خلايا الوقود... القفز فوق النار

لعل أقدم وسائل الحصول على الطاقة هي حرق الوقود لإشعال النار والحفاظ عليها. كان الوقود في البداية من الأخشاب ثم اكتشف الإنسان بقية أنواع الوقود تباعاً (الفحم والبترول والغاز الطبيعي). ومع اختراع الآلة البخارية وبداية الثورة الصناعية في منتصف القرن الـ 18 زادت الحاجة إلى الفحم لحرقه والحصول على الحرارة لتوليد البخار وإدارة الآلات ولاستخلاص الحديد من خاماته. 

كان البترول معروفاً منذ القدم كدواء لبعض الأمراض، ومع اختراع آلات الاحتراق الداخلي في نهاية القرن الـ 19 ظهرت الحاجة للوقود السائل من منتجات تقطير البترول الخام. لكن وسيلة الحصول على الطاقة لم تتغير طوال هذا الوقت، حرق الوقود ثم استغلال الحرارة الناتجة للحصول على طاقة حركة. ومن المعروف أن الطاقة الحرارية لا يمكن، وفقاً لقوانين الديناميكا الحرارية Thermodynamics، أن تتحول كلها إلى أي صورة أخرى من صور الطاقة (طاقة حركة أو طاقة كهربية)، بل لا بد من فقد جزء كبير نسبيًّا من هذه الحرارة إلى الوسط المحيط بالآلة الحرارية. ويرتبط الفقد في الطاقة الحرارية بخاصية مهمة تُسمى الأنتروبية Entropy، وتعني درجة عشوائية النظام. لذلك، إذا أمكن القفز من الطاقة الكيميائية (المختزنة في الوقود) إلى الطاقة الكهربية مباشرة وتجنب المرور بالطاقة الحرارية، فإننا نحصل على طاقة أكبر من مجرد حرق الوقود. 
خلايا الوقود Fuel Cells تصميم يحول الطاقة الكيميائية (المختزنة في الوقود) إلى طاقة كهربية مباشرة من خلال تفاعل كيميائي مع الأوكسجين. والهيدروجين هو أكثر أنواع الوقود استخداماً. لكن أحيانًا تستخدم أنواع أخرى من الوقود مثل الهيدروكربونات ومشتقاتها (الغاز الطبيعي والكحولات). وتختلف خلايا الوقود عن البطاريات في أنها تتطلب مصدراً ثابتًا من الوقود والأوكسجين أو الهواء للحفاظ على سريان التفاعل الكيميائي. وتنتج خلايا الوقود الكهرباء بصورة مستمرة لا تنقطع طالما ظل مصدر المواد الكيميائية متوافراً لها.

أول خلية وقود
كانت أول خلية وقود بهذا المفهوم قد اخترعت في 1838، لكن جاء أول استخدام عملي لتلك الخلايا بعد أكثر من قرن في برامج الفضاء لوكالة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) NASA كمصدر للطاقة في مسابير الفضاء والأقمار الاصطناعية وكبسولات الفضاء. ومنذ ذلك الحين بدأ استخدام خلايا الوقود في تطبيقات عديدة أخرى، فهي تستخدم كمصدر أساسي وكاحتياطي في المنشآت التجارية والصناعية والمساكن والسيارات والحافلات والطائرات والسفن والغواصات والدراجات البخارية.
