بعير الأمير

بعير الأمير

كانَ‭ ‬هناك‭ ‬أميرٌ‭ ‬من‭ ‬أمراءِ‭ ‬السلطنة‭ ‬الزرقاء‭ ‬يقوم‭ ‬بتربية‭ ‬بعير‭ ‬في‭ ‬قصره،‭ ‬وكان‭ ‬يُحبّه‭ ‬كثيرًا،‭ ‬فأمر‭ ‬الخدم‭ ‬بِإطعام‭ ‬البعيرِ‭ ‬العسلَ‭ ‬واللحم،‭ ‬وبِإعداد‭  ‬فراشٍ‭ ‬وثيرٍ‭ ‬لِينامَ‭ ‬عليه‭.‬

‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المرّات‭ ‬أمَر‭ ‬الأميرُ‭ ‬وزيرَه‭ ‬بِإحضارِ‭ ‬مُعلّمٍ‭ ‬يقومُ‭ ‬بِتعليمِ‭ ‬بَعيرهِ‭ ‬المحبوب‭ ‬القراءةَ‭ ‬والكتابةَ‭. ‬حاول‭ ‬الوزيرُ‭ ‬إخبارَ‭ ‬الأميرِ‭ ‬بأنّ‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يستحيل‭ ‬حدوثه،‭ ‬لكنّ‭ ‬الأمير‭ ‬لم‭ ‬يستمع‭ ‬لِوزيره،‭ ‬وطلبَ‭ ‬منه‭ ‬تنفيذَ‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬الحال‭.‬

انصاع‭ ‬الوزيرُ‭ ‬لِأمر‭ ‬الملك،‭ ‬وطلب‭ ‬من‭ ‬الحرّاسِ‭ ‬إحضار‭ ‬الشيخِ‭ ‬عرفان،‭ ‬أشهرِ‭ ‬مُعلّمي‭ ‬المدينة‭ ‬على‭ ‬وجهِ‭ ‬السرعة‭.‬

وعندما‭ ‬مثُل‭ ‬الشيخُ‭ ‬عرفان‭ ‬بين‭ ‬يدَي‭ ‬الأمير‭ ‬وعلم‭ ‬بِمطلبه،‭ ‬أخبره‭ ‬بأنّ‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬حدوثه،‭ ‬فالبعير‭ ‬ليس‭ ‬كالإنسان،‭ ‬ولم‭ ‬يُخلَق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعلّم‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة،‭ ‬ولكنه‭ ‬خُلق‭ ‬لِأجلِ‭ ‬الركوب‭ ‬عليه‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬لحومه‭ ‬وألبانه،‭ ‬وللتدبَّرِ‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬خلقه‭. ‬وعندما‭ ‬أدرك‭ ‬الأمير‭ ‬أنّ‭ ‬الشيخ‭ ‬عرفان‭ ‬لن‭ ‬يتمكّن‭ ‬من‭ ‬تعليم‭ ‬البعير،‭ ‬أمر‭ ‬بِسجنه‭ ‬في‭ ‬الحال‭.‬

وهكذا‭ ‬استمرّ‭ ‬الأميرُ‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬العلماء‭ ‬الذين‭ ‬يعجزون‭ ‬عن‭ ‬تعليم‭ ‬البعير‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة،‭ ‬واحدًا‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭.‬

سمع‭ ‬الشيخ‭ ‬‮«‬فرح‭ ‬ود‭ ‬تكتوك‮»‬‭ ‬بأخبار‭ ‬الأمير‭ ‬الظالم‭ ‬ومايفعله‭ ‬بالعلماء‭ ‬في‭ ‬مملكته،‭ ‬فقرّر‭ ‬الذهاب‭ ‬إليه‭ ‬وإنقاذ‭ ‬ماتبقّى‭ ‬من‭ ‬العلماء،‭ ‬وكانت‭ ‬مملكة‭ ‬الأمير‭ ‬الظالم‭ ‬تبعد‭ ‬مسيرة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيامٍ‭ ‬عن‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يقيم‭ ‬فيها‭ ‬الشيخ‭ ‬فرح‭.‬

