بيت الأسماك

بيت الأسماك

في‭ ‬قاعِ‭ ‬البحرِ‭ ‬عاشتِ‭ ‬الأسماكُ‭ ‬مع‭ ‬العمِّ‭ ‬أخطبوطٍ‭ ‬الذي‭ ‬كانَ‭ ‬يقرأُ‭ ‬في‭ ‬كتابٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬وقديمٍ‭ ‬عنْ‭ ‬علاقةِ‭ ‬الأخطبوطِ‭ ‬والدّلافينِ‭ ‬والأسماكِ‭ ‬بالإنسانِ‭. ‬والأخطبوطُ‭ ‬يا‭ ‬أصدقائي‭ ‬كائنٌ‭ ‬مسالمٌ‭ ‬وإنْ‭ ‬كانَ‭ ‬البعضُ‭ ‬يظنُّ‭ ‬عكسَ‭ ‬ذلكَ‭. ‬دخلتْ‭ ‬أسماكُ‭ ‬الهامورِ‭ ‬اللطيفةُ،‭ ‬وسألَها‭ ‬أخطبوطُ‭ ‬ودلفونُ‭ ‬عمّا‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬السّطحِ‭ ‬منْ‭ ‬أخبارِ‭ ‬الإنسانِ،‭ ‬فقالتْ‭ ‬هامورةُ‭:‬

‭ ‬يوجدُ‭ ‬تسرّبٌ‭ ‬منْ‭ ‬ناقلةِ‭ ‬نفطٍ،‭ ‬وبالتّالي‭ ‬سيزدادُ‭ ‬التّلوّثُ‭ ‬على‭ ‬السّطحِ،‭ ‬وإضـافةً‭ ‬إلى‭ ‬النِّفطِ‭ ‬هـناكَ‭ ‬بعضُ‭ ‬البحّارةِ‭ ‬يلقـونَ‭ ‬نفاياتِ‭ ‬سَفينتِهم‭ ‬في‭ ‬البحرِ‭. ‬

قالَ‭ ‬دلفون‭: ‬هؤلاءِ‭ ‬البشرُ‭ ‬غريبون‭ ‬حقًّا،‭ ‬نحنُ‭ ‬نحبّهم‭ ‬ونمنحُهم‭ ‬اللحمَ‭ ‬الطّريَّ،‭ ‬والبحرُ‭ ‬يحبُّهم‭ ‬ويمنحُـهم‭ ‬اللؤلؤَ‭ ‬والمـرجانَ،‭ ‬فلماذا‭ ‬يلوّثونَ‭ ‬البحرَ؟‭!‬

قالَ‭ ‬أخطبوط‭: ‬إيه‮…‬‭ ‬هذهِ‭ ‬أمورٌ‭ ‬اعتدْنا‭ ‬عليها،‭ ‬وطالَما‭ ‬غيّرنا‭ ‬مكانَ‭ ‬سكنِنا‭ ‬بِسببِ‭ ‬التّلوّثِ‭ ‬الذي‭ ‬يحدُثهُ‭ ‬الإنسانُ،‭ ‬ماذا‭ ‬عليْنا‭ ‬أنْ‭ ‬نفعل؟

لمْ‭ ‬يكنْ‭ ‬لدى‭ ‬الأسماكِ‭ ‬حلٌّ،‭ ‬لذلكَ‭ ‬دعاهمْ‭ ‬أخطبوطٌ‭ ‬جميعًا‭ ‬للتّفكيرِ‭ ‬في‭ ‬حلٍّ‭.‬

وافقتِ‭ ‬الأسماكُ‭ ‬إلّا‭ ‬قَرّوشًا‭ ‬الشِّريرَ‭ ‬الذي‭ ‬قالَ‭: ‬المشكلةُ‭ ‬مشكلتُكم،‭ ‬ولا‭ ‬مشكلةَ‭ ‬عندي؛‭ ‬لأنّني‭ ‬دائمُ‭ ‬السّباحةِ‭ ‬والتّنقلِ‭ ‬في‭ ‬الأعماقِ‭.‬

