المـد والجـزر... حكاية اختلاف في قوى الجذب الثقالي

حين‭ ‬يتقدم‭ ‬البحر‭ ‬في‭ ‬السواحل‭ ‬المنخفضة‭ ‬أميالاً‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬باتجاه‭ ‬القمر،‭ ‬فذلك‭ ‬من‭ ‬مفاعيل‭ ‬ظاهرة‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭. ‬لكن‭ ‬الظاهرة‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬المياه،‭ ‬بل‭ ‬تتعداها‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬كثيرة‭ ‬أخرى‭.  ‬فعندما‭ ‬تشظّى‭ ‬مذنب‭ ‬‮«‬آيزون‮»‬‭ ‬قبل‭ ‬ابتلاعه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الشمس‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مفاعيل‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭. ‬وعندما‭ ‬تشـــــظّى‭ ‬مــــــــذنّب‭ ‬‮«‬شومخر‭-‬ليفي‭ - ‬9‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬قبل‭ ‬سقوط‭ ‬أجزائه‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬المشتري،‭ ‬فذلك‭ ‬أيضاً‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬مفعول‭ ‬‮«‬المد‭ ‬والجزر‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬سلّطه‭ ‬الكوكب‭ ‬العملاق‭ ‬على‭ ‬المذنّب‭.‬

وحين‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬القمر‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬الأرض‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬فلا‭ ‬نرى‭ ‬منه‭ ‬سوى‭ ‬صفحة‭ ‬واحدة،‭ ‬فذلك‭ ‬من‭ ‬مفعول‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭!‬

وحين‭ ‬يدهشنا‭ ‬آيو،‭ ‬القمر‭ ‬الجليدي‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬كوكب‭ ‬المشتري،‭ ‬بانبثاقاته‭ ‬البركانية،‭ ‬فذلك‭ ‬أيضاً‭ ‬بفعل‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭!‬

هناك‭ ‬بالطبع‭ ‬علاقة‭ ‬أكيدة‭ ‬بين‭ ‬قوة‭ ‬الجاذبية‭ ‬وقوى‭ ‬المد‭ ‬والجزر،‭ ‬فهل‭ ‬ندرك‭ ‬تماماً‭ ‬ميكانيكية‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬وأسبابها‭ ‬التفصيلية‭ ‬وميادين‭ ‬فعلها‭ ‬وتأثيرها‭ ‬الفلكي؟‭!‬

 

‮«‬المدّ‭ - ‬جزر‮»‬‭ ‬ليست‭ ‬الجاذبية‭

من‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭ - ‬وأفضّل‭ ‬تسميتها‭ ‬االمد‭- ‬جزرب‭ - ‬ترتبط‭ ‬بالجاذبية‭ ‬بشكل‭ ‬رئيس،‭ ‬لنأخذ‭ ‬مثلاً‭ ‬حادثة‭ ‬اقتراب‭ ‬مذنب‭ ‬اشومخر‭ - ‬ليفي‭ - ‬9ب‭ ‬من‭ ‬كوكب‭ ‬المشتري‭. ‬فبما‭ ‬أن‭ ‬قوة‭ ‬الجاذبية‭ ‬تتراجع‭ ‬طرداً‭ ‬مع‭ ‬مربع‭ ‬المسافة،‭ ‬فإن‭ ‬قوى‭ ‬الجاذبية‭ ‬التي‭ ‬يشد‭ ‬بها‭ ‬المشتري‭ ‬الناحية‭ ‬المواجهة‭ ‬من‭ ‬المذنّب‭ ‬هي‭ ‬بالطبع‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬يشد‭ ‬بها‭ ‬القسم‭ ‬الخلفي‭ ‬الأبعد‭ ‬من‭ ‬المذنّب‭. ‬هذا‭ ‬الاختلاف‭ ‬لقوى‭ ‬الجذب‭ ‬الثقالي‭ ‬بين‭ ‬أجزاء‭ ‬المذنّب‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تشويهه‭ ‬وتمغيطه،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تحتمل‭ ‬جزيئاته‭ ‬هذا‭ ‬التشوّه‭ ‬فسوف‭ ‬يتشظّى‭ ‬أجزاءً‭ ‬ويتفتت،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬له‭ ‬بالفعل‭. ‬إذاً‭ ‬االمد‭ - ‬جزرب‭ ‬ينبغي‭ ‬تحديده‭ ‬كقوة‭ ‬اختلاف‭ ‬الجذب‭ ‬الثقالي‭ ‬على‭ ‬جسم‭ ‬ذي‭ ‬أبعاد‭. ‬وكلما‭ ‬كبر‭ ‬حجم‭ ‬الجسم‭ ‬المجذوب،‭ ‬كبر‭ ‬تأثير‭ ‬اختلاف‭ ‬قوى‭ ‬الجذب‭ ‬الثقالي‭ ‬عليه‭.  

