البنى الحكائية في أدب الأطفال العربي

ظهر  أدب الأطفال في العصر  الحديث، في القرن السابع عشر، على يد الشاعر تشارلز  بيزو. ولكن الكتابة بعده لم تصبح جدية إلا في القرن الثامن عشر مع جان جاك روسو. وبرز  الدنماركي هانز  أندرسون في القرن التاسع عشر، ويعد القرن العشرون العصر الذهبي لأدب الأطفال العالمي.

 

تأخر ظهور أدب الأطفال عربياً إلى أواخر القرن التاسع عشر، عندما بدأ في إرهاصات، في مصر، زمن محمد علي، عن طريق الترجمة، وكان أول من قدم كتاباً مترجماً للأطفال هو رفاعة الطهطاوي، ثم خبت الشعلة حتى جاء أحمد شوقي، ولم ينضج أدب الأطفال العربي إلا في العقد الثالث من القرن العشرين، من خلال نتاج الرائدين: الشاعر محمد الهراوي والناثر كامل كيلاني.
هذه المعلومات التاريخية مستقاة من كتاب «البنى الحكائية في أدب الأطفال العربي الحديث» للدكتور موفق رياض مقدادي؛ الذي توصل في خاتمته إلى أن «أدب الأطفال من الفنون الأدبية الحديثة في الأدب العالمي» (ص159). لذلك أعتقد أن كلمة «الحديث» في عنوان الكتاب زائدة لا محل لها من المعنى.
صدر الكتاب عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت ضمن سلسلة عالم المعرفة في عام 2012، وهو يتألف من ستة فصول، بالإضافة إلى مقدمة ومدخل وخاتمة وملحق.
تناول الكاتب في مدخله مفاهيم البنية والحكاية والسرد، فالبـنية مجموعة عناصر منــــظومة بطـــــريقة تجعل علاقاتها المتبادلة أهم من استقلالها الذاتي. 
أما الحكاية، فهي أي كلام يوجد فيه فعل قابل للحكي، يتحقق من قبل فاعل أو أكثر، ويجري في زمان ومكان. وأما السرد فهو فعل ثمرته الخطاب الذي ينتجه الراوي لمروي له. 
وقد نقلت نظرية السرد الغربية أصلاً إلى النقد العربي، وحاول النقاد العرب تطبيقها على الأدب العربي، ولكنها لم تطبق على أدب الأطفال العربي كما يشير الكاتب، وهذا ما قام به في كتابه. 

مقاربة عامة
يقدم الفصل الأول من الكتاب مقاربة عامة لأدب الأطفال العربي، تبدأ بمفهومه الذي يعني النتاج الأدبي الذي يكتبه الكبار للصغار، وليس عنهم، ثم جذوره ونشأته وتطوره.
ويناقش النوع الأدبي الشعر والنثر، فالشعر المقدم للأطفال يندرج تحته الشعر القصصي والشعر الغنائي والشعر المسرحي. أما قصص الأطفال، فأنواعها: قصص الحيوان وقصص البطولة والمغامرة وقصص الخوارق والحكايات الشعبية والقصص التاريخية وقصص الفكاهة والقصص العلمية. ولأن اللغة أول وأهم ما يواجه الطفل في الأدب المقدم له، فينبغي أن تكون مناسبة لنموه الوجداني واللغوي.

مراحل نمو الأطفال الوجداني واللغوي
1 - الطور الواقعي المحدود بالبيئة (مرحلة ما قبل الكتابة): من سن الثالثة إلى الخامسة، ويميل فيها الطفل إلى قصص الحيوانات والنباتات المشخصة، ولكن ليس كتابة، وإنما إصغاء.  
2 - طور الخيال الحر (مرحلة الكتابة المبكرة): من السادسة إلى الثامنة، فبعد أن يكون الطفل قد تعرف على البيئة المحيــــطة به، يجنح إلى بيئة الخيال الحر، حيث الجنيات والــــعماليق والأقزام. ويفضل في القصص أن تـضم إلى جانب الرسوم والصور كلمـــات وعبارات بسيطة.
3 - طور البطولة والمغامرة (مرحلة الكتابة الوسطية والمتقدمة): من سن التاسعة إلى الثانية عشرة، ويميل فيها الناشئ عن الأمور الخيالية والوجدانية إلى حد ما، ويعنى بالحقيقة الواقعية، فيميل إلى قصص المغامرات والشجاعة والقصص البوليسية. ويكون قاموس الطفل قد اتسع لقصة تسهم فيها الكتابة، وليس الرسوم، بدور رئيس.
تجدر الإشارة إلى أن هذه المراحل متداخلة فيما بينها، وبداياتها ونهاياتها ليست ثابتة، وتختلف باختلاف المجتمع، ومتأثرة بالفروق الفردية بين الأطفال.

موقع الراوي
تختلف زاوية الرؤية السردية للراوي، فقد تكون من الخلف حيث يهيمن الراوي على السرد لأنه يعرف كل شيء، ويقدم مادته من دون إشارة إلى مصدر معلوماته، ويعد هذا المظهر السردي الأكثر وجوداً في أدب الأطفال.
وقد تكون معرفة الراوي قدر معرفة الشخصية الحكائية، فلا يقدم أي معلومات أو تفسيرات إلا بعد أن تكون الشخصيات قد توصلت إليها. وقد تكون الرؤية من الخارج، حيث يعرف الراوي أقل مما تعرف أي شخصية، وهذا المظهر أقل من ضروب السرد الأخرى في أدب الكبار، ونادر في أدب الأطفال.

