عيادة طبيب الأسنان صديقة البيئة
يستطيع أطباء الأسنان والعاملون معهم المساهمة في تحسين البيئة حولهم وأن يكونوا أصدقاء لها من خلال تبني مفهوم حديث في الممارسة يدعى «طب الأسنان الأخضر» الذي يعتمد على تطبيق أساليب وإجراءات عملية في عياداتهم للمحافظة على العقامة والوقاية من انتشار التلوث فيها وفي البيئة المحيطة. وكذلك يمكنهم التعاون مع مرضاهم، وهم شركاء لهم في دعم هذا المفهوم، لخلق عالم أكثر نظافة واخضراراً وجمالاً، وبيئة أكثر أماناً لهم وللأجيال القادمة. ومن المعروف أن اللون الأخضر يملك قدرة شفائية للإنسان، ويمنح المرء الراحة والاسترخاء، ويدعو إلى التفاؤل وتجديد الحياة.
طب الأسنان الأخضر
يدعى أيضاً «طب الأسنان - صديق البيئة» وهو أسلوب حديث ذو تقنية عالية يهدف إلى الإقلال من التأثيرات البيئية السلبية في ممارسة طب الأسنان، ويقدم نموذجاً يلبي فيه احتياجات الناس للحصول على خدمات صحية فموية مستدامة ومأمونة، مع ما يرافق ذلك من توفير في النفقات.
بدأت عيادات طب الأسنان الأخضر بالظهور عام 2003 في بعض الدول الاسكندنافية وهولندا وبريطانيا وسويسرا، ثم أخذت بالانتشار في غالبية الدول الأوربية. وفي عام 2007 بدأ ظهور هذه العيادات في الولايات المتحدة الأمريكية وازداد عدد أطباء الأسنان الخضر فيها بسرعة، وأسسوا جمعية طب الأسنان - صديقة البيئة لوضع المناهج وأساليب الممارسة والتدريب وإجراء الدراسات.
يعتمد أسلوب طب الأسنان الأخضر على تطبيق الأسس التالية في الممارسة:
1- إنقاص نفايات العيادة السنية ومنع التلوث
لا يهتم غالبية الناس بالنفايات الطبية والفموية التي تذهب عادة إلى مكب النفايات، حيث تتفكك وتتحلل وتختلط مع غيرها من النفايات الأخرى، وينتج عن ذلك مزيج من مركبات كيميائية سامة تمتصها التربة وتنتشر فيها وقد تتسرب إلى الينابيع ومصادر مياه الشرب ومجاري المياه العذبة المستخدمة في سقاية المزروعات وتُلوِّثها.
تضم نفايات عيادات طب الأسنان ما يلي:
< الزئبق وبقايا حشوات الأملغم والمعادن الأخرى.
تُستخدم حشوات الأملغم Amalgam، وهي مزيج من الزئبق الذي يشكل 50 في المائة من حجمها، بالإضافة إلى الفضة والقصدير والرصاص ومعادن أخرى، كحشوات في الفم منذ ما يزيد على 160 سنة، وتشكل الآن حوالي 75 في المائة من الترميمات المختلفة المطبقة في طب الأسنان بسبب صلابتها وسهولة تطبيقها وديمومتها وتكلفتها القابلة للتحمل.
إلا أن وجود صفات غير مقبولة فيها كان سبباً في ابتعاد العديد من أطباء الأسنان والمرضى عن تطبيقها في العقدين الأخيرين، مثل الحاجة إلى قطع كمية كبيرة من نسج السن السليمة، ومظهرها غير التجميلي في الفم، وإمكانية حدوث حالات تحسسية منها لدى بعض المرضى، بالإضافة إلى الجدل الكبير الذي بدأ منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، ومازال، حول الأملغم ودوره في إمكانية التسبب في حدوث بعض الأمراض في الجسم بسبب وجود الزئبق فيه وانطلاق أبخرته الضارة أثناء تحضير الحشوة وحشو الأسنان بها، أو أثناء إزالتها لسبب ما، مما يعرِّض العاملين في العيادة والمرضى إلى استنشاق مستويات عالية منه، بالإضافة إلى ابتلاع ذرات دقيقة من بقايا الأملغم.