 

جذب‭ ‬الشمس‭ ‬لكوكبنا‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬جذب‭ ‬القمر‭ ‬لكن‭ ‬‮«‬مد‭ - ‬جزر‮»‬‭ ‬القمر‭ ‬أقوى‭!‬

ويبرهن‭ ‬علم‭ ‬الفيزياء‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬قوة‭ ‬جاذبية‭ ‬كوكبٍ‭ ‬ما،‭ ‬على‭ ‬مسافةٍ‭ ‬ما،‭ ‬تتناسب‭ ‬طرداً‭ ‬مع‭ ‬كتلة‭ ‬الكوكب‭ ‬وتتعاكس‭ ‬مع‭ ‬مربع‭ ‬المسافة،‭ ‬أما‭ ‬االمد‭ - ‬جزرب‭ (‬أو‭ ‬اختلاف‭ ‬قوى‭ ‬الجذب‭ ‬الثقالي‭)‬،‭ ‬فيتناسب‭ ‬طرداً‭ ‬مع‭ ‬كتلة‭ ‬الكوكب‭ ‬الجاذب‭ ‬وقطر‭ ‬الجسم‭ ‬المجذوب‭ ‬وكتلته‭ ‬ويتعاكس‭ ‬مع‭ ‬مكعب‭ ‬المسافة‭ ‬لا‭ ‬تربيعها‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬مفعول‭ ‬االمد‭ - ‬جزرب‭ ‬للقمر‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬أكبر‭ ‬بـ‭ ‬2‭.‬5‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬امد‭ - ‬جزرب‭ ‬الشمس‭ ‬علينا،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬جذب‭ ‬الشمس‭ ‬للأرض‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬بـ‭ ‬150‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬جذب‭ ‬القمر‭ ‬للأرض‭!  (‬كتلة‭ ‬الشمس‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬كتلة‭ ‬القمر‭ ‬بحوالي‭ ‬25‭ ‬مليون‭ ‬مرة،‭ ‬لكنها‭ ‬أبعد‭ ‬عنا‭ ‬من‭ ‬القمر‭ ‬بحوالي‭ ‬400‭ ‬مرة‭).‬

القوة‭ ‬الطاردة‭ ‬شريك‭ ‬في‭ ‬‮«‬المد‭ - ‬جزر‮»‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬نفسه‭ ‬بسرعة‭ ‬كبيرة،‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬سرعة‭ ‬جسم‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬الاستواء‭ ‬حوالي‭ ‬1675‭ ‬كلم‭/‬ساعة،‭ ‬أي‭ ‬أسرع‭ ‬بمرتين‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬الطائرات‭ ‬المدنية،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬قوة‭ ‬الطرد‭ ‬المركزي‭ ‬مؤثّرة‭ ‬في‭  ‬ظاهرة‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭. ‬فالقوة‭ ‬الطاردة‭ ‬على‭ ‬القسم‭ ‬المواجه‭ ‬للقمر‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬تكون‭ ‬باتجاه‭ ‬القمر،‭ ‬وتضاف‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬جاذبيته،‭ ‬بينما‭ ‬تكون‭ ‬القوة‭ ‬الطاردة‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬غير‭ ‬المواجه‭ ‬للقمر‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬عكس‭ ‬اتجاه‭ ‬قوة‭ ‬جاذبية‭ ‬القمر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تطرح‭ ‬منها‭. ‬وهكذا‭ ‬تزيد‭ ‬القوة‭ ‬الطاردة‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬دوران‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬اختلاف‭ ‬الجذب‭ ‬بين‭ ‬المنطقتين‭ ‬وبالتالي‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬مفاعيل‭ ‬االمد‭ - ‬جزرب‭.‬

 

