الخَــرف

تعبّر كلمة «الخرف» عن مجموعة الأعراض المكتسبة المتضمنّة فقدان الذاكرة وصعوبات التفكير  واللغة وحلّ المشكلات والمحاكمة. وتكون هذه الاضطرابات طفيفة غالباً عند بدئها، لكنها بالنسبة إلى المريض قد تصبح شديدة لدرجة تؤثر  على الحياة اليومية، كما قد يعاني المريض أيضاً تغيرات بالمزاج أو السلوك. 

يحدث الخرف عندما يتضرر الدماغ بالأمراض، مثل الزهايمر أو الجلطات الدماغية المتعددة أو غيرهما، ويُعتبر مرض الزهايمر السببَ الأكثر شيوعاً للخرف لكنه ليس الوحيد.

أعراض الخرف
من غير المعروف لماذا يُصاب شخصٌ ما بالخرف ولا يصاب آخر، فكل إنسان هو وحدة مستقلة، وإن أصيب شخصان بهذا المرض فإن كلا منهما سيعاني الخرف بطريقته الخاصة، وذلك اعتماداً على الطريقة التي سيستجيب لها المريض والبيئة المحيطة به، وعلى أجزاء الدماغ المتضررة. 
تحدث لدى المصاب بالخرف اضطرابات في الوظائف الاستعرافية أو الإدراكية للدماغCogniTion Symptoms  تصيب التفكير والذاكرة، وتتضمن أحد أو بعض ما يلي:
1ـ الذاكرة اليومية: صعوبة تذكر الأحداث التي حدثت أخيراً.
2ـ التركيز والتخطيط والتنظيم: أي صعوبة اتخاذ القرار وحل المشكلات أو تطبيق سلسلة من المهمَّات مثل طبخ الطعام.
3ـ اللغة: مثل صعوبة في متابعة المحادثة أو إيجاد التسمية الصحيحة لشيء ما.
4ـ المهارات البصرية الفراغية: مشكلات في تقدير الأبعاد ومشاهدة الأجسام بأبعادها الثلاثة عند صعود الدرج مثلاً.
5ـ التوجه: مثل نسيان مسار اليوم أو التاريخ أو أن يصاب المريض بالتخليط ولا يدري أين هو. 
وغالباً ما تحدث أيضاً تغيرات في المزاج، فمثلاً قد يصبح المريض متهيجاً سهل الاستثارة، أو خاملاً ومنسحباً، أو قلقاً وحزيناً.
 ومع بعض أشكال الخرف قد يتخيل المريض أشياءً غير موجودة حقيقةً، وهذا ما يسمى بالهلوسات البصرية Hallucinations، أو أن يشاهد الأشياء الموجودة لكن على غير ماهيتها (الإخالات) Delusions.
الخرف مرض مترقٍ، وهذا يعني أن الأعراض تتدهور تدريجياً مع الوقت، وتختلف سرعة حدوث هذه التغيرات من شخص لآخر. 
ولاحقاً ربما تتطور لدى المصاب أنماط سلوكية تبدو غريبة أو مختلفة عن شخصيته الأساسية، مثل تكرار السؤال نفسه خلال دقائق عدة، أو الهياج أو الشعور بعدم الارتياح تجاه الأشخاص المقرّبين منه. 
أما في المراحل المتقدّمة أكثر، فقد يصاب المريض بأعراض جسدية، مثل الضعف العضلي أو فقدان الوزن أو اضطرابات في نمط النوم والشهية.

من يحدث لديه الخرف؟  
يصيب الخرف بشكل رئيس الأعمار فوق 65 سنة (شخص واحد من كل 14 شخصاً من هذه الفئة العمرية لديه خرف). ويعتبر التقدم في العمر عامل الخطر الأكثر قوةً في إحداث الخرف، أي إن احتمال حدوثه يزداد بشكل واضح مع التقدم بالعمر، فمثلاً لوحظ أنه في عمر 85 سنة يستطيع الإنسان أن يتذكر نصف الكلمات التي كان يتذكرها في عمر 18 سنة. 
من جهة ثانية، يبحث العلماء كيف يمكن للخرف أن يحدث في العائلة الواحدة، ففي عدد قليل جداً من الأشخاص، هناك أنماط محددة من الخرف تُورَّث كجين وحيد مسبّب للمرض مباشرةً. والمرضى المصابون بواحد من هذه الجينات سوف يحدث لديهم عادةً الخرف قبل عمر 65 سنة.