كانتْ‭ ‬رائحةُ‭ ‬النّفطِ‭ ‬تملأُ‭ ‬المكانَ،‭ ‬فدخلَ‭ ‬الحوتُ‭ (‬عنبر‭) ‬وبدأَ‭ ‬يرشُّ‭ ‬الرّائحةَ‭ ‬الطَّيّبةَ،‭ ‬وقدّمَ‭ ‬الحلَّ‭ ‬للخلاصِ‭ ‬من‭ ‬الرّائحةِ‭ ‬الكريهةِ،‭ ‬قالَ‭ ‬عنبرٌ‭: ‬نبني‭ ‬لنا‭ ‬بيتًا‭ ‬نحتمي‭ ‬بِداخلِه‭ ‬عندَ‭ ‬حدوثِ‭ ‬مشكلةٍ‭.‬

قالَ‭ ‬أخطبوط‭: ‬فكرةٌ‭ ‬رائعةٌ،‭ ‬بالحبِّ‭ ‬يتّسع‭ ‬البيتُ،‭ ‬يكفي‭ ‬أنْ‭ ‬يتّسعَ‭ ‬لِصغارِنا،‭ ‬فهم‭ ‬الأكثرُ‭ ‬تأثّرًا‭ ‬بالتّلوّثِ‭...  ‬أنتم‭ ‬اليومَ‭ ‬تفكّرون‭ ‬بشكلٍ‭ ‬رائعٍ،‭ ‬سأرسمُ‭ ‬لكم‭ ‬خِطّةَ‭ ‬البِناءِ‭. ‬في‭ ‬الحقيقةِ‭ ‬إنَّ‭ ‬الموادَّ‭ ‬اللازمةَ‭ ‬للبناءِ‭ ‬كلّها‭ ‬تتوفّرُ‭ ‬في‭ ‬البرِّ‭ ‬وليسَ‭ ‬في‭ ‬البحرِ‭..‬‭. ‬تخوّفَ‭ ‬الجميعُ،‭ ‬ولكنّ‭ ‬أخطبوط‭ ‬قدّمَ‭ ‬لهم‭ ‬الحلّ،‭ ‬قال‭: ‬يمكنُنا‭ ‬استخدامُ‭ ‬بقايا‭ ‬هذهِ‭ ‬السَّفينةِ‭ ‬مع‭ ‬أغصانِ‭ ‬النّباتاتِ‭ ‬البحريّةِ‭ ‬وبعضِ‭ ‬الشُّعبِ‭ ‬المرجانيّةِ،‭ ‬ولديْنا‭ ‬الكثيرُ‭ ‬منَ‭ ‬الأصدافِ‭ ‬التي‭ ‬يمكنُ‭ ‬أنْ‭ ‬نُزيّنَ‭ ‬بها‭ ‬البيت‭. ‬

بدأَ‭ ‬الأصدقاءُ‭ ‬العملَ‭ ‬في‭ ‬بناءِ‭ ‬البيتِ‭ ‬وهم‭ ‬يُغنّون،‭ ‬بينَما‭ ‬جلسَ‭ ‬قرّوشٌ‭ ‬بعيدًا،‭ ‬ولمْ‭ ‬يساعدْهم‭ ‬في‭ ‬شيءٍ‭.‬

انتهى‭ ‬الأصدقاءُ‭ ‬منْ‭ ‬بناءِ‭ ‬بيتٍ‭ ‬جميلٍ‭ ‬ذي‭ ‬شكلٍ‭ ‬انسيابيٍّ،‭ ‬له‭ ‬ثلاثُ‭ ‬نوافذَ،‭ ‬ومزركشٌ‭ ‬بالأصدافِ‭ ‬البحريّةِ‭. ‬فرحَ‭ ‬الجميعُ‭ ‬وصاحوا‭ ‬بفرحٍ‭:‬‭ ‬أصبحَ‭ ‬لنا‭ ‬بيتٌ‭.‬

قالَ‭ ‬عنبر‭: ‬ما‭ ‬رأيكم‭ ‬أنْ‭ ‬نختارَ‭ ‬له‭ ‬اسمًا؟

قالَ‭ ‬قرّوش‭: ‬نسمّيه‭ ‬بيتَ‭ ‬القرشِ‭... ‬بالطبعِ‭ ‬لم‭ ‬يوافقوا؛‭ ‬لأنّهُ‭ ‬لم‭ ‬يشاركْ‭ ‬في‭ ‬البناءِ‭ ‬ولا‭ ‬حتّى‭ ‬في‭ ‬التّفكيرِ‭.‬