وبعد‭ ‬عناءٍ‭ ‬طويلٍ‭ ‬ومشقةٍّ‭ ‬شديدةٍ‭ ‬وصلَ‭ ‬الشَّيخُ‭ ‬فرح‭ ‬إلى‭ ‬قصرِ‭ ‬الأميرِ،‭ ‬وطلبَ‭ ‬منَ‭ ‬الحرّاسِ‭ ‬مقابلته‭. ‬أشفقَ‭ ‬الحراسُ‭ ‬على‭ ‬الشيخِ‭ ‬وكانوا‭ ‬يعرفونه،‭ ‬ولايريدون‭ ‬له‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬المصير‭ ‬الذي‭ ‬لقيَه‭ ‬مَن‭ ‬سبقه‭ ‬من‭ ‬العلماءِ،‭ ‬وطلبوا‭ ‬منه‭ ‬الرجوع‭ ‬في‭ ‬الحال،‭ ‬ولكنّ‭ ‬الشيخ‭ ‬رفضَ‭ ‬العودة،‭ ‬وطلبَ‭ ‬من‭ ‬الحرّاس‭ ‬السماح‭ ‬له‭ ‬فقط‭ ‬بالدخول‭ ‬ومقابلة‭ ‬الملك‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬رأى‭ ‬الحراس‭ ‬إصرارَ‭ ‬الشيخ‭ ‬وإلحاحَه‭ ‬سمحوا‭ ‬له‭ ‬بالدخول،‭ ‬وعندما‭ ‬دخل‭ ‬على‭ ‬الأمير‭ ‬أخبره‭ ‬بأنه‭ ‬جاء‭ ‬لِتعليم‭ ‬بعيره‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة،‭ ‬ولكن‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬يمنحه‭ ‬أربعَ‭ ‬سنواتٍ‭ ‬لإتمامِ‭ ‬المَهمّةِ‭. ‬سُرَّ‭ ‬الأمير‭ ‬سرورًا‭ ‬عظيمًا‭ ‬باِلأمر،‭ ‬ووافق‭ ‬على‭ ‬طلبِ‭ ‬الشيخ،‭ ‬وطلب‭ ‬من‭ ‬الوزير‭ ‬إعدادَ‭ ‬جناحٍ‭ ‬خاصٍّ‭ ‬للشيخِ‭ ‬بالقصر،‭ ‬وأن‭ ‬يقومَ‭ ‬بِتخصيصِ‭ ‬مجموعةٍ‭ ‬منَ‭ ‬الخدمَِ‭ ‬لِمساعدتِه‭ ‬وتلبيةِ‭ ‬طلباتِه‭. ‬شكرَ‭ ‬الشيخُ‭ ‬فرحُ‭ ‬الأميرَ‭ ‬على‭ ‬حُسنِ‭ ‬الحفاوةِ‭ ‬والاستقبالِ،‭ ‬ثُم‭ ‬استأذنه‭ ‬في‭ ‬الانصرافِ‭ ‬للبدءِ‭ ‬فورًا‭ ‬في‭ ‬مَهَمّتهِ‭. ‬وفي‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬محلّ‭ ‬إقامته،‭ ‬أخبر‭ ‬الوزير‭ ‬الشيخ‭ ‬بأنّه‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لِمعاونته‭ ‬على‭ ‬الهرب‭ ‬من‭ ‬الأمير‭ ‬الجائر‭ ‬ولو‭ ‬كلّفه‭ ‬ذلك‭ ‬حياته،‭ ‬لأنّه‭ ‬كان‭ ‬مُعجَبًا‭ ‬بالشيخ،‭ ‬ويحبّه‭ ‬كثيرًا،‭ ‬ولكن‭ ‬الشيخ‭ ‬فرح‭ ‬رفض‭ ‬الهرب،‭ ‬وأخبر‭ ‬الوزير‭ ‬بأنّ‭ ‬الأربع‭ ‬سنوات‭ ‬هذه‭ ‬ربما‭ ‬يموت‭ ‬فيها‭ ‬الفقير‭ (‬الفقيه‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬البعير،‭ ‬أو‭ ‬الأمير‭.‬

