هل للنباتات أعصاب وذكاء؟
أدّت ملاحظات واستنتاجات متفرقة توصل إليها بعض علماء النبات حول وجود نشاط كهربائي في الأنسجة النباتية, إلى تطور وتبلور فكرة تقول إن للنباتات أعصابًا وذكاءً. وعزز هذه الفكرة أخيرًا بعض الأبحاث والتجارب التي استنتجت وجود نوع من صناعة القرار والذكاء الجماعي لدى الحشود النباتية, الأمر الذي يشبه إلى حد بعيد ما هو موجود عادة لدى الحيوانات ولدى الإنسان.
تتعلق هذه الأبحاث الأخيرة بجذور النباتات, التي تستقر تحت الأقدام, وتظل خارج دائرة التقدير, رغم أنها - وفق ما استنتج الباحثون - يمكن أن تشرح الحكمة الجلية من الحشود, تمامًا كما يمكن لحشود النحل أو الحيوانات أو الناس أن تفعل.
وفي هذا السياق، اقترح علماء نبات أن الجذور التي تنمو بهذه الطريقة أو تلك في عالم تربتها المظلم والخطير, يمكن أن تشكل توضيحًا عما يُسمى ذكاء جَماعيًا, حيث يقوم كل طرف في منظومة الجذور باكتساب أو تحصيل معلومات منفصلة مبدئيًا على الأقل, ثم تتم مشاركة تلك المعلومات عبر تفاعلات مع جذور أخرى ومن ثم ضمن الكتلة الكلية, لتكوين صورة إجمالية تقدم حلًا لإشكالية: ما الذي ينبغي اعتباره مسألة معرفية؟ هذا ما يقوله عالم بيولوجيا الخلية النباتية فرانتيسك بالوسكا František Baluška من جامعة بون في ألمانيا, مشيرًا إلى أن ذلك يتم بطريقة لا يستطيع جذر واحد أن ينجزها, ما يجعل العملية نوعًا من الذكاء الجَماعي أو حكمة الحشود.
ويبدو أن ما تُظهره الجموع والحشود من حكمة غريبة وخفية, عبر القرارات التي تصدر عنها مجتمعة, وليس كأفراد, بدأت تثير اهتمام طيف واسع من الباحثين. فلو أخذنا كمثال النحل الذي يصنع العسل, فهو عندما يبحث عن موطن جديد لأعشاشه, ينجح دومًا - بشكل جَماعي - في اختيار موقع ممتاز, برغم وجود أفراد منه يقومون بدور المستكشفين, كلٌّ بمفرده, ويقدمون للجموع تشكيلة من الخيارات المتاحة. كما أننا لو لاحظنا تقييمات مجموعة من الناس حول بعض الأمور مثل عدد قطع الرخام الموجودة في جرة أو مزهرية, أو ما هو الحيوان - ضمن سوق بيع ريفي- الذي سوف يعطي كميات أكبر من اللحم بعد ذبحه, فإن النتيجة الحاصلة من دمج تلك التقييمات غالبًا ما تكون قريبة جدًا من الإجابة الصحيحة.
وعلى هذا النمط، يبدو أن حياة النبات قد تُظهر أيضًا وجود عملية صناعة قرار جَماعية, وفق ما اقترح بالوسكا وزملاؤه في عدد ديسمبر 2010 من دورية اتجاهات علم البيئة والتطور Trends in Ecology and Evolution, مشددين على ضرورة البحث في ما وراء مملكة الحيوان وفي داخل سلوك جذور النباتات عن أدلة على حكمة جَماعية, مقترحين, في السياق نفسه, أن المعلومات يمكن أن تمر عبر ذرا الجذور بواسطة مواد كيماوية مُفرزة, أو غازات متحررة, أو حتى فعالية كهربائية تربط بين مراكز قيادة «شبيهة بالدماغ» في ذرا الجذور، إنما بغض النظر عن طريقة انتقال المعلومات, من الواضح أن التفاعلات يمكن أن تنتج قرارات شبه جَماعية للجذور حول أين وكم عليها أن تنمو.