حدود‭ ‬روش

إحدى‭ ‬نتائج‭ ‬قوى‭ ‬االمد‭ - ‬جزرب‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬
بـ‭ ‬احدود‭ ‬روشب،‭ ‬وهي‭ ‬حدود‭ ‬افتراضية‭ ‬حول‭ ‬كوكب‭ ‬ما‭ ‬تحدد‭ ‬قدرة‭ ‬امد‭ - ‬جزرب‭ ‬الكوكب‭ ‬على‭ ‬تفتيت‭ ‬مذنّب‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬جسم‭ ‬آخر‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬الكوكب‭. ‬ويتعلق‭ ‬موقع‭ ‬هذا‭ ‬الشريط‭ ‬الوهمي‭ ‬حول‭ ‬الكوكب‭ ‬بقيمة‭ ‬قطر‭ ‬الكوكب‭ ‬وكتلته‭ ‬وكثافة‭ ‬مادة‭ ‬الجسم‭ ‬المقترب‭ ‬منه‭ ‬وطبيعته‭. ‬فقطر‭ ‬كوكب‭ ‬المشتري‭ ‬مثلاً‭ ‬يبلغ‭ ‬143‭ ‬ألف‭ ‬كلم،‭ ‬وتصل‭ ‬حدود‭ ‬اروشب‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الكوكب‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬بنية‭ ‬المذنبات‭ ‬حوالي‭ ‬220‭ ‬ألف‭ ‬كلم،‭ ‬لذلك‭ ‬تحطم‭ ‬المذنب‭ ‬اشومخر‭ - ‬ليفي‭ ‬‭- ‬9ب‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬حين‭ ‬اقترابه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬حدود‭ ‬روش،‭ ‬إذ‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مسافة‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬كلم‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬سطحه،‭ ‬ما‭ ‬تسبب‭ ‬بسحقه‭ ‬وتفتيته‭ ‬بقوة‭ ‬المد‭ - ‬جزر‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يجذب‭ ‬المشتري‭ ‬شظاياه‭ ‬الكبيرة‭ ‬واحدة‭ ‬تلو‭ ‬أخرى‭.    

 

مفاعيل‭ ‬‮«‬المد‭ - ‬جزر‮»‬‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض

نظراً‭ ‬لسرعة‭ ‬حركة‭ ‬القمر‭ ‬في‭ ‬السماء،‭ ‬فإن‭ ‬مدّين‭ ‬اثنين‭ ‬يحدثان‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬يفرق‭ ‬بينهما‭ ‬مدة‭ ‬12‭ ‬ساعة‭ ‬و25‭ ‬دقيقة‭. ‬ويختلف‭ ‬ارتفاع‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬بحسب‭ ‬الموقع،‭ ‬ويكون‭ ‬الأكبر‭ ‬عند‭ ‬خط‭ ‬العرض‭ ‬28‭.‬5‭ ‬درجة‭ ‬شمالي‭ ‬خط‭ ‬الاستواء،‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬خط‭ ‬العرض‭ ‬28‭.‬5‭ ‬درجة‭ ‬جنوبي‭ ‬خط‭ ‬الاستواء،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬ميلان‭ ‬المسطح‭ ‬الاستوائي‭ ‬الأرضي‭ ‬23‭.‬5‭ ‬درجة‭ ‬نسبة‭ ‬للمسطح‭ ‬المداري‭ ‬للأرض‭ (‬إكليبتيك‭ ‬أو‭ ‬دائرة‭ ‬البروج‭)‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ميلان‭ ‬مدار‭ ‬القمر‭ ‬5‭ ‬درجات‭ ‬نسبة‭ ‬لمسطح‭ ‬دوران‭ ‬الأرض‭ (‬23‭.‬5‭ + ‬5‭ = ‬28‭.‬5‭). ‬

‭ ‬أما‭ ‬قيمة‭ ‬الارتفاع‭ ‬الأقصى‭ ‬لمياه‭ ‬المدّ‭ ‬فتتعلق‭ ‬بعوامل‭ ‬عدة،‭ ‬بينها‭ ‬تداخل‭ ‬جذب‭ ‬الشمس‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وموقعها‭ ‬الهندسي‭ ‬نسبة‭ ‬لموقع‭ ‬القمر،‭ ‬وموقع‭ ‬الشمس‭ ‬والقمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬خط‭ ‬الاستواء‭. ‬فحين‭ ‬يكون‭ ‬القمر‭ ‬والأرض‭ ‬والشمس‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬واحد‭ - ‬كما‭ ‬في‭ ‬خسوف‭ ‬القمر‭ ‬أو‭ ‬كسوف‭ ‬الشمس‭ - ‬يكون‭ ‬المد‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬له‭. ‬وكذلك‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬القمر‭ ‬في‭ ‬المحاق‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬البدر‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬الأسبوعين‭ ‬الأول‭ ‬والثالث‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬قمري،‭ ‬فيكون‭ ‬المد‭ ‬ضعيفاً‭ ‬بسبب‭ ‬وقوع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬والقمر‭ ‬على‭ ‬ضلعي‭ ‬زاوية‭ ‬قائمة‭ ‬تقريباً،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬مفعول‭ ‬جاذبية‭ ‬الشمس‭ ‬يتعاكس‭ ‬مع‭ ‬مفعول‭ ‬جاذبية‭ ‬القمر‭.‬

