السايبورج... واقع أم خيال؟
أثناء الحرب أو بعد حادث مأساوي، قد يفقد البعض أطرافهم أو أجزاء من أجسادهم، ونتيجة للتقدم العلمي الهائل في مجال الطب والأطراف التعويضية، فقد صار مألوفاً إحلال أطراف أخرى ميكانيكية محل الأطراف المفقودة، لتمكين هؤلاء الأشخاص من متابعة مسيرة حياتهم بصورة طبيعية قدر الإمكان. إلى هنا والأمر طبيعي وإنساني ومألوف، لكن في الفترة الأخيرة ظهر الحديث عن احتمالية ظهور السايبورج Cyborgs، وهو مصطلح قد يبدو مألوفاً لدى محبي قصص وأفلام الخيال العلمي، فهو لفظ يُطلق على الأشخاص الذين يتخطون حدود الطبيعة عن طريق أطرافهم الميكانيكية المزروعة.
ظهرت هذه التسمية للمرة الأولى في الستينيات من القرن الماضي، وانتشرت بعد ذلك في إطار الدلالة على محاولات الإنسان للتغلب على ضعفه ومحدودية قدراته وقهر الطبيعة له بمساعدة فروع العلم المختلفة، مثل الكيمياء الحيوية، حيث يقوم بزرع بعض الأجهزة الإلكترونية كبديل عن بعض أجزاء جسده الأصلية برغبته المحضة، متحولاً إلى نصف إنسان ونصف آلة، ليتمكن عن طريق ذلك من تخطي الكثير من الحدود البشرية، سواء هنا في بيئته الأصلية أو في الفضاء الخارجي عند محاربته الأعداء، فضلاً عن قائمة طويلة من الأجهزة الخارجية المساعدة للإنسان على ذلك، التي قد تظهر في صورة ساعات للمعصم أو ملابس أو نظارات. وكما يحدث في أي مجال يلتقي فيه العلم مع الخيال لتحقيق رؤية مستقبلية، تجد الخرافة، متمثلة في أفكار مثل الخلود وعدم الفناء، مجالاً خصباً. وتجنح الأفكار إلى تخيُّل كل ما هو مستحيل حاليا لعله يصبح ممكناً في المستقبل، مثل زرع روبوت Roboot فائق الدقة في الدم ليُصلح ما يفسد داخل الجسم بدلاً من العمليات الجراحية، أو تنزيل نسخة من كل البيانات المحفوظة في المخ عن طريق جهاز صغير مزروع فيه للعودة إليها وقت الحاجة، أو حتى زرع مصابيح صغيرة للإضاءة تحت الجلد، فلا يقع الإنسان فريسة للظلام ثانية أبداً.
ويجاهد العلماء حالياً لتغيير هذه الفكرة الخرافية المنتشرة عن تلك الأجهزة التعويضية، المستوحاة من أدب الخيال العلمي وتغذيها بعض وسائل الإعلام، وهي أن أصحابها يمثلون حلقة غير فانية بين البشر والكمبيوتر. وفي الوقت الذي تسير فيه الأبحاث الطبية في هذا المجال على قدم وساق في طريق نظري وآخر عملي بحت، فقد تم التوصل إلى إمكان استخدام مادة جديدة تماما في هذا المجال، هي الجرافين Graphene. وهذه المادة الكربونية المعجزة، التي صارت تدخل في تركيب كل شيء تقريبا، تتميز بأنها مثل الألماس، يمكن استغلالها إلكترونياً بسهولة، وتتمتع بالمرونة ولا يرفضها الجسم، ما يجعلها مثالية في تصنيع الأعضاء القابلة للزرع في المستقبل. أما حالياً، فقد استطاع العلماء تصنيع شرائح إلكترونية تُزرع مباشرة في جسم المريض من هذه المادة، بينما كان ذلك مستحيلاً مثلا في حالة شرائح السيليكون المستخدمة حالياً. وهو ما ينطبق على الكثير من المواد الصناعية التي يلفظها الجسم عند دخولها إليه أو المعادن التي تتحلل بعد فترة بفعل الإنزيمات الطبيعية، تاركة وراءها مخلفات قد تؤدي إلى تهييج الخلايا في العضو الذي تعرض لعملية الزرع أو مجاوراته، وربما تتسبب في حدوث سرطان للعضو في ما بعد. لذا فقد كان العثور على مادة تتفادى كل تلك التعقيدات نقطة فارقة في الأبحاث في هذا المجال.
لقد ظل حلم السايبورج يراود كثيراً من العلماء، وبدأ بعضهم بالفعل في محاولة تطبيقه بصورة واقعية عن طريق أجهزة مزروعة في الأطراف التعويضية تستطيع القيام بوظائف تتجاوز بكثير الوظائف التقليدية الموجودة حالياً. وهم يأملون في التوصل إلى قدرات عالية في المستقبل، مثل الإحساس بمجالات الطاقة والتعرف على الأشعة تحت الحمراء أو الاتصال بالإنترنت. لكنهم نجحوا حتى الآن فعلياً في زرع جهاز في صورة خاتم يُلبس في إصبع يد تعويضية، يتلقى إشارات من شريحة في حجم حبة الذرة مزروعة تحت إبط الشخص، مرسلاً باستمرار بيانات عن درجة حرارته وحالته الصحية العامة إلى هاتفه الذكي عن طريق البلوتوث. واستطاع آخرون تحويل الألوان إلى درجات صوتية عن طريق جهاز صغير متصل بالعين والأذن في الوقت نفسه لمساعدة المصابين بعمى الألوان، وقد جاهد أحدهم في ألمانيا ليصبح هذا الجهاز جزءاً من جسده رسمياً، إذ أصبح من المسموح له أن يظهر بالجهاز في صورة جواز السفر. وتسير الأبحاث حالياً في أكثر من اتجاه، فمنها ما يتركز حول زرع قزحية اصطناعية ذات قدرات فائقة في العين، وتَعِدْ نتائجه الأولية بالكثير من الخير، لكنها مازالت في طور التجريب، ويبحث الجزء الآخر في كيفية تحويل ردود أفعال الخلايا إلى إشارات إلكترونية، ليتمكن العلماء بعد ذلك من عكس تلك الإشارات، ما يساعد في علاج الكثير من الأمراض وبخاصة ذات المنشأ الوراثي (الجيني)، ثم تحفيز الخلايا إلكترونياً لتتفوق على قدراتها الطبيعية. ويساعد على ذلك تطور الأبحاث في مجالات تكنولوجيا النانو، التي تتقدم باطراد، فإذا كان التطور العلمي في القرن العشرين يعزى الفضل فيه إلى المايكروتكنولوجي, فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن تقنيات النانو الحيوية التي تفتح الباب على مصراعيه أمام مجالات وتطبيقات لانهائية .