لا بسمة كبسمتي

لا بسمة كبسمتي

في‭ ‬عيد‭ ‬جوري‭ ‬الأوّل‭ ‬قدّمت‭ ‬لها‭ ‬أمّها‭ ‬دميةً‭ ‬من‭ ‬قماش،‭ ‬لها‭ ‬خدّان‭ ‬ممتلئان‭ ‬وعينان‭ ‬واسعتان‭ ‬وحاجبان‭ ‬صغيران‭ ‬وظفيرتان‭ ‬طويلتان،‭ ‬وفستان‭ ‬اجتمعت‭ ‬فيه‭ ‬كلّ‭ ‬ألوان‭ ‬الطّبيعة‭ ‬الزّاهية‭. ‬رُسِمَت‭ ‬عليه‭ ‬الورود‭ ‬والأزهار‭ ‬والأوراق‭ ‬الخضراء،‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬توحي‭ ‬بفرح‭ ‬ودفء‭ ‬وجمال‭ ‬الرّبيع‭. ‬لطالما‭ ‬عشقت‭ ‬جوري‭ ‬الفساتين‭ ‬المماثلة‭.‬

يومها‭ ‬كان‭ ‬حجم‭ ‬جوري‭ ‬يصغر‭ ‬الدمية،‭ ‬تحتضنها‭ ‬فتتدلّى‭ ‬قدماها‭ ‬لِتُلامسا‭ ‬الأرض،‭ ‬لكن‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يميّزها‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬بسمة‭  ‬حنون‭ ‬تعلو‭ ‬وجهها‭. ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬تعلّقت‭ ‬جوري‭ ‬بدميتها‭ ‬التي‭ ‬أطلقت‭ ‬عليها‭ ‬منذ‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬اسم‭ ‬بسمة،‭ ‬لكثرة‭ ‬ما‭ ‬يليق‭ ‬بها‭ ‬حسب‭ ‬قول‭ ‬أمها‭: ‬‮«‬لتبقى‭ ‬البسمة‭ ‬التي‭ ‬ترافق‭ ‬جوري‭ ‬دائماً‮»‬‭. ‬ولطالما‭ ‬غنّتا‭ ‬لها‭ ‬معاً‭: ‬‮«‬لا‭ ‬دميةٌ‭ ‬كدميتي،‭ ‬وجهها‭ ‬كزهرتي،‭ ‬خدّها‭ ‬مورّدٌ،‭ ‬وبسمةٌ‭ ‬كبلسمِ،‭ ‬لا‭ ‬دميةُ‭ ‬كدميتي،‭ ‬لا‭ ‬بسمةٌ‭ ‬كبسمتي‮»‬‭.‬

كبُرت‭ ‬جوري‭ ‬واهتمامها‭ ‬ببسمة‭ ‬لم‭ ‬يتراجع،‭ ‬تعود‭ ‬إليها‭ ‬كلّ‭ ‬مساء‭ ‬لتحكي‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬أصابها‭ ‬من‭ ‬فرحٍ‭ ‬أو‭ ‬حزنٍ‭ ‬في‭ ‬نهارها‭. ‬كانت‭ ‬كلّما‭ ‬نظرت‭ ‬إليها‭ ‬تذكّرت‭ ‬قول‭ ‬أمّها‭ ‬‮«‬علينا‭ ‬بالابتسام‭ ‬والضحك‭ ‬دائماً،‭ ‬فالبسمة‭ ‬تلوّن‭ ‬الوجوه‭ ‬بأحمر‭ ‬الحبّ،‭ ‬والضّحكة‭ ‬تلوّن‭ ‬القلوب‭ ‬بألوان‭ ‬الربيع‮»‬‭.‬

مضت‭ ‬السّنوات‭ ‬وجوري‭ ‬تزداد‭ ‬تعلّقا‭ ‬بدميتها‭ ‬الباسمة،‭ ‬وفي‭ ‬عيدها‭ ‬السّابع،‭ ‬حضّرت‭ ‬العائلة‭ ‬لها‭ ‬حفلاً‭ ‬صغيراً‭ ‬جمع‭ ‬أصدقاءها‭ ‬المقرّبين‭. ‬كان‭ ‬حفلاً‭ ‬بهيجاً‭ ‬ومُفرِحاً‭. ‬جوري‭ ‬ما‭ ‬عادت‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬برعماً‭ ‬صغيراً،‭ ‬بل‭ ‬غدت‭ ‬تشعر‭ ‬أنها‭ ‬وردةٌ‭ ‬متألّقة‭.‬