مرّتِ‭ ‬الأيامُ‭ ‬والأسابيعُ‭ ‬والشّيخُ‭ ‬فرح‭ ‬يبتهل‭ ‬إلى‭ ‬اللهِ‭ ‬ويدعوه‭ ‬لِيساعده‭ ‬على‭ ‬الخروجِ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المأزق‭ ‬الَّذي‭ ‬وضع‭ ‬نفسه‭ ‬فيه‭. ‬وكان‭ ‬الأمير‭ ‬يتردّدُ‭ ‬كثيرًا‭ ‬على‭ ‬الشيخ‭ ‬في‭ ‬الجناح‭ ‬الذي‭ ‬يقيم‭ ‬فيه،‭ ‬وذلك‭ ‬للاطمئنان‭ ‬على‭ ‬بعيره‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬تعلُّم‭ ‬الكتابة‭ ‬أم‭ ‬لا‭. ‬وكانَ‭ ‬الشيخ‭ ‬فرح‭ ‬يُطمئنه‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬مرة‭ ‬بأنّ‭ ‬الأمر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬صبرٍ‭ ‬شديدٍ،‭ ‬وبأنّه‭ ‬مُلتزِم‭ ‬بالوعد‭ ‬الذي‭ ‬قطعه‭ ‬للأمير،‭ ‬فينصرف‭ ‬الأميرُ‭ ‬حزينًا‭ ‬مُمَنّيًا‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬تتمكّن‭ ‬البعير‭ ‬من‭ ‬تعلّم‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬في‭ ‬أقربِ‭ ‬وقت‭.‬

مضت‭ ‬ثلاثُ‭ ‬سنوات‭ ‬كاملة‭ ‬ولم‭ ‬يتعلّم‭ ‬البعير‭ ‬حرفًا‭ ‬واحدًا‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬ينتظر‭ ‬صاحبه،‭ ‬وبدأ‭ ‬صبر‭ ‬الأمير‭ ‬ينفد،‭ ‬ووصل‭ ‬به‭ ‬الغضب‭ ‬إلى‭ ‬ذروته‭ ‬عندما‭ ‬تبقّى‭ ‬شهران‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬مهلة‭ ‬الأربع‭ ‬سنوات‭ ‬المحدّدة‭ ‬مُسبقًا‭. ‬وهنا‭ ‬أخذ‭ ‬الأمير‭ ‬يتوعّد‭ ‬الشيخ‭ ‬فرح‭ ‬بِمصير‭ ‬من‭ ‬سبقه‭ ‬من‭ ‬العلماءِ‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬فشله‭ ‬في‭ ‬الإيفاء‭ ‬بوعده‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬المدّة‭.‬

ولكنّ‭ ‬إرادة‭ ‬الله‭ -‬عزّ‭ ‬وجلّ‭- ‬شاءت‭ ‬أن‭ ‬يُصاب‭ ‬الأميرُ‭ ‬قبل‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬انقضاء‭ ‬الأربع‭ ‬سنوات‭ ‬بِمرضٍ‭ ‬شديدٍ‭ ‬عجز‭ ‬الأطبّاءُ‭ ‬عن‭ ‬علاجهِ،‭ ‬وماتَ‭ ‬قبلَ‭ ‬اكتمالِ‭ ‬المدّة‭ ‬بأسبوع،‭ ‬فتولّى‭ ‬الحكمَ‭ ‬من‭ ‬بعدِه‭ ‬أميرٌعادلٌ‭ ‬مُحِبٌ‭ ‬للعِلمِ‭ ‬والعلماءِ،‭ ‬وأطلق‭ ‬سراح‭ ‬العلماء‭ ‬الذين‭ ‬أمر‭ ‬بسجنهم‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل،‭ ‬ومنحَ‭ ‬الشيخَ‭ ‬فرحَ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الهدايا،‭ ‬وسمحَ‭ ‬له‭ ‬بالعودةِ‭ ‬إلى‭ ‬أهلهِ‭.‬

رسوم‭: ‬مريم‭ ‬الحسين