الزجاج الذكي أو الكهرومغناطيسي

كلنا نتجنب في أيام الصيف دخول أشعة الشمس وحرارتها الشديدة، فنسدل الستائر على الشبابيك. لكن هذه الممارسة ستصبح شيئاً من الماضي بوساطة تقنية جديدة لم يتجاوز عمرها بضع سنوات، وهي الزجاج الكهرومغناطيسي الذي سَيُستعمل في صناعة ما يسمى النوافذ الذكية، حيث ستتغير شفافية الزجاج من الإعتام إلى الشفافية وبالعكس من خلال كبسة زر كهربائي، فالتقنية تعتمد على تسليط فرق جهد كهربائي (أي فولتية) بين قطبين كهربائيين رقيقين متموضعين داخل اللوح الزجاجي. 

هذه التقنية لا تعد اليوم من الكماليات، فلها منافع كبيرة على البيئة، فهي عندما تتحول إلى الإعتام تعكس حوالي 98 في المائة من الضوء الساقط عليها، وبذلك تقل حاجتنا لتكييف المكان. وبما أنَّ البيوت الذكية أصبحت شائعة ومنتشرة، فيمكن الآن تشغيل النوافذ الذكية قبل الوصول للمنزل أو المكتب. ويقول مختبر الطاقات المتجددة الأمريكي، إنَّ توفير الطاقة لبناية تستعمل هذا النوع من النوافذ يصل إلى حوالي 8 في المائة من الاستهلاك الكلي للبناية. 
وللحصول على زجاج ذكي، يُطلى الزجاج بطبقة من أكاسيد معدنية تحافظ وتسيطر على مقدار الضوء والحرارة الداخلة لمنازلنا ومكاتبنا، فتحافظ عليها باردة في الصيف ودافئة في الشتاء. 

ماذا نعني بالزجاج الكهرومغناطيسي؟ 
تطلق تسمية الزجاج الذكي أو الكهرومغناطيسي على الزجاج الذي تتغير خواصه البصرية عند تسليط فرق جهد كهربائي عليه. ويمكن الاستفادة من تغيّرات خواصه هذه في تغيير مقدار أو كمية الحرارة العابرة خلال الزجاج. وهذا سيساعد في التحكم بمقدار اختياراتنا لما ينفذ من ضوء وحرارة إلى داخل منازلنا ومكاتبنا، وهذا بدوره سيؤثر في مقدار حاجتنا للتدفئة أو التبريد. وبذلك سنتحكم في مقدار توفيرنا من الطاقة. 
وتوجد ثلاثة أنواع من الزجاج الذكي في الأسواق حالياً:
• زجاج تلّونْ كهربي  Electrochromic.
•زجاج بجسيمات عالقة Suspended Barticle.
• زجاج البوليمير ببلورات سائلة مُشَتَّتة (Bolymer Dispersed Liquid Crystal .(PDLC
ولكل من هذه الفئات طريقة عملها الخاصة وفوائدها وعوائقها أو أضرارها. والفئة الأولى هي الأكثر شيوعاً وتستند إلى طلاء الزجاج بغشاء تلّونْ كهربي يحوي طبقة خازنة للأيونات وموصل للأيونات، ويوضع الغشاء بين طبقتي زجاج شفافتين، ويُصنع عادةً من أكسيد التنغستون. وبتسليط جهد كهربائي على طرفي لوح الزجاج، يبدأ التفاعل التلّوني للغشاء وتتغير درجة شفافية الزجاج. 
وفي حالة الفئة الثانية (أي الزجاج ذي الجسيمات العالقة)، لدينا جسيمات إبريّة الشكل عالقة خلال هلام عضوي يتموضع بين قطبين كهربائيين. وفي حال عدم تسليط فرق جهد كهربائي بين القطبين، ستتوزع هذه الجسيمات الإبريّة في أوضاع عشوائية خلال الهلام، ما يجعل سماحية انتقال الضوء خلال الزجاج ضعيفة. وحالما يسلط الجهد الكهربائي ستصطف الجسيمات الإبريّة بصفوف متوازية، مما يسمح بمرور سلس للضوء.
 ويعمل النوع الثالث من الزجاج الذكي بشكل يشابه عمل الفئة الثانية، لكن الفرق أنَّ الطبقة الوسطى هي بلورات سائلة مُشَتَّتة DLC وضعت في مصفوفة بوليميرية بين قطبين كهربائيين. وفي حال عدم تسليط فرق جهد بين القطبين، فإن البلورات السائلة لا تتوزع بشكل منتظم، وبذلك يكون الزجاج قليل التمرير للضوء ولن يسمح إلا للقليل منه بالمرور. وحالما يسلط فرق الجهد ستنتظم البلورات السائلة بشكل صفوف منتظمة فتسمح بمرور الضوء من خلالها. 

