الفئـران.. كواشـف حيويـة

التشخيص‭ ‬الخاطئ‭ ‬أحد‭ ‬الأسباب‭ ‬المهمة‭ ‬لانتشار‭ ‬مرض‭ ‬السل‭ (‬Tuberculosis‭)‬؛‭ ‬وبالتالي‭ ‬عدم‭ ‬القضاء‭ ‬عليه،‭ ‬وحسب‭ ‬إحصاءات‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬لعام2013،‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬سقطوا‭ ‬في‭ ‬براثن‭ ‬مرض‭ ‬السل‭ ‬9‭ ‬ملايين‭ ‬شخص،‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬قضوا‭ ‬بسبب‭ ‬السل‭ ‬1.5‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭. ‬والفحص‭ ‬المجهري‭ ‬هو‭ ‬التقنية‭ ‬الأكثر‭ ‬استخداماً‭ ‬لاكتشاف‭ ‬مرض‭ ‬السل،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬النامية،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تعطي‭ ‬نتائج‭ ‬دقيقة؛‭ ‬فوجود‭ ‬تقنية‭ ‬متقنة‭ ‬وسريعة‭ ‬وغير‭ ‬مكلفة،‭ ‬سوف‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬التشخيص‭ ‬المبكر‭ ‬والدقيق،‭ ‬فهو‭ ‬يعد‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬مرض‭ ‬السل‭ ‬ومنع‭ ‬انتقاله‭. ‬

في عام 2008 بدأت منظمة APOPO استخدام أسلوب حديث، يعتمد على الجرذان الجرابية العملاقة الإفريقية في الكشف عن مرض السل، ومنظمة APOPO مؤسسة اجتماعية بلجيكية، غير حكومية، وغير ربحية، أسست عام 1997 مقرها تنزانيا، تقوم بتطوير أبحاث في تقنية استخدام الجرذان لأغراض إنسانية، مثل الكشف عن الألغام، والكشف عن مرض السل، وقد حصلت المنظمة على جائزة SKOLL للريادة الاجتماعية من جامعة أكسفورد، وكلمة APOPO اختصار
لـ Anti-Persoonmijnen Ontmijnende Product Ontwikkeling باللغة الهولندية، وتعني الكشف عن الألغام المضادة للأفراد، وتطوير المنتجات، وتستند هذه التقنية إلى أن المتفطرات السلية (Mycobacterium tuberculosis)، وهي نوع من البكتيريا تسبب مرض السل، تطلق مركبات عضوية متطايرة، تكتشفها الجرذان عن طريق حاسة الشم، فقدرة الجرذان على استقبال الرائحة تكون قوية، وحاسة الشم لديها متطورة جداً؛ لذلك تستخدم ككاشفات حيوية للسل الرئوي في عينات بلغم الإنسان.

 

تدريب‭ ‬الجرذان‭ ‬

تمتاز هذه الجرذان بأنها قابلة للتعليم، وسهلة الترويض والتدريب للقيام بالمهام المتكررة، كما ثبت أنها مقاومة لمرض السل، فقد أجري بحث لتحديد مقاومة الجرذان لهذا المرض، فتم وضعها في قفص صمم خصوصاً وأدخل في خزانة السلامة البيولوجية (Biological Safty Cabinet)، بعد ذلك تعرضت الجرذان لرذاذ من المتفطرة السلية الحية، وبعد عدة أسابيع من التعرض، وجد أن الجرذان لم تُصب بمرض السل.

ويبدأ تدريب الجرذان عندما يبلغ عمرها 4 أسابيع من ولادتها وتفتح عيونها، فيتم إسناد الجرذان إلى مدربين متخصصين، بهدف تدريبهم على مبادئ الإشراط الاستثابي Operant Conditioning فيدربون الجرذان على الربط بين صوت المفرقع المعدني Clicker a metal مع مكافأة الغذاء، فيستخدم صوت الطقطقة كمثير ثانوي، ومكافأة الغذاء كمثير أساسي، لتعزيز

السلوك الإيجابي، وبعد أن تتعلم الجرذان أن صوت الطقطقة يعني الغذاء يتم تدريبها على رائحة عينات بلغم الإنسان الإيجابية لمصاب بمرض السل، فتوضع الجرذان في قفص مجهز بثقوب تسمى ثقوب الشم Siffing holes وتوضع تحتها العينات، فعندما تقف الجرذان فوق العينة الإيجابية، وتشم الرائحة، فإن المعاملة بالفرقعة والغذاء تعلمها أن هذه هي الاستجابة الصحيحة، فالجرذان تتعلم الإشارة إلى عينات مرض السل الإيجابية، بإبقاء أنوفها في حفر الشم مثبتة لمدة 5 ثوان، والخدش على سطح القفص، أما عينات بلغم الإنسان السلبية فتتجاوزها بسرعة، لأنها لا فائدة منها، وتستغرق فترة التدريب 9 أشهر، ولا تكون الجرذان جاهزة للفحص، إلا بعد أن تجد كل عينات السل الإيجابية أثناء التدريب.

 

الجرذان‭ ‬أدق‭ ‬وأسرع‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬

يعد الفحص المجهري هو التقنية الأكثر شيوعاً لتحديد مرض السل، وخاصة في البلدان النامية، وعلى الرغم من أنها غير مكلفة فإنها تستغرق وقتاً طويلاً، كما أنها تفشل في كشف عديد من الحالات المرضية، عند تحليل أعداد كبيرة من العينات؛ لأن البكتيريا المسببة لمرض السل من السهل عدم ملاحظتها وتشخيصها؛ وهذا يؤدي إلى أن ما لا يقل عن 60-80 في المائة من الحالات المصابة بالسل لا يتم تشخيصها، وثبت أن كل مريض سل غير معالج يمكن أن ينقل المرض إلى عشرة أشخاص آخرين كل سنة، بالإضافة إلى حجم العمل الكبير الذي يسبب الإرهاق والتعب لمختص المجاهر مما يؤثر في نتيجة الفحص.

وهناك اختبارات معملية معقدة ومكلفة لتحديد مرض السل، وأيدت منظمة الصحة العالمية أخيراً آلة جديدة، تعطي نتائج دقيقة في أقل من ساعتين، ولكن الجهاز مكلف وتبلغ قيمته 17000 دولار، ويتطلب كل اختبار خرطوشة بـ 17 دولاراً، بينما تكلفة تدريب الجرذ تتراوح بين 6700 و8000 دولار، وفق إميليو فالفيردي مدير برنامج مكافحة السل في APOPO موزمبيق.

ففي حين يستطيع فني المختبر تحليل 40 عينة في اليوم الواحد يمكن للجرذ المدرب أن يفحص العدد نفسه في أقل من سبع دقائق. وقد أثبتت الدراسات تمكن الجرذان من كشف حالات سل إيجابية جديدة وزائدة، عما تم كشفه بوساطة الفحص المجهري، ففي دراسة أجريت على 10523 مريضاً تم فحص عينات البلغم لديهم، للكشف عن مرض السل بوساطة المجهر، كانت النتيجة 1403 حالات مصابة بمرض السل، وعندما فحصت باستخدام الجرذان المدربة، زادت الحالات المصابة إلى 2023 حالة، أي بزيادة 620 مريضاً ونسبة 44 في المائة، وقال الدكتور آلان بولينج أستاذ علم النفس في جامعة ميشيغان الغربية إن هذه الجرذان سيكون لها مكان في خط الفحص الأول .