إخلاء الطائرات عند الطوارئ

قد يتساءل كثير من الناس حول استمرار  الخبراء بمجال النقل الجوي في ثقتهم بأن الطائرات لاتزال أكثر وسائل المواصلات البشرية أماناً على الإطلاق، وذلك على الرغم من تكرار  الحوادث الجوية، وربما يرجع السبب في ذلك إلى حساسية هذا المجال وحرص عديد من شركات النقل الجوي ومصانع الطائرات على دوام إجراءات السلامة بالمركبات الجوية؛ وخير مثال على ذلك حادثة اشتعال وتحطم طائرة بوينغ 777 تابعة لطيران الإمارات، عند محاولتها الهبوط في مطار دبي مطلع شهر  أغسطس 2016. فعلى الرغم من بشاعة الحادث، فإنه لم ينتج عنه أي وفيات؛ وهذا بدوره يدعونا إلى إلقاء الضوء على عملية إخلاء الطائرة عند الطوارئ.

في البداية يجب أن نتطرق إلى مرحلة الهبوط، التي تعتبر من أكثر مراحل التحليق بالطائرة صعوبة وخطورة، وتتطلب من الطيار انتباهاً ومسؤولية كبيرة نسبياً، حيث تتدخل عوامل عدة في إنجاح أو إفشال تلك العملية، أهمها طول مدرج الهبوط ونوعية أرضيته، إضافة إلى حالة الطقس، والأهم هو خبرة ومعرفة الطيار الذي يقود الطائرة وحالته الذهنية ونسبة الوعي لديه، والسبب أن مرحلة الهبوط تعتبر آخر مراحل التحليق، وبالتالي إذا كانت الرحلة الجوية طويلة نسبياً أو متعددة، كما في شركات الطيران المنخفضة التكاليف، فإن الدراسات بينت أن الطيار يكون في أدنى درجات اللياقة الجسدية خلالها، ويصبح الجهد الملقى على عاتقه كبيراً، ولهذا تكثر الحوادث في تلك العملية.

نوع الطائرة
تختلف الطائرات النفاثة عن المروحية الدفع في سرعة اقترابها من المدرج للهبوط، وبالطبع تعتبر الطائرات ذات الدفع النفاث أعلى سرعة، حيث تتراوح سرعة اقترابها حسب النوع بين 200 و300 كلم/ساعة وهي سرعة عالية، وكلما كانت الطائرة النفاثة أثقل كانت سرعة اقترابها من المدرج للهبوط أعلى، وكانت المسافة التي تحتاج إليها للتوقف أطول. وتؤثر عوامل عدة في تلك العملية، كدرجة الحرارة وارتفاع المدرج عن مستوى سطح البحر، فكلما ارتفعت درجة الحرارة وزاد ارتفاع المدرج عن سطح البحر تطلب ذلك زيادة في طول المدرج، والأهم ينبغي أن تكون أرضية المدرج الموازية لطوله تحتوي على أخاديد دقيقة بواقع إنشين عرضاً (5 سم تقريباً) حتى تسمح هذه الهيئة لإطارات الطائرة عند ملامستها لمدارج المطار في أثناء تغطيتها بالمياه الناتجة عن الأمطار أو أي كان بإزاحة الماء بسهولة، والثبات أكثر نتيجة الاحتكاك الناتج عن التلامس المباشر للإطارات مع أرضية المدرج، بعكس الأرضية المستوية التي تكون فيها المياه حاجزاً ما بين الإطارات والأرضية فتنزلق نتيجة لذلك.

تقنية (تكتيك) الاقتراب 
تتطلب من الطيارين المناورة بالطائرة في أثناء تنفيذ عملية الهبوط بمساحة ثلاثية الأبعاد، فعندما تهبط الطائرة وتلامس عجلاتها أرض المدرج، ينبغي الإبقاء عليها ضمن خط مستقيم، والأهم هو الإبطاء من سرعتها، إما بوساطة استعمال إجراء عكس دفع المحركات، كما هو شائع، أو عند تعذر استخدام مثبطات السرعة الإيروديناميكية مع كوابح العجلات (عادة تستخدم بعد استخدام عواكس الدفع)، والتوقف بأقصر مسافة ممكنة. ويلعب اتجاه الرياح دوراً مهماً في التحكم بعملية الاقتراب من المدرج للهبوط، حيث تؤثر الرياح الجانبية بصورة سلبية عليها، ومنها يعمد الطيارون إلى خفض أحد الأجنحة المواجهة للرياح الجانبية للأسفل، مع إمالة الدفة الرأسية في الجهة المعاكسة للرياح الجانبية لضمان عدم انجراف مقدمة الطائرة عن اتجاه المدرج، ومن ثم يتم تعديل الدفّة بوضعية الحياد كما كانت لتستقيم الطائرة على خط مستوٍ مع المدرج.

