المهرّج الحزين

المهرّج الحزين

في‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة،‭ ‬كان‭ ‬يعيش‭ ‬رجل‭ ‬نبت‭ ‬له‭ ‬فوق‭ ‬رأسه‭ ‬قرن‭. ‬وفي‭ ‬أحد‭ ‬الأيّام،‭ ‬اجتمع‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭ ‬وتشاوروا‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬بِشأن‭ ‬‮«‬ذي‭ ‬القرن‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يزرع‭ ‬الخوف‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬أبنائهم،‭ ‬فقرّروا‭ ‬مجتمعين‭ ‬طرده‭ ‬من‭ ‬قريتهم،‭ ‬وتجمهروا‭ ‬أمام‭ ‬منزله‭ ‬كبارًا‭ ‬وصغارًا،‭ ‬وهم‭ ‬يحملون‭ ‬العِصِيّ‭ ‬ومشاعل‭ ‬النار،‭ ‬صارخين‭ ‬مردّدين‭: ‬‮«‬اِخرج‭ ‬من‭ ‬قريتنا،‭ ‬يا‭ ‬ذا‭ ‬القرن‮»‬‭. ‬

لمّا‭ ‬سمع‭ ‬‮«‬ذو‭ ‬القرن‮»‬‭ ‬صراخ‭ ‬جموع‭ ‬الناس،‭ ‬فزع‭ ‬منهم،‭ ‬وفرّ‭ ‬نحو‭ ‬الجبال،‭ ‬ثمّ‭ ‬جلس‭ ‬تحت‭ ‬جذع‭ ‬شجرة‭ ‬كبيرة،‭ ‬وأجهش‭ ‬بالبكاء‭!‬

مضى‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬و«ذو‭ ‬القرن‮»‬‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬الجبال،‭ ‬وحتى‭ ‬يأنس‭ ‬في‭ ‬وحدته‭ ‬صنع‭ ‬لِنفسه‭ ‬من‭ ‬قصب‭ ‬الخيزران‭ ‬مزمارًا‭ ‬صغيرًا،‭ ‬وصار‭ ‬يعزف‭ ‬أجمل‭ ‬الألحان‭. ‬فجأةً،‭ ‬لمعت‭ ‬في‭ ‬رأسه‭ ‬فكرة‭ ‬جميلة‭ ‬ليتمكّن‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬للقرية‭ ‬ولِبَيته،‭ ‬فجمع‭ ‬القصب‭ ‬والعشب‭ ‬اليابس‭ ‬ليصنع‭ ‬منهما‭ ‬قبًّعةً‭ ‬دائرية‭ ‬الشّكل،‭ ‬كبيرة‭ ‬الحجم،‭ ‬وضعها‭ ‬فوق‭ ‬رأسه‭ ‬لِيخفي‭ ‬قرنه،‭ ‬ثمّ‭ ‬قطف‭ ‬حبّةً‭ ‬كبيرةً‭ ‬من‭ ‬جوز‭ ‬الهند،‭ ‬وقسمها‭ ‬نصفَين،‭ ‬وصبغها‭ ‬بألوان‭ ‬زاهية‭: ‬الأحمر،‭ ‬والأصفر،‭ ‬والأخضر،‭ ‬ووضعها‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬كَقناع،‭ ‬ثم‭ ‬ركض‭ ‬نحو‭ ‬ضفّة‭ ‬النهر،‭ ‬ونظر‭ ‬إلى‭ ‬صورته‭ ‬في‭ ‬الماء،‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬حتّى‭ ‬أنا‭ ‬لم‭ ‬أعرف‭ ‬نفسي‭!‬‮»‬‭.‬

‭ ‬حمل‭ ‬مزماره‭ ‬واتّجه‭ ‬نحو‭ ‬القرية،‭ ‬ولدى‭ ‬وصوله‭ ‬لِساحتها‭ ‬بدأ‭ ‬بالرقص‭ ‬والعزف،‭ ‬فتجمهر‭ ‬حوله‭ ‬صغار‭ ‬القرية‭ ‬وكبارها،‭ ‬وهم‭ ‬يصفّقون‭ ‬إعجابًا‭ ‬بِأدائه‭ ‬الجميل،‭ ‬ويضحكون‭ ‬فرحًا‭ ‬بِحركاته‭ ‬البهلوانيّة‭ ‬الرائعة‭. ‬صفًّق‭ ‬له‭ ‬الجميع‭ ‬هاتفين‭: ‬‮«‬أحسنت‭... ‬أحسنت‭ ‬أيّها‭ ‬المهرّج‮»‬‭.‬