حين‭ ‬انتهى‭ ‬الحفل،‭ ‬جلست‭ ‬جوري‭ ‬مع‭ ‬عائلتها‭ ‬لتفتح‭ ‬ما‭ ‬قدّمه‭ ‬أصدقاؤها‭ ‬اللّطفاء‭ ‬من‭ ‬هدايا‭. ‬وهنا‭ ‬كانت‭ ‬المفاجأة‭! ‬حصلت‭ ‬جوري‭ ‬على‭ ‬هديّة‭ ‬مميّزة،‭ ‬إنها‭ ‬دمية‭ ‬جديدة‭! ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬جديد،‭ ‬ثيابها‭ ‬الأنيقة‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬ثياب‭ ‬الكبار،‭ ‬وجهها‭ ‬ذو‭ ‬الملامح‭ ‬الحادّة،‭ ‬شعرها‭ ‬المسرَّح‭ ‬بدقّة،‭ ‬حذاؤها‭ ‬المميّز‭ ‬ذو‭ ‬الكعب‭ ‬العالي‭. ‬نالت‭ ‬الدّمية‭ ‬إعجاب‭ ‬جوري‭ ‬ودهشتها،‭ ‬فحملتها‭ ‬بفرح‭ ‬وصاحت‭: ‬‮«‬أظنّ‭ ‬أنني‭ ‬وجدت‭ ‬بديلاً‭ ‬عن‭ ‬بسمة‭!‬‮»‬‭. ‬وسط‭ ‬ذهول‭ ‬الجميع‭ ‬صرخ‭ ‬أخوها‭ ‬‮«‬تتخلّين‭ ‬عن‭ ‬بسمة؟‭!‬‮»‬،‭ ‬فردّت‭: ‬‮«‬لم‭ ‬أتخلَّ‭ ‬عنها،‭ ‬سأضعها‭ ‬داخل‭ ‬صندوق‭ ‬الألعاب‭ ‬في‭ ‬العُليَّة‭ ‬‮»‬‭. ‬وأردفت‭: ‬‮«‬ثمّ‭ ‬إنها‭ ‬مجرّد‭ ‬دمية‭ ‬بالية،‭ ‬بثيابٍ‭ ‬قديمة‭ ‬وشعرٍ‭ ‬مبعثر‭ ‬ووجهٍ‭ ‬طفوليٍّ‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬يشبهني‮»‬‭.‬

لم‭ ‬تعترض‭ ‬أمّ‭ ‬جوري‭ ‬على‭ ‬قرارها،‭ ‬بل‭ ‬ساعدتها‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬العلّيّة‭ ‬ووضع‭ ‬بسمة‭ ‬في‭ ‬مسكنها‭ ‬الجديد‭. ‬مضت‭ ‬أيام‭ ‬وجوري‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬اسماً‭ ‬لدميتها‭ ‬الجديدة،‭ ‬فنادتها‭ ‬أحيانا‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬بسمة‮»‬‭ ‬لكنّه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يليق‭ ‬بها‭ ‬إطلاقاً‭. ‬

ذات‭ ‬مرّة،‭ ‬عادت‭ ‬جوري‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬بعدَ‭ ‬يوم‭ ‬مدرسيّ‭ ‬طويل،‭ ‬ففاجأتها‭ ‬أمّها‭ ‬بثيابٍ‭ ‬تطابق‭ ‬ثياب‭ ‬الدّمية‭ ‬الجديدة‭. ‬فستان‭ ‬أسود‭ ‬قصير‭ ‬وحذاء‭ ‬بكعبٍ‭ ‬عالٍ‭. ‬قالت‭ ‬لها‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬أعلم‭ ‬أن‭ ‬صغيرتي‭ ‬جوري‭ ‬تحبّ‭ ‬أن‭ ‬ترتدي‭ ‬ودميتها‭ ‬المفضّلة‭ ‬الثّياب‭ ‬ذاتها‭ ‬لذا‭ ‬حضّرت‭ ‬لك‭ ‬هذه‭ ‬المفاجأة‮»‬‭. ‬

لبست‭ ‬جوري‭ ‬الثوّب‭ ‬والحذاء‭ ‬الجديدين،‭ ‬وسرّحت‭ ‬لها‭ ‬أمّها‭ ‬شعرها‭ ‬كما‭ ‬الدمية‭ ‬الجديدة،‭ ‬وقالت‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬انتهينا،‭ ‬تستطيعين‭ ‬الخروج‭ ‬للّعب‭ ‬الآن‭ ‬فالطّقس‭ ‬رائع‭ ‬في‭ ‬الخارج‮»‬‭. ‬شعور‭ ‬غريب‭ ‬انتاب‭ ‬جوري،‭ ‬وقفت‭ ‬أمام‭ ‬المرآة‭ ‬وفكّرت‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أجيد‭ ‬الوقوف‭! ‬الصورة‭ ‬في‭ ‬المرآة‭ ‬لا‭ ‬تشبهني‭ ‬إطلاقاً‭! ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أحبّ‭ ‬اللون‭ ‬الأسود،‭ ‬أعشق‭ ‬ألوان‭ ‬الربيع،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬شعري‭ ‬مزعجٌ‭ ‬للغاية‮»‬‭.‬