ويكون‭ ‬المد‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬سواحل‭ ‬المحيطات‭ ‬وفي‭ ‬خلجانها‭ ‬التابعة‭. ‬ففي‭ ‬خليج‭ ‬امون‭ ‬سان‭ - ‬ميشالب‭ ‬الفرنسي‭ ‬قرب‭ ‬النورماندي،‭ ‬يصل‭ ‬ارتفاع‭ ‬موج‭ ‬المد‭ ‬عند‭ ‬الذروة‭ ‬إلى‭ ‬15‭ ‬متراً،‭ ‬وفي‭ ‬خليج‭ ‬افونديب‭ (‬كندا‭) ‬إلى‭ ‬17‭ ‬متراً‭. ‬وتستخدم‭ ‬طاقة‭ ‬أمواج‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭ ‬لإنتاج‭ ‬الكهرباء‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ - ‬فرنسا‭. ‬

جدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬المد‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬المياه‭ ‬فقط‭ - ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬قابلية‭ ‬للحركة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬الصلبة‭ - ‬بل‭ ‬تتعداها‭ ‬إلى‭ ‬قشرة‭ ‬الأرض‭ ‬ومعطفها‭ ‬الأعلى‭ ‬اللذين‭ ‬ليسا‭ ‬خارج‭ ‬سلطة‭ ‬اختلاف‭ ‬الجذب‭ ‬الثقالي،‭ ‬وهما‭ ‬يستجيبان‭ ‬لقوة‭ ‬المد‭-‬جزر،‭ ‬حيث‭ ‬تصل‭ ‬استجابتهما‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬متر‭ ‬واحد‭ ‬باتجاه‭ ‬القمر‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬المدّ‭ ‬الأقوى‭. ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭ ‬تزيد‭ ‬في‭ ‬اخضب‭ ‬قلب‭ ‬الأرض‭ ‬وتتراكم‭ ‬فيها‭ ‬ديناميكية‭ ‬إضافية‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬احتمال‭ ‬البراكين‭ ‬والزلازل‭.‬

 

‭ ‬مفاعيل‭ ‬المدّ‭- ‬جزر‭ ‬على‭ ‬منظومة‭ ‬الأرض‭ ‬والقمر

في‭ ‬أثناء‭ ‬تفقده‭ ‬تواريخ‭ ‬الخسوفات‭ ‬الماضية‭ ‬للقمر‭ ‬عام‭ ‬1695،‭ ‬ومقارنتها‭ ‬بتلك‭ ‬المرصودة‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬اكتشف‭ ‬الفلكي‭ ‬الإنجليزي‭ ‬إدمون‭ ‬هالي‭ (‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬تنبأ‭ ‬بظهور‭ ‬المذنب‭ - ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬اسمه‭- ‬بعد‭ ‬76‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬ظهوره‭)‬،‭ ‬أن‭ ‬مدة‭ ‬دوران‭ ‬القمر‭ ‬حول‭ ‬الأرض‭ ‬تتغير‭ ‬ببطء‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭. ‬

 

