طرق رفيقة بالبيئة للتخلُّص من ازدحام الأجواء

تُظهِر‭ ‬دراسات‭ ‬هيئات‭ ‬أبحاث‭ ‬الطيران‭ ‬والفضاء‭ ‬الأوربية‭ ‬كم‭ ‬تُعاني‭ ‬القارة‭ ‬العجوز‭ ‬من‭ ‬ازدحام‭ ‬حركة‭ ‬الطيران‭ ‬في‭ ‬أجوائها‭! ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬التحكُّم‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬الطيران‭ ‬بات‭ ‬يُشكّل‭ ‬تحدِّياً‭ ‬حقيقياً‭ ‬للعاملين‭ ‬في‭ ‬أبراج‭ ‬المراقبة‭ ‬بسبب‭ ‬ازدياد‭ ‬عدد‭ ‬الطائرات‭ ‬الصغيرة‭. ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬تحلم‭ ‬شركات‭ ‬الطيران‭ ‬الكبرى‭ ‬بتحقيق‭ ‬نمو‭ ‬بنسبة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬5‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬سنويّاً،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬يبدو‭ ‬صعباً‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تراجعت‭ ‬فيه‭ ‬أعداد‭ ‬المسافرين‭ ‬بالطائرات‭ ‬الكبيرة‭ ‬بنسبة‭ ‬20‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬فما‭ ‬الأفكار‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تساعد‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة،‭ ‬وتُراعي‭ ‬الرفق‭ ‬بالبيئة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه؟

البداية‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬حركة‭ ‬الطائرات

في هذا الإطار قام مركز الطيران والفضاء الألماني في مطار الأبحاث «براونشفايغ Braunshweig» قرب مدينة «فولفسبورغ» الألمانية بإنشاء برج مُراقبة افتراضي جديد بغية التعامل مع حركتي الإقلاع والهبوط لعدد أكبر من الطائرات، نتيجة للتنامي المستمر في حركة الطيران، حيث قد تُساعد أجهزة الكمبيوتر في المستقبل في تحديد تسلسل وسرعة الإقلاع والهبوط، ولكن هذا سيُساعد بقدر محدود فقط في استيعاب النمو المُتزايد في حركة الطيران التي قد تتضاعف خلال عشرين سنة مقبلة، ناهيك عن المُعضلة الناجمة عن القاعدة الاقتصادية المهمة لدى شركات النقل الجوي التي توصي بأنه لكي تكون الطائرة أكثر اقتصادية يجب أن تطير بسرعة أكبر نسبياً، وأن تقوم بأكبر قدر من الرحلات خلال اليوم الواحد، وهذا كله يُحتِّم إيجاد مفاهيم دولية جديدة فعلاً.

 

هل‭ ‬تكمن‭ ‬الأهمية‭ ‬في‭ ‬الكَمِّ‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬النوع؟

في الواقع تبلغ نسبة المقاعد الفارغة في رحلات الطيران الأوربية 20 في المائة، وفي الوقت ذاته نجد أن السماء مليئة بالطائرات الصغيرة، ومن خلال نظرة على حركة الطيران في ألمانيا مثلاً، نجد أن 30 في المائة فقط من الحركة الجوية تشغلها الطائرات الكبيرة مثل «أيرباص أ-340»، أما الجزء الأكبر من الحركة في المطارات الألمانية فيعود إلى طائرات المسافات المتوسطة مثل «أيرباص أ-320» و«بوينغ-737»، وقد ظهرت أفكار جديدة لإعادة تنظيم حركة الطيران والتخلُص من الازدحام في الأجواء، وكذلك للتخلُّص من الضجيج الذي يُعتبر من الآثار الجانبية السلبية في هذا المجال.