وإذا كان النبات يستطيع أن ينشر أعدادًا كبيرة جدًا من الجذور (تبلغ 13,815,672 لنبات الشعير وفقًا لدراسة قديمة)، فإن بالوسكا يرى أن الدليل الأفضل على الذكاء الجماعي, قد يُكتشف في تحري كيفية نمو الجذور الوافرة لكي تستثمر أو تستغل مناجم الغذاء التي تصادفها في التربة. ولأنه يجب على تلك الجذور أيضًا أن تنافس جذور نباتات أخرى على الغذاء والماء, فمن الواضح أن أخبار تلك المناوشات سوف تنتقل بعيدًا عن الجبهة. ويلفت بالوسكا إلى تجارب سابقة قسمت جذور النباتات بين أصيصَين, حيث بقيت الجذور في الأصيص الثاني تبدي استجابات لنظائرها في الإناء الأول عندما كانت تقابل أو تتصادم مع متطفل ما ماص للأغذية, كما أن قطع جزء من منظومة الجذر كان يحرّض ارتكاسًا في مكان آخر.
ولعل الآلية التي تفسر هذا الأمر (أي كيفية اكتشاف أحد الجذور معلوماتٍ اطّلع عليها جذر آخر) يمكن أن تكون الجزء الأكثر إثارة للجدل في فكرة الجذور الذكية. وقد وضع بالوسكا وزملاؤه في ما سطّروه طيفًا من الاحتمالات والتفسيرات الممكنة, لعل أبرزها وأكثرها إثارة للاهتمام - من وجهة نظرهم - هي فكرة أن الأخبار أو المعلومات تنتقل عبر إشارات كهربائية شبيهة بالأعصاب. ويعللون ميلهم لهذا التفسير بكون الإشارات الهرمونية المتسربة على طول مليمتر بعد مليمتر سوف تكون بطيئة جدًا, بينما تحتاج النباتات - خلافًا للنظرة التقليدية عنها بأنها تعيش حياة بطيئة - إلى طريقة نقل معلومات سريعة للتكيف مع الظروف, وهو ما تتيحه الإشارات الكهربائية.
وكانت هذه الفكرة تحديدًا, أي فكرة أن النباتات أساسًا تمتلك ما يشبه الأعصاب, قد أثارت عاصفة بين علماء النبات في السنوات الأخيرة، مع العلم بأنها مجرد استنتاج نشأ من ملاحظات يصعب تفسيرها حول نشاط كهربائي في النسيج النباتي.
فمن جهته, يرى جينس كراوس Jens Krause من جامعة هومبولدت Humbold في برلين, أن ذكاء الجذور المحتشدة هو أمر قابل للتصديق ومتوقّع تمامًا, معلنًا أنه بعد بحثه الذي نشره عام 2013 حول الذكاء الجماعي لدى الحيوان والإنسان, سوف يعمل على إنجاز بحث واسع يحاول فيه أن يقدم المزيد من الأمثلة من عالم النبات, منطلقًا من أن «تطبيق مفهوم الذكاء الجماعي على النباتات, وليس فقط على الحيوانات, هو أمر مثير للاهتمام في إدراك أن الذكاء الجَماعي قد يدل على وجود قيادة لكل مجموعة تعيش حياة عضوية بشكل عام». أما عالم النبات ديفيد روبنسون David Robinson من جامعة هيدلبيرج Heidelberg في ألمانيا, وعلى الرغم من أنه لا يشكك في قدرة النباتات على حل مسائل استراتيجية معقدة, فإنه يسخر من استخدام كلمة ذكاء, قائلًا: «إن استخدام كلمة ذكاء (مع أو من دون جَماعي) - ببساطة - يؤنسن الموقف (أو يُحَيْوِنه, بما أنهم يتكلمون عن جماعات)، كما أن استخدام مصطلحات ساذجة كهذه, يخفّض سوية علم النبات المهم إلى مستوى عصيّ على الفهم», لكنه يعترف بصراحة ووضوح بأن للجذور النباتية إمكانات «معرفية» .