أ‭- ‬إبطاء‭ ‬حركة‭ ‬دوران‭ ‬الأرض‭ ‬وتباعد‭ ‬القمر

في‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬توصّل‭ ‬الفيلسوف‭ ‬والعالم‭  ‬إيمانويل‭ ‬كانط‭ ‬إلى‭ ‬شرح‭ ‬منطقي‭ ‬لتلك‭ ‬الظاهرة،‭ ‬مفسراً‭ ‬الأمر‭ ‬أنه‭ ‬بسبب‭ ‬مفعول‭ ‬المد‭ - ‬جزر،‭ ‬فإن‭ ‬المنظومة‭ ‬الثنائية‭ ‬اأرض‭ - ‬قمرب‭  ‬تخسر‭ ‬من‭ ‬طاقتها‭ ‬بسبب‭ ‬الخض‭ ‬الداخلي‭ ‬لكوكب‭ ‬الأرض‭ ‬الذي‭ ‬يحول‭ ‬قسماً‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الحركية‭ ‬إلى‭ ‬حرارة‭ ‬احتكاك‭ ‬داخل‭ ‬الأرض،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬حركة‭ ‬دوران‭ ‬الأرض‭ ‬حول‭ ‬نفسها‭ ‬تتباطأ‭ ‬تدريجياً،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭ ‬يطول‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي‭. ‬ويقدّر‭ ‬علماء‭ ‬الفلك‭ ‬معدّل‭ ‬هذا‭ ‬الازدياد‭ ‬بحوالي‭ ‬2‭.‬5‭ ‬ميللي‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ (‬جزءان‭ ‬ونصف‭ ‬الجزء‭ ‬في‭ ‬الألف‭ ‬من‭ ‬الثانية‭ ‬كل‭ ‬100‭ ‬عام‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬بمعدل‭ ‬25‭ ‬ثانية‭ ‬كل‭ ‬مليون‭ ‬عام‭. ‬ومنذ‭ ‬مائة‭ ‬مليون‭ ‬عام،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الديناصور،‭ ‬كانت‭ ‬السنة‭ ‬تعد‭ ‬380‭ ‬يوماً،‭ ‬بمعدل‭ ‬23‭ ‬ساعة‭ ‬تقريبا‭ ‬لليوم‭ ‬الواحد‭. ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬السحيق‭ ‬كان‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬اليوم،‭ ‬وأن‭ ‬السنة‭ (‬المدة‭ ‬الثابتة‭ ‬لدوران‭ ‬الأرض‭ ‬حول‭ ‬الشمس‭) ‬كانت‭ ‬تحتوي‭ ‬عدداً‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الأيام‭. ‬وتفيد‭ ‬بعض‭ ‬الأبحاث‭ ‬الجيولوجية،‭ ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬400‭ ‬مليون‭ ‬عام،‭ ‬كانت‭ ‬السنة‭ ‬تعدّ‭ ‬حوالي‭ ‬400‭ ‬يوم‭ ‬بطول‭ ‬22‭ ‬ساعة‭ ‬لليوم‭ ‬الواحد‭ ‬تقريباً‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬خسارة‭ ‬منظومة‭ ‬الأرض‭ ‬والقمر‭ ‬للطاقة‭ ‬بسبب‭ ‬المد‭ - ‬جزر‭ ‬تبطئ‭ ‬من‭ ‬سرعة‭ ‬دوران‭ ‬القمر‭ ‬حول‭ ‬الأرض،‭ ‬ما‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬ابتعاده‭ ‬التدريجي‭ ‬عنها‭. ‬ويقدّر‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬القمر‭ ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬بمعدل‭ ‬3‭.‬7‭ ‬سنتيمترات‭ ‬في‭ ‬السنة‭. ‬ومع‭ ‬ابتعاد‭ ‬القمر‭ ‬التدريجي‭ ‬عن‭ ‬الأرض،‭ ‬فإن‭ ‬قرصه‭ ‬الظاهري‭ - ‬الذي‭ ‬يوازي‭ ‬القرص‭ ‬الظاهري‭ ‬للشمس‭ ‬حالياً‭ - ‬يصغر‭ ‬مع‭ ‬الزمن،‭ ‬وسوف‭ ‬يأتي‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬يصبح‭ ‬فيه‭ ‬القمر‭ ‬عاجزاً‭ ‬عن‭ ‬تغطية‭ ‬كامل‭ ‬قرص‭ ‬الشمس‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬مروره‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الأرض،‭ ‬وبالتالي‭ ‬سوف‭ ‬يستحيل‭ ‬على‭ ‬الأرضيين‭ ‬مشاهدة‭ ‬كسوف‭ ‬كلّي‭ ‬للشمس،‭ ‬بل‭ ‬كسوف‭ ‬حلقي‭. 

 