ما هي أسباب الخرف؟  
هناك كثير من الأمراض التي تؤدي إلى الخرف، وأكثرها شيوعاً:
1ـ مرض الزهايمر: وهو السبب الأكثر شيوعاً للخرف، وفيه يتراكم بروتين شاذ يحيط بالخلايا الدماغية (أملويد)، وبروتين آخر يتراكم ضمن الخلايا فيخرّب بنيتها الداخلية. 
ومع الوقت تُفقد الاتصالات الكيميائية بين الخلايا الدماغية، وتبدأ الخلايا بالموت تدريجياً، مما يؤثر على أجزاء أكبر فأكبر من الدماغ حتى ضموره. 
وغالباً ما يلاحظ اضطراب الذاكرة اليومية (قصيرة المدى) منذ البداية، أما الأعراض الأخرى فقد تتضمن صعوبة في إيجاد الكلمات الصحيحة أو حل المشكلات (نقص المحاكمة) أو اتخاذ القرارات أو إدراك الأشياء في الفراغ، ولاحقاً تغيرات بالسلوك والشخصية. 
2ـ الخرف الوعائي: يحدث في حال نقص تزويد الدماغ بالأكسجين بسبب ضيق أو انسداد في الأوعية الدموية، مما يؤدي إلى موت أو تلف بعض الخلايا الدماغية. 
ويمكن للأعراض أن تحدث فجأةً بعد جلطة دماغية كبيرة أو تتطور مع الوقت بسبب سلسلة من الجلطات الدماغية الصغيرة الناجمة عن انسداد الشعيرات الدموية الدماغية العميقة في الدماغ. 
وكثير من المرضى لديهم صعوبات في حل المشكلات والتخطيط والتفكير السريع والتركيز، وقد يصابون بفترات قصيرة من التخليط الذهني. 
وأعراض الخرف الوعائي قد تكون متنوعة، وقد تتداخل مع أعراض خرف الزهايمر.
3ـ الخرف المختلط: وفيه يكون لدى المريض أكثر من نمط واحد من الخرف، ومزيج من الأعراض لهذه الأنماط. ومن الشائع أن يكون لدى مريض واحد خرف الزهايمر مع الخرف الوعائي.

أسباب نادرة للخرف
 الخرف مع أجسام لوي Lewy والخرف الجبهي الصدغي (داء بيك)، العدوى بـالإيدز Hiv، مرض Creutzfeldt Jakob، بعض مرضى داء باركنسون Huntington، أو مرضى متلازمة داون Down.
الأذية الإدراكية الخفيفة Mild Cognitive Impairment: يعاني بعض الأشخاص اضطراباً في ذاكرتهم أو في تفكيرهم، لكنهم في المقابل ليسوا سيئين إلى درجة تؤثر على حياتهم اليومية (مثل أين وضع المفاتيح أو الهاتف؟). 
في هذه الحالة فإن الطبيب يشخّص حالتهم على أنهم مصابون بــ «الأذية الإدراكية الخفيفة»، وهذا ليس نمطاً من الخرف، لكن الأبحاث أظهرت أن المصابين بهذه الأذية لديهم احتمال أعلى لحدوث الخرف. ويمكن للأذية الإدراكية الخفيفة أن تنجم عن حالات أخرى، مثل القلق والاكتئاب والمرض الجسدي أو كتأثير جانبي لبعض الأدوية. 
لذا فإن بعض المرضى لا يتطور لديهم خرف، بل ويُبدي نسبة منهم تحسناً. 

كيف يمكنني معرفة إصابتي بالخرف؟ 
عندما تصاب بالنسيان الخفيف فإن هذا لا يعني بالضرورة أنك مصاب بالخرف، فكثير من الناس يلاحظون مع تقدمهم في العمر أن تفكيرهم قد أصبح أبطأ قليلاً، وأن ذاكرتهم أصبحت أقل مرونةً مما سبق، فقد ينسون مثلاً اسم صديق لهم. لكن هذه الأعراض يمكن أن تكون أيضاً علامة للتوتر النفسي أو الاكتئاب أو مرض جسدي معين. 
ومن الأفضل لأي شخص يعتقد أن ذاكرته تتدهور بشكل ملحوظ أو لديه أعراض مما سبق أعلاه، أن يناقش هذه الأمور مع الطبيب. 

