الكوكب الأبعد رحلة إلى كوكب «بلوتو»

تم اكتشاف كوكب «بلوتو» Pluto يوم 18 فبراير 1930 من قبل الفلكي الهاوي الأمريكي كلايد تومبو  (1906-1997). وما كان لهذا الأخير أن يصل إلى اكتشافه لولا هبة الفلكي الثري الأمريكي بيرسفال لوّل  (1855-1916)، الذي أوصى بتخصيص كل ما يملك للبحث الفلكي. وقد تحصل تومبو على 10 آلاف دولار لاقتناء ما يلزم من أجهزة الرصد الفلكي التي مكنته من اكتشاف هذا الكوكب.

«بلوتو» كوكب قزم منذ 2006!
يبلغ قطر «بلوتو» حوالي 2370 كلم (وهو أقل من قطر قمرنا البالغ 3474 كلم)، ويبعد حوالي 405 مليارات كلم عن الأرض، ويدور حول الشمس، ويتبع مداراً يجعل المسافة التي تفصله عن الشمس تتراوح بين 4.4 و7.4 مليارات كلم. كما يقوم الكوكب بدورة حول الشمس خلال مدة تقدر بـ 247.7 سنة (أي ما يقارب قرنين ونصف القرن). ويدور الكوكب حول نفسه دورة كاملة في مدة تفوق قليلا 6 أيام من أيامنا على وجه الأرض! 
ولا يعرف العلماء درجة الحرارة على سطح هذا الكوكب القليل الإضاءة بحكم بعده عن الشمس، لكنهم يؤكدون أنها تتراوح بين 228و 238 درجة تحت الصفر. ويعتقد الفلكيون أن نواته صخرية وأن ثلاثة أرباع سطحه تتكون من الصخور، أما الربع المتبقي فيتكون من هيدرات الميثان، كما أن غلافه الجوي غير السميك يتكوّن من الميثان.  
ومن المعلوم أن هناك 8 كواكب مشهورة تدور حول الشمس تتوزع إلى مجموعتين: مجموعة الكواكب الصخرية (وهي عطارد، الزهراء، الأرض، المريخ) ومجموعة الكواكب الغازية (وهي المشتري، زحل، أورانوس، نبتون). وبعيدا عن هذه الكواكب الثمانية، وفي «حدود» درب التبانة ثمّة مجموعة كواكب أخرى، أبرزها وفق المعلومات الحالية، كوكب بلوتو الذي يعتبر أبعد كوكب عن الشمس. 
يتكوّن النظام الشمسي من:
- الكواكب الثمانية المشار إليها آنفا.
- 5 كواكب أقزام (منها بلوتو).
- 175 قمراً يدور كل منها حول أحد الكواكب. منها 25 قمراً من دون أسماء، وأربعة لم يتم التأكد منها حتى الآن.
- 8 أقمار تدور حول كواكب أقزام، منها اثنان لا يزالان من دون اسم.
- 3157 مذنَّباً.
- 587560 كويكباً.
- 212 قمراً يدور حول الكويكبات.
والواقع أن بلوتو كان يعتبر خلال 76 سنة كوكباً كامل الأوصاف والحقوق. لكن في 24 أغسطس 2006 قرر الاتحاد الفلكي العالمي أن يصنف بلوتو في خانة مجموعة الكواكب الأقزام، مراعاة لصغر حجمه ومداره ومكوناته. وقد احتج عدد كبير من الفلكيين على هذا التصنيف وطالبوا بمراجعته من دون جدوى. 

خطأ في الفرضيات الفلكية
من المعلوم أن أقرب الكواكب لـ«بلوتو» هو كوكب نبتون، وكلاهما يدور حول الشمس، لكن مداريهما يتقاطعان. ولذا يخشى البعض التقاء الكوكبين في نقاط تقاطع المدارين. غير أن الحسابات الفلكية التي دققها الخبراء تؤكد أنه لا يمكن أن يكون الكوكبان في تلك النقاط في اللحظة نفسها. وفي هذا السياق ظهر أنه عندما يدور أحد الكوكبين ثلاث دورات حول الشمس فإن الثاني لا يدور سوى دورتين. 