الخطر الصامت
إن أشد ما يخشاه الطيارون في أثناء الاقتراب بالطائرة للهبوط هو المقصات الهوائية – Wind Shear - وهو التغير الفجائي لسرعة الرياح، مع تغير الاتجاه تعاكسياً (تيار عكس الآخر) مع العصف، وهو يكون مكثفاً في أثناء حدوث العواصف الرعدية والتغير المفاجئ في الطقس الجوي. وفي هذه الحالة يكون التجنب هو خير الحلول، والتوجه إلى الدوران ومحاولة الهبوط مرة أخرى أو تحويل المسار والهبوط في المطار البديل حتى تتحسن حالة الطقس. والخلاصة أن عملية الهبوط مازالت تعتمد بصورة مكثفة على القرار البشري، وبالتالي يجب أن نضع في حسباننا التدريب الصحيح والكافي وعمليات إخضاع الطيارين للدورات التدريبية لإجراءات الطيران والتقيد بها مع متابعتها.
 
الكبح 
يؤثر السطح المغطى بالماء على كفاءة الكبح للمركبة، وبالنسبة للطائرات، فإن الوضع قد يكون لمصلحتها، نظراً لاحتوائها على تكنولوجيا تكون أكثر تقدماً في مقابل المركبات الأخرى، ولكن هذا لا يكون ضماناً لعدم تعرضها للانزلاق من على المدرج، وقد زودت معظم الطائرات الحالية بنظام كبح عالي الجودة يعتمد على الكوابح ذات السطوح الكربونية المصنوعة من الألياف الكربونية (مواد مركبة)، بدلاً من المعدنية، وهذه من شأنها أن تعزز من قدرتها على التوقف، وهي قادرة على امتصاص أكثر من 60 مليون قدم لكل رطل من الطاقة، ويتم تعزيزها بنظام منع الانزلاق، وتعزيز التماسك على الطريق، الذي يعمل على توزيع الكبح حسب الحاجة على الإطارات بصورة منفصلة.

إخلاء الطائرة 
متى يجب إخلاء الطائرة؟ وعند أي ظروف؟ الإخلاء هو أحد أهم الإجراءات التي تحافظ على الحياة، وبالفعل هو سؤال وجيه. وتنقسم الإجابة عنه إلى قسمين كالتالي:
الأول: غير المتوقع: أي في أثناء تشغيل الطائرة ودخول الركاب إليها ويصادف حدوث حريق وهي على الأرض قبل الإقلاع، وبالطبع يتم تحديد الإخلاء بسرعة عن طريق قائد الطائرة. والثاني: المتوقع: أي عند حدوث أمر طارئ ما بالطائرة، ويتم اتخاذ الإجراءات اللازمة وإبلاغ قائد الطائرة عن حالة قمرة القيادة والركاب، مع أخذ المضيفين المسؤولين عن مخارج الطوارئ مواقعهم. وتتم عملية الإخلاء سواء على الأرض أو على سطح الماء، إذا ما اضطرت الطائرة إلى الهبوط عليه، وعموما فإن إخلاء الطائرة وهي على الأرض أسهل منه وهي على سطح الماء، وتزود الطائرات الحالية عند كل باب بقوارب نجاة مزودة بجميع المعدات اللازمة للإعاشة من أطعمة مجففة ومظلة واقية، وكذلك مضخة للهواء لاستخدامها عند حدوث خرق بالقارب أو عطب به، وهي مزودة بأجهزة لمياه للشرب، إضافة إلى حقيبة للإسعافات الأولية، وجهاز إرسال مثبت بالقارب يعمل أوتوماتيكياً ويبث إشارات استغاثة فور نزول القارب للماء بمدة 48 ساعة، وبمدى ألفي كلم وتصل إشاراته إلى ارتفاع 40 ألف قدم.

90 ثانية
يجب إخراج الركاب في مدة زمنية لا تزيد على 90 ثانية بشرط أن تكون 50 في المائة من المخارج متوافرة، والسبب عند حدوث حريق بأحد جوانب الطائرة فإنه من المتعذر إخراج الركاب من تلك الجهة. لذلك فإنه يجب أن يكون نصف عدد المخارج بالطائرة قادراً على إخراج جميع الركاب، إضافة إلى الطاقمِ، وبذلك تصبح عملية الإخلاء صحيحة. ويؤثر الحجم وعدد الركاب واختلاف المعدات الخاصة بالطوارئ، واختلاف الأبواب والتجهيزات للطائرة على عملية الإخلاء، لكنها يجب أن تبقى ضمن حدود الـ 90 ثانية التي تنص عليها قوانين السلامة الدولية.