قالَ‭ ‬دلفون‭ ‬ضاحكًا‭: ‬بل‭ ‬نسمّيه‭ ‬بيتَ‭ ‬القلوبِ‭ ‬الثّلاثةِ؛‭ ‬لأنَّ‭ ‬الأخطبوطَ‭ ‬له‭ ‬ثلاثةُ‭ ‬قلوبٍ،‭ ‬ولذلكَ‭ ‬فهو‭ ‬قادرٌ‭ ‬على‭ ‬أنْ‭ ‬يسعَ‭ ‬الجميعَ‭ ‬بحبِّه،‭ ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬أنّه‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬خطّطَ‭ ‬ودبّرَ‭ ‬ودلّنا‭ ‬على‭ ‬موادِّ‭ ‬البناءِ‭.‬

قالَ‭ ‬أخطبوط‭: ‬لديَّ‭ ‬اسمٌ‭ ‬يُرضي‭ ‬الجميعَ،‭ ‬نسمّيه‭ (‬بيتَ‭ ‬الأسماكِ‭). ‬

وافق‭ ‬الأصدقاءُ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الاسمِ‭ ‬الجميلِ‭ ‬والشّاملِ،‭ ‬ولكنّ‭ ‬قروشًا‭ ‬الشّرّيرَ‭ ‬أرادَ‭ ‬أنْ‭ ‬يسكنَ‭ ‬معهُم‭ ‬في‭ ‬البيتِ،‭ ‬وقالَ‭ ‬لهم‭: ‬نحنُ‭ ‬شركاءُ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القاعِ،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإنَّ‭ ‬لي‭ ‬فيه‭ ‬نصيبًا‭ ‬مثلَكم‭ ‬تمامًا‭.‬

قالَ‭ ‬الجميعُ‭: ‬لا‭ ‬نصيبَ‭ ‬لكَ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البيتِ‭.. ‬ارحلْ‭ ‬منْ‭ ‬هذا‭ ‬المكانِ‭.‬

قالَ‭ ‬قرّوشٌ‭: ‬أنا‭ ‬أقوى‭ ‬منكم،‭ ‬والحقُّ‭ ‬دائمًا‭ ‬مع‭ ‬القويِّ‭.‬

وقفَ‭ ‬الجميعُ‭ ‬مدافعين‭ ‬عن‭ ‬البيتِ،‭ ‬وهم‭ ‬يدفعونَ‭ ‬قرّوشًا‭ ‬إلى‭ ‬الخلفِ،‭ ‬حينَها‭ ‬أطلقَ‭ ‬الأخطبوطُ‭ ‬شيئًا‭ ‬منْ‭ ‬حبرِه‭ ‬ليعتّمَ‭ ‬المكانَ‭ ... ‬تراجعَ‭ ‬قرّوشٌ‭ ‬منهزمًا‭ ‬إلى‭ ‬الخلفِ‭.‬

بدأتِ‭ ‬الأسماكُ‭ ‬بِتنظيفِ‭ ‬البيتِ‭ ‬ودفْنِ‭ ‬المخلّفاتِ‭ ‬بعيدًا،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الأثناءِ‭ ‬اقتربَ‭ ‬قرّوش‭ ‬منْ‭ ‬بابِ‭ ‬البيتِ،‭ ‬فهربَ‭ ‬الصّغارُ‭ ‬وهم‭ ‬يتصايحون‭.‬

ضحكَ‭ ‬قرّوش‭ ‬بِصوت‭ ‬مرتفع‭: ‬ها‭ ‬ها‭ ‬ها،‭ ‬الآنَ‭ ‬صارَ‭ ‬هذا‭ ‬البيتُ‭ ‬لي‭ ‬وحدي‭.. ‬لنْ‭ ‬يتمكّنَ‭ ‬أحدٌ‭ ‬من‭ ‬الدّخولِ‭ ‬وأنا‭ ‬هنا‭.‬

