بريكييو

بريكييو

كان‭ ‬هناك‭ ‬زوجان‭ ‬من‭ ‬الفلاحين،‭ ‬وكانا‭ ‬قصيرَي‭ ‬القامة،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬كانوا‭ ‬يطلقون‭ ‬عليهما‭ ‬اسم‭ (‬بذرة‭ ‬نبتة‭ ‬القنّب‭). ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يزعجهما،‭ ‬ولكن‭ ‬كانا‭ ‬يتأسّفان‭ ‬لعدم‭ ‬إنجاب‭ ‬أطفال‭ ‬يملؤون‭ ‬عليهما‭ ‬البيت‭ ‬بهجة‭. ‬وكان‭ ‬الناس‭ ‬يقولون‭ ‬لهما‭: ‬لماذا‭ ‬تريدان‭ ‬طفلاً؟‭ ‬سيصبح‭ ‬كبذرة‭ ‬القنّب‭. ‬كانا‭ ‬يجيبان‭: ‬لا‭ ‬ضرر‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لنا‭ ‬ولد‭.‬

ورزقهما‭ ‬الله‭ ‬بولد،‭ ‬أطلقا‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬بريكييو‭. ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬شبّ‭ ‬بريكييو‭ ‬لكن‭ ‬جسده‭ ‬كفّ‭ ‬عن‭ ‬النموّ،‭ ‬وبقي‭ ‬قصير‭ ‬القامة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬شابًا‭ ‬نشيطًا‭ ‬ودائمًا‭ ‬على‭ ‬استعداد،‭ ‬ولم‭ ‬يصبه‭ ‬الذعر‭ ‬بأنه‭ ‬قصير‭ ‬القامة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭.‬

وذات‭ ‬يوم‭ ‬عندما‭ ‬ذهب‭ ‬أبوه‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬الحقل،‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬أمه‭ ‬أن‭ ‬تُحَضِّر‭ ‬له‭ ‬الطعام‭ ‬ليحمله‭ ‬للأب‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الأتان‭. ‬فقالت‭ ‬له‭ ‬أمه‭: ‬كيف‭ ‬ستحمل‭ ‬الطعام‭ ‬بنفسك‭ ‬وأنت‭ ‬صغير‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم؟‭!‬

أجابها‭: ‬لا‭ ‬عليك‭ ‬يا‭ ‬أمي،‭ ‬أحضري‭ ‬أنت‭ ‬الطعام‭ ‬فقط‭ ‬،‭ ‬وأنا‭ ‬سأحمله‭.‬

وضعت‭ ‬الأم‭ ‬البردعة‭ ‬على‭ ‬أنثى‭ ‬الحمار،‭ ‬وأدخلت‭ ‬فيها‭ ‬الطعام‭. ‬ولما‭ ‬انتهت‭ ‬قفز‭ ‬بريكييو‭ ‬فوق‭ ‬الأتان،‭ ‬تسلّق‭ ‬البردعة،‭ ‬وجرى‭ ‬على‭ ‬عنق‭ ‬الأتان،‭ ‬واستقرّ‭ ‬على‭ ‬أذن‭ ‬من‭ ‬أذنَيها‭. ‬وصاح‭ ‬بكل‭ ‬هدوء‭: ‬هيّا،‭ ‬أيتها‭ ‬الدابة‭! ‬

شرعت‭ ‬الأتان‭ ‬في‭ ‬المشي،‭ ‬وعند‭ ‬منتصف‭ ‬الطرق‭ ‬ظهر‭ ‬ثلاثة‭ ‬لصوص،‭ ‬واتفقوا‭ ‬على‭ ‬سرقة‭ ‬الدابّة‭ ‬بما‭ ‬أنها‭ ‬تمشي‭ ‬وحيدة‭. ‬سمعهم‭ ‬بريكييو،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬حادّ‭ ‬السمع،‭ ‬وصاح‭ ‬بأعلى‭ ‬صوته‭ ‬حتى‭ ‬يسمعونه‭: ‬مَن‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬الأتان،‭ ‬سأقطّعه‭ ‬إربًا‭ ‬إربًا‭!‬

