قوة عظامي... سر حيوِيتي!
كَانَ وَلِيد دَاخِلَ مُخْتَبَر العُلُومِ برفْقَةَ أَصْدِقَائِهِ يُنْصِتُ لِشَرحِ أُسْتَاذِهِ حَوْلَ تَجْرِبَةٍ عِلْمِيَّةٍ, وَبَعْدَ أَنْ أَنْهَى الأُسْتَاذُ الدَّرْسَ طَلَبَ مِن وَلِيد أنْ يُرَتِّبَ المُخْتَبَرَ وَيَلْتَحِقَ بِأَصْدِقَائِهِ بِالفَصْلِ, وَبَيْنَمَا هُوَ مُنْهَمِكٌ فِي تَرتَيبِهِ, وَقَعَت عَيْنُهُ عَلَى هَيْكَلٍ عَظْمِي اصْطِنَاعِي مُنْتَصِبٍ فِي أحد أَرْكَانِ المُخْتَبَرِ فَقَالَ بِإعْجَابٍ:
- سُبْحَانَ مَن رَكَّبَ هَذَا الهَيْكَلَ بِهَذِهِ الدِّقَةِ المُتَنَاهِيَةِ!
فَجْأَةً وَإذْ بِالهَيْكَلِ يَتَحَرَّكُ مِنْ مَكَانِهِ, وَقَالَ لِوَلِيد: صَحِيحٌ أَعْجَبَتْكَ تَرْكِيبَتِي?!... أَلَم تُخِفْكَ?!
أَجَابَهُ: لاَ بِالعَكْسِ, تَمَنَّيْتُ لَوْ أَعْرِفُ عَنْ تَركِيبَتِكَ بَعْض المَعْلُومَاتِ.
فَقَالَ لَهُ الهَيْكَلُ: بِكُلِّ سُرُورٍ صَدِيقِي الغَالِي...
وَتَابَع شَرْحَهُ: عَدَدُ عِظَامِي 206 , وكُلُّ عَظْمَةٍ لَهَا وَظِيفَتُهَا الخَاصَّة, وَأَنَا الَّذِي أَجْعلُ الجِسْمَ مُنْتَصِباً, فَأَنَا شَبِيهٌ بِلَبِنَاتِ البَنَّاءِ الَّتِي تَجْعلُ البَيْتَ مُتَرَاصًا, كَمَا أَحْمِي أَجْهِزَةَ الجِسْمِ مِنَ المُؤَثِّراتِ الخَارِجِيَّةِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تُؤْذيهِ, فَمَثَلاً الجُمْجُمَةُ هِي الخُوذَةُ (قُبَّعَةُ سَائِق الدَّرَّاجَةِ النَّارِيَةِ) التِّي تحمي المُخُّ, كي يقود الجِسْمِ بِشَكلٍ سَلِيمٍ, وَالقَفَصُ الصَّدْرِي عِبَارَةٌ عَن أَضْلُاع ٍ مُتَشَبِّثةٍ بِعظم القصّ, وهو مكان آمِنِ لِلرِّئَتَيْنِ وَالقَلْب, لِكَي يَقُومَا بِوظَائِفِهِما بشكل تَامٍّ, أَمَّا العَمودُ الفِقَرِيُّ فَهُوَ بِمَثَابَةِ الغِمْد (غِشَاء السَّيْف) الَّذِي يَقِي النُّخَاع الشَّوْكِيّ, لِيُؤَدِّي وَظِيفَةَ تَسْيِيرِ الجِسْمِ بِدِقَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ, وَهَذِهِ العِظَامُ كُلُّهَا تُشَكِّلُ عِظَامَ الجِذْعِ.
- رَبَّاااااااااهُ!... كَمْ هَذَا عَجِيبٌ حَقًا!... وَلكِن مَاذَا عَنْ العِظَامِ الأُخْرَى?.
أَجَابَهُ الهَيْكَلُ: لَهَا وَظِيفَتُهَا الخَاصَّةُ أَيْضاً, فَعِظَامُ الحَوْضِ تُسَاعِدُ الجِسْمَ عَلَى الجُلُوسِ وَتُوجَدُ أَسْفَل القَفْصِ الصَّدْرِي, أَمَّا عَظْمَتَيْ الفَخذِ فَهما أَثْقَلُ عَظْمَتَيْنِ فِي الجِسْمِ, وهما شَبِيهَان بِالسَّوَارِي الَّتِي تُدَعِّمُ البُيُوتَ وتحميها مِنَ الوُقُوعِ, وَهِي مُرْتَبِطَةٌ بِعِظامِ الحَوْضِ, أمَّا عِظَامُ اليَدِ مِثْل العَضُد وَعِظَام القَدَمِ فَوظِيفَتُهَا تَمْكِينُ الجِسْمِ مِنَ الحَرَكَةِ وَالقِيَامُ بِالأَعْمَالِ اليَوْمِيَّةِ, أمَّا عَظْمةُ الفَكِّ فَهِيَ تُسَاعِدُ الإِنْسَانَ عَلَى الكَلاَمِ بِلُيُونَةٍ.