وهناك أنواع كثيرة من خلايا الوقود لكنها جميعًا تتكون من آنود وكاثود وإلكتروليت. والأخير هو الذي يسمح للشحنات الكهربية بالانتقال بين جانبي خلية الوقود. وخارجيًّا تنتقل الإلكترونات من الآنود إلى الكاثود مارة خلال دائرة الشغل على شكل تيار كهربي مستمر. وحيث تختلف خلايا الوقود في ما بينها حسب نوع الإلكتروليت، فإنها تقسم حسب الإلكتروليت وتسمى باسمه متبوعًا بالفرق في زمن بداية التشغيل والذي يتراوح بين ثانية واحدة في النوع PEMFC (خلايا الوقود ذات الغشاء البوليميري) وحتى 10 دقائق في SOFC (خلايا الوقود بالأوكسيد الصلب). كما تتفاوت خلايا الوقود من حيث الحجم. وتنتج الخلية الواحدة جهداً كهربياً متواضعًا يصل إلى حوالي 0.7 فولت. ولذلك تستخدم بطاريات منها موصلة على التوالي أو مكدسة معاً في مجموعات، لزيادة الجهد الكهربي حتى يفي بالمطلوب. وبالإضافة للكهرباء، تنتج خلايا الوقود الماء والحرارة وكميات ضئيلة أحياناً من ثاني أوكسيد النيتروجين والانبعاثات الأخرى حسب نوع خلية الوقود. وتتفاوت كفاءة خلايا الوقود عموما بين 40– و60 في المائة وحتى 85 في المائة في حالة اقتناص الحرارة الناتجة بعملية تسمى «التوليد المشترك Cogeneration». وينمو سوق خلايا الوقود باطراد، ومن المعتقد أنه سيصل إلى 50 KW بحلول 2020.
وتاريخيًّا، جاءت أول إشارة لخلايا الوقود بالهيدروجين في 1838 وذلك في خطاب مؤرخ في أكتوبر 1838 لكنه نُشر في ديسمبر من العام نفسه في «مجلة لندن وأدنبره الفلسفية ومجلة العلوم». كتب وليم جروف، الطبيب والمحامي المرموق، عن اختراعه لأول خلية وقود بدائية. استخدم جروف شرائح من الحديد والنحاس مع ألواح من البورسلين ومحلول مخفف من حمض الكبريتيك وكبريتات النحاس. وقد ساهم الطبيب الألماني كريستيان فردريك شونباين في تطوير خلية وقود تعمل بالهيدروجين والأوكسجين. وكانت خلية جروف المنشورة في 1842 تشبه إلى حد بعيد خلية الوقود التي تعمل بحمض الفوسفوريك اليوم.
وفي 1939 طور المهندس البريطاني فرنسيس توماس بيكون خلية وقود ثابتة قوتها 5 KW. وفي 1955 قام الكيميائي توماس جروب الذي يعمل في شركة جنرال إلكتريك (GE) بتطوير خلية الوقود الأصلية وذلك باستخدام غشاء مبادل أيوني ion exchanger مصنوع من البولي ستايرين المُكبرت sulphonated polystyrene كإلكتروليت. وبعد ثلاث سنوات من ذلك قام ليونارد نيدراك، وهو كيميائي آخر من الشركة نفسها (GE)، بتطوير طريقة يرسب بها البلاتين على الغشاء، ليعمل كمحفز لعمليتي أكسدة الهيدروجين واختزال الأوكسجين الضروريتين. وقد أصبحت الخلية الناتجة تعرف باسم خلية وقود جروب–نيدراك. وقد واصلت شركة «GE» تطوير هذه التقنية بالتعاون مع «ناسا» وطائرات ماكدونل، والذي نتج عنه أول استخدام عملي لهذه الخلايا في مشروع جيمني.
وقد قام فريق بقيادة هاري إيهرنج في 1959 ببناء جرار تديره خلية وقود بقوة 15 kW لحساب شركة أليس–تشالمرز والتي عرضته في معارض عديدة في الولايات المتحدة. كان الإلكتروليت المستخدم في تلك الخلية هو هيدروكسيد البوتاسيوم، أما المواد المتفاعلة فكانت الهيدروجين والأوكسجين. وفي العام نفسه عرض بيكون ورفاقه وحدة قدرتها 5 KW تدير ماكينة لحام. وفي ستينيات القرن العشرين حصل برات رويتبي على براءات اختراع بيكون للعمل في برامج الفضاء للولايات المتحدة، للإمداد بالكهرباء والماء (كان الهيدروجين والأوكسجين متاحين من خزانات في سفينة الفضاء). وفي 1991 قام روجر بيلنجز لأول مرة بتطوير سيارة تعمل بخلية وقود هيدروجينية. وقد تم تزويد سفن الفضاء في مشروع أبوللو بخلايا وقود.