وصل‭ ‬بريكييو‭ ‬أخيرًا‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬يعمل‭ ‬أبوه‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬أبي،‭ ‬لقد‭ ‬أحضرت‭ ‬لك‭ ‬طعامك‭.‬

الأب‭ ‬رأى‭ ‬الأتان‭ ‬فقط‭ ‬،‭ ‬ولكنه‭ ‬تعرَّف‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬بريكييو،‭ ‬وصاح‭ ‬قائلاً‭: ‬أين‭ ‬أنت؟‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أراك‭!‬

رد‭ ‬بريكييو‭: ‬أنا‭ ‬هنا‭ ‬على‭ ‬أذن‭ ‬الدابة،‭ ‬ثم‭ ‬ترجّل‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الأتان‭ ‬وقال‭: ‬أبي،‭ ‬هل‭ ‬أصنع‭ ‬لك‭ ‬أخاديد‭ ‬فوق‭ ‬الحقل؟

تعجّب‭ ‬الأب‭ ‬قائلاً‭: ‬وكيف‭ ‬ستفعل‭ ‬ذلك،‭ ‬وأنت‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬الصغير؟‭! ‬لن‭ ‬تقدر‭ ‬على‭ ‬التحكّم‭ ‬في‭ ‬الثور‭.‬

رد‭ ‬بريكييو‭: ‬أستطيع‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬يا‭ ‬أبي‭. ‬

وبينما‭ ‬أخذ‭ ‬الأب‭ ‬يتناول‭ ‬طعامه‭ ‬صعد‭ ‬بريكييو‭ ‬فوق‭ ‬النير‭ ‬الذي‭ ‬يشد‭ ‬الثورَين،‭ ‬وبدأ‭ ‬يصيح‭ ‬عليهما،‭ ‬فانطلق‭ ‬الثوران‭ ‬يخطّان‭ ‬أخاديد‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬ذهابًا‭ ‬وإيابًا،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬فرغ‭ ‬الأب‭ ‬من‭ ‬تناول‭ ‬الطعام‭. ‬واستمر‭ ‬الأمر‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الحال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬غربت‭ ‬الشمس،‭ ‬وعاد‭ ‬الجميع‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭. ‬أدخل‭ ‬الأب‭ ‬الثورَين‭ ‬إلى‭ ‬الإسطبل،‭ ‬وأخذ‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬العلف‭ ‬لهما‭. ‬بريكييو‭ ‬دخل‭ ‬إلى‭ ‬معلف‭ ‬الثورين،‭ ‬ثم‭ ‬سقط‭ ‬نائمًا‭ ‬من‭ ‬شدّة‭ ‬التعب‭. ‬فابتلعه‭ ‬الثور‭ ‬ذو‭ ‬البقعة‭ ‬السوداء‭ ‬دون‭ ‬قصد‭. 

وعندما‭ ‬حان‭ ‬موعد‭ ‬العشاء‭ ‬نادى‭ ‬الأبوان‭ ‬على‭ ‬بريكييو،‭ ‬لكن،‭ ‬لا‭ ‬مُجيب،‭ ‬خرج‭ ‬الأب‭ ‬للبحث‭ ‬عنه،‭ ‬ولما‭ ‬مرّ‭ ‬بجوار‭ ‬الإسطبل‭ ‬سمع‭ ‬صوت‭ ‬بريكييو‭ ‬يقول‭:‬‭ ‬أبي،‭ ‬عليك‭ ‬بذبح‭ ‬الثور‭ ‬ذي‭ ‬البقعة‭ ‬السوداء،‭ ‬فقد‭ ‬ابتلعني‭! 