ب‭ -  ‬دوران‭ ‬القمر‭ ‬المتزامن

إذا‭ ‬كان‭ ‬القمر‭ ‬قد‭ ‬تسبب‭ ‬بموجات‭ ‬المد‭ ‬البحري‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬المدّ‭- ‬جزر،‭ ‬وبإبطاء‭ ‬حركة‭ ‬دوران‭ ‬الأرض‭ ‬حول‭ ‬نفسها،‭ ‬فالأرض‭ ‬أثرت‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬إبطاء‭ ‬دوران‭ ‬القمر‭ ‬حولها‭ ‬وحول‭ ‬نفسه،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬التحكم‭ ‬بهذا‭ ‬الدوران‭ ‬وجعله‭ ‬متزامناً،‭ ‬أي‭ ‬جعل‭ ‬مدة‭ ‬دورانه‭ ‬حول‭ ‬نفسه‭ ‬مساوية‭ ‬لمدة‭ ‬دورانه‭ ‬حول‭ ‬الأرض‭ (‬اليوم‭ ‬القمري‭ = ‬الشهر‭ ‬القمري‭ ‬فلكياً‭ =  27‭.‬33‭ ‬يوماً‭)‬،‭ ‬والنتيجة‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬سوى‭ ‬صفحة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭. ‬ويمكن‭ ‬تشبيه‭ ‬الأمر‭ ‬بتفاحة‭ ‬مربوطة‭ ‬بجذعها‭ ‬بخيط‭ ‬نمسك‭ ‬طرفه‭ ‬الآخر‭. ‬وحين‭ ‬نجعل‭ ‬التفاحة‭ ‬تدور‭ ‬حولنا‭ ‬بواسطة‭ ‬الخيط،‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬منها‭ ‬سوى‭ ‬الجزء‭ ‬الذي‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬الجذع‭. ‬هكذا‭ ‬يثبت‭ ‬مد‭-‬جزر‭ ‬الأرض‭ ‬على‭ ‬القمر‭ ‬وضعية‭ ‬القمر‭ ‬وكأنه‭ ‬مربوط‭ ‬بخيط‭ ‬في‭ ‬دورانه‭ ‬حول‭ ‬الأرض‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬ينفذ‭ ‬القمر‭ ‬دوراناً‭ ‬متزامناً‭ ‬حول‭ ‬نفسه‭ ‬وحول‭ ‬الأرض‭.‬

 

جـ‭ - (‬مد‭ ‬ــ‭ ‬جزر‭) ‬على‭ ‬أقمار‭ ‬أخرى‭ ‬

في‭ ‬المجموعة‭ ‬الشمسية

تزامنية‭ ‬دوران‭ ‬القمر‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬ليست‭ ‬شأناً‭ ‬استثنائياً‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الشمسية‭.‬

ويكفي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬القمر‭ ‬كبيراً‭ ‬وقريباً‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الكفاية‭ ‬نسبةً‭ ‬إلى‭ ‬الكوكب‭ ‬الجاذب،‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬امد‭ - ‬جزرب‭ ‬الكوكب‭ - ‬خلال‭ ‬بضعة‭ ‬مليارات‭ ‬من‭ ‬السنين‭ - ‬من‭ ‬التحكم‭ ‬بتزامنية‭ ‬القمر‭. ‬وهناك‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أقمار‭ ‬المنظومة‭ ‬الشمسية‭ ‬تتصرف‭ ‬مثل‭ ‬قمر‭ ‬الأرض‭ ‬وتنفذ‭ ‬دوراناً‭ ‬متزامناً‭ ‬حول‭ ‬كواكبها‭: ‬القمران‭ ‬فوبوس‭ ‬وديموس‭ ‬حول‭ ‬المريخ،‭ ‬الأقمار‭ ‬الغاليلية‭ (‬آيو‭ ‬ويوروبا‭ ‬وغانيميد‭ ‬وكاليستو‭) ‬حول‭ ‬المشتري،‭ ‬قمر‭ ‬اأمالتياب‭ ‬الصغير‭ ‬حول‭ ‬المشتري‭ ‬أيضاً،‭ ‬قمر‭ ‬اجابيتب‭ ‬حول‭ ‬زحل،‭ ‬القمران‭ ‬ميرندا‭ ‬وآريل‭ ‬حول‭ ‬أورانوس،‭ ‬قمر‭ ‬ترايتون‭ ‬حول‭ ‬نبتون‭. ‬وهذا‭ ‬الأخير،‭ ‬اترايتونب‭ ‬قمر‭ ‬كبير‭ ‬يبلغ‭ ‬قطره‭ ‬4000‭ ‬كلم،‭ ‬وهو‭ ‬يقترب‭ ‬بسرعة‭ ‬من‭ ‬كوكب‭ ‬نبتون‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬دورانه‭ ‬المداري‭ ‬حوله،‭ ‬ويقدّر‭ ‬الفلكيون‭ ‬أنه‭ ‬خلال‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬عام‭ ‬فقط،‭ ‬سوف‭ ‬يتخطّى‭ ‬ترايتون‭ ‬احدود‭ ‬روشب‭ ‬الخاصة‭ ‬بكوكب‭ ‬نبتون،‭ ‬ما‭ ‬سيؤدّي‭ ‬لتشظّيه‭ ‬ثم‭ ‬سقوط‭ ‬أجزائه‭ ‬على‭ ‬الكوكب،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬لمذنب‭ ‬اشومخر‭ - ‬ليفي‭ - ‬9ب‭ ‬مع‭ ‬كوكب‭ ‬المشتري‭.‬