وقد أدى الإعلام دوراً كبيراً في إثارة الخوف والهلع بين الناس، وظهر ما يسمى «مرض الأملغم»، حيث ازداد عدد من طلبوا من أطباء الأسنان استبدال حشوات بلون الأسنان ولا تحوي الزئبق، بهذه الحشوات الموجودة بأفواههم، رغم صدور تقارير علمية عديدة عن منظمة الصحة العالمية وجمعية طب الأسنان الأميركية ومؤسسات موثوقة أخرى تؤكد سلامة استخدام الأملغم، ولا خطر منه على صحة الإنسان.
وبسبب الجدل القائم حول الأملغم والزئبق، بدأت الأمم المتحدة بدراسة هذا الموضوع ووضعت في عام 2013, مسودة «مشروع سياسة استخدام الزئبق» الذي يهدف إلى قيام جميع دول العالم بتوقيع اتفاقية تطلب تعزيز تطبيق طرق بديلة عن الأملغم وخالية من الزئبق بشكل تدريجي واستعمال ترميمات بلون الأسنان. وستكون هذه الاتفاقية البداية في انتهاء الأملغم على مستوى العالم للمحافظة على البيئة وصحة الإنسان.
وقد تبنى «طب الأسنان الأخضر» أسلوب الابتعاد عن استخدام حشوات الأملغم كإجراء حالي ومستقبلي.
< النفايات الناتجة عن التصوير بالأشعة
تعتبر أفلام الأشعة والمحاليل الكيميائية المستعملة في معالجتها بعد التصوير من النفايات الخطرة لاحتوائها على كميات مرتفعة من الفضة، حيث يُمنع طرحها في المجاري العامة ومع النفايات العادية. وتصنف كذلك صفائح الرصاص التي تغلف أفلام الأشعة كنفايات خطرة يمكن أن ترتشح في التربة وتحدث تلوثاً في المياه الجوفية تضر بالإنسان والمزروعات.
< النفايات الفموية الخمجية Infectious (المُعدية)
تشمل هذه النفايات ما يلي:
- الأسنان المقلوعة ونتاج الأعمال الجراحية من النسج اللينة والصلبة والمصابة والدم والقيح والترسبات القلحية والقطن والضمادات الملوثة بالدم وسوائل الفم والمطهرات الكيميائية وبقايا الأدوية.
- الأدوات الحادة مثل رؤوس الإبر وشفرات المشارط والمغذيات (البطاريات) ولمبات الأجهزة المستعملة.
- النفايات العامة ذات النموذج المنزلي (مناديل ورقية وقفازات وأقنعة الفم وكؤوس بلاستيكية وواقيات الصدر الورقية أو البلاستيكية وغيرها).
2- التخلص من النفايات الخطرة في عيادات طب الأسنان
يجب على العاملين في العيادة فرز النفايات السنية ووضعها في أوعية أو أكياس ذات ألوان مختلفة مُعترف بها عالمياً يدل كل منها على محتواها ودرجة خطورتها وطرق معالجتها. وتقوم شركات متخصصة بجمعها والتخلص منها بطرق علمية وتحت إشراف الهيئات الصحية المسؤولة. يجب عدم رمي الأدوات الحادة والقاطعة والنفايات الصلبة الخطرة التي تشكل المواد البلاستيكية الجزء الأكبر منها في مكبات النفايات العامة، وعدم طرح السوائل الكيميائية وبقايا الأملغم في المجاري العامة حفاظاً على سلامة البيئة.
