متحف بيروت الوطني ذاكرة سبع حضارات
أعزّائي الصّغار, سآخذكم لِتتعرّفوا على متحف قلّ مثيله في العالَم, وذلك لأنّه لا يعرض تحف حقبة تاريخية محدّدة, بل تحف سبع حضارات إنسانية, كلّ حضارة لها تاريخها العظيم, إنّه متحف بيروت الوطني.
جاءت فكرة تأسيس هذا المتحف على يد الضّابط الفرنسي ريمون ويل الّذي كان مقيمًا بِلبنان, وكان مهووسًا بِجمع التّحف الأثرية, فكان يحتفظ بِهذه التّحف, في منازل أصدقائه الألمانيين.
وفي سنة 1923م تمّ التّفكير رسميّاً بضرورة إحداث متحف بِلبنان يحتفظ بذاكرة هذا البلد الشّامخ بِحضارته, واستمرّ بناء هذا المتحف سبع سنوات, وبعد جمع التّحف, تمّ فتح هذا المتحف في وجه الزّوار سنة 1942م ليكتشفوا ما يزخر به لبنان من تراث حضاري, وفي سنة 1979م هُدم المتحف بفعل الحرب, ثم رُمّم وأُعيد فتحه من جديد سنة 1999م.
المتحف يضمّ تحفًا تروي حكاية سبع حضارات, بدءًا من حقبة ماقبل التّاريخ, مرورًا بالحقبة البرونزية (النّحاسية), ثم عصر الحديد, والحقبة الهيلينستية (الإغريقية - اليونانية), ثمّ الحقبة الرّومانية فالحقبة البيزنطية وصولًا إلى الفتح الإسلامي العربي وعصر المماليك. والمثير أنّ المتحف يضمّ أكبر تجمّع للنّواوويس في العالم.
فيما يخصّ تُحف حقبة ما قبل التّاريخ, فهي تحفٌ عبارة عن رؤوس سهام صيد مصنوعة من الحجر وجرّات طينية للشّرب, وتعود هذه التّحف إلى 150000 سنة قبل الميلاد, بالإضافة لِتحف تعود لِلعصر الحجري الحديث حوالي 9000 سنة قبل الميلاد, ولقد تمّ التّنقيب عن هذه التّحف في الكهوف اللّبنانية خصوصًا بِبيروت.
أمّا الحقبة البرونزية, وهي الحقبة الّتي اكتشف فيها الإنسان النّحاس, فلم يعد إبداعه للتّقنيات يقتصر على الحجر, وهنا تبدأ أهمّية المتحف, ففي هذه الحقبة ستظهر أوّل أبجدية في العالَم, حيث يوجد بالمتحف ناووس (تابوت حجري) الملك الفينيقي أحيرام, وعليه كتاباتٌ فينيقيةٌ الأقدم بِالعالم, كما يوجد بالمتحف قلاداتٌ مطليةٌ بالنّحاس ومنمّقةٌ بالأحجار الكريمة تعود في الغالب للملك الفينيقي إيب شيمود, ونقود مصنوعة من الذّهب تعود للقرن 18 قبل الميلاد.
أمّا الفترة الحديدية فهي تعبّر عن ازدهار الحضارة الفينيقية, حيث ستقوى الدّولة الفينيقية, وستسيطر على جزء كبير من البحر بعد اكتشاف الحديد وصنع القوارب والسّفن البحرية, وهذا سيجعلها تتأثّر بالحضارة الآشورية والبابلية والفارسية, وهذا سيظهر واضحًا وأنتم تشاهدون التّحف المتواجدة بهذا المتحف, فهناك نواوويسٌ من الرّخام عوض الحجر, بالإضافة إلى حليّ عاجية يعود أغلبها للقرن الرّابع قبل الميلاد.
أمّا الفًترة الهيلينستية, فقد تغلّب فيها الإسكندر الأكبر على الملك داريوس وأصبحت فينيقيا تحت سيطرة الإغريق, فغدت فينيقيا مزيجًا من الحضارة الفارسية والحضارة اليونانية, وستلاحظون هذا التّغيّر من خلال الآثار الّتي تمّ العثور عليها في مدينة صيدا اللّبنانية, وأهمّ هذه المآثر منبر معبد آشمون المنقوش بكتابات إغريقية ومصنوع من الرّخام الإغريقي.
وفيما يخصّ الحضارة الرّومانية فتظهر تحفها بالمتحف بعدما سيطر الرّومان على فينيقيا وأصبحت الحضارة الفينيقية في قبضة الحضارة الرّومانية, وأروع التّحف الّتي تخلّد هذه الفترة, ناووس أخيل القائد الأسطوري الّذي لا يموت, وهو مصنوعٌ من الرّخام ويعود للقرن الثّاني الميلادي, ولوحةٌ مصنوعةٌ من الفسيفساء توضّح خطف آلهة إغريقية تدعى أوروبّا, كما يزخر المتحف بلوحة أخرى مرسومة من الرّخام تبرز الحكماء السّبعة المشيّدين للفلسفة (محبّة الحكمة) في اليونان.
نأتي للحقبة البيزنطية بالمتحف, وهي لا تختلف في تحفها عن تحف الرّومان, حيث يوجد بعض العملات المعدنية والمجوهرات, وبقايا محراب إحدى الكنائس.
وأخيرًا الحقبة العربية الإسلامية أو ما يسمّى بِعصر المماليك, والّتي امتدّت ما بين 636م إلى 1517م, وتوجد تحف عبارة عن حليّ وبعض الأواني الفخّارية.