انْدَهَشَ وَلِيد مِنَ الهَيْكَلِ العَظْمِي وَوَظَائِفِهِ, فَتَبَادَرَ لِذِهْنِهِ سُؤَالٌ: وَمِمَّ يَتَكَوَّنُ العَظْمُ?
ردَّ عَليْهِ الهَيْكَلُ العَظْمِي: عِظَامِي ثَلاثُة أَصْنَاف, عِظَامٌ ثَابِتَةٌ مِثل عِظَامِ الجُمِجُمَةِ, وَعِظَام نِصْفُ مُتَحَرِّكَةٍ مِثْل عِظَامِ العَمُودِ الفِقرِيِّ, وَسُمِّيَ بِالعَمودِ الفِقرِي لأَنَّهُ مُكَوَّنٌ مِن 12 فَقْرَةٍ كُلُّ فَقْرَةٍ فَوقَ أُخْرَى وبَيْنَهُمَا قُرْصٌ َسَائِلٌ يَمنَعُ احْتِكَاكَهَا, وَيُسَاعِدُهَا عَلىَ حَركَةٍ لَيِّنَةٍ, وَعِظَامٍ مُتَحَرِّكَة مِثْل عَظْمَةِ الكَتِفِ.
وَتَابَعَ الهَيْكَلُ كَلامَهُ: أَمَّا العَظمُ فَيَتَكَونُ مِنَ النَّسِيجِ الغُضرُوفِي, وَالعَظْمُ الإِسْفَنْجِي لأَنَّ بِهِ ثُقُوباً شَبِيهَةً بِثُقُوبِ الإِسْفَنْجَةِ, هَذَا إِلىَ جَانِبِ النَّقْيِ الَّذِي يُوجَدُ دَاخِلَ العَظْمِ, وَالسِّمْحَاقِ, وَيُقْصَدُ بِهِ الغِلافُ الوَاقِي لِلْعَظمِ وَهُوَ صَلْبٌ يَصعُبُ اخْتِراقُهُ. وَعِندَ مُلْتَقَى كُلّ عَظْمٍ والَّتِي تُسَمَّى المَفَاصِلُ, تُوجَدُ أَوتار عَضلِيَّةٌ دَورُهَا مُساعَدَةُ العَظمِ عَلَى التَّحَرُّكِ فِي الاِتِّجَاهِ الصَّحِيحِ.
فَقَالَ وَلِيد لِلْهَيْكَلِ العَظْمِي: وَمَا الَّذِي يَجْعَلُ بُنْيَانَكَ قَوِيًا?
أَجَابَهُ: عِظَامِي تُعْتَبَرُ خَزَّاناً للكَالسْيُوم والفسفور وَهُمَا مهمّان لتَقْوِيَةِ العِظَامِ, ونقصهما يؤدي الى هشاشة العِظَام, لِذَا يَجِبُ شُربُ الحَلِيبِ بِكَثرَةٍ وَتَنَاوُلُ رَقائِقُ الشُّوفَان (نَوعٌ مِنَ الحُبُوبِ مِن فَصِيلَةِ القَمْحِيَّاتِ) وَالسَّمَكِ, كَمَا أَنَّ عِظَامِي تَتَأَثَّرُ بِالبَرْدِ القَارِسِ الَّذِي يُصِيبُ مَفَاصِلِي بِالاِلْتِهَابِ أوِ الرُّومَاتِيزْم, فَلا أَقْوَى عَلىَ الحَركَةِ بِشَكلٍ طَبِيعِيٍّ, كَمَا أنَّ ارْتِدَاءَ حِذَاءٍ غَيْرِ مُريحٍ, يُمْكِن أنْ يُصِيبَ عَظْمَ رُكْبَتِي بِالتِهابٍ, كَمَا يَجِبُ الحَذرُ كَثِيراً مِن رَفْعِ الأَثْقَالِ, لأَنَّها تُصِيبُ العَمودَ الفِقرِي بِمرضِ الاِنْزِلاقُ الغُضْروفِي, وَذلِكَ لأَنَّ الأَثْقالَ تَضْغَطُ عَلىَ فَقراتِ الظَّهرِ فَيَحُكُّ بَعضُهَا بَعْضاً.
شَكَر وَلِيد الهَيْكَلَ العَظْمِيّ, وَغَادرَ المُخْتبَرَ وَهُوَ يعرف أَهَميَّة العِظَامِ وَضَرُورَة الحِفَاظِ عَليْهَا وَالعَمَلِ بِالنَّصَائِحِ الَّتِي وَجَّهَهَا لَهُ الهَيْكلُ العَظْمِي.
رسوم: عبدالله درقاوي