‭ ‬ثمّ‭ ‬اقترب‭ ‬منه‭ ‬رجل‭ ‬وهو‭ ‬ينادي‭: ‬‮«‬أيّها‭ ‬المهرّج‭... ‬أيّها‭ ‬المهرّج،‭ ‬أنا‭ ‬صاحب‭ ‬المسرح‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬القرية،‭ ‬وأعرض‭ ‬عليك‭ ‬العمل‭ ‬عندي‮»‬‭.‬

أحبّه‭ ‬جميع‭ ‬أطفال‭ ‬القرية‭ ‬وكبارها،‭ ‬وصار‭ ‬المسرح‭ ‬يستقطب‭ ‬أطفالًا‭ ‬من‭ ‬القرى‭ ‬المجاورة‭ ‬لِحضور‭ ‬عروض‭ ‬المهرّج‭ ‬حتّى‭ ‬وصلت‭ ‬أخباره‭ ‬إلى‭ ‬الأميرة‭ ‬غزل،‭ ‬فبعث‭ ‬الملك‭ ‬بِرسالة‭ ‬لِأهل‭ ‬القرية‭ ‬ليستقبلوا‭ ‬ابنته‭. ‬زيّن‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭ ‬الساحات،‭ ‬ولدى‭ ‬وصول‭ ‬الأميرة‭ ‬لِلجسر‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬القرية‭ ‬بالمدينة‭ ‬انزلقت‭ ‬عربتها‭ ‬نحو‭ ‬النهر،‭ ‬فقفز‭ ‬‮»‬ذو‭ ‬القرن‮«‬‭ ‬نحو‭ ‬الماء‭ ‬الجارف،‭ ‬والجميع‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬بِإعجاب‭ ‬لِشجاعته،‭ ‬ثم‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬وهو‭ ‬يحملها،‭ ‬وقد‭ ‬فقد‭ ‬قبّعته‭ ‬وقناعه،‭ ‬فاكتشف‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭ ‬أمره،‭ ‬وصار‭ ‬الجميع‭ ‬يصرخ‭: ‬إنّه‭ ‬‮«‬ذو‭ ‬القرن‮»‬‭ ... ‬إنّه‭ ‬‮«‬ذو‭ ‬القرن‮»‬‭!‬

نظر‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬قائلًا‭: ‬‮«‬لم‭ ‬أقصد‭ ‬أن‭ ‬أخدعكم،‭ ‬ولكنّي‭ ‬كرهت‭ ‬العيش‭ ‬وحيدًا‭ ‬في‭ ‬الجبل،‭ ‬واشتقت‭ ‬لِلقرية‭ ‬ولِبَيتي،‭ ‬ولم‭ ‬أفكّر‭ ‬بِأذيّة‭ ‬أيّ‭ ‬واحد‭ ‬منكم‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيّام،‭ ‬واختلافي‭ ‬بِشكلي‭ ‬عنكم‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنّني‭ ‬عدوّ‭ ‬لكم‭. ‬والآن‭ ‬أرجوكم،‭ ‬اسمحوا‭ ‬لي‭ ‬بِالذهاب‭ ‬بِهدوء‮»‬‭.‬

صرخت‭ ‬الأميرة‭ ‬غزل‭ ‬قائلةً‭: ‬أنت‭ ‬نبيل‭ ‬وشجاع،‭ ‬ومَن‭ ‬لا‭ ‬يعجبه‭ ‬شكلك،‭ ‬فلْيرحل‭!‬

عندها‭ ‬علا‭ ‬صراخ‭ ‬الأطفال‭ ‬والأهالي‭: ‬لا‭ ‬تذهب‭ ‬يا‭ ‬‮«‬ذا‭ ‬القرن‮»‬‭!‬

‭ ‬ثمّ‭ ‬صار‭ ‬يعزف‭ ‬ويرقص‭ ‬لِأوّل‭ ‬مرّة‭ ‬بِلا‭ ‬قناعِه‭ ‬وقبّعته‭ ‬اللذين‭ ‬كان‭ ‬يخفي‭ ‬من‭ ‬خلالهما‭ ‬القرن‭ ‬الذي‭ ‬نبت‭ ‬فوق‭ ‬رأسه‭! ‬