دخلَ‭ ‬الجميعُ‭ ‬مسرعين‭ ‬وقالوا‭: ‬ماذا‭ ‬تفعلُ‭ ‬في‭ ‬بيتِنا‭ ‬أيُّها‭ ‬الغدّارُ‭ ‬الشّريرُ؟‭  ‬انتهزتَ‭ ‬انشغالَنا‭ ‬بالنّظافةِ؛‭ ‬لتستوليَ‭ ‬على‭ ‬البيتِ‭ ‬وتروّعَ‭ ‬الصّغارَ‭. ‬

بدأَ‭ ‬الجميعُ‭ ‬يفكّرون‭ ‬كيفَ‭ ‬يستعيدون‭ ‬بيتَهم‭ ...‬

‭ ‬استطاعَ‭ ‬عنبر‭ ‬أنْ‭ ‬يصلَ‭ ‬إلى‭ ‬حيلةٍ‭ ‬يستعيدون‭ ‬فيها‭ ‬البيتَ؛‭ ‬فقدْ‭ ‬تظاهرَ‭ ‬الأصدقاءُ‭ ‬بأنَّهم‭ ‬تشاجروا‭ ‬أمامَ‭ ‬أسماكِ‭ ‬القرشِ،‭ ‬وذهبَ‭ ‬عنبر‭ ‬إلى‭ ‬قرّوشٍ‭ ‬وقالَ‭ ‬له‭: ‬أنتَ‭ ‬بطلٌ‭ ‬وتستحقُّ‭ ‬البيتَ،‭ ‬ولذلكَ‭ ‬أنا‭ ‬اختلفتُ‭ ‬مع‭ ‬أصدقائي؛‭ ‬لأنّني‭ ‬اقترحتُ‭ ‬عليهم‭ ‬أنْ‭ ‬نتركَ‭ ‬البيتَ‭ ‬لكَ‭ ‬ونبني‭ ‬بيتًا‭ ‬آخرَ‭.. ‬فرحَ‭ ‬قرّوشٌ‭ ‬بِكلامِ‭ ‬عنبرٍ،‭ ‬وانطلتْ‭ ‬عليه‭ ‬الحيلةُ،‭ ‬وقالَ‭ ‬لهُ‭: ‬أنتَ‭ ‬صديقي‭ ‬منذُ‭ ‬اليوم‭.‬

‭ ‬اجتمعَ‭ ‬الأصدقاءُ‭ ‬وحملوا‭ ‬عصيَّهم‭ ‬وأخذوا‭ ‬ينادون‭ ‬قرّوشًا‭ ‬منْ‭ ‬خلالِ‭ ‬نوافذِ‭ ‬البيتِ‭ ‬الثّلاثةِ،‭ ‬وفي‭ ‬كلّ‭ ‬مرّة‭ ‬يطعنونه‭ ‬بالعصيِّ‭ ‬إلى‭ ‬أنْ‭ ‬هربَ‭ ‬وتركَ‭ ‬البيتَ،‭ ‬وبذلكَ‭ ‬استعادَ‭ ‬الأصدقاءُ‭ ‬بيتَهم،‭ ‬وقالوا‭: ‬لنْ‭ ‬يهزمَنا‭ ‬أحدٌ‭ ‬ما‭ ‬دمْنا‭ ‬متّحدين،‭ ‬وأخذوا‭ ‬يغنّون‭:‬

‭ ‬اِرحلْ‭ ‬يا‭ ‬شرّيرُ‭ ‬اِرحلْ‭ .... ‬عنْ‭ ‬بيتِ‭ ‬الأسماكِ‭ ...  ‬اِرحلْ‭ ‬اِرحلْ‭ ‬يا‭ ‬شرّيرُ‭.‬

بيت‭ ‬الأسماك‭: ‬

النصّ‭ ‬الفائز‭ ‬بالجائزة‭ ‬الثانية‭ / ‬جائزة‭ ‬الشارقة‭ ‬لِلإبداع‭ ‬العربيّ‭ / ‬الدورة‭ ‬السّادسة‭.

رسوم‭: ‬دلال‭ ‬راشد