تشخيص الخرف 
من الضروري لأي شخص لديه اضطراب في ذاكرته أو تفكيره أن يحصل على التقييم المناسب. فقد تكون هذه الاضطرابات ناجمة عن حالات أخرى قابلة للعلاج مثل الاكتئاب أو العدوى. 
أما إذا كانت هذه الاضطرابات ناجمة عن الخرف، فإن الحصول على التشخيص يزوّد المريض بتوضيح سبب أعراضه ويعطيه المجال للعلاج المناسب والنصيحة والدعم، كما يسمح له بالاستعداد للمستقبل والتخطيط. 
ويُشخَّص الخرف عادةً من قبل طبيب اختصاصي مثل الطبيب النفسي أو طبيب أمراض المخ والأعصاب أو طبيب أمراض الشيخوخة، ولا يوجد فحص واحد للخرف، بل يعتمد التشخيص على أمور عدة:
1ـ أخذ التاريخ المرضي: وفيه يتحدث المريض إلى الطبيب بوجود شخص آخر من العائلة يعرفه جيداً، ويعرف كيف تطورت الأعراض لديه، وكيف تؤثر على حياته اليومية حالياً.
2ـ الفحص الفيزيائي والاستقصاءات: مثل تحاليل الدم لنفي أسباب أخرى محتملة لأعراض المريض. 
3ـ اختبارات القدرات الذهنية (مثل الذاكرة والتفكير)، وهي اختبارات بسيطة يجريها الطبيب المختص أو الممرض أو الاختصاصي النفسي.
4ـ تصوير الدماغ بالأشعة المقطعية Ct Scan : حسب تقدير الطبيب.

 كيف يُعالج الخرف؟ 
على الرغم من استمرار الأبحاث في تطوير الأدوية المناسبة، فإن معظم حالات الخرف لا يمكن علاجها بشكل مُرض. لكن في المقابل هناك كثير من التدابير التي يمكن إجراؤها لمساعدة مريض الخرف على أن يعيش حياة جيدة رغم المرض، وكلما بدأ العلاج مبكرا كانت النتائج أفضل.
التدابير غير الدوائية والدعم: وتتضمن المعلومات والنصيحة والنشاطات، فالدعم الموجّه لكل من المريض ومقدم الرعاية يعطيهما الفرصة للتحدث عن اهتماماتهما وطرح الأسئلة حول التشخيص، كما أنه ضروري أيضاً للحصول على المعلومات والتخطيط المستقبلي للطريقة التي تمكّنهما أن يبقيا بحالة جيدة جسدياً وذهنياً. 
وتتضمن أشكال المعالجة غير الدوائية ما يلي: العلاج بالكلام، العلاج السلوكي الإدراكي Cognitive Behavior Therapy، العلاج التنبيهي الإدراكي cognitive Stimulation Therapy، إعادة التأهيل الإدراكي Cognitive Rehabilitation.
وهناك كثير أيضاً من الإجراءات التي يمكن اتباعها في المنزل وتساعد المريض على أن يبقى مستقلاً ويتعايش بشكل جيد مع اضطراب ذاكرته، مثل بعض الأدوات كعلب الحبوب والأدوية أو ساعات ودفاتر التقويم التي توضّح سير الأعمال الروتينية أو المهمَّات في خطوات بسيطة. 
وفي المقابل يستمتع كثير من مرضى الخرف بالعمل على كتابة قصص حياتهم ومشاركة خبراتهم وذكرياتهم، مما يساعد على تحسين مزاج المريض وجودة الحياة والقدرات العقلية ويؤدي إلى زيادة الثقة وتقدير الذات. 
والنشاطات الأخرى الشائعة تتضمن الموسيقى والغناء والفن، إضافة إلى الصلاة والعبادة، فمن المفيد أن يبقى المصابون بالخرف نشطين قدر الإمكان، جسدياً وذهنياً واجتماعياً. 
يُفضّل دوماً أن يُعتنى بالمريض من قبل أحد أفراد عائلته (غالباً ابن أو ابنة) يعرفه جيداً، فالاعتناء بشخص محبوب عامل مهم بالنسبة إلى جودة الحياة العاطفية للمريض. لكن بالنسبة إلى مقدّم الرعاية، فمن الضروري أن يتفهم أن الخرف هو حالة طبية مؤثرة على مظاهر الحياة والسلوك، وأن المرض (وليس المريض) هو ما يسبب هذه التغيرات. 
لذا يُنصح مقدّم الرعاية أن يعرف حدوده وإمكاناته، وأن يأخذ فواصل دورية من الراحة تجدّد نشاطه بعيداً عن المريض.
 العلاجات الدوائية: توجد مجموعة من الأدوية يمكن أن تساعد في تخفيف أعراض الخرف، أو أن توقف تقدمه لفترة من الزمن. فالمريض المصاب بالزهايمر الخفيف إلى متوسط الشدة أو لديه خرف مختلط (حيث الزهايمر هو السبب الرئيس) يمكن أن يوصف له واحد من الأدوية التالية: Rivastigmine، Donepezil، Galantamine ، ويمكن لهذه الأدوية أن تعطي مساعدة مؤقتة بالذاكرة والنشاط والتركيز والحياة اليومية عموماً. 
أما في المراحل المتوسطة أو الشديدة من الزهايمر، فيمكن إعطاء دواء آخر يدعى Memantine، وهو يساعد على تحسين الانتباه والحياة اليومية، ومن الممكن أن يخفف التوتر وعدم الارتياح وسلوك التحدي. 
وفي حالة الخرف الوعائي، فإن الأدوية التي يمكن تقديمها هي العلاج للحالات الطبية المرافقة والمسببة للخرف، وهذه الحالات تتضمن غالباً ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول وداء السكري وأمراض القلب، وضبط هذه العوامل قد يساعد في إبطاء ترقي الخرف.   وهناك مجموعة كبيرة من الأدوية يمكن وصفها في أوقات مختلفة لدى مريض الخرف، تتضمن الأدوية المضادة للاكتئاب والقلق، الأدوية المضادة للذُهان Antipsychotic، والأدوية المنوّمة، وذلك في حالات حدوث الاكتئاب أو الهياج أو صعوبة النوم على الترتيب، لكن قد تكون لبعض هذه الأدوية تأثيرات جانبية شديدة، وعلى العموم يوصي الطبيب مبدئياً بالتدابير غير الدوائية قبل وصفه للأدوية، ما لم تكن أعراض المريض شديدة جداً. 