قسم‭ ‬من‭ ‬فتات‭ ‬القمر‭ ‬المتشظّي‭ ‬قد‭ ‬ينجح‭ ‬فتات‭ ‬الأقمار‭ ‬المتشظية‭ ‬في‭ ‬اكتساب‭ ‬طاقة‭ ‬حركية‭ ‬إضافية‭ ‬واتجاه‭ ‬مداري‭ ‬مناسب‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬انفجار‭ ‬القمر‭ ‬وبالتالي‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬دوران‭ ‬مداري‭ ‬مناسب‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬مناسبة‭ ‬من‭ ‬الكوكب،‭ ‬مشكلة‭ ‬بذلك‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الحلقة‭ ‬المحيطة‭ ‬بالكوكب،‭ ‬تذكرنا‭ ‬بحلقات‭ ‬زحل‭ ‬الشهيرة‭. ‬وبالمناسبة‭ ‬فإن‭ ‬حلقات‭ ‬زحل‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬عائدة‭ ‬للسبب‭ ‬نفسه‭.‬

وللتزامنية‭ ‬قصة‭ ‬أخرى‭ ‬بين‭ ‬بلوتو‭ (‬الذي‭ ‬أُقيل‭ ‬من‭ ‬رتبة‭ ‬الكواكب‭) ‬وقمره‭ ‬الأكبر‭ ‬اشارونب‭. ‬فهذا‭ ‬القمر‭ ‬يؤثّر‭ ‬بدوره‭ ‬على‭ ‬اكوكبهب‭ ‬الجاذب‭ (‬يبلغ‭ ‬قطر‭ ‬شارون‭ ‬800‭ ‬كلم‭ ‬بينما‭ ‬قطر‭ ‬بلوتو‭ ‬2400‭ ‬كلم‭). ‬وهنا‭ ‬تلعب‭ ‬التزامنية‭ ‬بالاتجاهين،‭ ‬إذ‭ ‬يعرض‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الجسمين‭ ‬الصفحة‭ ‬ذاتها‭ ‬للآخر،‭ ‬وكأنهما‭ ‬مربوطان‭ ‬بحبل‭ ‬ثابت‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬دورانهما‭ ‬حول‭ ‬نقطة‭ ‬مركزية‭.‬

وقد‭ ‬لا‭ ‬ينجح‭ ‬المد‭ - ‬جزر‭ ‬بين‭ ‬جسمين‭ ‬فلكيين‭ ‬بتحقيق‭ ‬تزامنية‭ ‬كاملة،‭ ‬وإنما‭ ‬بظاهرة‭ ‬ارنين‭ ‬ديناميكيب‭ ‬كما‭ ‬بين‭ ‬الشمس‭ ‬وكوكب‭ ‬عطارد‭ ‬القريب‭ ‬منها‭. ‬يدور‭ ‬عطارد‭ ‬حول‭ ‬نفسه‭ ‬مرة‭ ‬كل‭ ‬59‭ ‬يوماً‭ ‬أرضياً،‭ ‬بينما‭ ‬ينهي‭ ‬دورة‭ ‬حول‭ ‬الشمس‭ ‬كل‭ ‬88‭ ‬يوماً‭ ‬أرضياً‭ (‬المدة‭ ‬الدورانية‭ ‬تساوي‭ ‬ثلثي‭ ‬المدة‭ ‬المدارية‭). ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬عطارد‭ ‬يدور‭ ‬3‭ ‬دورات‭ ‬حول‭ ‬نفسه،‭ ‬بينما‭ ‬ينهي‭ ‬دورتين‭ ‬حول‭ ‬الشمس‭. ‬ويكون‭ ‬اليوم‭ ‬الشمسي‭ ‬على‭ ‬عطارد‭ (‬أي‭ ‬من‭ ‬الشروق‭ ‬إلى‭ ‬الشروق‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬عينها‭) ‬176‭ ‬يوماً‭ ‬أرضياً‭. ‬لنتخيّل‭ ‬أنفسنا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬معينة‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬عطارد،‭ ‬فإن‭ ‬اليوم‭ ‬الشمسي‭ ‬عليه‭ ‬يساوي‭ ‬سنتين‭: ‬طوال‭ ‬السنة‭ ‬الأولى‭ ‬نكون‭ ‬في‭ ‬ظلامٍ‭ ‬دامس،‭ ‬وطوال‭ ‬السنة‭ ‬الثانية‭ ‬نشهد‭ ‬نهاراً‭ ‬حاراً‭.‬