وتعتبر النفايات البلاستيكية من المشاكل الكبيرة التي تواجه الحكومات والمجتمعات بسبب عدم تحللها وبقائها في كوكبنا إلى ما لا نهاية. ومنذ ظهور مرض الإيدز في الدول المتقدمة في أوائل الثمانينيات وتزايد انتشار التهاب الكبد الخمجي (الانتاني) في الدول النامية ازداد الاهتمام بتطــــبيق طرق الوقاية لمنع انتقال الأمراض الخمجية (المُعدية) بين العاملين في الممارسات الطبية والمرضى، والتي تعتمد غالباً على استخدام الوسائل والمواد النبوذة التي تستعمل لمرة واحدة والمصنعة من البلاستيك ثم تـرمى مع النفايات Disposable.
من الشائع أن الإجراء الأول للتعامل مع النفايات هو إعادة تدويرها، إلا أن الإقلال منها أو إعادة استعمالها هو الأكثر فعالية، ويكون ذلك عن طريق:
- تمديد دورة الحياة قدر الإمكان للأدوات والأشياء المستعملة في الممارسة قبل الاستغناء عنها.
- استعمال مفرغات اللعاب وسوائل الفم المعدنية بعد غسلها وتعقيمها بدلاً من البلاستيكية.
- استبدال الأغطية البلاستيكية للمرضى بالأغطية القماشية القابلة للغسل والتعقيم، أسوة بما هو مطبَّق منذ عقود في غرف العمليات الجراحية في المشافي. وكذلك القيام بمسح كرسي المريض وأجزاء الجهاز بالمواد المطهرة بدلاً من تغطيتها بالأغطية البلاستيكية.
3- تـطبيق التقنيات الحديثة في طب الأسنان الأخضر
يهدف استخدام هذه التقنيات إلى الإقلال من النفايات والاقتصاد في النفقات عن طريق تطبيق الإجراءات التالية:
- استخدام النظام الرقمي في التشخيص المبكر لآفات الأسنان وأمراض الفم.
- الانتقال إلى استخدام التصوير الرقمي الفوري للأسنان والفكين والرأس، بدلاً من التصوير بالأشعة، حيث يُحسِّن ذلك من نوعية الصورة، ويعزز من فعالية التشخيص، وينقص من التعرُّض للإشعاعات الضارة إلى الحد الأدنى، مع انعدام إنتاج نفايات التصوير الشعاعي التقليدي، وإمكانية حفظها بسهولة وتحويلها إلى أي مكان آخر عن طريق الإنترنت.
- استخدام نظام «كاد- كام» الذي يقوم بأخذ الطبعات وتصميم وصنع الأعمال التعويضية والترميمية بنوعية عالية من السيراميك ومواد أخرى متطورة بلون الأسنان في جلسة واحدة باستخدام الكمبيوتر ومن دون نفايات.
- تنظيف وتبييض الأسنان بالليزر.
- التوسُّع في استخدام الليزر في معالجة اللثة، والمحافظة على صحة النسج الداعمة للأسنان.
- تطبيق الليزر في معالجة تسوس الأسنان وأمراض الفم الأخرى.
- التعقيم بالبخار الذي يؤمن الكفاءة في الوقت والموثوقية والفعالية في النتائج، والامتناع عن استعمال المواد الكيميائية التي تطلق الأبخرة السامة.
- استخدام النظام الرقمي في التسجيل وإصدار الفواتير والتقارير وتحديد المواعيد والاقتصاد في استعمال الورق.
4- توفير الطاقة
تستخدم عيادة طب الأسنان الطاقة بأشكال مختلفة لتأمين الإنارة والتهوية والتدفئة وتشغيل الكمبيوتر والأجهزة المتعددة المستعملة في تطبيق الرعاية الفموية للمرضى.
ويمكن لطبيب الأسنان المساهمة بشكل فعال في تحسين البيئة بتطبيق الإجراءات التالية:
- اختيار التجهيزات التي تدخل ضمن لائحة حفظ الطاقة ويُرمز لها بشكل «نجمة الطاقة».