والأهم من ذلك أن المسافة الصغرى التي تفصل الكوكبين خلال دورانهما لا تقل عن ملياري كلم. ومن ثمّ يستحيل التصادم بينهما. يذكر أن بعض الفرضيات الفلكية تقول إن بلوتو كان قمراً يدور حول كوكب نبتون، غير أنه وقع ما وقع في الكون فانفصل القمر عن نبتون وصار يسبح في فلك آخر. وبناء على ذلك اعتقد البعض أن بلوتو لا يمكن أن تكون له أقمار. لكن الأيام أثبتت خطأ هذه الفرضية. 
يدور حول بلوتو 5 أقمار، أولها قمر شارون Charon (يبدو أن هذا الاسم له علاقة باسم زوجة المكتشف!) قطره يبلغ 1270 كلم، وتم اكتشافه عام 1978. ويبعد شارون عن بلوتو مسافة 19640 كلم، ويدور دورة كاملة خلال مدة تقدر بنحو 6 أيام ونصف اليوم (وهي المدة نفسها التي يقضيها بلوتو في دورانه حول نفسه)... وكأن الكوكب بلوتو وقمره شارون موصولان بـ«قضيب صلب» غير مرئي، أو يدوران حول نقطة مثبتة تقع بينهما، بحيث يبدو المشهد كأن الكوكبين يشكلان جسماً واحداً موزعاً إلى جزأين منفصلين.
وقد تم عام 2005 اكتشاف قمرين آخرين إثر تحليل صور التقطت بالمقراب هابل Hubbel قطراهما صغيران (113 كلم و32 كلم)، ويدور كل منهما دورة كاملة حول بلوتو خلال 3 أيام. ثم في عام 2011 اكتشف قمر رابع، وبعده قمر خامس عام 2012. 
ولمعرفة المزيد عن كائنات وأجواء حدود المجموعة الشمسية، أطلق في مطلع يناير 2006 مسبار، سمي «نيو هورايزنز» New Horizons، من قِبَل الوكالة الفضائية الأمريكية (ناسا)، في اتجاه كوكب بلوتو. وهكذا كان المسبار في الموعد، وبلغ تخوم الكوكب القزم في منتصف يوليو 2015 بعد أن قطع خلال 9 سنوات ونصف السنة مسافة تزيد على 7 مليارات كلم. ذلك أن حركته لم تتم وفق خط مستقيم من الأرض إلى «بلوتو». ومن أهم ما يحمل المسبار عدسات تصوير فائقة الدقة تلقّى العالَم منها بدءاً من 14 يوليو صوراً أذهلت العلماء. كما وصلت بيانات تتطلب تحليلاتها العمل شهوراً وسنوات. فهؤلاء العلماء يريدون بوجه خاص معلومات تفيدهم في كيفية نشأة الكون ومسائل تخص كوكب الأرض، لأن بعض مناطق كوكب بلوتو حديثة العهد، وربما لاتزال بعض التحولات جارية الآن بداخلها.
كان أمل كثيرين أن تحط مركبة على سطح بلوتو كما كانت الحال مع القمر عام 1969، وأن تقوم بالتصوير والتحرك. لكن هذا الأمر مستبعد الآن... لماذا؟ لأن المسبار «نيو هورايزنز», الذي كشف لنا أسرار هذا الكوكب، ولايزال يبعث بالبيانات، مرّ فوق الكوكب القزم بسرعة 50 ألف كلم/ساعة. فلو طُلب منه أن يحط على سطح الكوكب لوجب تخفيض هذه السرعة الهائلة. والطاقة المطلوبة للفرملة والتوقف التام للمسبار طاقة خارقة لا يمكن الآن توفيرها في تلك الظروف.
نلاحظ أن المسافة بين الأرض و«بلوتو» في عام 1989 كانت تقدر بـ 4.4 مليارات كلم. أما الآن فقد بلغت 4.7 مليارات كلم، أي إن الكوكب يبتعد عن الأرض بمعدل مليون كلم في الشهر! وسوف تبلغ المسافة الفاصلة بين الكوكبين عام 2237 نحو 704 مليارات كلم.

المسبار يرسل البيانات منذ يوليو 2015
كان المسبار قد حلّق في 14 يوليو على ارتفاع 12500 كلم فوق سطح بلوتو، وهو يَعْبر أجواء محيط الكوكب بتلك السرعة الفائقة من دون تمهل. وذلك بعد أن قطع مسافة، منذ انطلاقه في يناير 2006، من الأرض تعادل 7.5 مليارات كلم. سيرسل المسبار تباعاً خلال الشهور القادمة آلاف الصور والقياسات، علماً بأن مدة الإرسال (من لحظة الإرسال إلى لحظة الاستقبال) تُقدر بأكثر من 4 ساعات. 