 

مفاهيم‭ ‬جديدة‭ ‬لتخفيف‭ ‬ازدحام‭ ‬الأجواء

أحد الحلول المتاحة لتخفيف ازدحام حركة الملاحة الجوية قد يكون تجميع الركاب في الرحلات بين القارات على متن طائرات ضخمة تتسع لـ 500 راكب أو أكثر، لأن تلك الطائرات لا تحتاج إلى الطيران كثيراً عندما تكون مقاعدها مليئة. والطائرات العملاقة مثل «أيرباص أ-380» تبدو مثالية لهذا الأمر، ولكن الأفضل منها طائرة المستقبل التي أُطلِق عليها اسم «الجناح الطائر» (Flying Wing)، والتي يطوِّرها باحثو معهد «هامبورغ لأنظمة الطيران» في ألمانيا، وفيها تمَّ الاستغناء عن شكل الطائرة التقليدية واستبداله بجناح ضخم يتّسع لـ 1500 راكب في طابقين، بحيث يمكن طيُّ طرفي الجناح بعد الهبوط بما يتناسب مع المساحة المتوافرة في المطار، فالتخلّي عن الأسطح الإضافية والأجنحة الجانبية المُزوَّدة بها الطائرات التقليدية الموجودة حالياً سيُساهم في تخفيض نسبة الضغط الهوائي المُعاكِس، وسينعكس أيضاً على سرعة الطائرة وعلى نسبة استهلاك الوقود. أما إذا أردنا التعامل مع الوضع الراهن، فمن المُمكن تنظيم تجميع الركاب حتى مع الطائرات الموجودة حالياً، ولكن ذلك يقتضي أن تتخلَّى شركات الطيران عن التنوُّع الكبير في طائرات أساطيلها، والفكرة الرئيسة هي تشغيل أسطول طائرات مُشترك في أوربا. في المُقابل نجد أن لدى شركة «أيرباص الأوربية لتصنيع الطائرات» تصوُّراً يتلخَّص في أن تُشرِف شركات الطيران الإقليمية فقط على تنظيم تجميع الركاب عبر نقلهم بطائرات متوسطة الحجم من المطارات الإقليمية إلى المطارات الكبيرة، ومن ثمَّ تقوم شركة طيران أوربية مُشتركة بنقلهم إلى الوجهات المطلوبة البعيدة عن طريق طائرات ضخمة. بيد أن تلك الحلول تشترط, إلى جانب تطوير الطائرات, وجود بنية تحتية مُتطوِّرة في مطارات الوجهات التي ستُسافر إليها تلك الطائرات الضخمة.

 

حلول‭ ‬تُراعي‭ ‬الرِّفق‭ ‬بالبيئة

وعلى صعيد إنتاج طائرات رفيقة بالبيئة, نجد أن الطائرات الموجودة حالياً، والأخرى التي ستدخل سوق النقل الجوي في المستقبل، مثل «أيرباص أ-320 الجديدة» و«بوينغ - دريم لاينر» سوف تتمتَّع بمستوى تقني كبير، الأمر الذي سيفضي إلى تحسينات في تفاصيل صغيرة وكثيرة قد تؤدي إلى تحسين رفق الطائرات بالبيئة، مثل المحرك الذي يعمل على تنظيم عملية استهلاك الوقود وكيفية احتراقه، بحيث تكون كمية الوقود قليلة، وبالتالي تخفيض الانبعاثات الضَّارة. ويمكن استخدام هذه التقنية بنجاح في طائرات مسافات الشحن الجوي القصيرة والطويلة على حد سواء، فضلاً عن توافر فرص كبيرة لجعل الشحن الجوي أكثر رفقاً بالبيئة، وذلك عبر عملية التشغيل، إذ توجد لمراحل التشغيل طاقات كبيرة وأناقة رفيعة وجذَّابة. 

إذا أمعنَّا النظر في تكوين الطائرات المستقبلية التي ستتسع لأكثر من 1000 مسافر وخصائصها، نجد أن تلك الطائرات ستكون مُجدية لرحلات المسافات الطويلة فقط، وإذا تمَّ استخدام تقنيات تلك الطائرات، مثل تقنية المحرك والتقنيات الديناميكية والهيدروليكية والتركيب الخفيف في الطائرات الأصغر استيعاباً للركاب، فسيكون ذلك مُجدياً لرحلات المسافات القصيرة أيضاً، على الرغم من أنها ستواجه منافسة قوية من القطارات ذات السرعات الفائقة الموجودة أصلاً في أوربا واليابان والصين والولايات المتحدة .