حاجات الأطفال
يمكن لأدب الأطفال أن يكون مفيداً في مساعدة الطفل على مواجهة المشكلات التي تواجهه، سواء كانت تتعلق بمتطلبات خارجية أو داخلية، ومن الاحتياجات التي يشبعها:
1 - المعرفة والمعلومات والتعرف على العالم المحيط بطريقة غير مباشرة.
2 - اكتساب عادات ومهارات الحياة اليومية. 
3 - غرس أهمية الإنجاز وتقدير قيمة العمل في نفوس الأطفال.
4 - تنمية القدرات العقلية والعادات الفكرية المطلوبة.
5 - الحاجة إلى التنفيس عن النزعات المكبوتة.
6 - الحاجة إلى الترفيه واللعب.

صيغ الحكايات
استفاد أدباء الأطفال من صيغ الحكايات الموجهة للكبار ووظفوها في نتاجهم كالسرد والعرض والوصف. مع الإشارة إلى أنهم استفادوا من الصيغ والتقــــنيات التي تتــــلاءم مع مستويات الأطفال. ففي السرد ركزوا على السرد اللاحق للحدث، حيث لا تروى الأحداث إلا بعد أن تقع.
أما بالنسبة إلى صيغة العرض، فتبرز أهميتها في أدب الأطفال لأنها تزود القارئ/ الطفل بالمعلومات الضرورية التي تمكنه من معرفة العالم الذي سيدخله كوقت الفعل ومكانه ومظهر الأشخاص وخصالهم وعاداتهم وسلوكهم والصلات فيما بينهم. وقد يأتي العرض في بداية القصة أو في أثناء عرض أحداثها.
أما الوصف فهو خديم لازم للسرد، حيث يقدم وظائف عدة، منها: التصويرية والواقعية والمعرفية.

البيئة القصصية
تنبع أهمية المكان من كونــــه يجعل الأحداث بالنسبة إلى القارئ محتملة الحدوث. وقد اعتمد الأدباء على عدة تقـــنيات في بناء أمكنتهم، منها الوصف أي رسم المكان بوساطة اللغة، وهو الأكثر انتشاراً لأنه الأنسب للأطفال. ولقد تعددت الأمكنة فظهــــر المكان المتخيل، كما ظهر المكان المتعين كالشارع والقرية والمدينة. 
وتدور أحداث القصـــة في بيئة حديثة أو تاريخية قديمة، ويرى الكاتب أنه من الأنسب أن يكون المكان في قصص الأطفال حقيقياً غير رمزي.
أما الزمن، فيظهر في قصص الأطفال له شكلان: العجائبي والواقعي. وبالنسبة إلى الأطفال، فقد لا يكون لديهم، خاصة في بداية أعمارهم، تفهم واضح للزمن، وإن كان إدراكهم للمكان أوضح من الزمان.

مشكلات أدب الأطفال
أشار الكاتب في خاتمته إلى عدد من المشكلات التي تعــــترض الكتــــابة للأطفال، هي:
أولاً: الافتقار إلى تحديد المرحلة العمرية لكل قصة أو كتاب يؤلف للأطفال؛ لذا ينبغي أن يلم الكتّاب بمراحل الطفولة وخصائصها المتنوعة.
ثانياً: افتقار المادة المقدمة من حيث الشكل إلى التغليف الجذاب والحجم المناسب والطباعة الأنيقة والورق الجيد والصور والرسوم الواضحة المناسبة.
ثالثاً: اعتماد كثير من القصص على الحظ والمصادفة، مما ينمي في الأطفال الميل إلى الاعتقاد بأن النجاح في الحياة لا يعتمد على الجهد الشخصي والعمل.
رابعاً: بعض القصص المترجمة لا تتناسب مع الثقافة العربية بــــسبب ترجــــمتها المشــــوهة أو مخالفتها للبيئة العربية.

ملحق الأعلام
لا يقدم الملحق دراسة إحصائية استقصائية للمبدعين والباحثين في أدب الأطفال العربي، وإنما إضاءة على رواده المبدعين مثل أحمد شوقي، الذي يعد أول من ألف أدباً للأطفال باللغة العربية. وكامل الكيلاني، الذي يعد رائد أدب الأطفال العربي في مجال الكتابة النثرية، وسليمان العيسى وزكريا تامر، اللذين اتجها للكتابة للأطفال بعد هزيمة العرب في حرب عام 1967، وعبدالتواب يوسف، وعلال الفاسي، وعلي الصقلي، والغريب أن الكاتب لم يستشهد من الرائد الأخير بأي مثال. كما يسعى الملحق إلى بيان أهم الإسهامات النقدية للباحثين الذين كانت لهم الريادة في رسم طريق البحث العلمي في أدب الأطفال العربي، ومنهم أحمد نجيب، الذي وضع أول كتاب في اللغة العربية في أدب الأطفال هو «فن الكتابة للأطفال» عام 1968، وعلي الحديدي، وكتابه «في أدب الأطفال»، وهادي نعمان الهيتي، وكتابه «أدب الأطفال، فلسفته وفنونه ووسائطه»، وعبدالرزاق جعفر، وكتابه «أدب الأطفال»، وأحمد زلط، وكتابه «معجم الطفولة»، الذي اعتبره الكاتب رائداً في مجاله ■