في منتصف يوليو 2015 أرسل المسبار أولى الصور حول «بلوتو» وفي نهاية الشهر نفسه ابتعد عن الكوكب بأزيد من 10 ملايين كلم، متجهاً نحو آفاق أخرى تتمثل في عالم من الجليد – ليس له اسم حتى الآن - ليبلغه عام 2019. 
يسمي الفلكيون المنطقة التي يقع فيها هذا الكوكب «حزام كايبر» Kuiper Belt، وهي تمتد إلى مسافة تتراوح بين 30 و55 وحدة فلكية في شكل حلقة إلى ما وراء مدار كوكب نبتون (آخر الكواكب الثمانية في المنظومة الشمسية). وتتكون الحلقة من عدد هائل من الأجرام الفلكية، منها كواكب أقزام، إضافة إلى حشود عشرات الآلاف من الأجسام الصغيرة تصل أقطارها إلى 100 كلم أو تزيد. ويعتقد الفلكيون أنها من بقايا تشكّل النظام الشمسي. وبصفة عامة فهذه الأجسام تتكوّن من مواد غير صخرية مجمدة، مثل الماء والميثان والأمونياك. نذكّر أن الوحدة الفلكية تعادل 150 مليون كلم، أي المسافة التي تفصل الأرض عن الشمس. 
ونظراً لهذه الكثافة في مكوّنات حزام كايبر، يتوقع العلماء إيجاد آثار على سطح بلوتو لاصطدامات، لكن ذلك لم يتضح بعد مما نشر من البيانات التي أرسل بها المسبار. ومن القضايا التي يرغب الباحثون في معرفتها، من خلال تحليل بيانات المسبار، تسرب النيتروجين من سطح الكوكب إلى غلافه الجوي بنسب كبيرة (نحو 500 طن في الساعة الواحدة)، بسبب ضعف جاذبية الكوكب. وقد تخوّف الباحثون من إمكان ارتطام المسبار بأحد تلك الأجسام الصغيرة، بعد الرحلة الطويلة، فتفشل مهمته.  
ما الفوائد التي سيجنيها كوكبنا الأرض من البيانات المرسلة من قِبَل المسبار? هذه المعلومات قادرة على تدقيق تاريخ نشأة الأرض. فهناك فرضية تقول إن الأرض كانت قد اصطدمت بجُرم يعادل حجمه حجم المريخ، فنجم عن تلك الصدمة العنيفة نشأة القمر إثر تجمع الحطام. ويرجّح العلماء أن الاصطدامات من هذا النوع هي التي أدت إلى نشأة الكواكب الأخرى قبل ملايين السنين. 
ويُعتقد أن في منطقة الكوكب بلوتو، البعيدة جداً عن الشمس، كانت الأجسام الجليدية والصخرية تسبح في أجواء هادئة بعيدة عن الاضطرابات التي كانت تعرفها منطقة الكواكب الثمانية الأقرب إلى الشمس، وكأن منطقة بلوتو تعيش الآن مرحلة كانت تعيشها في الماضي السحيق منطقة الأرض. لذا يتصوّر العلماء أن منطقة بلوتو قادرة على تقديم توضيحات حول نشأة النظام الشمسي بوجه عام والأرض بوجه خاص. ومن ثمّ، فلا شكّ في أننا سنعرف الجديد حول مصدر المياه المتوافرة على وجه الأرض.
حتى نوضح أهمية البعثات الفضائية في الإحاطة بما يجري حولنا، نشير، على سبيل المثال لا الحصر، إلى أن دراسة الأجواء الملتهبة لكوكب الزهرة ساعدت العلماء في الماضي على فهم ظاهرة الاحتباس الحراري التي يعانيها كوكب الأرض. 
فنحن نلاحظ أن أشعة الشمس تؤثر في كثير مما يجري على سطح الأرض وفي محيطها الخارجي، بما فيها خطوط إمداد الكهرباء على سطحها والأقمار الاصطناعية بسبب عارض شمسي يعرف بالعواصف المغناطيسية... إلخ. وفي هذا السياق، فالسؤال الذي قد تساهم رحلة المسبار في توضيحه هو ما مدى تأثير الشمس على كوكب الأرض؟ نأمل أن تأتينا تحاليل البيانات التي شرع المسبار في إرسالها بإجابة عن هذا السؤال وعن أسئلة عديدة أخرى ■