هل يمكن الوقاية من الخرف؟ 
 توجد عوامل عدة تزيد من خطر تطور خرف الزهايمر والخرف الوعائي، مثل ارتفاع الضغط ونقص النشاط الجسدي والتدخين، والتي بدورها تؤدي إلى تصلب وضيق الشرايين. 
ويمكن أن يساعد نمط الحياة الصحي، وخصوصاً في منتصف العمر، على إنقاص خطر تطور الخرف، مثل التمارين الرياضية المنتظمة، كركوب الدراجة، السباحة، المشي السريع، بالإضافة إلى المحافظة على توازن الصحة بعدم التدخين وعدم تناول الكحول. 
كما تساعد في ذلك أيضاً الحمية المتوازنة الصحية، وهي حمية قليلة الدهون المشبعة ولا تحتوي على كميات كبيرة من الملح أو السكر أو اللحم الأحمر، وتكون غنية بالسمك والفواكه والخضراوات. 
ويجب على المريض المصاب بداء السكري أو بأمراض القلب أو ارتفاع الضغط أو ارتفاع الكوليسترول أن يتبّع إرشادات الطبيب كي تبقى جميع هذه الأمراض تحت السيطرة، وفي حال حدوث الاكتئاب فيلزم علاجه مبكراً. 
يبدو أن الحفاظ على نشاط ذهني واجتماعي في العمر المتقدم يساعد على إنقاص خطر تطور الخرف أيضاً. 
ويتضمن النشاط الذهني مثلاً لعبة Puzzles  أو القراءة أو تعلّم مهارة جديدة. 
أما النشاط الاجتماعي، فيتضمن زيارة الأصدقاء أو الالتزام بالذهاب إلى المسجد في أوقات الصلاة والتفاعل مع الآخرين. 
ويمكن أن يقدم التطوع أيضاً نشاطاً ذهنياً واجتماعياً، وكثير من المنظمّات تقدّم فرصاً للأشخاص الراغبين في ذلك .