وسائل تحسين خلايا الوقود
وقد اكتسبت خلايا الوقود زخماً حديثاً صاحبه اكتشافات لمواد ومحفزات جديدة. وحفلت المجلات العلمية بالمقالات التي تتناول طرق تحسين أداء تلك الخلايا. ففي جورجيا تك Georgia Tech (معهد جورجيا للتقانة) طور الباحثون نوعاً جديداً من خلايا الوقود التي تقوم بتحويل الكتلة الحيوية biomass مباشرة إلى كهرباء بمساعدة محفز catalyst يتم تنشيطه بالطاقة الشمسية أو الحرارية. ومن الممكن أن تستخدم خلية الوقود المهجنة تنوعاً عريضًا من مصادر الكتلة الحيوية، بما في ذلك النشا والسيليلوز واللجنين والتبن ونشارة الخشب والطحالب ونفايات الدواجن. ويمكن استخدام هذا التصميم بأحجام مختلفة اعتماداً على المطلوب منها أداؤه. ومن أجل التغلب على تحديات أربطة الكربون وتحطيمها في البولمرات الطبيعية للكتلة الحيوية، والتي لا تنفصم بسهولة بواسطة المحفزات التقليدية، لجأ الباحثون في «جورجيا تك» إلى تطوير خلايا وقود ميكروبية microbial والتي تقوم فيها الميكروبات أو الإنزيمات بتحليل الكتلة الحيوية. وقد أكد العلماء من «جورجيا تك» أنهم طوروا طرقًا جديدة للتعامل مع الكتلة الحيوية، بحيث لا يوجد أي تحديد أو تقييد لنوع الكتلة الحيوية، فهذه الطريقة شاملة للاستفادة من الكثير من أنواع الكتلة الحيوية والنفايات العضوية في إنتاج الكهرباء دون الحاجة  لعمليات تنقية المواد الخام.
ومن ناحية أخرى قام الباحثون من جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز بالجمع بين خلايا الوقود الميكروبية مع نوع من الخلايا الشمسية يسمى فوتوكهروكيميائي (PEC (photoelectrochemical في هجين من الخلايا ينتج غاز الهيدروجين من مياه الصرف وضوء الشمس. وتكفل هذه الطريقة مصدرًا مستدامًا للطاقة بينما تطور كفاءة معالجة مياه الصرف. ففي خلية الوقود الميكروبية تقوم البكتريا بتفكيك المادة العضوية في مياه الصرف وتوليد الكهرباء أثناء ذلك. يمرر التيار الكهربي إلى الخلية الشمسية الفوتوكهروكيميائية PEC ليساعد على تفكك الماء المحفز بالطاقة الشمسية (تحليل كهربي) مما يولد الهيدروجين والأوكسجين. 
ولعل إحدى الوسائل الواعدة للحصول على طاقة بعيداً عن الوقود الحفري وبالاقتراب كثيراً من الغابات والحقول هي استغلال الكتلة الحيوية. وقد دأب العلماء على البحث عن طرق لها كفاءة عالية في تحويل الكتلة الحيوية غير الغذائية إلى وقود ومصادر كيميائية، الأمر الذي يقلص اعتمادنا على الوقود الحفري وبالتالي يقلص انبعاثات غازات الصوبة الزجاجية. وقد درس الباحثون من لوس ألاموس وجامعة جويلف بكندا كيفية التعامل مع الجلوكوز أو السيليلوز (من الكربوهيدراتات – السكريات التي تكون الكتلة الحيوية الخشبية، وهي أكثر المواد العضوية انتشاراً على الأرض) وربطها بوحدات عضوية من مصادر حيوية للحصول على جزيئات بها من 8 إلى 15 ذرة كربون في صف واحد. وبذلك تتحول هذه الجزيئات إلى هيدروكربونات مشابهة لما هو موجود في البنزين أو الديزل. وبذلك يمكن تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في الصناعات الكيميائية مثل إنتاج البولمرات والأدوية والمبيدات من الكتلة الحيوية.

