حلَّ اللّيْلُ

حلَّ اللّيْلُ

يُحْكَى‭ ‬أنَّ‭ ‬جنّيةً‭ ‬فاتنَةَ‭ ‬كانت‭ ‬تعيشُ‭ ‬في‭ ‬غابةِ‭ ‬متراميةِ‭ ‬الأطرافِ‭. ‬كانت‭ ‬الجنّية‭ ‬صغيرةً‭, ‬تسكن‭ ‬مغارةً‭ ‬عميقةً‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬الغابةِ‭, ‬وكلّما‭ ‬حلّ‭ ‬اللّيلُ‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬مغارتِها‭, ‬وفي‭ ‬يدها‭ ‬عصا‭ ‬سحريةٌ‭ ‬تُضِيءُ‭ ‬الظلمة‭ ‬الموحشةَ‭, ‬وتتجوّلُ‭ ‬فِي‭ ‬أرجاءِ‭ ‬الغابة‭ ‬فِي‭ ‬تأنّ‭ ‬وتُؤَدةٍ‭. ‬

كانت‭ ‬الجنّية‭ ‬الصغيرة‭ ‬إذا‭ ‬مرّت‭ ‬بالقربِ‭ ‬من‭ ‬زهرةٍ‭ ‬أغلقت‭ ‬الزهرةُ‭ ‬بتلاتِها‭ ‬وغفت‭ ‬في‭ ‬هدوءٍ‭.‬

وإذا‭ ‬مرّت‭ ‬بالقربِ‭ ‬من‭ ‬شجرةٍ‭ ‬ضخمةٍ‭ ‬شَعُرَتِ‭ ‬الشجرةُ‭ ‬بدفءٍ‭ ‬يسْري‭ ‬في‭ ‬أعماقِها‭, ‬وأغمضت‭ ‬عينيها‭ ‬ونامت‭. ‬وإذا‭ ‬مرّت‭ ‬بأرنبٍ‭ ‬أرخى‭ ‬الأرنبُ‭ ‬دونه‭ ‬ستارًا‭, ‬ورقدَ‭. ‬

كان‭ ‬الجميعُ‭ ‬يستسلم‭ ‬إلى‭ ‬النّوم‭ ‬إذا‭ ‬اقتربت‭ ‬منه‭ ‬الجنّية‭ ‬ليلاً‭ ‬بعصاها‭ ‬السحريّة‭. ‬الزهرة‭ ‬في‭ ‬غصنِها‭, ‬والسنجاب‭ ‬في‭ ‬فُتْحَةِ‭ ‬شَجرتِه‭, ‬والأرنبُ‭ ‬في‭ ‬جُحْرِه‭, ‬والعصفورُ‭ ‬في‭ ‬عشِّه‭.‬

كم‭ ‬كان‭ ‬رائعًا‭ ‬أنْ‭ ‬يتسابق‭ ‬الجميعُ‭ ‬إلى‭ ‬حلمٍ‭ ‬هادئٍ‭ ‬لذيذٍ‭! ‬كلُّ‭ ‬الأشجارِ‭ ‬والحيواناتِ‭ ‬والطيور‭ ‬الآن‭ ‬نائمة‭, ‬وكلّ‭ ‬الحشراتِ‭ ‬نائمةٌ‭, ‬الخنفساءُ‭ ‬السوداءُ‭ ‬والنملة‭ ‬البيضاءُ‭ ‬واليعسوبُ‭ ‬الأزرق‭, ‬والنحلة‭ ‬الصفراء‭ ‬والفراشةُ‭ ‬الملوّنةُ‭.‬

السكونُ‭ ‬يخيّم‭ ‬على‭ ‬الغابةِ‭, ‬لا‭ ‬حسّ‭ ‬ولا‭ ‬حسيسَ‭, ‬وحدَها‭ ‬الجنّيةُ‭ ‬السّاحرةُ‭ ‬في‭ ‬الغابةَ‭.‬

تفكّر‭ ‬الجنّية‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬حيث‭ ‬الأطفالِ‭, ‬وتمرّ‭ ‬أمام‭ ‬نوافذ‭ ‬البيوت‭ ‬لينام‭ ‬الأطفال‭.‬

هي‭ ‬الآن‭ ‬أمام‭ ‬البابِ‭ ‬الكبيرِ‭ ‬المغلقِ‭ ‬تتسلّلُ‭ ‬من‭ ‬فتحة‭ ‬القفلِ‭ ‬إلى‭ ‬الغرفةِ‭ ‬المظلمة‭ ‬حيث‭ ‬ينام‭ ‬طفل‭ ‬صغير‭. ‬الجنّية‭ ‬صغيرة‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أنْ‭ ‬تراها‭ ‬بعينيْكَ‭, ‬وعصا‭ ‬الجنّية‭ ‬صغيرة‭ ‬جدّا‭, ‬وإذا‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬تراها‭ ‬عليك‭ ‬أنْ‭ ‬تغمضَ‭ ‬عينيْك‭, ‬وتتخيّلها‭.‬

الطفلُ‭ ‬نائم‭ ‬في‭ ‬سرِيرهِ‭, ‬وأثناءَ‭ ‬النومِ‭ ‬يسترخي‭ ‬الجسدُ‭, ‬وتُزْهرُ‭ ‬الأحْلامُ‭, ‬ويكبُرُ‭ ‬الطفلُ‭, ‬إنّه‭ ‬لمِن‭ ‬الرائع‭ ‬أنْ‭ ‬ينامَ‭ ‬الأطفال‭ ‬باكرًا‭!‬

تذهب‭ ‬الجنّية‭ ‬وتجيء‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭, ‬والطفل‭ ‬نائمٌ‭, ‬كلّ‭ ‬الأطفالِ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬نائمون‭, ‬قبل‭ ‬أنْ‭ ‬تأتيَ‭ ‬الجنية‭ ‬الصغيرةُ‭, ‬سافر‭ ‬جميعُهم‭ ‬في‭ ‬رحلةِ‭ ‬الأحلامِ‭ ‬اللذيذةِ‭, ‬لا‭ ‬حسّ‭ ‬ولا‭ ‬حسيسَ‭. ‬

تعودُ‭ ‬الجنّية‭ ‬الفاتنة‭ ‬إلى‭ ‬الغابةِ‭ ‬حيث‭ ‬تركت‭ ‬الأشجارَ‭ ‬والحيواناتِ‭ ‬والحشراتِ‭ ‬في‭ ‬نوم‭ ‬هادئ‭ ‬جميلٍ‭, ‬إنها‭ ‬تحثّ‭ ‬الخُطى‭ ‬لتصلَ‭ ‬مغارتهَا‭ ‬قبل‭ ‬طلوعِ‭ ‬الشمسِ‭, ‬وعندما‭ ‬تطلع‭ ‬الشمسُ‭ ‬سيستيقظُ‭ ‬الأطفالُ‭ ‬ليستعدّوا‭ ‬إلى‭ ‬يومٍ‭ ‬جديدٍ‭, ‬سيذهبون‭ ‬إلى‭ ‬مدارسِهم‭ ‬سعداءَ‭ ‬نشطين‭.‬

رسوم‭: ‬ريم‭ ‬مدوه