عجزت‭ ‬جوري‭ ‬عن‭ ‬التحرّك‭ ‬بحرّية‭ ‬واللّعب‭ ‬براحة‭ ‬مع‭ ‬أصدقائها‭. ‬جلست‭ ‬على‭ ‬الدرج‭ ‬مقابل‭ ‬الحديقة،‭ ‬حزنت‭ ‬وهي‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬الصغار‭ ‬يركضون‭ ‬بأحذيتهم‭ ‬المريحة‭ ‬وثيابهم‭ ‬المزركشة‭ ‬المزهرة‭ ‬كالورود‭ ‬من‭ ‬حولهم‭. ‬تذكّرت‭ ‬جدائلها‭ ‬الذهبيّة‭ ‬تلمع‭ ‬تحت‭ ‬أشعّة‭ ‬الشمس‭. ‬دخلت‭ ‬المنزل‭ ‬بوجهٍ‭ ‬حزين،‭ ‬وتوجّهت‭ ‬إلى‭ ‬غرفتها‭ ‬تشكو‭ ‬لدميتها‭ ‬حزنها،‭ ‬حملتها،‭ ‬نظرت‭ ‬إلى‭ ‬وجهها‭ ‬فلمحت‭ ‬الحزن‭ ‬ذاته‭ ‬يعلوه،‭ ‬توجّهت‭ ‬إلى‭ ‬أمها‭ ‬وقالت‭: ‬‮«‬أمّي،‭ ‬أنا‭ ‬ودميتي‭ ‬لسنا‭ ‬سعيدتين،‭ ‬هذه‭ ‬الثياب‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬بنا،‭ ‬إننا‭ ‬نفتقد‭ ‬الراحة‭ ‬والزّهوّ‭ ‬والبسمة‮»‬‭. ‬ابتسمت‭ ‬الأم‭ ‬وهتفت‭ ‬بحماس‭: ‬‮«‬سنجد‭ ‬الحلّ‭!‬‮»‬‭.‬

توجّهتا‭ ‬إلى‭ ‬العُليَّة‭ ‬بسرعة،‭ ‬أخرجتا‭ ‬بسمة‭ ‬من‭ ‬الصّندوق،‭ ‬حضنتها‭ ‬جوري‭ ‬وابتسمت‭. ‬قالت‭ ‬الأمّ‭: ‬‮«‬والآن‭ ‬ستُعيرنا‭ ‬بسمة‭ ‬بعض‭ ‬ثيابها‮»‬‭. ‬أحضرتا‭ ‬الدّمية‭ ‬الجديدة‭ ‬وألبستاها‭ ‬فستانها‭ ‬الجديد،‭ ‬وجدّلتا‭ ‬شعرها‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬ظفائر‭ ‬سوداء‭ ‬رائعة‭. ‬بدّلتا‭ ‬حذاءها‭ ‬المزعج‭ ‬بآخر‭ ‬يليق‭ ‬بمظهرها‭ ‬الجديد‭. ‬قالت‭ ‬الأم‭ :‬‮»‬الآن‭ ‬أصبح‭ ‬لجوري‭ ‬وبسمة‭ ‬صديقة‭ ‬جديدة‮»‬‭. ‬قفزت‭ ‬جوري‭ ‬وقالت‭: ‬‮«‬لحظة،‭ ‬لم‭ ‬ننتهِ‭ ‬بعد‮»‬‭.  ‬ركضت‭ ‬وفتحت‭ ‬درج‭ ‬مكتبتها‭ ‬واختارت‭ ‬قلما‭ ‬عريضاً،‭ ‬رسمت‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الدّمية‭ ‬بسمةً‭ ‬جميلةً‭ ‬غيّرت‭ ‬شكلها،‭ ‬وقالت‭: ‬‮«‬الآن‭ ‬انتهينا‭ ‬بحق‮»‬‭!‬

ارتدت‭ ‬جوري‭ ‬ثيابها‭ ‬الرائعة،‭ ‬حملت‭ ‬لعبتَيْها‭ ‬وخرجت‭ ‬للّعب‭ ‬بنشاط‭. ‬نادتها‭ ‬أمها‭ ‬وسألتها‭: ‬‮«‬لكننا‭ ‬لم‭ ‬نختر‭ ‬لها‭ ‬اسماً‭ ‬بعد‮»‬‭. ‬التفتت‭ ‬جوري‭ ‬وقالت‭ ‬‮«‬أسميتها‭ ‬زَهر،‭ ‬لتشبه‭ ‬الربيع‭ ‬دائماً‮»‬‭. ‬ضحكت‭ ‬الأم‭ ‬وطبعت‭ ‬قبلة‭ ‬على‭ ‬يدها‭ ‬وأطلقتها‭ ‬في‭ ‬الهواء‭. ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تستدير‭ ‬أكملت‭ ‬جوري‭: ‬‮«‬لكن،‭ ‬لا‭ ‬بسمة‭ ‬كبسمتي‭!‬‮»‬‭.‬