تطويرات الأداء أكثر قوة
لم  تكن خلايا الوقود بعيدة عن تكنولوجيا النانو nanotechnology، فقد قام مهندسو معهد الهندسة البيولوجية bioengineering وتكنولوجيا النانو (IBN) بتطوير مادة في خلية وقود أقوى وتدوم أطول، وذلك باستبدال سبيكة من جسيمات نانوية من الذهب والنحاس بالجزء الأوسط من المحفز، بينما تظل الطبقة الخارجية منه مصنوعة من البلاتين. وقد تستخدم مثل هذه الخلايا في المركبات والطائرات العسكرية والمعدات المختلفة. وتنتج الخلايا المزودة بالمادة المركبة composite الجديدة على الأقل 0.571 أمبير من التيار الكهربي لكل ملليجرام من البلاتين مقارنة بـ  0.109 أمبير لكل ملليجرام من البلاتين التجاري كمحفز. 
وقد طور المعمل القومي في شمال غرب الباسفيك PNNL  خلية وقود تعمل بالأوكسيد الصلب Solid Oxide Fuel Cell SOFC)) عالية الكفاءة. وتجسد هذه الخلية الصغيرة تكنولوجيا القنوات الميكروية Microchannel مع عمليتين غير عاديتين هما إعادة تشكيل خارجي للبخار وإعادة تدوير الوقود. وتصل كفاءة هذه الخلية إلى 57 في المائة وقد تجد طريقها إلى البيوت في المستقبل. وتستخدم هذه الخلية الميثان كوقود وتكنولوجيا القنوات الميكروية المتطورة في منظومة المبادلات الحرارية heat exchangers المتعددة لرفع كفاءة الأداء.
وترفع هذه الخلية الكفاءة إلى 57 في المائة بدلاً من 30–50 في المائة الكفاءة السابقة لخلايا الأكاسيد الصلبة التي لها الحجم نفسه. ويمثل هذا النوع من خلايا الوقود تكنولوجيا واعدة تقدم طاقة نظيفة بكفاءة عالية. لكن الناس حتى الآن يركزون اهتمامهم على المنظومات الكبيرة التي تنتج 1 ميجاوات أو أكثر ويمكنها أن تحل محل محطات القوى. وتعود الكفاءة المرتفعة لهذه الأنظمة لكونها تستخدم مبادلات حرارية وتكنولوجيا القنوات الميكروية. وللوصول إلى هذه الكفاءة المرتفعة استخدم فريق PNNL ولأول مرة عملية تسمى إعادة تشكيل خارجي للبخار. وتتلخص هذه العملية في مزج القود بالبخار ليتفاعلا ويكونا منتجات وسيطة، أول أوكسيد الكربون والهيدروجين، والتي تتفاعل مع الأوكسجين على آنود خلية الوقود. ويولد هذا التفاعل الكهرباء وبعض المنتجات الثانوية مثل البخار وثاني أوكسيد الكربون.
وفي جامعة ييل تمكن الباحثون من تحضير محفز خال من البلاتين للعمل في خلايا الوقود القلوية. وقد بينوا أن أنابيب الكربون النانوية متعددة الطبقات التي تتخللها الفضة مع البلاديوم لها كفاءة البلاتين نفسها. وبذلك اتخذ الباحثون خطوة أخرى تجاه تطوير خلية وقود قلوية قليلة التكاليف وتعمل في درجات الحرارة المنخفضة، وهي تشبه تصميم البطارية، وتحول الأوكسجين والهيدروجين إلى كهرباء وحرارة. وإحلال البلاديوم والفضة محل البلاتين هو التطوير الأكثر فعالية للمحفز، فهما أرخص من البلاتين ولهما الكفاءة نفسها. وحيث إن البلاتين هو المحفز الأكثر استخداماً، ومع ارتفاع سعره، أدى ذلك إلى ندرة استخدام خلايا الوقود. وقد استخدم الباحثون من جامعة ييل تقنية الإحلال الجلفاني galvanic displacement لترسيب طبقة رقيقة من البلاديوم كغلاف للفضة، ويصبح هذا المحفز مقاوماً للسموم التي تبطل عمل البلاتين.
هذا وعلى الرغم من قدم عهد استخدام خلايا الوقود عملياً في التطبيقات المختلفة (أكثر من نصف قرن)، فإن مشكلاتها ما زالت ماثلة. وأهم تلك المشكلات وأكثرها إلحاحاً درجة الحرارة وزمن بداية التشغيل والمحفز المستخدم. والأمل معقود أن تحل هذه المشكلات تباعًا في العقود القليلة المقبلة.