‭ ‬

مفاعيل‭ ‬أخرى‭ ‬للمد‭ - ‬جزر

يتسبب‭ ‬المد‭ - ‬جزر‭ ‬كما‭ ‬رأينا‭ ‬في‭ ‬تشوّه‭ ‬الجسم‭ ‬المجذوب‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬كموجات‭ ‬مدّ‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬وجود‭ ‬الماء‭  - ‬كما‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ - ‬وفي‭ ‬خفق‭ ‬المكونات‭ ‬الجوفية‭ ‬بين‭ ‬ذروة‭ ‬وأخرى‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يزرع‭ ‬الحرارة‭ ‬في‭ ‬جوف‭ ‬الجسم‭ ‬المجذوب‭ ‬بسبب‭ ‬تحرّك‭ ‬الكتل‭ ‬الجوفية‭ ‬واحتكاكها‭. ‬فقمر‭ ‬اآيوب‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬الكوكب‭ ‬العملاق‭ ‬االمشتريب،‭ ‬يشهد‭ ‬انبثاقات‭ ‬بركانية‭ ‬حيّة‭ ‬رغم‭ ‬قشرته‭ ‬الجليدية‭ ‬السميكة‭. ‬ولا‭ ‬يرى‭ ‬الفلكيون‭ ‬سبباً‭ ‬لهذا‭ ‬النشاط‭ ‬البركاني‭ ‬إلاّ‭ ‬مد‭ - ‬جزر‭ ‬المشتري‭ ‬عليه‭.‬

وقمر‭ ‬ايوروباب‭ ‬حول‭ ‬كوكب‭ ‬المشتري‭ ‬أيضاً،‭ ‬يشهد‭ ‬سطحه‭ ‬الجليدي‭ ‬السميك‭ (‬سماكة‭ ‬30‭ ‬كلم‭ ‬تقريباً‭) ‬تشققات‭ ‬طويلة‭ ‬وعريضة‭ ‬يعتقد‭ ‬أنها‭ ‬بسبب‭ ‬مد‭ - ‬جزر‭ ‬المشتري‭ ‬عليه‭. ‬وقد‭ ‬سجلت‭ ‬انبثاقات‭ ‬رذاذٍ‭ ‬مائي‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬على‭ ‬سطحه،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬تحت‭ ‬هذا‭ ‬الغطاء‭ ‬الجليدي‭ ‬السميك‭ ‬هناك‭ ‬ماء‭ ‬سائل‭ ‬بسبب‭ ‬الحرارة‭ ‬الجوفية‭ ‬التي‭ ‬يساهم‭ ‬بالطبع‭ ‬مد‭ - ‬جزر‭ ‬المشتري‭ ‬فيها‭. ‬

 

خاتمة

إن‭ ‬ظاهرة‭ ‬المد‭ - ‬جزر‭ ‬تصبح‭ ‬فاعلة،‭ ‬فهناك‭ ‬جسمان‭ ‬فلكيان‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬حجماهما‭ ‬صغيرين‭ ‬جداً‭ ‬نسبة‭ ‬للمسافة‭ ‬بينهما‭. ‬ويمكن‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬بين‭ ‬النجوم‭  ‬وبين‭ ‬المجرّات‭. ‬فمجرّتنا‭ ‬العملاقة‭ ‬ادرب‭ ‬التبانةب‭ ‬في‭ ‬صدد‭ ‬تشويه‭ ‬وابتلاع‭ ‬المجرتين‭ ‬الصغيرتين‭ ‬اغيمة‭ ‬ماجلان‭ ‬الكبرىب‭ ‬واغيمة‭ ‬ماجلان‭ ‬الصغرىب‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مجرّة‭ ‬اأندروميداب‭ ‬بصدد‭ ‬التشوه‭ ‬والاقتراب‭ ‬التدريجي‭ ‬من‭ ‬مجرتنا،‭ ‬ويحسب‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬اصطدام‭ ‬المجرّتين‭ ‬سوف‭ ‬يبدأ‭ ‬بعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬ملياري‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬اليوم‭.‬

ونرى‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬أفلام‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي،‭ ‬تشوّه‭ ‬الأجسام‭ ‬أو‭ ‬المركبات‭ ‬التي‭ ‬تتجرّأ‭ ‬من‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬اثقب‭ ‬أسودب،‭ ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬الجاذبية‭ ‬كبيرة‭ ‬جداً،‭ ‬ما‭ ‬يفعل‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الأجسام‭ ‬الفلكية‭ ‬المقتربة،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬المركبات‭ ‬الصغيرة‭ .