- استبدال المصابيح التقليدية بالمصابيح الحديثة الموفرة للطاقة.
- استخدام ضواغط الهواء التي لا تعتمد على الزيوت.
- استخدام نظام الإنارة الحديث (ليد) ذي الطاقة الفعالة وغير المؤذية في الإضاءة، وخاصة في غرف العمليات.
- إغلاق أجهزة الكمبيوتر أثناء الليل.
- إغلاق جميع مآخذ الطاقة للأجهزة الإلكترونية في نهاية يوم العمل.
- محاولة إنهاء المعالجات اللازمة للمريض في جلسات قليلة للاقتصاد من استخدام سيارته.
- اختيار المنتجات الكربونية ذات التأثير المنخفض والقابلة لإعادة الاستخدام.
5- ترشيد استخدام المياه ومنع تلوثها
يوصي «طب الأسنان الأخضر» العاملين في عيادات طب الأسنان بضرورة ترشيد استخدام المياه واستخدام المواد المطهرة للأيدي كلما أمكن ذلك، بدلاً من الغسل بالماء والصابون واستخدام مُفرغات اللعاب وسوائل الفم التي تعتمد على الهواء بدل الماء. ويجب تنظيف أنابيب المياه بشكل دوري باستخدام المواد المنظفة الحيوية القابلة للانحلال أو المنظفات الأنزيمية وعدم استعمال الكلور، بالإضافة إلى تركيب مصاف خاصة تمنع مرور بقايا الأملغم إلى المجاري العامة.
ويجب كذلك إرشاد الأولاد والأهل إلى الاقتصاد في صرف الماء أثناء تفريش الأسنان.
وكانت الولايات المتحدة قد بدأت بحملة واسعة تدعى «لتوفير 90 كأساً من الماء يومياً» حيث تبين أن الفرد الواحد يصرف يومياً حوالي 90 كأساً (صغيرة) من الماء لتفريش أسنانه مرتين يومياً عندما يترك صنبور الماء مفتوحاً أثناء ذلك.
6 - نفقات عيادة طب الأسنان الأخضر
بلا شك، ستكون تكاليف تأسيس عيادة صديقة للبيئة مرتفعة لأنها تحتوي على تجهيزات ذات تقنيات عالية، وتُستخدم فيها مواد وأدوات ذات نوعية ممتازة، ويعمل فيها فريق عمل ذو مهارة مميزة. إلا أن هذا المشروع سيكون ذا عائد مادي جيد في المستقبل، وسيزداد عدد المرضى تدريجياً، مما يسمح بتطوير العيادة باستمرار. وقد أظهرت الدراسة التي قامت بها جمعية «طب الأسنان - صديق البيئة» الأمريكية أن مقدار الوفر الذي تحققه العيادة الفردية يبلغ حوالي خمسين ألف دولار في السنة إلى جانب تحقيق الهدف الأكبر وهو حماية البيئة حولنا.
تعزيز أنماط الحياة الصحية
إن استخدام المبتكرات الحديثــــة ذات التقنية العالية مثل وسائل تشخـــيــص اللعاب لاكتــــشاف بعض الأمراض وتطبيق تقنيات تساعد في تشخيص حدّة الخلل الجرثومي وتهدئة الاستجابة الالتهابية للنسج الداعمة للأسنان وإزالة السموم منها سوف ينعكس إيجابياً على كامل صحة الجسم وتحسين أنماط الحياة.
وكذلك فإن تطبيق الأنظمة الرقمية والمبتكرات الحديثة في الرعاية الصحية سيساعد في الإقلال من النفايات الخطرة وحماية الإنسان والبيئة.
هذا الموضوع هو دعــــوة للعامليـــــن فـــــي طــــــب الأســــنان والمــــرضى معاً لتغـــــيير مفهـــــومنا نحو الصحة ليكون أكثر شمولية والانتقال من حفرة الفم إلى كامل الجسم والبيئة حولنا ■