أخرج‭ ‬الأب‭ ‬الثور‭ ‬ذا‭ ‬البقعة‭ ‬السوداء‭ ‬وذبحه،‭ ‬ثم‭ ‬شرع‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬ابنه‭ ‬بريكييو‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أحشائه‭. ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬فليس‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬أثر‭. ‬بقي‭ ‬الثور‭ ‬هناك‭ ‬مرميًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مرّ‭ ‬ذئب‭ ‬جائع‭ ‬وأخذ‭ ‬يفترس‭ ‬أحشاء‭ ‬الثور‭ ‬وبريكييو‭ ‬معها‭.‬

وفي‭ ‬الغد،‭ ‬خرج‭ ‬الذئب‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬الطعام،‭ ‬ولما‭ ‬اقترب‭ ‬من‭ ‬قطيع‭ ‬للغنم،‭ ‬صاح‭ ‬بريكييو‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬بطن‭ ‬الذئب‭: ‬أيها‭ ‬الرعاة،‭ ‬احذروا،‭ ‬الذئب‭ ‬قادم‭ ‬إليكم‭.‬

أحاط‭ ‬الرعاة‭ ‬بالذئب،‭ ‬وأشبعوه‭ ‬ضربًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نفق،‭ ‬وحاولوا‭ ‬أن‭ ‬يعثروا‭ ‬بداخله‭ ‬على‭ ‬بريكييو‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يطلب‭ ‬منهم‭ ‬الرفق‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يؤذوه،‭ ‬لكنهم‭ ‬لم‭ ‬يجدوه‭. ‬فقرر‭ ‬أحدهم‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬طَبْلاً‭ ‬من‭ ‬جلد‭ ‬الذئب‭ ‬ليتجوّل‭ ‬به‭ ‬أثناء‭ ‬احتفالات‭ ‬القرية‭. ‬وهكذا‭ ‬أصبح‭ ‬بريكييو‭ ‬يسكن‭ ‬داخل‭ ‬الطبل‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكتشف‭ ‬أمره‭ ‬أحد‭. ‬ترك‭ ‬الراعي‭ ‬طبله‭ ‬قرب‭ ‬شجرة‭ ‬البلوط،‭ ‬وذهب‭ ‬مع‭ ‬رفاقه‭ ‬إلى‭ ‬القرية،‭ ‬فبدأ‭ ‬بريكييو‭ ‬يخدش‭ ‬وجه‭ ‬الطبل‭ ‬شيئًا‭ ‬فشيئًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أحدث‭ ‬به‭ ‬ثقبًا‭ ‬وأطل‭ ‬برأسه‭ ‬منه،‭ ‬فرأى‭ ‬لِصّين‭ ‬قادمين‭ ‬يحملان‭ ‬كيسًا‭ ‬به‭ ‬مال‭ ‬كثير،‭ ‬حفرا‭ ‬حفرة‭ ‬كبيرة‭ ‬قرب‭ ‬شجرة‭ ‬البلوط،‭ ‬ووضعا‭ ‬فيها‭ ‬الكيس،‭ ‬وانصرفا‭ ‬بعدما‭ ‬وضعا‭ ‬علامة‭ ‬على‭ ‬شجرة‭ ‬البلوط،‭ ‬واتّفقا‭ ‬على‭ ‬الرجوع‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬لاقتسام‭ ‬المال‭.‬

أخرج‭ ‬بريكييو‭ ‬جسمه‭ ‬من‭ ‬الطبل،‭ ‬وانطلق‭ ‬مسرعًا‭ ‬باتّجاه‭ ‬منزله،‭ ‬فوجد‭ ‬أبوَيه‭ ‬حزينين‭ ‬على‭ ‬فراقه،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬رأياه‭ ‬حتى‭ ‬قفزا‭ ‬فرحًا‭ ‬بعودته‭ ‬سالمًا‭. ‬قصَّ‭ ‬عليهما‭ ‬كل‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬له‭ ‬وقادهما‭ ‬إلى‭ ‬شجرة‭ ‬البلوط،‭ ‬وأرشدهما‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬الحفرة‭ ‬حيث‭ ‬أخرجا‭ ‬كيس‭ ‬المال‭. ‬اشترى‭ ‬الأب‭ ‬ثورًا‭ ‬آخر‭ ‬وبضعة‭ ‬أغنام‭.‬

رسوم‭: ‬أحمد‭ ‬البغلي