الكشف عن آلة تكاد تجري عملية جراحية بلا مساعدة الجراحة الروبوتية: من يمسك بالمبضع؟

الآلات لا تشرب الكحوليات، ولا يصيبها التعب، ولا تضرب عن العمل. فكرة إجراء الروبوتات عمليات جراحية للمرضى من دون تدخل بشري فكرة جذابة بالنسبة لمديري المستشفيات، أما بالنسبة للمرضى، فالسؤال الحاسم هو: «أهي أفضل من الجراحين البشر؟». تنطوي العمليات الجراحية على كثير من البلبلة والتعقيد، ويمكن أن تتحول العملية الروتينية إلى مصدر تهديد للحياة في دقائق.

نتيجة لهذه الاعتبارات، نجد أن دور الروبوتات في غرف العمليات حتى الآن اقتصر إلى حد كبير على كونها لا تزيد كثيراً على أدوات دقيقة آلية يستخدمها الجراحون، وهذا بعيد كل البعد عن الكبائن الجراحية الذكية والمقصورات الطبية التي نراها في أعمال الخيال العلمي. لكن ورقة بحثية نُشرت أخيراً في مجلة «ساينس ترانسليشنال ميديسن» Science Translational Medicine المعنية بالطب الانتقالي من إعداد بيتر كيم Peter Kim، الجراح بالمركز الوطني لطب الأطفال في واشنطن العاصمة، وزملائه، تطرح فكرة روبوتات جراحة حقيقية تجري عمليات جراحية بأقل قدر من الإشراف البشري، في ما يعتبر خطوة أقرب إلى تحقيق ذلك الخيال العلمي. وعلى الرغم من أن هذه الروبوتات لم يُسمح لها بعد بممارسة عملها على البشر، فإنها تمكنت بنجاح من خياطة أمعاء الخنازير الصغيرة.
لكي يصنع الدكتور كيم وفريقه الطبيب الروبوتي المسمى اختصاراً «ستار» Star (روبوت النسيج الذكي المستقل) Smart Tissue Autonomos Robot، زودوا ذراعاً روبوتية بأداة خياطة جراحية متطورة ومستشعر للشدة لاكتشاف درجة شد الخيط الجراحي في أثناء العملية، وزودوا هذه الذراع بكاميرات يمكنها تكوين صورة ثلاثية الأبعاد 3D لإرشادها في أثناء استخدامها أداة الخياطة، وأيضا بجهاز تصوير حراري لمساعدتها على التمييز بين الأنسجة المتشابهة في الشكل. وسيطر الفريق على الذراع من خلال برنامج كمبيوتر طوروه بأنفسهم يحتوي على مجموعة تعليمات تتعلق بالغرز والعقد والمناورات، ما سمح للذراع بتخطيط وتنفيذ عملية تُعرف باسم «المفاغرة»، تشتمل على استخدام الخياطة في لحم جزءي أنبوب في الجسم.
قبل كل عملية من العمليات التجريبية، كان الفريق يعمد إلى تخدير الخنزير الصغير ويفتح بطنه ويكشف جزءاً من أمعائه الدقيقة، ثم يقطعه وينير المناطق التي ستتم خياطتها باستخدام صبغة فلورسنتية للمساعدة على إرشاد الذراع. قامت «سمارت»، تحت إشراف أحد الجراحين، بلحم أمعاء الخنزير الصغير بالخياطة من جديد. وفي العمليات الأربع التي تناولتها الورقة البحثية، قام الروبوت بتنفيذ حوالي 60 في المائة من الإجراء الجراحي دون تدخل بشري، وقام بتنفيذ البقية بمجرد تعديلات طفيفة في الغرز. لكن في الفترة التي انقضت منذ أن قدّم الفريق النتائج التي توصل إليها للنشر، يقول الفريق إن «ستار» أتمت بنجاح العملية بكاملها دون مساعدة.
وإذْ قارن د.كيم وزملاؤه عمل «ستار» بعمل الجراحين ذوي الخبرة ممن يعملون بمساعدة الأدوات الروبوتية الموجودة ومن دونها، استنتجوا أن غرز «ستار» موزعة على مسافات أكثر انتظاماً، كما أن الأمعاء المخيطة أقل تسريباً. ولم يعان أي من الخنازير أي مضاعفات.
صحيح أن «ستار» استغرقت وقتاً أطول كثيراً مما يستغرقه الجراح البشري في خياطة الجرح، حيث بلغ متوسط زمن العملية 50 دقيقة، أما الإنسان فيستغرق نحو ثماني دقائق، لكن هذه الوتيرة ستزداد سرعة بكل تأكيد. وإذا لم تتمكن «ستار» أبداً من مضاهاة الجرَّاح البشري في سرعة العمل، فإن المنتج النهائي الذي تقدمه على ما يبدو, ويفوق المنتج البشري, سيقلل - إذا ما تُرجم إلى ممارسة إكلينيكية منتظمة - من معدلات إعادة إدخال المرضى إلى المستشفى.
تظل «ستار» في الوقت الراهن مجرد أداة وليست فاعلاً مستقلاً بالمعنى الحقيقي، غير أن هذا الاستقلال على الأرجح ليس ببعيد جدّاً، حيث يأمل د.كيم، على سبيل المثال، أن تتمكن نسخة محسنة منها في القريب العاجل من استئصال الزائدة الدودية من دون أي مساعدة من الأطباء.
غير أن وجود «ستار» يسلط الضوء في الواقع على سؤاليْن يُطرحان أكثر فأكثر في مجتمع يزداد فيه الاعتماد على الروبوتات يوماً بعد يوم، هما: «هل سيثق الناس بالروبوتات ويأمنونها على أرواحهم؟» و«من يتحمل المسؤولية القانونية إذا ما وقع خطأ ما؟».
ستتوقف الإجابة عن السؤال الأول على الأرجح على مستوى الإشراف الذي تخضع له هذه الآلات، فتحويل طائرات الركاب إلى طائرات من دون طيار لن يستغرق طويلاً على سبيل المثال، لكن المسافرين يطمئنون بفعل وجود طاقم رحلة، وبالتالي فمن المستبعد أن يحدث هذا قريباً. وسيصدق الشيء نفسه على الأرجح على الروبوتات الجراحية، مهما كان مستوى الجودة الذي تصل إليه. وردّاً على السؤال الثاني، فإن المحامين يحومون بالفعل حول هذا الموضوع، حيث تعرضت شركة «إنتويتيف سيرجيكال»، صانعة الروبوتات الجراحية، التي تتخذ من مدينة صنيفيل Sunnyvale بولاية كاليفورنيا الأمريكية مقرّاً لها، لدعاوى قضائية يزعم رافعوها أن الجراحين لم يتلقوا تدريباً كافياً لاستخدام آلاتها، أو أن الروبوتات معيبة (وهي مزاعم تنفيها الشركة). ربما تتفوق الروبوتات على البشر في غرفة العمليات، لكن القضاء سيحدد أيضاً مدى سرعة انتشارها.