فنّ الشارع
أصدقائي الفنّانين الصغار, ربما شاهدتم بعض الكتابات على الجدران, وهناك بعض الرسومات التي لا تمُتّ للفنّ بِصلة. ولكن موضوعنا اليوم بعيد عن تلك المظاهر السلبية, وهو فنّ مسموح به قانونيًّا, إنه أسلوب فنّي حرّ لاقى انتشارًا ورواجًا بين جيل الشباب, ويتميّز بقدرته على تحويل المظاهر السلبية والقبيحة إلى لوحات بديعة وخلّابة.
فن الشارع هو مصطلح يُطلق على أشكال الفنون البصرية التي يتمّ إنشاؤها في الأماكن العامّة على الجدران, كفنون الرسم والنحت والكتابة. وقد اكتسب المصطلح شعبية خلال فترة ازدهار فنّ الكتابة على الجدران في عام 1980, حيث اختار بعض الفنّانين الشوارع كمعرض لِلوحاتهم في كثير من الأحيان, والقيام بالرسم على الجدران بقصد الاتّصال مباشرة مع الجمهور بوجه عام, والتعبير عن قضاياهم السياسية والاجتماعية.
لقد انتشر فنّ الشارع تقريبًا في كلّ بلاد العالم ولكن بنسب غير متساوية, ففي المدن الأوربية - على سبيل المثال - تمتلئ الجدران برسومات فنّانين, وكل رسم يلقي الضوء على قضية سياسية أو اجتماعية, وعلى الرغم من فوضوية الرسومات في الكثير من الأحيان إلا أنها محبوبة من الجماهير.
ومن أشهر فنّاني الشارع العالَميّين (بانكسي), وهو فنّان إنجليزي مشهور بأعماله وغامض بشخصه, فلا يُعرف شكله ولا يصرّح بِسيرته الذاتية, يُقال إنه ولد عام 1974 بمدينة بريستول, وقد قام باستغلال الأماكن المهمَّشة في مدينته بالمملكة المتّحدة, وذلك لِرسم لوحات تقوم بِزرع النور والأمل داخل سكّان الحيّ, وتبثّ روح الجمال في أرواحهم. ظهرت أوّل أعماله عام 2003, وأثارت جدارية رسم فيها الموناليزا تحمل قنبلة جدلاً واسعًا حول شخصه وفكره, وتوقّع الجميع أن يكشف عن هويّته ويأتي لاستلام جائزة أعظم فنّان يعيش في بريطانيا التي تعود لإحدى القنوات البريطانية, إلّا أنه لم يحضر. ويُذكر بأن رسومه ظهرت على الجدار العازل بالضفّة الغربية, وعكست مظاهر الحرب والمقاومة.
وأيضًا في عالَمنا العربي هناك الفنّان الفلسطيني «بلال خالد», والذي وُلد في مدينة خان يونس, ومارس هوايته منذ أن كان عمره 12 عامًا من خلال تعلّمه للخطّ العربي, فأحبّه وبدأ بِكتابة الشعارات الوطنية ورسائل مقاومة الاحتلال على الجدران, ومن ثم رسم صورًا للشهداء ولِمعاناة الأطفال من الحرب. بلال خالد يبلغ اليوم 27 عامًا, واستطاع تحويل الشوارع والجداريات والسيارات في قطاع غزّة لِلوحات فنية جميلة, معتمدًا على مهاراته في فنَّي الخط العربي والجرافيتي, وعلى خبرته في التصوير الصحفي وفنّ تحويل حروف اللغة العربية إلى لوحات جميلة ومعقّدة باستخدام خطوط حديثة تجذب كلّ من يشاهدها. ومن أهم أعماله «جدارية طفولة محاصرة» على برج الظافر بِغزّة, ويبلغ ارتفاعها 20 مترًا, وأنجزها خلال أسبوع بِمساعدة فنّاني جرافيتي. كما أنّ له أعمالًا كثيرة في دول عدّة, منها زيمبابوي ومصر وتركيا والسعودية.
فنّ الشارع يسهم وبشكل كبير في دعم الجمعيات الخيرية من خلال حملاتها التطوعية لِجمع التبرّعات, كما أصبح منصّة قويّة للتعبير عن القضايا الإنسانية والسياسية والاجتماعية. وفي الختام أحبابي الفنّانين الصغار نرى أهمية قيمة الفنّ للجميع, وأن الشارع يتّسع لجميع أطياف المجتمع, وأن الشعور بالغضب أو الإحساس بالظلم من الممكن التعبير عنه برسم لوحات تعجّ بالألوان عوضًا عن تفشّي قِيَم الكراهية والتعصّب.