كيف تعمل النوافذ الذكية؟
يستند عمل النوافذ الذكية إلى ظواهر معروفة في علمي الكيمياء والمواد، حيث تعمل بعض المواد على تغيير مستوى الشفافية للزجاج. ومن الظواهر نعدد، اللونيّة الكهربائية واللونيّة الضوئية واللونِيّة الحرارية وظاهرة الجسيمات العالقة وظاهرة البلورات السائلة، حيث قد تتم إضافة المواد وجعلها جزءاً مدمجاً ومتكاملاً من تركيبة الزجاج، أو يُعمل من هذه المواد غشاء رقيق جداً ويلصق على أسطح ألواح الزجاج المطلوبة. وعلى سطح اللوح الداخلي، السطح المواجه للغرفة، سَيُقحم فاصل بين شريحتين زجاجيتين وعلى جانبي الفاصل يرسب قطبان كهربائيان، واحد على كل جانب من الفاصل، ثم تأتي طبقة من مادة موصلة كهربائياً على جانب كل قطب كهربائي. 
يستند أساس العمل إلى انتقال أيونات الليثيوم ذهاباً وإياباً بين القطبين من خلال الفاصل. ولو كان الزجاج في حالة من الشفافية لاصطفت أيونات الليثيوم على القطب الداخلي (على يسار الشكل)، والذي يكون مصنوعاً من أكسيد كوبالت الليثيوم LiCoO2. وعند تسليط جهد كهربائي بين القطبين تنتقل الأيونات عبر الفاصل نحو القطب الخارجي (على يمين الشكل). عند تسرب الأيونات إلى هذه الطبقة تصبح هذه الطبقة عاكسة للضوء نحو الخارج، أي تصبح معتمة لمن هو داخل الغرفة. وتبقى الأيونات في مكانها هناك إلى أنَّ يتم عكس اتجاه الفولتية، فتتحرك الأيونات رجوعاً إلى موضعها السابق، وهكذا تستعيد النافذة الشفافية مرةً أخرى. 

أهم المساوئ والعوائق لهذه التقنية
مع أنَّ استعمالات وتطبيقات الفئات الثلاث تختلف باختلاف الفئة، إلا أنها جميعاً تشترك في حاجتها لمصدر «فولتية» ذي جهد عالٍ، مما يمثل أهم سيئات الزجاج الذكي، فهذا يعقد عمليات التركيب وكذلك عمليات التصنيع. وأهم المساوئ جميعاً هو الكلفة العالية لتركيب زجاج من هذا النوع. كذلك تقل كفاءة عمل الزجاج الذكي بعد مرور 10 إلى 20 عاماً على تصنيعها، وهذا أقل بكثير من أعمار العديد من الأجهزة المنزلية الأخرى. والعائق الآخر هو أنها تأخذ بضع دقائق، وليس بضع ثوان، للتحول من الشفافية إلى الإعتام وبالعكس. لكن العلماء مازالوا يعملون لتحسين سرعة الاستجابة.
ومازالت هذه السيئة محط اهتمام عدد من أماكن البحث والجامعات، مثل كوريا والولايات المتحدة والصين وسنغافورة، لتطوير طريقة جديدة. وتعتمد طرقهم الجديدة على تنضيد عدد من طبقات البوليمير التي تعارض الأيونات (أي تظهر المادة شحنة مضادة للشحنة المرتبطة بالمادة المصنوعة منها)، ولها القابلية على التحول التلقائي (الأوتوماتيكي) من حالة الشفافية إلى حالة الإعتام وبالعكس، اعتماداً على كمية الضوء الساقط على الزجاج.
 
 التحسينات المستقبلية
يوجد الآن نوعان من هذا الزجاج، في النوع الأول تكون المواد المستعملة للإعتام مدمجة كلياً بتركيبة الزجاج. والنوع الثاني عبارة عن طبقة غشاء ضخمة المساحة تلصق على الزجاج الموجود في النوافذ لتحيلها إلى نوافذ ذكية من غير أنَّ نضطر إلى خلع النافذة وأخذها للمعمل. وتعتبر كلفة تركيب الزجاج الذكي في مبانٍ قيد الإنشاء أقل من الكلفة المادية لاستبدال زجاج ذكي بنوافذ الأبنية القديمة. لذلك شرع العلماء بتركيز تطوير تقنياتهم لتصنيع طلاء غشائي بالغ الرقة يمكن وضعه على زجاج النوافذ الموجودة حالياً في المباني. وهذا سيُخَفِّض الكلفة المادية بشكل كبير. 
أما عائق الحاجة لمصدر جهد كهربائي، فهو في طريقه للحل من خلال تقنية جديدة تمزج تقنيات تصنيع الزجاج الذكي مع تقنية الكهربائية الضوئية Bhotovoltaic) PV)، حيث يتولد فرق الجهد الكهربائي نتيجة سقوط الضوء. فالغشاء الكهربائي الضوئي الذي سيلصق على زجاج ذكي سيقوم بتزويد الزجاج بفرق الفولتية التي يحتاج إليها. وطبعاً ستنخفض كلفة تصنيع الزجاج الذكي بشكل كبير وسَيُسَهِّل ذلك عملية تركيب الزجاج على النوافذ والأبواب بشكل ملموس. 
ومن الأشياء الأخرى التي يعمل العلماء عليها هو الجمع بين خاصيتي التلُّون الكهربائي والخلايا الشمسية، بحيث تقوم هذه النوافذ بتَشَرُّبِ الطاقة الشمسية بدلاً من عكسها وتخزينها لأجل استعمالات لاحقة. سَيُمْكِنُ لهذه النوافذ تسلم الطاقة الشمسية الساقطة عليها خلال النهار وتخزينها في بطاريات واستعمالها لإنارة مصابيح المنزل ليلاً. وطبعاً لا يمكن الجمع بين التقنيتين بكفاءة تامة، لذلك ستكون التحسينات في كفاءة إحداهما على حساب كفاءة التقنية الأخرى. 
وقد نجح العلماء كذلك، ومنهم علماء قسم الكيمياء والكيمياء العضوية في معهد جورجيا، في عام 2015 بالحصول على بوليميرات تلُّون كهربائي تتيح الحصول على طلاء بألوان مختلفة. وتستعمل التقنية الآن، لكنها مازالت في نطاق ضَيِّق، في تصنيع النظارات وتصنيع زجاج فتحة سقف السيارات ■