ ‬سلفًا‭ ‬للجميع‭.‬

لكن،‭ ‬بالتدريج،‭ ‬يلمس‭ ‬القارئ‭ ‬حيرتها‭ ‬وتقلّباتها‭ ‬وفرديتها‭ ‬وتمرّدها‭ ‬وهي‭ ‬تطوف‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬قدرية‭ ‬مخيفة‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬فإن‭ ‬الرواية‭ ‬لا‭ ‬تثير‭ ‬اهتمامك‭ ‬العميق‭ ‬إلا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تشغل‭ ‬الذهن‭ ‬بتحويلات‭ ‬محددة،‭ ‬تلك‭ ‬التحويلات‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬فيها‭ ‬الخصائص‭ ‬الباهرة‭ ‬للغة‭ ‬دورًا‭ ‬رئيسًا،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تستحوذ‭ ‬عليك‭ ‬استحواذًا‭ ‬عميقًا‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬وجدت‭ ‬آثار‭ ‬الفكر‭ ‬فيه‭ ‬متكافئة‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬ذاتها‭. ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الالتواء‭ ‬بالفعل‭ ‬العادي‭ ‬حتى‭ ‬يُحدث‭ ‬أثرًا‭ ‬غير‭ ‬متوقع،‭ ‬وذلك‭ ‬دون‭ ‬الخروج‭ ‬على‭ ‬القواعد‭ ‬المعروفة‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬الأشياء‭ ‬والمعاني‭ ‬التي‭ ‬يصعب‭ ‬التعبير‭ ‬عنها،‭ ‬وخاصة‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭ ‬بالإشارات‭ ‬والهارمونية‭ ‬والأفكار،‭ ‬وتلك‭ ‬عقدة‭ ‬الأدب‭ ‬الفذ‭ .