أخطاء شائعة
من الأخطاء الشائعة التدافع والهلع الشديد وغير المبرر، وعدم الامتثال لتعليمات طاقم الطائرة، وهي أهم تلك النقاط، فطاقم الطائرة مدرب للتصرف في مثل هذه الحالات، بينما الركاب تتفاوت معرفتهم بعناصر السلامة والأمان. لكن عمليات التدريب الدورية والاختبارات تقوم بتقليل نسبة الخطأ، حيث يتم عمل تطبيق عملي للحالتين بمركز التدريب، سواء تلك التي على الأرض أو على سطح الماء، وذلك لضمان سلامة الركاب والطاقم عند حدوث حالة طارئة تتطلب الإخلاء.

عوامل مؤثرة
تلعب عوامل عدة دوراً مهماً في ضمان سلامة الركاب وطاقم الطائرة، ومن تلك العوامل: تدريب الطاقم، لذلك يخضع منتسبو ضيافة الطائرات في بادئ الأمر لتدريب قاسٍ حول عمليات الطوارئ، وكيفية التعامل معها والتصرف السليم والسريع في الوقت نفسه، ويتم اختبارهم في نهاية التدريب، كما يتعرفون على أنواع الطائرات إضافة إلى مخارجها وإتقان عمليات الإخلاء والحرص على سلامة الركاب، ويجب أن يتم إخلاء أكبر الطائرات حجماً في أقل من 90 ثانية، أي دقيقة ونصف الدقيقة، وإلا فإن عملية الإخلاء تصبح غير فعالة.
الحجم
يأتي العامل الثاني وهو طبيعة تصميم وحجم الطائرة ومخارجها، وتلك التي للطوارئ، وطبيعة المعدات المزودة بها، وقوارب النجاة التي هي عبارة عن المزالق التي تطفو على الماء عندما تضطر الطائرة إلى الهبوط على سطح الماء، فيتحول المزلق إلى قارب نجاة أتوماتيكي مزود بجميع سبل الإعاشة، أما على الأرض فإن المزلق يضمن وصول الركاب إلى الأرض بأسرع وقت ممكن، وبأمان من دون إصابات، وهي تختلف من طائرة إلى أخرى، ولعل هذا هو أكبر تحدٍ تواجهه الطائرات العملاقة التي تحمل عدداً كبيراً من الركاب. لذلك يجب وضع خطط لحالات الطوارئ، وكيفية إخلاء الطائرات رغم تفاوت أعداد الركاب من ناحية سرعة إنجاز الإخلاء عند حدوث أمر طارئ.

عامل الوعي
يعتبر العامل الثالث وهو وعي الركاب من أصعب العوامل، لأنه يتعلق بالركابِ الذين يتفاوتون سناً ومقدرة ووعياً عن الركاب الآخرين، فهناك العجائز والمرضى والمعاقون والأطفال، وغيرهم ممن قد يخافون ركوب الطائراتِ، لكن ما دلت عليه التجارب أن عامل الوعي والامتثال للشرح المسبق قبيل إقلاع الطائرة الذي يتم عرضه أو تطبيقه من قبل شاشات العرض بالطائرة أو أطقم الضيافة وسماع كل الإرشادات تلك، من أهم عوامل السلامة وضمان الحياة بالنسبة للركاب، الذين يجب عليهم عدم إهمال الاستماع ومشاهدة عرضها وشرحها. وكذلك زود كل مقعد بكتب شرح لعمليات الإخلاء وكيفية التعامل معها. لذلك يجب على الركاب إلقاء نظرة عليها، ويجب عليهم أيضاً الامتثال لأوامر طاقم الضيافة عند الإخلاء من دون مناقشة، وعدم أخذ أي من المتعلقات الشخصية، فعامل الوقت مهم في هذه الحالة، ويجب أيضاً عدم التردد بالقفز على المزلق لأنه صمم لإيصال الراكب إلى الأرض بسلام، وفي حالة الهبوط على سطح الماء، فإن النزول على قارب النجاة الذي هو المزلق أساساً لابد أن يكون عن طريق الحبو بدلاً من المشي، كي لا يخل ذلك بتوازن القارب ومن ثم السقوط في الماء ■